الفترة التي سبقت خلافة الإمام علي (ع)، كانت مزيج من الفتن، والعودة السريعة لنظم الحكم القديمة، التي تعتمد على القوة والقسوة، في سبيل التوسع وتثبيت الحكم، بخلاف طريقة الرسول الخاتم (ص)، في الحكم، والتي اعتمدت العدل أساسا للحكم، ومن جهة أخرى ارتداد البعض، وصعود نجم ثلة من منافقين، وتحولهم إلى مصدر للتشريع ورواية الحديث، مما جعل الأمة تسير في طريق، غير الذي أريد لها.

في سنة 35 للهجرة، جاءت الخلافة للإمام علي، حيث أجمعت الأمة على انتخابه، بعد أن غرقت الأمة بفتن وانحرافات عميقة.

وضع الإمام علي خطة اصلاح شاملة، وقد كانت من أولويات الخطة، الجانب الإداري والاقتصادي ونظام الحكم، وهنا نشير لمحورين من خطة الإمام علي الإصلاحية، لإنقاذ الأمة من الغرق.

المحور الأول: "أصلاح الجانب الإداري": عمل الإمام علي، على اختيار الولاة والموظفين، ممن يتميزون بجانب روحي وفكري وسيرة حميدة، كعثمان بن حنيف ومحمد ابن أبي بكر ومالك الاشتر، فكانت تعيينات الإمام، أول خطوة لإنهاء الانحراف في المناصب الإدارية، حيث لم يعمل مثل الذين سبقوه، عندما كرسوا منهجهم، في تقريب الأقارب أو العشيرة أو زمرة معروفة الخبث، بعيد عن أي مبدأ استحقاق، كالخبرة والكفاءة أو الجوانب ألأخلاقية أو فكرية أو دينية، عندها سقطت الدولة بيد الزمرة الخبيثة، وتبعه ضياع الأمة في تيه كبير.

هنا يتضح كيف أن الطبيب الخبير، هو فقط من يستطيع تشخيص علة المرض، ويجد باحترافية العلاج الانجح، فكان الإمام علي يتخذ خطواته بشجاعة، ومن دون تردد، لأنه ذو رؤية بعيدة، فعمدت لإصلاح الجانب الإداري، من ولاة وقضاة وقادة للجيش، باختيار على أساس الكفاءة والنزاهة، والذين كانوا هم أفضل الخيارات المتاحة، مما اوجد تغيير حقيقي، ولولا الحروب التي اشتعلت، من قبل أعداء الدولة الإسلامية، لامكن أن تزهر ثمرة الإصلاح العلوي طويلا.

نلاحظ أن الخلل الأكبر في الحكومات العراقية، ومنذ 12 سنة الأخيرة، هو التعيين على أساس القرابة والعشيرة والحزب، أي كان عمل أحزاب السلطة، هو تكريس الفساد، وقد خالفوا منهج الإمام علي في الإصلاح، فافهم مع من يحكمنا الان، فأنهم المخالفين للإمام علي في الحكم.

المحور الثاني: "سعي الإمام لتحقيق العدالة الاجتماعية"، حيث كان هم الإمام الأكبر، نحو تحقيق العدل الاجتماعي، في مجتمع عاد الظلم فيه، ليتمدد في كل أيامه، نتيجة السلوك السياسي الخاطئ، على مدار ربع قرن، وقد عمل الإمام نحو هدفه بخطوات أهمها:

الخطوة الأولى: سياسة الرفق والمساواة في العطاء: اهتم الإمام بكل قطاعات الأمة، حيث تعاهد أمرها، واهتم بالرفق بها، ورعاية شؤونها، في سبيل تحقيق سعادة الأمة، حيث كان سابقا الانحراف كبير، قد وقع في توزيع الرواتب والعطايا والغنائم، حيث تم تصنيف المسلمين إلى أصناف عديدة، مما سمح بظهور طبقة مترفة مقربة من الحاكم، وقاعدة شعبية تعاني شغف العيش، نتيجة التوزيع غير العادل للثروة، مما جعل من أولويات الإمام علي، إنصاف الأكثرية المحتاجة، عبر التوزيع العادل للثروة، ليكون واقع الأمة أفضل.

الخطوة الثانية: عبر تشديد الرقابة، فالإمام علي يدرك جيدا أن الرقابة الصارمة، على البيئة الاقتصادية من أسواق وتجار، وعلى عمال الدولة وولاتها، كي يحارب التلاعب بالأسعار، والفساد، والغش، والمحسوبية، فهذه أركان الدولة العميقة التي يمكن أن تهد بنيان الدولة، ويصبح مع تواجد هذه الحالات المرضية، استحالة تحقق أي اصلاح، فكانت خطوات الإمام علي مدروسة، ووفق منهج صريح، فمن يهمه حماية المجتمع، عليه أن يحارب هذه الحالات المرضية الخطيرة، وهكذا فعل الإمام علي، ليثبت مبدئية نهجه الإصلاحي.

أما دولتنا الحالية، فهي مع إيجادها لكيانات رقابية متعددة، لكنها لم تهتم بالرقابة، بل هي دعمت الحالات المرضية، من قبيل التزوير والغش والتلاعب، مما ساهم في سقوط الدولة، في منزلق خطير قد لا تخرج منه سريعا، مما يدلل على أن ساسة اليوم، لا يهتمون بمصلحة الشعب، ومنحرفين عن نهج علي في الإصلاح.

من يريد الإصلاح، عليه بمنهج علي ابن أبي طالب، الذي ارتكز على العدل والمساواة، والمحاسبة الدقيقة، والرعاية الكبيرة للفقراء، والبحث عن عوامل سعادة الإنسان والمجتمع، كي تكرس جهود الحكومة لتحقيقها، لكن كل ما موجود اليوم من كيانات سياسية، هي منحرفة عن منهج الإمام علي، وان صرحت أنها علوية الهوى، لكن كل تطبيقات الكيانات السياسية، هي تطبيقات أموية وليست علوية، حيث تعتمد الكذب، والمكر، والخديعة، والضحك على الناس، وتسفيه وعي المجتمع.

ننتظر أن يمن القدر علينا، بكيان سياسي أو قائد سياسي، يكون كل سلوكه علويا، ولا يحيد قيد أنملة، عن منهج الإمام علي الإصلاحي.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق