الإرهاب الدولي يمكن أن تمارسه حكومات أو مجموعات مسلّحة أو أفراد لأهداف سياسية، لكنه يخضع للمساءلة من جانب القانون الدولي، خصوصًا إذا كانت الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية أو جرائم إبادة أو جرائم حرب أو جرائم عدوان لتهديد السلم والأمن الدوليين، في حين تخضع جرائم العنف للقوانين الوطنية...

تندرج تحت تسمية التنظيمات الإرهابية “الجماعات المسلّحة” ذات التوجّه الأيديولوجي الديني بشكل خاص، والإسلاموي على وجه أكثر تخصيصًا، وهذه التنظيمات على اختلاف توجّهاتها وأساليب عملها، إلّا أنها تستند إلى عاملين أساسيين؛ أولهما – أنها تزعم تطبيق “الشريعة الإسلامية”، وتسعى لإقامة “دولة إسلامية” وفقًا لتفسيراتها وتأويلاتها للنصوص الدينية القرآنية بما فيها أسباب النزول، وما ورد على لسان الرسول محمد (ص) من أحاديث، أو عبر طائفة من الأحكام التي جاء بها الفقه من بعده طيلة ما يزيد عن 14 قرن. وهي أحكام متغيّرة بتغيير أزمانها، يضاف إلى ذلك التطوّر التاريخي وسمات العصر الذي نعيش فيه.

وثانيها – أن التنظيمات الإرهابية تعتمد على العمل المسلّح الذي تطلق عليه “الجهاد” وسيلة لتحقيق أهدافها، سواء ينطبق ذلك على الشروط الإسلامية للجهاد أم لم ينطبق، بل يتعارض كلية معها، وهو ما شهدناه من أعمال إرهابية يندى لها الجبين ومجازر بشعة.

وتقوم هذه التنظيمات بغض النظر عن مسمياتها وأهدافها ووسائلها على التعصّب ورفض الآخر وتأثيمه وتجريمه وتحريمه، بل وإعطاء الحق لنفسها باتباع الوسائل العنفية لمعاقبته، بما فيها القتل حتى وإن شمل مجموعات من البشر، مثلما شاهدنا ذلك قيامها بقطع الرؤوس ونحر الرقاب بدم بارد.

والتعصّب ينتج التطرّف، خصوصًا حين تنتقل الفكرة من التنظير إلى التنفيذ، أي حين تصبح سلوكًا في التعامل مع الآخر، المختلف، المريب، الخصم، العدو. وهكذا يكون التطرّف ابن التعصّب، وهما ينتجان باتحادهما عنفًا.

والعنف حين يتحوّل إلى ظاهرة وليس حادثًا فرديًا عابرًا ويكون هدفه الإقصاء والإلغاء والتهميش استنادًا إلى الزعم بامتلاك الحقيقة وادعاء الأفضليات يتحوّل إلى الإرهاب، خصوصًا باستمراره واتساع نطاقه، وحين يكون عابرًا للحدود ويستهدف إضعاف ثقة الإنسان الفرد والمجتمع بالدولة، والدولة بنفسها يصير إرهابًا دوليًا.

الإرهاب الدولي يمكن أن تمارسه حكومات أو مجموعات مسلّحة أو أفراد لأهداف سياسية، لكنه يخضع للمساءلة من جانب القانون الدولي، خصوصًا إذا كانت الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية أو جرائم إبادة أو جرائم حرب أو جرائم عدوان لتهديد السلم والأمن الدوليين، في حين تخضع جرائم العنف للقوانين الوطنية.

ولعلّ ما تقوم به التنظيمات الإرهابية يندرج ضمن القانون الوطني لكلّ دولة، إضافة إلى القانون الدولي وقواعد القانون الإنساني الدولي، وهو ما ينطبق على لوائح حقوق الإنسان الدولية في النزاعات المسلّحة والحروب، وتشكل اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها، بروتوكولي جنيف لعام 1977 الأساس في ذلك، ونقصد بها:

منازعات دولية

الأول – الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحّة؛ والثاني- الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلّحة غير الدوليّة، الصادران عن المؤتمر الديبلوماسي العام 1977.

لقد تضخّمت التنظيمات الإرهابية خلال العقدين المنصرمين لدرجة أصبح رسم خريطتها وحصرها من الصعوبة بمكان، بسبب منسريّتها ووعورة تضاريسها وانشطاراتها المتعدّدة، ولاسيّما تشظّيها وانقساماتها الأمنية خلال الحرب التي شنّت على سوريا، وتعود الغالبية الساحقة من التنظيمات الإسلاموية فكريًا إلى تنظيم “الإخوان” الذي تأسس في مصر العام 1928 على يد حسن البنّا، أمّا تنظيم القاعدة فقد نشأ على يد أسامة بن لادن في أواخر التسعينيات تحت عنوان “الجهاد العالمي” وتأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين”، ومن رحمه وُلدت المجموعات الإرهابية الأخرى، منها: القاعدة في شبه جزيرة العرب، حيث نشطت بشكل خاص في اليمن، وتنظيم داعش الذي أسّسه أبو مصعب الزرقاوي العام 2004 الذي قتل في العام 2006 وأعقبه أبرز قياداته أبو عمر البغدادي وشمل نشاطه العراق وسوريا، كما تأسست ولاية سيناء للتنظيم في مصر وأنصار الشريعة في ليبيا، وجبهة النصرة في سوريا وولاية خراسان في أفغانستان، وحركة الشباب المجاهدين في القرن الأفريقي، خصوصًا في الصومال وبوكو حرام في نيجيريا ومجموعة أبو سيّاف في الفيليبين وجماعة إسلامية تركستانية في الصين وغيرها.

واكتسبت هذه التنظيمات خبرة سياسية وإعلامية وبشكل خاص عسكريّة واسعة، واستخدمت التكنولوجيا والإعلام للتعبير عن نفسها على نحو ماهر دلّ على قدرة كبيرة على الحركة وتنوّع وخصوصيّة تكوينها في كلّ بلد، وقامت باستقطاب آلاف من المقاتلين لتدريبهم، بما فيهم ضدّ روسيا، وكانت الحرب في سوريا قد وفّرت بيئة صالحة لتفريخ التنظيمات الإرهابية الأجنبية، فنشطت مجموعات شيشانية وقوقازيّة وغير ذلك، وللأسف فإن بعض الدول حاولت توظيف بعض هذه المنظمات لصالحها ضدّ خصومها، كما فعلت من قبل خلال فترة الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب، لكن بعضها سرعان ما انقلب عليها، وهو ما يحدث اليوم أيضًا.

والسؤال الجديد الذي يمكن أن يواجه الباحث: هل ستفضي الحرب في أوكرانيا والأزمة الروسية – الأوكرانية إلى انتعاش تنظيمات إسلاموية إرهابية جديدة، خصوصًا إذا ما عرفنا وجود نحو مليون مسلم في أوكرانيا، وقد ظلّت روسيا حريصة على إبعاد الجماعات الإرهابية عن حدودها مثل التنظيمات الشيشانية والقوقازية. وهو سؤال سيكون الجواب عليه مكلفًا للغاية بفعل مصادر الطاقة والغذاء؟

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق