التضليل الإعلامي سلاح خطير قد مارسته السلطات المستبدة والمفسدة مر العصور لخداع والسيطرة على الشعوب، وتسقيط أي جهة مخالفة أو معارضة لسياستها ونظامها، فهو سلاح خطير وخبيث أقوى من أي سلاح مدمر في الحروب العسكرية، لأن سلاح التضليل الإعلامي يعتمد على الشائعات الكاذبة والتزييف، وسهامه وأضراره تتواصل وتستمر بين الأجيال مع تكراره.

الإعلام المضلل صناعة!

التضليل الإعلامي أصبح صناعة زادت أهميتها في زمننا الحاضر بفضل التقنية المتطورة وسرعة نقل المعلومات واتساع رقعة انتشارها وكثرة وسائلها، وبفضل صرف أموال طائلة لشراء أحدث الأجهزة التقنية، وتجهيز جيوش من الإعلاميين المضللين والكاذبين والمزيفين، وقد ساهمت الطفرة النفطية ووفرة المال في شراء الأصوات والذمم بشكل واسع ومن كافة أقطار العالم، وترويج الخدع وتزييف الحقائق، لدرجة أنه من الصعب الوصول للمعلومة الصحيحة كما هي بسهولة، ولهذا ينبغي على المرء الباحث عن الحقيقة وعن المعلومة أن يكون واعيًا وفطنًا قادرًا على معرفة الإعلام المضلل وعدم السقوط في مخالبه والتحول لضحية.

الشعوب شركاء

وللأسف الشعوب المستضعفة البسيطة شريكة في تكريس الآراء المضللة المصطنعة من الحكومات المستبدة، وذلك من خلال تكرار ما تردده وسائل تلك السلطات المفسدة وكأنها أخبار صحيحة، ومن المؤسف أن هناك جهات إعلامية ومنابر تدعي العمل بشكل مستقل عن السلطة الحاكمة ولكنها تقوم بإعادة الروايات الحكومية المضللة كما هي دون توضيح وذلك باسم حرية التعبير، وفي الحقيقة أنها تقدم خدمة كبيرة للإعلام الرسمي المضلل، كما يوجد شخصيات تدعي العمل لخدمة المجتمع تكرر ما يردده الإعلام الحكومي المضلل وتقوم بنشره بين الناس وتلميع رأي وسمعة السلطة!!.

الإمام الحسن والإعلام المضاد

الإمام الحسن المجتبى (ع) الحفيد الأول لسيدنا ونبينا الرسول الأعظم محمد (ص) تعرض لحملات إعلامية مغرضة ومضللة في حياته وللأسف مازالت آثارها السيئة متواصلة، حيث هناك مغالطات وشائعات كاذبة ومزيفة عن سيرته وحياته (ع) وهي لاتزال تتكرر لغاية اليوم، وللأسف يوجد بعض من يدعون الولاء للإمام يكررون تلك المغالطات بقصد أو دونه، حيث تركز هذه المغالطات على الإساءة لدور الإمام القيادي، من خلال تغييب دوره الحقيقي كإمام للأمة وقدوة حسنة، وسيد شباب أهل الجنة، وعالم عظيم، وقائد كبير، ومحارب قوي شارك في حروب والده الإمام علي (ع) عند خلافته، ولم يتنازل عن الحق والعدل ومحاربة الطغاة والمستبدين، وشخصية حكيمة حملت السلاح وأعدت الجيوش وخاضت الحروب ضد العدو والخائن والمغتصب.

الصلح ثورة إصلاحية

عندما وجد الإمام المجتبى (ع) الخيانة في جيشه وعدم ولاء أغلبية من هم معه وبحثهم عن المصالح الشخصية والمادية نتيجة غياب الوعي والتأثر بالإعلام الأموي المضلل.. وأسباب أخرى، فقد لجأ الإمام الحسن (ع) لسلاح أقوى وأنسب لفضح وتعرية العدو الذي يتلبس الحق والدين - وهو عكس ذلك- وانخداع الناس به وبخطابه الإعلامي المضلل، وذلك عبر ثورة إصلاحية سلمية ودبلوماسية حكيمة بمسمى الإتفاق على صلح حسب إتفاقية مكتوبة ومحددة لحفظ الأرواح والحصول على الحقوق في زمن غاب فيه الوعي والإيمان والثقافة الإسلامية، والأخلاق المحمدية الأصيلة، وسيطرت الوسائل الإعلامية المضللة الأموية على الشارع.

استغلال الصلح

لقد حاول البيت الأموي من خلال إعلامه المضلل استغلال الصلح وترويجه بما يخدم مصالحه بأن الإمام الحسن تنازل عن الحكم لمعاوية عبر الصلح؛ حقنا لدماء المسلمين، وهذا القول جزء من الحقيقة المغيبة، حيث عمل البيت الأموي على تضخيم كلمة الصلح فقط، وتغييب وإخفاء نص وشروط الإتفاقية على بنود محددة والتي هي ثورة إصلاحية تنص على: حفظ الأرواح والأمن والأمان وبالخصوص لإتباع مدرسة الإمام علي (ع)، الحرية الفكرية والعقائدية، دعم الوضع الإقتصادي لهم، انتقال الحكم مباشرة بعد معاوية إلى الإمام الحسن (ع) وفي حالة وفاته ينتقل الحكم إلى أخيه الإمام الحسن (ع)، وفي ذلك الصلح فرصة لحفظ الأرواح وبعث روح الرسالة الحقيقية وبناء جيل جديد مؤمن مقاوم، وكشف زيف الدولة الأموية وإعلامها المضلل، وتهيئة الشارع لثورة قادمة، أي أن صلح الإمام الحسن (ع) بداية ثورة إصلاحية انفجرت في يوم عاشوراء ثورة الإمام الحسين التي مازالت لغاية اليوم ثورة حية خالدة.

تضليل للحقيقة وإساءة للقائد

ويمكن للمتابع معرفة سبب إخفاء الإتفاقية وبنودها من قبل البيت الأموي وإعلامه ومن يسير في فلكه لغاية اليوم لأنه يخدمهم ويخدم مصالحهم ويخفي سوءتهم بعدم التزام البيت الأموي بالاتفاقية، وتعريته بأنه غير أمين ولا يحترم العهود والمواثيق، وأنه قام باغتيال الإمام الحسن (ع) لقتل إتفاقية الصلح وعظمة حكمة ودبلوماسية الإمام المجتبى، وبإخفاء الإتفاقية كي لا يقوم أي طرف بتكرار تلك العملية لفضح الأنظمة الدكتاتورية التي تستغل الدين وتستخدم الإعلام المضلل.

ولكن الغريب والعجيب أن يقوم بعض من يدعون محبة الإمام الحسن المجتبى (ع) بترديد ما يروج له الإعلام المضلل القديم والحديث بتكريس كلمة الصلح فقط والتسويق لها بطريقة لا تخلو من الخضوع والاستسلام، والدعوة للتنازل والذل للسلطات باسم صلح الإمام الحسن، (.. وبتغييب وإخفاء جهاد وتضحيات ودبلوماسية الإمام التي أدت للثورة الإصلاحية باسم الصلح حسب بنود واضحة ومحددة لا مفتوحة ولا مذلة)، وكل ذلك لتحقيق مآرب خاصة ضيقة لهم باسم الدين، وما ذلك العمل إلا تضليل للحقيقة وإساءة للقائد البطل الإمام الحسن (ع) !!.

صلح الإمام الحسن (ع) - يمثل ثورة إصلاحية سلمية ودبلوماسية حكيمة - جاء بعد حروب وتضحيات وإجتماعات واتفاق على شروط واضحة على أن يلتزم كل طرف بها.

المصالحات والحلول السلمية (العدل)

منهج الإمام وتضحياته أنموذج لإجراء الإتفاقيات للمصالحة لحل الخلافات حسب بنود محددة لإحقاق الحق والحصول على الحقوق وحماية الأرواح، ووضع خطة لبناء جيل جديد وعي وكشف كذب وزيف وفساد السلطة، دون تنازل واستسلام، وبعد تقديم التضحيات أسوة بما قام به الإمام الحسن(ع).

نعم للسلم والسلام والدبلوماسية والإصلاح والمصالحات، والصلح القائم على وجود إتفاقية مكتوبة ذات بنود وشروط محددة وواضحة تضمن حفظ الأرواح والعدالة والحرية والإصلاح الشامل، كما فعل الإمام الحسن (ع) فهو قدوة وقائد.

لماذا البعض يطالب بالإستسلام والتنازل للسلطات المستبدة المفسدة بحجة حفظ الأرواح، وجعل الإمام الحسن شماعة لذلك باسم الصلح؟.

لماذا يغيّب هؤلاء تضحيات الإمام المجتبى وعدم التأكيد على أن الصلح ثورة إصلاحية سلمية ودبلوماسية راقية جاءت حسب اتفاق على بنود لحفظ الأرواح دون تنازل واستسلام وإنما لتعرية المعتدي والحصول على حقوق، أي الإمام الحسن أراد العزة والكرامة للشعوب؟.

هل هذه المغالطات وتشويه السمعة نتيجة الجهل والتأثر بالحملات الإعلامية المضللة لسنوات طويلة بأساليب عديدة؟.

شماعة لتحقيق المصالح

الساسة وغيرهم من الذين يؤمنون ببناء علاقات مع السلطات المستبدة القاتلة (بحجة حفظ الأرواح دون اتفاق مكتوب ومحدد لضمان الحقوق وعدم الإعتداء وتعرية المستبد المفسد؛ نتيجة لغياب الدبلوماسية الحكيمة القائمة على إحقاق الحق)، ليس عندهم مشكلة بالتنازل والإستسلام لتلك السلطات الظالمة القاتلة، وهذا شأنهم وهذه طريقتهم وقناعتهم وسياستهم الخاصة؛ ولكن لا ينبغي جعل الدين والإمام الحسن شماعة لتبرير أفعالهم، والترويج أن سياستهم تمثل منهج الإمام الحسن (ع)؛.. فذلك تضليل إعلامي وإساءة.

الحسن.. بطولة وإباء

ينبغي على من يعشق كريم أهل البيت الإمام المجتبى (ع) التركيز على كافة جوانب حياته الجهادية والتضحية والإباء والشجاعة والحكمة والدبلوماسية وفرض الإتفاق (الصلح) لتحقيق أهداف منها: حفظ الأرواح والحصول على الحقوق ومنع الإعتداء وتعرية المستبد وتوعية الشارع وكشف الإعلام المزيف، وضرورة ذكر بنود وشروط الصلح ليكون أنموذجا في عدم التنازل والاستسلام للسلطات، وأهمية إظهار حقيقة سيرة الإمام الحسن البطولية، وفضح وتعرية كل ما يروج له الأعداء بأن الإمام الحسن تنازل واستسلم عبر الصلح!.

وهذا تضليل وإساءة للإمام المجتبى (ع)، والحقيقة أن الإمام الحسن قام بصناعة ثورة إصلاحية باسم الصلح والدبلوماسية حسب إتفاقية محددة وواضحة تضمن حفظ الأرواح والحرية وتأمين الوضع الإقتصادي وانتقال الحكم، وتجهيز جيل على قدر عالي من الوعي.

السلام عليك يا كريم أهل البيت الإمام الحسن المجتبى أيها القائد البطل العظيم الحكيم المسموم المقتول.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق