كل طفرة في مجال الادوات التكنولوجية رافقتها طفرات متعددة في مجالات الثقافة والسياسة والاجتماع والاقتصاد.

وسائط الاعلام من صحافة وراديو وتلفزيون، شكلت في بدايات كل نوع منها، شكلا من الانقلاب في حياة الناس، من خلال تلقيها والتفاعل معها، وما افرزته عملية التلقي والتفاعل من تغييرات معينة وجدت تمظهراتها في التفكير والسلوك.

يشكل التلفزيون في الوقت الحالي، الوسيط المتفوق للاعلام والاتصال بعد انحسار المذياع وتراجعه، وكذلك الصحافة الورقية وتقدم الصحافة الالكترونية عليها، وبحكم هذا التواجد الطاغي للتلفزيون في حياة المليارات من الناس، تغيرت تبعا لذلك الكثير من المفاهيم المرتبطة بها، من مثل الاعلام والاتصال، وظهر مفهوم جديد يحاول ان يفسر ويشرح وظيفة الاعلام والاتصال وهو مفهوم التواصل.

فالاتصال هو (عملية إخبار وإعلام، تهتم بنقل الخبر من مرسل إلى مرسل إليه، وهي توضيح الخبر المنقول والإبداع في التبليغ، وأحيانا حتى في الإلزام المادي والمعنوي، وهنا تظهر سيطرة الرسالة وهيمنة المبلغ ودونية المتلقي).

اما التواصل لغويا فهو (إقامة علاقة مع شخص أو شيء ما، كما يشير إلى فعل التوصيل كما أنه يعني التبليغ أي توصيل شيء ما، إلى شخص ما وإلى نتيجة ذلك الفعل، كما يدل على الشيء الذي يتم تبليغه، والوسائل التقنية التي يتم التواصل بفضلها).

اما التواصل اصطلاحا فهو (نقل معلومات من مرسل إلى متلقي بواسطة قناة، بحيث يستلزم ذلك النقل من جهة، وجود شفرة=Code. ومن جهة ثانية تحقيق عمليتين اثنتين: ترميز المعلومات=Encodage، وفك الترميز=Décodage، مع ضرورة عملية التواصل، وكذا أشكال الاستجابة للرسالة والسياق الذي يحدث فيه التواصل).

او هو (الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور، إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان، ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات (الجسم)، والحركات ونبرة الصوت والكلمات).   

للعملية التواصلية عدد من الوظائف يقسمها المختصون في علم الاتصال بين المرسل والمستقبل باختلاف آرائهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية إلى ثلاث وظائف رئيسة:

 الوظائف الاعلامية وهذه الوظيفة هي جوهر وظائف التواصل لأنها تحمل رسائل واضحة من قبل المرسل إلى المستقبل وفق منظورات متفق عليها تهدف إلى اشراكه في صناعة الحدث سواء كان الحدث سياسياً ام اجتماعيا ام غير ذلك.

الوظيفة التعبيرية:

الوظيفة التعبيرية تخص النخبة من المجتمع لأنها تقدم خطابا تجريديا بادوات فكرية عالية قد تكون اللغة احداها ولكنها ليست هذه اللغة المفهومة من قبل عامة الناس، وهذه الوظيفة نجدها عند المسرحيين، الشعراء، الرسامين، وغيرهم من الذين يصدق عليهم وصف الابداع، فهؤلاء يتخذون من عملية التواصل وظيفة تعبيرية تعبر عن مكنوناتهم الداخلية.

الوظيفة الاقناعية:

وتهدف هذه الوظيفة إلى تقديم خطاب عقلاني يحاكي العقل والمنطق ويحاجج الجمهور بادلة وبراهين واضحة تهدف إلى اقناع الجمهور بفلسفة معينة تحتويها الرسالة المرسلة من قبل المرسل إلى جمهور معين، وكثيرا ما نرى ذلك في الحملات الدعائية قبيل الانتخابات.

أهداف التواصل:

 1- إعطاء المعلومات أو الحصول عليها.

 2- حل المشكلات.

 3- التعليم والتعلم والتدريب.

4- اتخذا القرارات.

5- البحث والاستقصاء.

6- تعديل السلوك وتغيير القناعات.

7- التوجيه والإرشاد وإسداء النصح.

8- الفهم والإدراك.

9- التعبير عن الأفكار والمشاعر والآراء.

10- التقويم والتشخيص والعلاج.

 11- التأثير في المواقف والاتجاهات والقيم.

شكل ظهور الفضائيات في الوسط الاجتماعي الشيعي متغيرا شديد التأثير، بعد ان كانوا يعتمدون على المنبر او وسائل التبليغ الاخرى اعتمادا كاملا، يقتضي وجودا شخصيا مباشرا كما في المثال الاول، وغير مباشر عن طريق الوكلاء او الفاعليات الدينية الاخرى في المثال الثاني.

ورغم عدم غياب او تراجع الدور الذي يقوم به المنبر وبقية الوسائل، في المناسبات الشيعية المتعددة، الا انها ايضا استفادت من هذا المتغير، واصبح المنبر يدخل الى كل البيوت الشيعية مثله مثل بقية وسائل التبليغ الاخرى.

 فرض هذا التغيير في الاتصال مع الجمهور، تحديات جديدة على الفاعليات الدينية، من مراجع او فقهاء او خطباء، لعل أبرز تحدي منها هو اتساع نطاق الجمهور المستهدف واختلاف درجات ومستويات تلقيه للمواد التبليغية والثقافية والمعرفية.

السيد محمد رضا الشيرازي (ره)، وهو الذي نشأ في عائلة علمية همها الاول نشر ثقافة اهل البيت (عليهم السلام) في اكبر دائرة ممكنة من المجتمعات الشيعية على اختلاف تلويناتها القومية والاثنية واللغوية، وبعد ان كان الكتاب او المنشور هو الذي يتسيد ساحة نشر تلك الثقافة والمعرفة، تنبهت هذه العائلة الكريمة مبكرا لأهمية التلفزيون كوسيط سريع التوصيل والتبليغ والتأثير، واستطاعت ان تؤسس وتشجع على تأسيس العديد من القنوات الفضائية، لتكون منبرا واسع الانتشار ويمكن التفاعل معه عبر الظهور لعدد من رموز تلك العائلة الكريمة.

استقطب ظهور السيد محمد رضا الشيرازي (ره) على شاشة التلفزيون حيث يقدم محاضراته، اهتمام العديد من المجتمعات الشيعية، وعلى اختلاف تموجاتها الثقافية والمرجعية.

ولعل ابرز عامل من عوامل الاستقطاب التي جذبت تلك المجموعات المتنوعة، هو طريقته في الحديث الذي يتوجه به الى الاخرين، ويعرض من خلاله مايريد توصيله، وهي طريقة اتسمت بالهدوء، هدوء النبرات والحركة، اضافة الى اعتنائه باللغة التي يعرض من خلالها رسالته التي يريد توصيلها.

عوامل الاستقطاب تلك، استطاع الفقيه الراحل من خلالها وعبرها، ان يعقد علاقة تواصلية مع الجمهور المتابع له، واستطاع التأثير في هذا الجمهور تأثيرا كبيرا، امتد حتى الى جمهور اخر من خارج المجموعات الشيعية.

 

اضف تعليق