q
من عظماء أهل البيت وساداتهم ذو علوم جمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع حديثه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنّة، نور...
بقلم: العلامة الشيخ محمّد الحسين المظفّر

حقّا على الكاتب أن يعطي صورة إجمالية للمترجم له قبل أن يتغلغل في أعماق الترجمة، لئلاّ يكون غريبا عن القارئ عند قراءته لكلّ فصل من حياته.

وهنا رأيت أن أنقل شطرا من آراء العلماء في كلماتهم عن الصادق جعفر (عليه السلام)، لأنها تعبّر عن آراء أجيال في هذه الشخصيّة الكريمة، وإليك شيئا منها: فهذا الذهبي (1) في ميزان الاعتدال (1: 192) يقول عند ذكره للامام: «جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين الهاشمي أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام برّ صادق كبير الشأن».

وممّا قاله النووي (2) في تهذيب الأسماء واللغات (1: 149 ـ 150): «روى عنه محمّد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريح، وشعبة، ويحيى القطّان، وآخرون، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، قال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنه من سلالة النبيّين».

وابن خلكان (3) يقول: «أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الاماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر». وقال: «وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسي (4) قد الّف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة، وقال: ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر، وجدّه زين العابدين، وعمّ جدّه الحسن بن علي: فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه».

والشبلنجي (5) في نور الأبصار ص 131 يقول: «ومناقبه كثيرة تكاد تفوت حدّ الحاسب، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الكاتب» وقال: وفي حياة الحيوان الكبرى فائدة قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب: وكتاب الجفر كتبه الامام جعفر الصادق ابن محمّد الباقر، فيه كلّ ما يحتاجون الى علمه الى يوم القيامة، والى هذا الجفر أشار أبو العلاء بقوله:

لقد عجبوا لآل البيت لما

أتاهم علمهم في جلد جفر

فمرآة المنجم وهي صغرى

تريه كلّ عامرة وقفر

وقال محمّد الصبّان (6) في كتابه إسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الأبصار ص 208: «وأمّا جعفر الصادق فكان إماما نبيلا. وقال: وكان مجاب الدعوة إذا سأل الله شيئا لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه».

والشعراني (7) في لواقح الأنوار يقول: «وكان سلام الله عليه اذا احتاج الى شيء قال: يا ربّاه أنا أحتاج الى كذا، فما يستتمّ دعاؤه إلاّ وذلك الشيء بجنبه موضوع».

وسبط ابن الجوزي (8) في تذكرة خواصّ الامّة ص 192 يقول: «قال علماء السير: قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرئاسة » وقال: « ومن مكارم أخلاقه ما ذكره الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن الشقراني مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: خرج العطاء أيام المنصور ومالي شفيع، فوقفت على الباب متحيّرا وإذا بجعفر بن محمّد قد أقبل فذكرت له حاجتي، فدخل وخرج واذا بعطائي في كمّه فناولني إيّاه، وقال: إن الحسن من كلّ أحد حسن وأنه منك أحسن لمكانك منّا، وأن القبيح من كلّ أحد قبيح وأنه منك أقبح لمكانك منّا، وإنما قال له جعفر ذلك لأن الشقراني كان يشرب الشراب، فمن مكارم أخلاق جعفر أنه رحّب به وقضى له حاجته مع علمه بحاله، ووعظه على وجه التعريض، وهذا من أخلاق الأنبياء».

ومحمّد بن طلحة (9) في مطالب السؤل ص 81 يقول: « وهو من عظماء أهل البيت وساداتهم ذو علوم جمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع حديثه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرّيّة الرسالة. وقال: وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى أنه من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف إليه، وتروى عنه».

وفي صواعق ابن حجر (10): «ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان».

وفي ينابيع المودّة (11) طبع اسلامبول ص 380 «ومن أئمة أهل البيت أبو عبد الله جعفر الصادق» وقال: «وكان من سادات أهل البيت» وقال: «وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السالمي في طبقات المشايخ الصوفيّة: جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تامّ في الشهوات، وأدب كامل في الحكمة».

وإليك ما يقوله الحافظ أبو نعيم (12) في حلية الأولياء (3: 192): «ومنهم الامام الناطق والزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى (13) عن الرئاسة والجموع» ثم روى عن عمرو بن أبي المقدام كلامه السابق، وروى عن الهياج بن بسطام (14) قوله: «وكان جعفر بن محمّد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء».

ويقول ابن الصبّاغ المالكي (15) في الفصول المهمّة: «كان من بين اخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم بالامامة من بعده برز على جماعته بالفضل وكان أنبههم ذكرا، وأجلّهم قدرا، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان»، وقال في أخريات كلامه: «مناقب أبي عبد الله جعفر الصادق فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على جهات الأيام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهلة».

وهذا السويدي (16) في سبائك الذهب ص 72 يقول: «كان من بين اخوته خليفة أبيه ووصيّه، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره، وكان إماما في الحديث» وقال: «ومناقبه كثيرة».

وفي عمدة الطالب (17) ص 184: «ويقال له عمود الشرف، ومناقبه متواترة بين الأنام، مشهورة بين الخاصّ والعامّ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مرارا فعصمه الله منه».

والشهرستاني (18) في الملل والنحل: « وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، كامل في الحكمة، وزهد بالغ وورع تامّ في الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة ما تعرّض للامامة قط (19) ولا نازع أحدا في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، وقيل من آنس بالله توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس».

واليافعي (20) في مرآة الجنان (1: 304) فيمن توفي عام 148، يقول: «وفيها توفي الامام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر، وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن ابن علي رضوان الله عليهم أجمعين، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام اولي المناقب، وإنما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد الّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمائة رسالة».

والصدوق طاب ثراه (21) يروي في أماليه المجلس ال 42 عن سليمان بن داود المنقري (22) عن حفض بن غياث (23) انه كان إذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: «حدّثني خير الجعافرة».

وروى الصدوق أيضا فيه مسندا عن علي بن غراب (24) انه كان إذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد قال: «حدّثنا الصادق عن الله، جعفر بن محمّد... ».

وروى أيضا في الـ 32 مسندا عن محمّد بن زياد الأزدي (25) قال: سمعت مالك ابن أنس (26) يقول: أدخل الى الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) فيقدّم لي مخدّة، ويعرف لي قدرا، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال إمّا صائما وإما قائما وإما ذاكرا، وكان من عظماء العبّاد واكابر الزهّاد، الذين يخشون الله عزّ وجلّ وكان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخضرّ مرّة، واصفرّ اخرى، حتّى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الاحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ عن راحلته، فقلت: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا بدّ لك من أن تقول، فقال: يا بن عامر كيف أجسر أن أقول لبّيك اللهمّ لبّيك، وأخشى أن يقول عزّ وجل: لا لبّيك ولا سعديك.

وابن شهر اشوب (27) في كتابه المناقب في أحوال الصادق (عليه السلام) يروي عن مالك بن أنس أيضا قوله: ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا، وزاد الصدوق في أماليه في ال 81 قوله: كان والله إذا قال صدق.

وقال أيضا: وذكر أبو القاسم البغار في مسند أبي حنيفة (28) قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل: من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمّد، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليّ أبو جعفر وهو في الحيرة فأتيته فسلّمت عليه، فأورد إليّ المجلس فجلست ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه، ثمّ التفت إليّ فقال: الق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعناكم، وربما تابعناهم، وربما خالفنا جميعا، حتّى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخلّ منها بشيء، ثمّ قال أبو حنيفة: أليس أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.

بل ان المنصور نفسه وهو من علمت كيف يحرّق الارّم (29) على أبي عبد الله (عليه السلام) قد ينطق بالحقّ، عند ذكره أو مقابلته، فيقول: هذا الشجي المعترض في حلقي من أعلم الناس في زمانه (30) ويقول أخرى: وإنه ممّن يريد الآخرة.

لا الدنيا (31) ويقول تارة: إنه ليس من أهل بيت نبوّة إلاّ وفيه محدّث، وإن جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم (32) ويقول مخاطبا للصادق (عليه السلام): لا نزال من بحرك نغترف، وإليك نزدلف، تبصر من العمى، وتجلو بنورك الطخياء (33) فنحن نعوم في سحاب قدسك، وطامي بحرك (34)، ويقول لحاجبه الربيع: وهؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إلاّ جاهل لا حظّ له في الشريعة (35).

ويقول إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العبّاس: دخلت على أبي جعفر المنصور يوما وقد اخضلّت لحيته بالدموع، وقال لي: ما علمت ما نزل بأهلك فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين، قال: فإنّ سيّدهم وعالمهم وبقيّة الأخيار منهم توفي، فقلت ومن هو؟ قال: جعفر بن محمّد، فقلت: أعظم الله أجر أمير المؤمنين وأطال لنا بقاءه، فقال لي: إن جعفرا كان ممّن قال الله فيه « ثمّ اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا » وكان ممّن اصطفى الله، وكان من السابقين في الخيرات (36).

هذا وهو المنصور العدوّ الألدّ للصادق، الذي كان مجاهدا في النيل من كرامته والقضاء عليه.

بل أن الملاحدة على كفرهم وعدائهم للاسلام ورجاله كانوا يعظّمونه ويعترفون له بغزارة العلم، والميزة بالصفات الروحيّة والملكات القدسيّة، أمثال ابن المقفّع وابن أبي العوجاء والديصاني وغيرهم، فهذا ابن المقفع يقول: ترون هذا الخلق ـ وأومأ بيده الى موضع الطواف ـ ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانيّة إلاّ ذلك الشيخ الجالس، يعني الصادق (عليه السلام)، وقال ابن أبي العوجاء: ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد اذا شاء ويتروّح اذا شاء باطنا فهو هذا، يعني الصادق (عليه السلام). (37)

وكان ابن أبي العوجاء اذا سأل أحد أصحاب الصادق (عليه السلام) عن شيء غامض واستمهله، ثمّ أتاه بالجواب بعد حين واستحسنه، قال: هذه نقلت من الحجاز.

وهكذا كان الديصاني مع أصحاب الصادق (عليه السلام)، وما يقوله فيم يحملون إليه جوابه.

وهذه قطرة من غيث ممّا نطق به أهل الفضل في شأن الصادق (عليه السلام) مع اختلاف الزمن والبلد والذوق والرأي في القائلين، اقدّمها أمام الدخول في حياته التفصيليّة لتعطيك صورة إجماليّة عن هذه الشخصيّة الفذّة، فإن هذه الكلمات مع وجازتها تعلم القارئ عمّا لأبي عبد الله (عليه السلام) من فضيلة بل فضائل، وعمّا له من آثار ومآثر.

* مقتبس من كتاب: الامام الصادق (ع) للعلامة الشيخ محمّد الحسين المظفّر

......................................
(1) الحافظ المحدّث شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الدمشقي المولود عام 673، والمتوفى عام 748..
(2) الحافظ أبو زكريا محي الدين بن شرف الدين المتوفى عام 676..
(3) أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان ولد بمدينة اربل قرب الموصل وانتقل إلى الموصل وسافر إلى حلب ودخل الديار المصرية وناب في القضاء عن السخاوي، ثم ولّي القضاء بالشام عشر سنين وتوفي بدمشق عام 681، ترجم له في طبقات الشافعيّة: 5 / 14، وفي فوات الوفيّات: 1 / 55، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 267، ومعجم المطبوعات: 1 / 98 وغيرها..
(4) سوف نشير في حياته العلميّة إلى علم الصادق (عليه السلام) بالكيمياء وأخذ جابر عنه وشيء من حياة جابر..
(5) مؤمن بن حسن مؤمن المصري. وشبلنج قرية من قرى مصر، اشتغل في طلب العلوم في الجامع الأزهر ولد في نيف و 1250 ولم تذكر وفاته..
(6) محمّد بن علي الصبّان الشافعي الحنفي ولد بمصر، ترجم له في معجم المطبوعات: 2 / 1194..
(7) أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني دخل القاهرة عام 911 وبها توفى، ترجم له في معجم المطبوعات: 1 / 1126..
(8) أبو مظفر شمس الدين يوسف بن قزغلي الواعظ الشهير الحنفي المولود عام 582 أو 581 والمتوفى عام 654 في 21 ذي الحجّة..
(9) كمال الدين الشافعي المتوفى عام 654..
(10) المحدّث شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي نزيل مكّة..
(11) هي للشيخ سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجه كلان، وكان فراغه من تأليفها تاسع شهر رمضان عام 1291..
(12) أحمد بن عبد الله الاصبهاني المتوفى عام 430..
(13) هكذا في الأصل وفي كشف الغمّة عن الحلية « ولها » وكلّ منهما يناسب المقام..
(14) التميمي الحنظلي الهروي رحل إلى العراق وسمع علماء عصره ودخل بغداد وحدّث بها، مات عام 177، ترجم له الخطيب البغدادي: 14 / 80..
(15) نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ المالكي المولود عام 784 والمتوفى عام 855، ترجم له السخاوي في الضوء اللامع: 5 / 283 وذكر مشايخه وكتابه الفصول المهمّة في معرفة الأئمة وهم اثنى عشر..
(16) محمد أمين البغدادي، وآل السويدي من البيوتات الرفيعة في بغداد حتّى اليوم وهو من رجال القرن الماضي، وفرغ من كتابه في شوّال عام 1229..
(17) للنسّابة الشهير جمال الدين أحمد بن علي الداودي الحسني المتوفى عام 828..
(18) أبو الفتح محمّد بن أبي القاسم كان فقيها متكلّما على مذهب الأشعري، دخل بغداد عام 510 وأقام بها ثلاث سنين وكانت ولادته بشهرستان وبها توفى عام 548، ترجم له في الوفيّات ومعجم الادباء وطبقات السبكي وروضات الجنّات، ومفتاح السعادة وغيرها..
(19) يراد من الامامة هنا الامامة التي يعقدها الناس، وإلاّ فهو إمام اجتمع عليه الناس أو تفرّقوا، تعرّض للأمر أو صفح..
(20) أبو محمّد عبد الله بن سعد بن علي بن سليمان عفيف الدين اليافعي اليماني نزيل الحرمين المتوفى عام 768..
(21) محمّد بن علي بن بابويه القميّ المحدّث الجليل صاحب التآليف القيّمة الكثيرة البالغة نحوا من 300 مؤلّف، وقد ورد بغداد عام 352 وسمع منه شيوخ الطائفة على حداثة سنّه، ومات بالري عام 381..
(22) المعروف بابن الشاذكوني وهو ممن روى عن الصادق (عليه السلام) وعن رواته وكان من ثقات الرواة..
(23) الكوفي القاضي، وسيأتي في الثقات من مشاهير رواة الصادق (عليه السلام)، والظاهر أنه من أهل السنّة..
(24) ابن عبد العزيز وهو ممّن روى عن الصادق (عليه السلام) واستظهر بعض الرجاليين أنه من أهل السنّة إلاّ أن ابن النديم في الفهرست عدّه من مشايخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمة:..
(25) هو المعروف بابن أبي عمير وقد لقي الكاظم والرضا والجواد:، حبسه الرشيد ليلي القضاء، وقيل ليدلّه على مواضع الشيعة وأصحاب الكاظم (عليه السلام)، وقيل ضرب أسواطا ونالت منه فلم يقر، وقد رويت عنه كتب مائة رجل من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وله مصنّفات كثيرة، وهو ممّن لا يروي إلاّ عن ثقة، وقد أجمع العصابة على قبول مراسيله، وهو من العصابة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وقد اتفق الفريقان على وثاقته وعلوّ منزلته، وقيل: إنما قبلوا مراسيله لأنه دفن كتبه يوم حبس فتلفت فروى ما علق منها في ذهنه، فمن ثمّ قد ينسى الراوي وإن حفظ الرواية، مات عام 217..
(26) المدني أوّل المذاهب الأربعة، وهو ممّن أخذ عن الصادق (عليه السلام) كما سيأتي في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وهو مذهب أهل الحجاز والنسبة إليه مالكي..
(27) محمّد بن علي المازندراني رشيد الدين من مشايخ الطائفة وفقهائها وكان شاعرا بليغا منشأ وله مصنّفات عديدة منها: معالم العلماء، وكتاب أنساب آل أبي طالب، وكتاب مناقب آل أبي طالب، وهو الذي أشرنا إليه في الأصل، وكثيرا ما نروي عنه في هذا الكتاب..
(28) النعمان بن ثابت ثاني المذاهب لأهل السنّة وهو أيضا ممّن أخذ عن الصادق (عليه السلام)، والنسبة إليه حنفي، وسيأتي الكلام عليه في أصحاب الصادق (عليه السلام)..
(29) كركع ـ الأضراس، ولتولّد الحرارة فيها من حكّ بعضها ببعض يقال يحرقها، وهو مثل يضرب لمن يبلغ به الغيظ شدّته لأن الحكّ من آثاره..
(30) كتاب الوصيّة للمسعودي..
(31) كشف الغمّة عن تذكرة ابن حمدون: 2 / 209..
(32) الكافي: باب مولده (عليه السلام): 1 / 475، وبصائر الدرجات، والمناقب، والخرائج والجرائح..
(33) الليلة المظلمة، ولعلّه كناية عن الأمور المشكلة التي لا يهتدي الناس إلى حلّها..
(34) بحار الأنوار: في أحوال الصادق (عليه السلام): 47 / 199..
(35) مهج الدعوات لابن طاوس: ص 192، بحار الأنوار: 47 / 199..
(36) تأريخ اليعقوبي: 3 / 117..
(37) الكافي: كتاب التوحيد منه، باب حدوث العالم وإثبات المحدث: 1 / 74..

الامام الصادق (ع) في اقوالهم

 

بقلم: العلامة الشيخ محمّد الحسين المظفّر

 

حقّا على الكاتب أن يعطي صورة إجمالية للمترجم له قبل أن يتغلغل في أعماق الترجمة، لئلاّ يكون غريبا عن القارئ عند قراءته لكلّ فصل من حياته.

وهنا رأيت أن أنقل شطرا من آراء العلماء في كلماتهم عن الصادق جعفر (عليه السلام)، لأنها تعبّر عن آراء أجيال في هذه الشخصيّة الكريمة، وإليك شيئا منها: فهذا الذهبي (1) في ميزان الاعتدال (1: 192) يقول عند ذكره للامام: «جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين الهاشمي أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام برّ صادق كبير الشأن».

وممّا قاله النووي (2) في تهذيب الأسماء واللغات (1: 149 ـ 150): «روى عنه محمّد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريح، وشعبة، ويحيى القطّان، وآخرون، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، قال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنه من سلالة النبيّين».

وابن خلكان (3) يقول: «أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الاماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر». وقال: «وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسي (4) قد الّف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة، وقال: ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر، وجدّه زين العابدين، وعمّ جدّه الحسن بن علي: فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه».

والشبلنجي (5) في نور الأبصار ص 131 يقول: «ومناقبه كثيرة تكاد تفوت حدّ الحاسب، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الكاتب» وقال: وفي حياة الحيوان الكبرى فائدة قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب: وكتاب الجفر كتبه الامام جعفر الصادق ابن محمّد الباقر، فيه كلّ ما يحتاجون الى علمه الى يوم القيامة، والى هذا الجفر أشار أبو العلاء بقوله:

لقد عجبوا لآل البيت لما

أتاهم علمهم في جلد جفر

فمرآة المنجم وهي صغرى

تريه كلّ عامرة وقفر

وقال محمّد الصبّان (6) في كتابه إسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الأبصار ص 208: «وأمّا جعفر الصادق فكان إماما نبيلا. وقال: وكان مجاب الدعوة إذا سأل الله شيئا لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه».

والشعراني (7) في لواقح الأنوار يقول: «وكان سلام الله عليه اذا احتاج الى شيء قال: يا ربّاه أنا أحتاج الى كذا، فما يستتمّ دعاؤه إلاّ وذلك الشيء بجنبه موضوع».

وسبط ابن الجوزي (8) في تذكرة خواصّ الامّة ص 192 يقول: «قال علماء السير: قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرئاسة » وقال: « ومن مكارم أخلاقه ما ذكره الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن الشقراني مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: خرج العطاء أيام المنصور ومالي شفيع، فوقفت على الباب متحيّرا وإذا بجعفر بن محمّد قد أقبل فذكرت له حاجتي، فدخل وخرج واذا بعطائي في كمّه فناولني إيّاه، وقال: إن الحسن من كلّ أحد حسن وأنه منك أحسن لمكانك منّا، وأن القبيح من كلّ أحد قبيح وأنه منك أقبح لمكانك منّا، وإنما قال له جعفر ذلك لأن الشقراني كان يشرب الشراب، فمن مكارم أخلاق جعفر أنه رحّب به وقضى له حاجته مع علمه بحاله، ووعظه على وجه التعريض، وهذا من أخلاق الأنبياء».

ومحمّد بن طلحة (9) في مطالب السؤل ص 81 يقول: « وهو من عظماء أهل البيت وساداتهم ذو علوم جمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع حديثه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرّيّة الرسالة. وقال: وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى أنه من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف إليه، وتروى عنه».

وفي صواعق ابن حجر (10): «ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان».

وفي ينابيع المودّة (11) طبع اسلامبول ص 380 «ومن أئمة أهل البيت أبو عبد الله جعفر الصادق» وقال: «وكان من سادات أهل البيت» وقال: «وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السالمي في طبقات المشايخ الصوفيّة: جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تامّ في الشهوات، وأدب كامل في الحكمة».

وإليك ما يقوله الحافظ أبو نعيم (12) في حلية الأولياء (3: 192): «ومنهم الامام الناطق والزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى (13) عن الرئاسة والجموع» ثم روى عن عمرو بن أبي المقدام كلامه السابق، وروى عن الهياج بن بسطام (14) قوله: «وكان جعفر بن محمّد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء».

ويقول ابن الصبّاغ المالكي (15) في الفصول المهمّة: «كان من بين اخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم بالامامة من بعده برز على جماعته بالفضل وكان أنبههم ذكرا، وأجلّهم قدرا، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان»، وقال في أخريات كلامه: «مناقب أبي عبد الله جعفر الصادق فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على جهات الأيام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهلة».

وهذا السويدي (16) في سبائك الذهب ص 72 يقول: «كان من بين اخوته خليفة أبيه ووصيّه، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره، وكان إماما في الحديث» وقال: «ومناقبه كثيرة».

وفي عمدة الطالب (17) ص 184: «ويقال له عمود الشرف، ومناقبه متواترة بين الأنام، مشهورة بين الخاصّ والعامّ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مرارا فعصمه الله منه».

والشهرستاني (18) في الملل والنحل: « وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، كامل في الحكمة، وزهد بالغ وورع تامّ في الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة ما تعرّض للامامة قط (19) ولا نازع أحدا في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، وقيل من آنس بالله توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس».

واليافعي (20) في مرآة الجنان (1: 304) فيمن توفي عام 148، يقول: «وفيها توفي الامام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر، وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن ابن علي رضوان الله عليهم أجمعين، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام اولي المناقب، وإنما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد الّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمائة رسالة».

والصدوق طاب ثراه (21) يروي في أماليه المجلس ال 42 عن سليمان بن داود المنقري (22) عن حفض بن غياث (23) انه كان إذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: «حدّثني خير الجعافرة».

وروى الصدوق أيضا فيه مسندا عن علي بن غراب (24) انه كان إذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد قال: «حدّثنا الصادق عن الله، جعفر بن محمّد... ».

وروى أيضا في الـ 32 مسندا عن محمّد بن زياد الأزدي (25) قال: سمعت مالك ابن أنس (26) يقول: أدخل الى الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) فيقدّم لي مخدّة، ويعرف لي قدرا، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال إمّا صائما وإما قائما وإما ذاكرا، وكان من عظماء العبّاد واكابر الزهّاد، الذين يخشون الله عزّ وجلّ وكان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخضرّ مرّة، واصفرّ اخرى، حتّى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الاحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ عن راحلته، فقلت: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا بدّ لك من أن تقول، فقال: يا بن عامر كيف أجسر أن أقول لبّيك اللهمّ لبّيك، وأخشى أن يقول عزّ وجل: لا لبّيك ولا سعديك.

وابن شهر اشوب (27) في كتابه المناقب في أحوال الصادق (عليه السلام) يروي عن مالك بن أنس أيضا قوله: ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا، وزاد الصدوق في أماليه في ال 81 قوله: كان والله إذا قال صدق.

وقال أيضا: وذكر أبو القاسم البغار في مسند أبي حنيفة (28) قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل: من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمّد، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليّ أبو جعفر وهو في الحيرة فأتيته فسلّمت عليه، فأورد إليّ المجلس فجلست ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه، ثمّ التفت إليّ فقال: الق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعناكم، وربما تابعناهم، وربما خالفنا جميعا، حتّى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخلّ منها بشيء، ثمّ قال أبو حنيفة: أليس أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.

بل ان المنصور نفسه وهو من علمت كيف يحرّق الارّم (29) على أبي عبد الله (عليه السلام) قد ينطق بالحقّ، عند ذكره أو مقابلته، فيقول: هذا الشجي المعترض في حلقي من أعلم الناس في زمانه (30) ويقول أخرى: وإنه ممّن يريد الآخرة.

لا الدنيا (31) ويقول تارة: إنه ليس من أهل بيت نبوّة إلاّ وفيه محدّث، وإن جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم (32) ويقول مخاطبا للصادق (عليه السلام): لا نزال من بحرك نغترف، وإليك نزدلف، تبصر من العمى، وتجلو بنورك الطخياء (33) فنحن نعوم في سحاب قدسك، وطامي بحرك (34)، ويقول لحاجبه الربيع: وهؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إلاّ جاهل لا حظّ له في الشريعة (35).

ويقول إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العبّاس: دخلت على أبي جعفر المنصور يوما وقد اخضلّت لحيته بالدموع، وقال لي: ما علمت ما نزل بأهلك فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين، قال: فإنّ سيّدهم وعالمهم وبقيّة الأخيار منهم توفي، فقلت ومن هو؟ قال: جعفر بن محمّد، فقلت: أعظم الله أجر أمير المؤمنين وأطال لنا بقاءه، فقال لي: إن جعفرا كان ممّن قال الله فيه « ثمّ اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا » وكان ممّن اصطفى الله، وكان من السابقين في الخيرات (36).

هذا وهو المنصور العدوّ الألدّ للصادق، الذي كان مجاهدا في النيل من كرامته والقضاء عليه.

بل أن الملاحدة على كفرهم وعدائهم للاسلام ورجاله كانوا يعظّمونه ويعترفون له بغزارة العلم، والميزة بالصفات الروحيّة والملكات القدسيّة، أمثال ابن المقفّع وابن أبي العوجاء والديصاني وغيرهم، فهذا ابن المقفع يقول: ترون هذا الخلق ـ وأومأ بيده الى موضع الطواف ـ ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانيّة إلاّ ذلك الشيخ الجالس، يعني الصادق (عليه السلام)، وقال ابن أبي العوجاء: ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد اذا شاء ويتروّح اذا شاء باطنا فهو هذا، يعني الصادق (عليه السلام). (37)

وكان ابن أبي العوجاء اذا سأل أحد أصحاب الصادق (عليه السلام) عن شيء غامض واستمهله، ثمّ أتاه بالجواب بعد حين واستحسنه، قال: هذه نقلت من الحجاز.

وهكذا كان الديصاني مع أصحاب الصادق (عليه السلام)، وما يقوله فيم يحملون إليه جوابه.

وهذه قطرة من غيث ممّا نطق به أهل الفضل في شأن الصادق (عليه السلام) مع اختلاف الزمن والبلد والذوق والرأي في القائلين، اقدّمها أمام الدخول في حياته التفصيليّة لتعطيك صورة إجماليّة عن هذه الشخصيّة الفذّة، فإن هذه الكلمات مع وجازتها تعلم القارئ عمّا لأبي عبد الله (عليه السلام) من فضيلة بل فضائل، وعمّا له من آثار ومآثر.

* مقتبس من كتاب: الامام الصادق (ع) للعلامة الشيخ محمّد الحسين المظفّر

......................................

(1) الحافظ المحدّث شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الدمشقي المولود عام 673، والمتوفى عام 748..

(2) الحافظ أبو زكريا محي الدين بن شرف الدين المتوفى عام 676..

(3) أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان ولد بمدينة اربل قرب الموصل وانتقل إلى الموصل وسافر إلى حلب ودخل الديار المصرية وناب في القضاء عن السخاوي، ثم ولّي القضاء بالشام عشر سنين وتوفي بدمشق عام 681، ترجم له في طبقات الشافعيّة: 5 / 14، وفي فوات الوفيّات: 1 / 55، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 267، ومعجم المطبوعات: 1 / 98 وغيرها..

(4) سوف نشير في حياته العلميّة إلى علم الصادق (عليه السلام) بالكيمياء وأخذ جابر عنه وشيء من حياة جابر..

(5) مؤمن بن حسن مؤمن المصري. وشبلنج قرية من قرى مصر، اشتغل في طلب العلوم في الجامع الأزهر ولد في نيف و 1250 ولم تذكر وفاته..

(6) محمّد بن علي الصبّان الشافعي الحنفي ولد بمصر، ترجم له في معجم المطبوعات: 2 / 1194..

(7) أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني دخل القاهرة عام 911 وبها توفى، ترجم له في معجم المطبوعات: 1 / 1126..

(8) أبو مظفر شمس الدين يوسف بن قزغلي الواعظ الشهير الحنفي المولود عام 582 أو 581 والمتوفى عام 654 في 21 ذي الحجّة..

(9) كمال الدين الشافعي المتوفى عام 654..

(10) المحدّث شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي نزيل مكّة..

(11) هي للشيخ سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجه كلان، وكان فراغه من تأليفها تاسع شهر رمضان عام 1291..

(12) أحمد بن عبد الله الاصبهاني المتوفى عام 430..

(13) هكذا في الأصل وفي كشف الغمّة عن الحلية « ولها » وكلّ منهما يناسب المقام..

(14) التميمي الحنظلي الهروي رحل إلى العراق وسمع علماء عصره ودخل بغداد وحدّث بها، مات عام 177، ترجم له الخطيب البغدادي: 14 / 80..

(15) نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ المالكي المولود عام 784 والمتوفى عام 855، ترجم له السخاوي في الضوء اللامع: 5 / 283 وذكر مشايخه وكتابه الفصول المهمّة في معرفة الأئمة وهم اثنى عشر..

(16) محمد أمين البغدادي، وآل السويدي من البيوتات الرفيعة في بغداد حتّى اليوم وهو من رجال القرن الماضي، وفرغ من كتابه في شوّال عام 1229..

(17) للنسّابة الشهير جمال الدين أحمد بن علي الداودي الحسني المتوفى عام 828..

(18) أبو الفتح محمّد بن أبي القاسم كان فقيها متكلّما على مذهب الأشعري، دخل بغداد عام 510 وأقام بها ثلاث سنين وكانت ولادته بشهرستان وبها توفى عام 548، ترجم له في الوفيّات ومعجم الادباء وطبقات السبكي وروضات الجنّات، ومفتاح السعادة وغيرها..

(19) يراد من الامامة هنا الامامة التي يعقدها الناس، وإلاّ فهو إمام اجتمع عليه الناس أو تفرّقوا، تعرّض للأمر أو صفح..

(20) أبو محمّد عبد الله بن سعد بن علي بن سليمان عفيف الدين اليافعي اليماني نزيل الحرمين المتوفى عام 768..

(21) محمّد بن علي بن بابويه القميّ المحدّث الجليل صاحب التآليف القيّمة الكثيرة البالغة نحوا من 300 مؤلّف، وقد ورد بغداد عام 352 وسمع منه شيوخ الطائفة على حداثة سنّه، ومات بالري عام 381..

(22) المعروف بابن الشاذكوني وهو ممن روى عن الصادق (عليه السلام) وعن رواته وكان من ثقات الرواة..

(23) الكوفي القاضي، وسيأتي في الثقات من مشاهير رواة الصادق (عليه السلام)، والظاهر أنه من أهل السنّة..

(24) ابن عبد العزيز وهو ممّن روى عن الصادق (عليه السلام) واستظهر بعض الرجاليين أنه من أهل السنّة إلاّ أن ابن النديم في الفهرست عدّه من مشايخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمة:..

(25) هو المعروف بابن أبي عمير وقد لقي الكاظم والرضا والجواد:، حبسه الرشيد ليلي القضاء، وقيل ليدلّه على مواضع الشيعة وأصحاب الكاظم (عليه السلام)، وقيل ضرب أسواطا ونالت منه فلم يقر، وقد رويت عنه كتب مائة رجل من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وله مصنّفات كثيرة، وهو ممّن لا يروي إلاّ عن ثقة، وقد أجمع العصابة على قبول مراسيله، وهو من العصابة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وقد اتفق الفريقان على وثاقته وعلوّ منزلته، وقيل: إنما قبلوا مراسيله لأنه دفن كتبه يوم حبس فتلفت فروى ما علق منها في ذهنه، فمن ثمّ قد ينسى الراوي وإن حفظ الرواية، مات عام 217..

(26) المدني أوّل المذاهب الأربعة، وهو ممّن أخذ عن الصادق (عليه السلام) كما سيأتي في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وهو مذهب أهل الحجاز والنسبة إليه مالكي..

(27) محمّد بن علي المازندراني رشيد الدين من مشايخ الطائفة وفقهائها وكان شاعرا بليغا منشأ وله مصنّفات عديدة منها: معالم العلماء، وكتاب أنساب آل أبي طالب، وكتاب مناقب آل أبي طالب، وهو الذي أشرنا إليه في الأصل، وكثيرا ما نروي عنه في هذا الكتاب..

(28) النعمان بن ثابت ثاني المذاهب لأهل السنّة وهو أيضا ممّن أخذ عن الصادق (عليه السلام)، والنسبة إليه حنفي، وسيأتي الكلام عليه في أصحاب الصادق (عليه السلام)..

(29) كركع ـ الأضراس، ولتولّد الحرارة فيها من حكّ بعضها ببعض يقال يحرقها، وهو مثل يضرب لمن يبلغ به الغيظ شدّته لأن الحكّ من آثاره..

(30) كتاب الوصيّة للمسعودي..

(31) كشف الغمّة عن تذكرة ابن حمد

الامام الصادق (ع) في اقوالهم

 

بقلم: العلامة الشيخ محمّد الحسين المظفّر

 

حقّا على الكاتب أن يعطي صورة إجمالية للمترجم له قبل أن يتغلغل في أعماق الترجمة، لئلاّ يكون غريبا عن القارئ عند قراءته لكلّ فصل من حياته.

وهنا رأيت أن أنقل شطرا من آراء العلماء في كلماتهم عن الصادق جعفر (عليه السلام)، لأنها تعبّر عن آراء أجيال في هذه الشخصيّة الكريمة، وإليك شيئا منها: فهذا الذهبي (1) في ميزان الاعتدال (1: 192) يقول عند ذكره للامام: «جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين الهاشمي أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام برّ صادق كبير الشأن».

وممّا قاله النووي (2) في تهذيب الأسماء واللغات (1: 149 ـ 150): «روى عنه محمّد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريح، وشعبة، ويحيى القطّان، وآخرون، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، قال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنه من سلالة النبيّين».

وابن خلكان (3) يقول: «أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الاماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر». وقال: «وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسي (4) قد الّف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة، وقال: ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر، وجدّه زين العابدين، وعمّ جدّه الحسن بن علي: فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه».

والشبلنجي (5) في نور الأبصار ص 131 يقول: «ومناقبه كثيرة تكاد تفوت حدّ الحاسب، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الكاتب» وقال: وفي حياة الحيوان الكبرى فائدة قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب: وكتاب الجفر كتبه الامام جعفر الصادق ابن محمّد الباقر، فيه كلّ ما يحتاجون الى علمه الى يوم القيامة، والى هذا الجفر أشار أبو العلاء بقوله:

لقد عجبوا لآل البيت لما

أتاهم علمهم في جلد جفر

فمرآة المنجم وهي صغرى

تريه كلّ عامرة وقفر

وقال محمّد الصبّان (6) في كتابه إسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الأبصار ص 208: «وأمّا جعفر الصادق فكان إماما نبيلا. وقال: وكان مجاب الدعوة إذا سأل الله شيئا لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه».

والشعراني (7) في لواقح الأنوار يقول: «وكان سلام الله عليه اذا احتاج الى شيء قال: يا ربّاه أنا أحتاج الى كذا، فما يستتمّ دعاؤه إلاّ وذلك الشيء بجنبه موضوع».

وسبط ابن الجوزي (8) في تذكرة خواصّ الامّة ص 192 يقول: «قال علماء السير: قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرئاسة » وقال: « ومن مكارم أخلاقه ما ذكره الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن الشقراني مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: خرج العطاء أيام المنصور ومالي شفيع، فوقفت على الباب متحيّرا وإذا بجعفر بن محمّد قد أقبل فذكرت له حاجتي، فدخل وخرج واذا بعطائي في كمّه فناولني إيّاه، وقال: إن الحسن من كلّ أحد حسن وأنه منك أحسن لمكانك منّا، وأن القبيح من كلّ أحد قبيح وأنه منك أقبح لمكانك منّا، وإنما قال له جعفر ذلك لأن الشقراني كان يشرب الشراب، فمن مكارم أخلاق جعفر أنه رحّب به وقضى له حاجته مع علمه بحاله، ووعظه على وجه التعريض، وهذا من أخلاق الأنبياء».

ومحمّد بن طلحة (9) في مطالب السؤل ص 81 يقول: « وهو من عظماء أهل البيت وساداتهم ذو علوم جمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع حديثه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرّيّة الرسالة. وقال: وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى أنه من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف إليه، وتروى عنه».

وفي صواعق ابن حجر (10): «ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان».

وفي ينابيع المودّة (11) طبع اسلامبول ص 380 «ومن أئمة أهل البيت أبو عبد الله جعفر الصادق» وقال: «وكان من سادات أهل البيت» وقال: «وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السالمي في طبقات المشايخ الصوفيّة: جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تامّ في الشهوات، وأدب كامل في الحكمة».

وإليك ما يقوله الحافظ أبو نعيم (12) في حلية الأولياء (3: 192): «ومنهم الامام الناطق والزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى (13) عن الرئاسة والجموع» ثم روى عن عمرو بن أبي المقدام كلامه السابق، وروى عن الهياج بن بسطام (14) قوله: «وكان جعفر بن محمّد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء».

ويقول ابن الصبّاغ المالكي (15) في الفصول المهمّة: «كان من بين اخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم بالامامة من بعده برز على جماعته بالفضل وكان أنبههم ذكرا، وأجلّهم قدرا، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان»، وقال في أخريات كلامه: «مناقب أبي عبد الله جعفر الصادق فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على جهات الأيام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهلة».

وهذا السويدي (16) في سبائك الذهب ص 72 يقول: «كان من بين اخوته خليفة أبيه ووصيّه، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره، وكان إماما في الحديث» وقال: «ومناقبه كثيرة».

وفي عمدة الطالب (17) ص 184: «ويقال له عمود الشرف، ومناقبه متواترة بين الأنام، مشهورة بين الخاصّ والعامّ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مرارا فعصمه الله منه».

والشهرستاني (18) في الملل والنحل: « وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، كامل في الحكمة، وزهد بالغ وورع تامّ في الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة ما تعرّض للامامة قط (19) ولا نازع أحدا في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، وقيل من آنس بالله توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس».

واليافعي (20) في مرآة الجنان (1: 304) فيمن توفي عام 148، يقول: «وفيها توفي الامام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر، وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن ابن علي رضوان الله عليهم أجمعين، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام اولي المناقب، وإنما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد الّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمائة رسالة».

والصدوق طاب ثراه (21) يروي في أماليه المجلس ال 42 عن سليمان بن داود المنقري (22) عن حفض بن غياث (23) انه كان إذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: «حدّثني خير الجعافرة».

وروى الصدوق أيضا فيه مسندا عن علي بن غراب (24) انه كان إذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد قال: «حدّثنا الصادق عن الله، جعفر بن محمّد... ».

وروى أيضا في الـ 32 مسندا عن محمّد بن زياد الأزدي (25) قال: سمعت مالك ابن أنس (26) يقول: أدخل الى الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) فيقدّم لي مخدّة، ويعرف لي قدرا، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال إمّا صائما وإما قائما وإما ذاكرا، وكان من عظماء العبّاد واكابر الزهّاد، الذين يخشون الله عزّ وجلّ وكان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخضرّ مرّة، واصفرّ اخرى، حتّى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الاحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ عن راحلته، فقلت: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا بدّ لك من أن تقول، فقال: يا بن عامر كيف أجسر أن أقول لبّيك اللهمّ لبّيك، وأخشى أن يقول عزّ وجل: لا لبّيك ولا سعديك.

وابن شهر اشوب (27) في كتابه المناقب في أحوال الصادق (عليه السلام) يروي عن مالك بن أنس أيضا قوله: ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا، وزاد الصدوق في أماليه في ال 81 قوله: كان والله إذا قال صدق.

وقال أيضا: وذكر أبو القاسم البغار في مسند أبي حنيفة (28) قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل: من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمّد، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليّ أبو جعفر وهو في الحيرة فأتيته فسلّمت عليه، فأورد إليّ المجلس فجلست ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه، ثمّ التفت إليّ فقال: الق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعناكم، وربما تابعناهم، وربما خالفنا جميعا، حتّى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخلّ منها بشيء، ثمّ قال أبو حنيفة: أليس أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.

بل ان المنصور نفسه وهو من علمت كيف يحرّق الارّم (29) على أبي عبد الله (عليه السلام) قد ينطق بالحقّ، عند ذكره أو مقابلته، فيقول: هذا الشجي المعترض في حلقي من أعلم الناس في زمانه (30) ويقول أخرى: وإنه ممّن يريد الآخرة.

لا الدنيا (31) ويقول تارة: إنه ليس من أهل بيت نبوّة إلاّ وفيه محدّث، وإن جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم (32) ويقول مخاطبا للصادق (عليه السلام): لا نزال من بحرك نغترف، وإليك نزدلف، تبصر من العمى، وتجلو بنورك الطخياء (33) فنحن نعوم في سحاب قدسك، وطامي بحرك (34)، ويقول لحاجبه الربيع: وهؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إلاّ جاهل لا حظّ له في الشريعة (35).

ويقول إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العبّاس: دخلت على أبي جعفر المنصور يوما وقد اخضلّت لحيته بالدموع، وقال لي: ما علمت ما نزل بأهلك فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين، قال: فإنّ سيّدهم وعالمهم وبقيّة الأخيار منهم توفي، فقلت ومن هو؟ قال: جعفر بن محمّد، فقلت: أعظم الله أجر أمير المؤمنين وأطال لنا بقاءه، فقال لي: إن جعفرا كان ممّن قال الله فيه « ثمّ اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا » وكان ممّن اصطفى الله، وكان من السابقين في الخيرات (36).

هذا وهو المنصور العدوّ الألدّ للصادق، الذي كان مجاهدا في النيل من كرامته والقضاء عليه.

بل أن الملاحدة على كفرهم وعدائهم للاسلام ورجاله كانوا يعظّمونه ويعترفون له بغزارة العلم، والميزة بالصفات الروحيّة والملكات القدسيّة، أمثال ابن المقفّع وابن أبي العوجاء والديصاني وغيرهم، فهذا ابن المقفع يقول: ترون هذا الخلق ـ وأومأ بيده الى موضع الطواف ـ ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانيّة إلاّ ذلك الشيخ الجالس، يعني الصادق (عليه السلام)، وقال ابن أبي العوجاء: ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد اذا شاء ويتروّح اذا شاء باطنا فهو هذا، يعني الصادق (عليه السلام). (37)

وكان ابن أبي العوجاء اذا سأل أحد أصحاب الصادق (عليه السلام) عن شيء غامض واستمهله، ثمّ أتاه بالجواب بعد حين واستحسنه، قال: هذه نقلت من الحجاز.

وهكذا كان الديصاني مع أصحاب الصادق (عليه السلام)، وما يقوله فيم يحملون إليه جوابه.

وهذه قطرة من غيث ممّا نطق به أهل الفضل في شأن الصادق (عليه السلام) مع اختلاف الزمن والبلد والذوق والرأي في القائلين، اقدّمها أمام الدخول في حياته التفصيليّة لتعطيك صورة إجماليّة عن هذه الشخصيّة الفذّة، فإن هذه الكلمات مع وجازتها تعلم القارئ عمّا لأبي عبد الله (عليه السلام) من فضيلة بل فضائل، وعمّا له من آثار ومآثر.

* مقتبس من كتاب: الامام الصادق (ع) للعلامة الشيخ محمّد الحسين المظفّر

......................................

(1) الحافظ المحدّث شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الدمشقي المولود عام 673، والمتوفى عام 748..

(2) الحافظ أبو زكريا محي الدين بن شرف الدين المتوفى عام 676..

(3) أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان ولد بمدينة اربل قرب الموصل وانتقل إلى الموصل وسافر إلى حلب ودخل الديار المصرية وناب في القضاء عن السخاوي، ثم ولّي القضاء بالشام عشر سنين وتوفي بدمشق عام 681، ترجم له في طبقات الشافعيّة: 5 / 14، وفي فوات الوفيّات: 1 / 55، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 267، ومعجم المطبوعات: 1 / 98 وغيرها..

(4) سوف نشير في حياته العلميّة إلى علم الصادق (عليه السلام) بالكيمياء وأخذ جابر عنه وشيء من حياة جابر..

(5) مؤمن بن حسن مؤمن المصري. وشبلنج قرية من قرى مصر، اشتغل في طلب العلوم في الجامع الأزهر ولد في نيف و 1250 ولم تذكر وفاته..

(6) محمّد بن علي الصبّان الشافعي الحنفي ولد بمصر، ترجم له في معجم المطبوعات: 2 / 1194..

(7) أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني دخل القاهرة عام 911 وبها توفى، ترجم له في معجم المطبوعات: 1 / 1126..

(8) أبو مظفر شمس الدين يوسف بن قزغلي الواعظ الشهير الحنفي المولود عام 582 أو 581 والمتوفى عام 654 في 21 ذي الحجّة..

(9) كمال الدين الشافعي المتوفى عام 654..

(10) المحدّث شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي نزيل مكّة..

(11) هي للشيخ سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجه كلان، وكان فراغه من تأليفها تاسع شهر رمضان عام 1291..

(12) أحمد بن عبد الله الاصبهاني المتوفى عام 430..

(13) هكذا في الأصل وفي كشف الغمّة عن الحلية « ولها » وكلّ منهما يناسب المقام..

(14) التميمي الحنظلي الهروي رحل إلى العراق وسمع علماء عصره ودخل بغداد وحدّث بها، مات عام 177، ترجم له الخطيب البغدادي: 14 / 80..

(15) نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ المالكي المولود عام 784 والمتوفى عام 855، ترجم له السخاوي في الضوء اللامع: 5 / 283 وذكر مشايخه وكتابه الفصول المهمّة في معرفة الأئمة وهم اثنى عشر..

(16) محمد أمين البغدادي، وآل السويدي من البيوتات الرفيعة في بغداد حتّى اليوم وهو من رجال القرن الماضي، وفرغ من كتابه في شوّال عام 1229..

(17) للنسّابة الشهير جمال الدين أحمد بن علي الداودي الحسني المتوفى عام 828..

(18) أبو الفتح محمّد بن أبي القاسم كان فقيها متكلّما على مذهب الأشعري، دخل بغداد عام 510 وأقام بها ثلاث سنين وكانت ولادته بشهرستان وبها توفى عام 548، ترجم له في الوفيّات ومعجم الادباء وطبقات السبكي وروضات الجنّات، ومفتاح السعادة وغيرها..

(19) يراد من الامامة هنا الامامة التي يعقدها الناس، وإلاّ فهو إمام اجتمع عليه الناس أو تفرّقوا، تعرّض للأمر أو صفح..

(20) أبو محمّد عبد الله بن سعد بن علي بن سليمان عفيف الدين اليافعي اليماني نزيل الحرمين المتوفى عام 768..

(21) محمّد بن علي بن بابويه القميّ المحدّث الجليل صاحب التآليف القيّمة الكثيرة البالغة نحوا من 300 مؤلّف، وقد ورد بغداد عام 352 وسمع منه شيوخ الطائفة على حداثة سنّه، ومات بالري عام 381..

(22) المعروف بابن الشاذكوني وهو ممن روى عن الصادق (عليه السلام) وعن رواته وكان من ثقات الرواة..

(23) الكوفي القاضي، وسيأتي في الثقات من مشاهير رواة الصادق (عليه السلام)، والظاهر أنه من أهل السنّة..

(24) ابن عبد العزيز وهو ممّن روى عن الصادق (عليه السلام) واستظهر بعض الرجاليين أنه من أهل السنّة إلاّ أن ابن النديم في الفهرست عدّه من مشايخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمة:..

(25) هو المعروف بابن أبي عمير وقد لقي الكاظم والرضا والجواد:، حبسه الرشيد ليلي القضاء، وقيل ليدلّه على مواضع الشيعة وأصحاب الكاظم (عليه السلام)، وقيل ضرب أسواطا ونالت منه فلم يقر، وقد رويت عنه كتب مائة رجل من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وله مصنّفات كثيرة، وهو ممّن لا يروي إلاّ عن ثقة، وقد أجمع العصابة على قبول مراسيله، وهو من العصابة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وقد اتفق الفريقان على وثاقته وعلوّ منزلته، وقيل: إنما قبلوا مراسيله لأنه دفن كتبه يوم حبس فتلفت فروى ما علق منها في ذهنه، فمن ثمّ قد ينسى الراوي وإن حفظ الرواية، مات عام 217..

(26) المدني أوّل المذاهب الأربعة، وهو ممّن أخذ عن الصادق (عليه السلام) كما سيأتي في أصحاب الصادق (عليه السلام)، وهو مذهب أهل الحجاز والنسبة إليه مالكي..

(27) محمّد بن علي المازندراني رشيد الدين من مشايخ الطائفة وفقهائها وكان شاعرا بليغا منشأ وله مصنّفات عديدة منها: معالم العلماء، وكتاب أنساب آل أبي طالب، وكتاب مناقب آل أبي طالب، وهو الذي أشرنا إليه في الأصل، وكثيرا ما نروي عنه في هذا الكتاب..

(28) النعمان بن ثابت ثاني المذاهب لأهل السنّة وهو أيضا ممّن أخذ عن الصادق (عليه السلام)، والنسبة إليه حنفي، وسيأتي الكلام عليه في أصحاب الصادق (عليه السلام)..

(29) كركع ـ الأضراس، ولتولّد الحرارة فيها من حكّ بعضها ببعض يقال يحرقها، وهو مثل يضرب لمن يبلغ به الغيظ شدّته لأن الحكّ من آثاره..

(30) كتاب الوصيّة للمسعودي..

(31) كشف الغمّة عن تذكرة ابن حمدون: 2 / 209..

(32) الكافي: باب مولده (عليه السلام): 1 / 475، وبصائر الدرجات، والمناقب، والخرائج والجرائح..

(33) الليلة المظلمة، ولعلّه كناية عن الأمور المشكلة التي لا يهتدي الناس إلى حلّها..

(34) بحار الأنوار: في أحوال الصادق (عليه السلام): 47 / 199..

(35) مهج الدعوات لابن طاوس: ص 192، بحار الأنوار: 47 / 199..

(36) تأريخ اليعقوبي: 3 / 117..

(37) الكافي: كتاب التوحيد منه، باب حدوث العالم وإثبات المحدث: 1 / 74..

 

ون: 2 / 209..

(32) الكافي: باب مولده (عليه السلام): 1 / 475، وبصائر الدرجات، والمناقب، والخرائج والجرائح..

(33) الليلة المظلمة، ولعلّه كناية عن الأمور المشكلة التي لا يهتدي الناس إلى حلّها..

(34) بحار الأنوار: في أحوال الصادق (عليه السلام): 47 / 199..

(35) مهج الدعوات لابن طاوس: ص 192، بحار الأنوار: 47 / 199..

(36) تأريخ اليعقوبي: 3 / 117..

(37) الكافي: كتاب التوحيد منه، باب حدوث العالم وإثبات المحدث: 1 / 74..

 

اضف تعليق