يمكن ان نجد في كل مجتمع جغرافي الغني والفقير، والقوي والضعيف، واصحاب النفوذ ومن لانفوذ لهم. وكما قال باريتو عالم الاقتصاد والاجتماع الإيطالي: (لكل ميزة اجتماعية مرغوب فيها بشكل كبير وموزعة بين افراد المجتمع نخبة لديها وفرة من هذه الميزة، سواء اكانت هذه الميزة اقتصادية ام سياسية ام اجتماعية ام رياضية، او حتى لها علاقة بالجاذبية الجنسية. ونتيجة ذلك غالبا مايعاني عدد كبير من لناس من نقص في هذه الميزة.

والنخبة، مصطلح فرنســي من أصل لاتيني يشتمل معناه الحرفي على عدة مفاهيم منها:

1- الأقلية المنتقاة.

2- أفضل جزء في الشيء.

3- الطبقة العليا.

 استعمل في القرن السابع عشر لوصف سلع ذات مزايا معينة وفيما بعد للإشارة إلى فئات متميزة كالنبلاء والعسكريين، المصطلح لغوياً اسم جمع يطلق على من يشغلون مراكز عليا في المجتمع لما يتفوقون به على غيرهم من صفات حقيقية أو مزعومة. ونظراً لاستخدامه خلال قرون طويلة وفي أطر وبيئات حضارية وثقافية مختلفة فقد اتسم الحوار السياسي حوله ببعض التشويش وعدم الوضوح، تمثل ذلك في الاستعانة بمصطلحات متباينة لتدل على معنى النخبة، وأحياناً أخرى استخدم مصطلح النخبة نفسه في أكثر من معنى كما يلاحظ مثلاً في كتابات موسكا وباريتو وماركس وميشيل وأنصار التعددية.

 إن تبرير وجود النخبة يستند على أمرين أساسيين هما:

1. إن المجتمعات لا يمكن لها أن تقاد وتحكم من خلال شخص واحد، إذ مهما بلغت إمكانات هذا الشخص فانه سيبقى عاجزاً عن السيطرة داخل مجتمعه دون وجود طبقة تعمل على فرض احترام أوامره وتنفيذها، وان حاول الاستغناء عنها فأنه سيستبق ذلك بتأمين بديل لها يقوم بنفس مهامها.

2. إن الجماهير غير قادرة على حكم نفسها بنفسها لأنها أغلبية، فهي تبقى عاجزة عن تنظيم نفسها والتحكم بدرجة تماسك تؤهلها لحكم نفسها، الأمر الذي لا يوجد في الأقلية التي تستطيع بتلاحمها وتنظيمها قيادة الأغلبية، وذلك لكونها تتمتع بصفة الأقلية التي تسهل تنظيمها إضافة إلى تمتعها بمميزات السلطة والقوة والنفوذ. ويكون وجود النخبة، ووفقاً لذلك، مظهراً تشترك فيه معظم المجتمعات والنظم السياسية.

يقول رايت ميلز: لايوجد خلاف ان النخب توجد في المجتمعات الصناعية الحديثة. غير ان الامر الاكثر اهمية هنا هو السياسة واسباب الانقسامات. ولتبسيط الامر بعض الشيء يمكننا القول انه تم استخدام ثلاثة نماذج رئيسة تاريخيا في مناقشة هذه القضية: يرى اصحاب النظريات النخبويون ان الانقسام السياسي الرئيس هو خلاف بين اصحاب السلطة السياسية وباقي افراد المجتمع. في حين يرى الماركسيون ان الانقسامات السياسية والاجتماعية امور تعكس الانقسامات الاقتصادية مع وجود طبقات اجتماعية مثل الكيانات السياسية الاساسية. بينما يعتبر التعدديون الانقسامات بين النخب والجماهير واحدة من سلسلة انقسامات غير عفوية داخل المجتمع.

ويمكن صياغة هذه الحجة بطريقة بديلة: هل يوجد جماعة حاكمة (واحدة) في المجتمعات الصناعية الحديثة؟ واذا وجدت حقا، فما هي مميزات هذه الجماعة، وهل هي حكم طبقي؟

يعد هذا السؤال من الاسئلة المهمة، بل ربما السؤال الاهم في علم السياسة، فقد قدم عدد من الكتاب في كل انحاء العالم لهذه النقاشات كثيرا من الافتراضات النظرية والاطروحات، الا انهم لم يقدموا كثيرا من الادلة. كما ان الادلة التي يطبقها الافتراض مرة او مرتين ليست دليلا على انها عامة.

من المثير للاستغراب ان الكتاب الذين يؤيدون نماذج مختلفة يميلون الى دراسة انواع مختلفة من الادلة. ولذلك يركز اصحاب النظريات النخبويون مثل باريتو وموسكا (فقيـه وعالـم سـياســـة إيطـــالي) وميشيلز وميلز على (من يحكم). كما يركزون غالبا على صفات عامة مزعومة للطبيعة البشرية (مثل الرغبة في السلطة والثروة والمنزلة المرموقة)، وعلى عواقبها السياسية. ثم بعد ذلك يشرحون سبب وجود التسلسل الهرمي للسلطة والثروة والمنزلة في كثير من المجتمعات. وغالبا ماتجري دراسة الاستراتيجيات التي يستخدمها الافراد للوصول الى مثل هذه المناصب بواقعية (او حتى بتهكم). وقد اتضح ان هذه النخب الحاكمة تميل الى نمط حياة متميز. (تعتبر ملاحظة ميشيلز الشهيرة امرا نموذجيا، اذ يشير الى انه قد تكون لدى نائبين احدهما اشتراكي، والاخر ليس اشتراكيا، امور مشتركة اكثر مما قد تكون بين اشتراكيين، احدهما نائب والاخر ليس نائبا).

على صعيد اخر يهتم ميلز بالسعي الى تقديم شرح أكثر تفصيلا للعلاقات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية المتبادلة، كما يسعى ايضا الى تفسير نمط الحياة المشترك لعدد من النخب في الولايات المتحدة، كرجال الاعمال والجيش وموظفي الحكومة الفدرالية الكبار، (يكره ميلز النفوذ النخبوية، وهذا امر غير شائع بين الباحثين النخبويين).

وعلى نحو مشابه لما سبق لاتزال الادبيات الانكليزية تحلل هذه العلاقات المتبادلة بين النخب الحاكمة في بريطانيا التي تميل الى دخول المدارس والجامعات والاندية نفسها.

تركز الادلة الماركسية على مسألة (لمصلحة من تؤخذ القرارات؟). وإذا استخدمنا مبدأ عدم الحكم على الامور الا من نتائجها، فان عملية توزيع الدخل والثروة في المجتمعات الرأسمالية مازالت عملية غير عادلة للغاية، على الرغم من عقود من الضرائب التصاعدية ودولة الرفاهية. كما قد يمكن اثبات ان الفرص التعليمية والصحية التي تحصل عليها الطبقات العاملة هي اقل بكثير من تلك التي تحصل عليها الطبقات العليا. والدليل على ذلك هو ان فرص المشاركة السياسية المتاحة للعمال في الانظمة الديمقراطية غالبا ماتلغيها سيطرة البرجوازيين الدائمة على الهياكل الاجتماعية، مثل النظام التعليمي ووسائل الاعلام، وعلى اجهزة الدولة، بالاضافة الى الاقتصاد.

يميل الكتاب التعدديون الى التركيز على (كيفية صنع القرارات السياسية). فقد شدد محللون مثل داهل ومعظم كتاب التيار الرئيس الذين يكتبون عن السياسة الامريكية والبريطانية على ان اي مجموعة من المواطنين لها حرية التأثير في السياسة في النظم الحزبية التنافسية، ويجب على الساسة الانصات الى مجموعات خارج النخبة الحاكمة إذا ما أرادوا البقاء في السلطة.

كما اكتشفت دراسات عديدة تناولت هذه القضية ان من يتخذ القرارات ليس دوما مجموعة محدودة من السياسيين المحنكين، اذ يمكن ان تؤثر النقابات الطبية بشكل كبير في القرارات التي تتعلق بالسياسة الصحية، كما يمكن لجماعات السلك المهني ان تؤثر في عملية صنع القرار، وهكذا.

ومن ثم يمكن القول الى حد ما ان النتائج التي توصل اليها هؤلاء الكتاب المختلفون هي نتائج تكميلية، وليست متضاربة كما يزعمون.

وهذه افتراضات من النماذج النخبوية والتعددية والماركسية للسلطة:

* يوجد تفاعل كبير بين الافراد في الجماعات النخبوية، فضلا عن نمط حياة مشترك لدرجة كبيرة.

* عادة مايكون السياسيون عديمي الضمير في سعيهم وراء اهدافهم الشخصية.

* ليس بالضرورة ان يؤدي التغيير السياسي في النظام لديمقراطي الى مساواة اقتصادية او اجتماعية.

* ترتهن السلطة بالافتراضات الايديولوجية والثقافية التي تعكس الاقليات المهيمنة.

* تمكن الانظمة الحزبية التنافسية المجموعات المتشابهة فكريا من التأثير في العملية السياسية، لكنها لاتولي ذلك اي ثقة.

 

اضف تعليق