يمر العراق اليوم بشبكة متداخلة ومعقدة من المشكلات، تتوزع على جوانب عديدة، منها امنية واخرى سياسية، وبعضها ذات طابع اقتصادي او حقوقي كما يحدث اليوم بخصوص تصاعد ظاهرة هجرة الشباب العراقي، وهو امر شكّل صدمة للمتابعين، فيما لم نرَ دورا واضحا او متميزا للمثقف، ممثلا بالمنظمات والاتحادات الثقافية، بالاضافة الى مؤسسات الثقافة الرسمية في الدولة، مثل وزارة الثقافة، او القصور والبيوت الثقافية التي تتوزع على عموم المحافظات.

إن ما يتعرض له العراق اليوم خطير للغاية، وهو امر يستدعي أن يتصدى له الجميع من دون استثناء، ولكن هناك درجات لمستوى المسؤولية، وهذا يعني أن النخب ينبغي أن تتقدم على غيرها، في هذا المضمار ومنها نخبة المثقفين، فهذه النخبة كما يذكر التأريخ المنظور وسواه، لها باع طويل في تحريك الطاقات الكامنة للشعوب، من خلال حُزَم وموجات الوعي المتواصلة، التي تزجها في عقول الناس البسطاء وغيرهم، لذا يُنظر الى المثقف، على أنه مسؤول فكري مبدئي، يساعد الناس الأقل وعيا كي يسهموا بدورهم في تطوير البلاد.

لذلك بالمثقف والثقافة ليس أمامها إلا أن تؤدي دورها في مكافحة المخاطر، وعلى المثقف أن يأخذ دوره الحيوي في كشف ملابسات الواقع المعقد، وما يفرزه من مخاطر على المدى البعيد، علما ان المثقف هو صاحب أولويات، أو ينبغي أن يكون كذلك، وهذه الأولويات ليست جديدة، لكنها قطعا تتغير من ظرف الى آخر، وطالما أننا اليوم نعاني من جملة اخطار تتهدد البلد، ومنها ما تحدث الآن من هجرة منظمة للطاقات العراقية، فهذا يضع على عاتق الثقافة ان تثبت دورها الصحيح في مكافحة هذه الظاهرة المتنامية.

مسؤولية المثقف المزدوجة

لذلك ينبغي ان يسهم المثقف بجدية في مساعدة المواطن البسيط، على الانتقال من مرحلة التفكير السطحي، والقبول بما يسد الرمق، الى التفكير الجوهري، والسعي الى تحقيق النمط الحياتي التحرري، وهي مهمة مزدوجة كما يبدو، ولكن عندما نلاحظ ما يقوم به المثقف والثقافة، في هذا المجال، وتراجعهما عن اداء هذا الدور المهم، فإننا سوف نصاب بخيبة كبيرة، لأننا لن نعثر على المستوى المأمول ما يتوجّب على هذه النخبة القيام به حيال الشعب، والدليل أننا لم نجد فعلا او حضورا للثقافة في توعية الشباب على مخاطر الهجرة، كما انها من جانب آخر لم تقدن بدائل للجهات المعنية، تساعد في توفير اجواء مناسبة لاستيعاب الطاقات الشبابية.

قد يقول قائل ان هذه الامور ليست من مهام المثقف ولا الثقافة، ولكن ينبغي أن يكون دور المثقف رياديا في مجالات الحياة، وخاصة اذا تعرض البلد والبنية الاجتماعية الى مخاطر تتهدد حاضر ومستقبلهم ووجودهم بالكامل، كما يحدث اليوم بالنسبة للعراق ، كما نلمس ذلك في الواقع العراقي، ان مكافحة الهجرة قد تكون ليست من مهام المثقف الاجرائية، ولكنه يبقى مسؤولا عن ترسيخ المواطنة والهوية والانتماء في نفوس الشباب.

صحيح أن الشباب العراقي يعانون من الاهمال الحكومي والمدني على حد سواء، وفعلا هناك آفاق حرية واسعة عندما يفكر الشاب في الهجرة، كما ان الدول الاوربية ترسل رسائل واضحة لجذب الشباب إليها، وهذا يساعد على هجرة الشباب، طالما أن الحرية هي المطلب الأزلي للجميع، وهذا المطلب هو الذي كان سببا مباشرا بقتل، واعدام، ونفي، وتشريد مئات المثقفين على مر التأريخ، ولم تكن المطالب المادية الفردية، والامتيازات، والاغراءات، من شيم المثقفين لذلك هم مطالبون بأخذ دورهم في مساعدة الشباب على معرفة مخاطر ما يحدث معهم.

ان العراقيين يحتاجون اليوم لمن يقف الى جانبهم، وليس لمن يخطط لنهب عقول شبابهم بعد أن نهب ثرواتهم وقدراتهم، لتحقيق اهداف بات الجميع يتحدث عنها، ومنها تقسيم المنطقة والتغيير الديموغرافي لها، بما يتناسب ومصالح تلك الدول التي ترعى مصالحها وتحميها قبل أي هدف آخر.

خطوات لدعم الشباب العراقي

وهكذا يبرز دور النخبة المثقفة بقوة في هذا المضمار، وفي هذا الظرف المعقد بالذات، لهذا ربما يفتقد العراقيون في هذه المرحلة المحورية من تأريخهم، الى المثقفين الذين يعرفون خطورة دورهم، وحجم مسؤولياتهم، وقدرتهم على التفريق بين اهداف سطحية لا فائدة من ورائها، وأخرى تنشئ مجتمعا متحررا من الخوف، والجهل، والعوز المادي، والضمور الفكري في آن، وتحتفظ بطاقة الشباب ومواهبهم لصالح بناء الدولة والمجتمع العراقي، وهو هدف ينبغي أن يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المثقف وعموم النخبة المثقفة في العراق.

ولابد أن تكون هناك خطوات عملية تعقب مرحلة التخطيط لزيادة وعي الشباب العراقي كي يواجه اية خطط تحاول ان تدمر بنية البلد البشرية والمادية، كما نلاحظ اليوم، لذا من المستحين ان تبادر الطبقة المثقفة، او ما يطلق عليها بالنخبة الثقافية، بخطوات تسهم في معالجة ما يحدث الآن في الساحة العراقية، وخصوصا ما يتعلق بهجرة الشباب والتشجيع عليها، ومن هذه الامور ما يلي:

- وضع مقترحات تساعد الحكومة على احتواء ازمة الهجرة، من وجهة نظر ثقافية.

- تقديم النصح بوضوح تام للشاب العراقي، وحل العقد المتداخلة في هذا الشأن.

- ثمة قضايا خفية لا يفهما الشباب ينبغي ان يركز عليها المثقفون لزيادة وعيهم.

- تشكل قوى ضاغطة على الحكومة للشروع بوضع الحلول العاجلة لمعالجة هجرة الشباب.

- عدم نسيان التخطيط بعيد المدى لمعالجة مشكلات الشباب الثقافية والعملية معا.

- اقامة ندوات عاجلة على شكل حلقات ثقافية في معسكرات النزوح وسواها، تزيد من وعي الشباب والفئات الاخرى لمعرفة ما يدور حولهم.

- انشاء فرق يتبناها المثقفون لزيارة مراكز النازحين وتواجد الشباب، لبث الوعي الثقافي والسياسي بينهم.

- التعاون مع النخب الاخرى لاسيما الدينية منها لمساعدة الشباب في مواجهة معضلة الهجرة.

- العمل على اقناع الشباب بأن البلد بحاجة لهم، وأنهم قادرون على العيش بكرامة في بلدهم، شريطة توفير ما يثبت أن الحكومة والمؤسسات الثقافية تهتم بهم بصورة فعلية.

اضف تعليق


التعليقات

Top
العراق
كل ما قدمته جميل وصحيح...لكن في حال حكومتنا العميلة يكون صعب،لان الحكومه هي من تريد ايصال الشعب الى هذا الوضع المتردي زلا ننسا ان المثقفين هم اول من هاجروا خارج البلد للفرار من عمليات التصفية الحسديه والتهميش والطائفية...اخي الكريم لو كان في العراق حكومه وطنية وان كانت متخبطة سينفع معها ما قدمت...ودمتم سالمين2018-06-23