ينجم قرار المحكمة عن إصرار محكمة دُنيا على مستوى الولاية بأن ترامب شارك في التمرد في نهاية عام 2020 وذلك بسعيه عن دراية وقصد، إلى التدخل في الانتقال السلمي للسلطة. وبالإضافة إلى ادعاءاته الكاذبة بخصوص تزوير الانتخابات، حرض أيضًا أتباعه على عرقلة عملية فرز الأصوات الانتخابية، وشارك في...
بقلم: ريتشارد ك. شيروين

نيويورك- في 5 مارس/آذار 2024، سيُدلي سكان ولاية كولورادو بأصواتهم في "الانتخابات التمهيدية"، لتحديد المرشحين الذين يمكنهم دخول غمار المنافسة على رئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان اسم الرئيس السابق، دونالد ترامب، سيظهر على لائحة الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين.

وفي قرار صُدر في الآونة الأخيرة- وُصف بأوصاف متعددة، منها أنه "مفاجئ"، و"ذي تأثير مزعزع" و"لحظة مهمة في تاريخ الديمقراطية"- أجابت المحكمة العليا في ولاية كولورادو عن السؤال المطروح بـ"لا". إذ قرر قضاة المحكمة بأغلبية أربعة أصوات مقابل ثلاثة، أن مصير ترامب قد حُدد بموجب المادة 3 من التعديل الرابع عشر، الذي يمنع "المتمردين" من شغل المناصب الفدرالية أو على مستوى الولايات.

وينجم قرار المحكمة عن إصرار محكمة دُنيا على مستوى الولاية بأن ترامب شارك في التمرد في نهاية عام 2020 وبداية عام 2021، وذلك بسعيه عن دراية وقصد، إلى التدخل في الانتقال السلمي للسلطة. وبالإضافة إلى ادعاءاته الكاذبة بخصوص تزوير الانتخابات، حرض أيضًا أتباعه على عرقلة عملية فرز الأصوات الانتخابية، وشارك في الوقت نفسه في خطة لاستبدال ناخبي الولاية المعتمدين بقوائم وهمية مؤيدة لترامب. واستنتجت المحكمة أن هذه الأفعال تمرد نشط على دستور الولايات المتحدة.

إن ترامب يشبه في تصرفاته المسئولين الحكوميين السابقين الذين شاركوا في انفصال ولاياتهم في عامي 1860 و1861 عن الاتحاد، وعن تأسيس الولايات الكونفدرالية الأمريكية. وباءت هذه الجهود بالفشل، بعد صراع طويل ودموي. وانتهت الحرب الأهلية (1861-1865) بحزمة من التعديلات الدستورية التي أُطلق عليها "التأسيس الثاني" لأمريكا: التعديل الثالث عشر، الذي أنهى مؤسسة العبودية، والتعديل الخامس عشر، الذي سن حق التصويت العام للرجال، والتعديل الرابع عشر، الذي منح "جميع الأفراد" الحقوق الفيدرالية في المحاكمة وفقا للأصول القانونية، وفي المساواة في الحماية، وفي المادة 3 نص التعديل على تعزيز الديمقراطية بمنع المتمردين من شغل المناصب العامة: "لا يجوز لأي شخص أن يكون عضوًا في مجلس الشيوخ أو نائبا في الكونغرس، أو ناخبًا للرئيس ونائب الرئيس، أو أن يشغل أي منصب، مدنيا كان أو عسكريا، سواء على المستوى الفدرالي، أو على مستوى الولايات، إذا سبق له أن أقسم بتأييد دستور الولايات المتحدة الأمريكية، ثم شاركَ بعد ذلك في التمرد عليه، أو تمردَ عليه، أو قدم مساعدة أو عونا لأعداء الولايات المتحدة.

ومع أن محكمتي كولورادو اتفقتا على أن ترامب "شارك في التمرد"، اختلفتا في تحليلهما القانوني. إذ رفضت المحكمة الدنيا فكرة عدم تأهيل ترامب للمشاركة في الانتخابات التمهيدية في كولورادو بحجة أن مصطلح "مسئول" لا ينطبق على منصب الرئاسة. ولكن المحكمة العليا في الولاية وصفت هذا التفسير بأنه سخيف.

وترى المحكمة أن المعنى الظاهر لكلمة "منصب"، بناءً على سياق استخدامها في تاريخ صياغة التعديل، يتضمن الرئاسة بلا شك. وفضلا على ذلك، تقول المحكمة العليا متسائلة: "ما معنى أن يُقصي واضعو التعديل جميع المتمردين الذين أنكروا قسمهم ويستثنوا منهم أكثرهم سلطة؟" من المؤكد أن لا أحد كان يعتقد أن جيفرسون ديفيس، الرئيس السابق للكونفدرالية الذي أقسم سابقًا بأن يساند دستور الولايات المتحدة بصفته سيناتوراً ووزيراً للحرب، سيكون مؤهلاً لأن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة. إن سجل الكونغرس، الذي يوثق المناقشات المتعلقة بالتعديل، يدعم هذا الرأي دعما لا لبس فيه.

ولم تسمع بعد الكلمة الأخيرة بخصوص هذا الجدل. ويعود القرار الأخير في هذا الشأن للمحكمة العليا الحالية في الولايات المتحدة، التي ستضطر قريبًا إلى البت في هذه المسألة. وفي الوقت نفسه، سيظل اسم ترامب على اللائحة الانتخابية. وعلقت -أو أجلت- المحكمة العليا في كولورادو- سريان قرارها حتى 4 يناير/ كانون الثاني 2024: وبعد هذا التاريخ يجب على وزير خارجية كولورادو تصديق قوائم المرشحين المدرجين في لائحة الانتخابات التمهيدية الرئاسية للولاية.

وبناء على ذلك، تعتمد النتيجة على ما ستقرر محكمة الولايات المتحدة العليا قبل انتهاء فترة التعليق. وهناك مجال واسع أمام المحكمة العلياـ بأغلبيتها اليمينية المتشددة ـ لإلغاء قرار كولورادو. فمن ناحية، يمكن أن ترفض الاستنتاجات التي توصلت إليها محكمتا الولاية فيما يتعلق بتورط ترامب في التمرد. ومع ذلك، غالبا ما تُحيل المحاكم العليا مهمة تقصي الحقائق إلى المحاكم الدنيا. وفي المحصلة النهائية، تنطوي المراجعات المتعلقة بالاستئناف على سجل ساكن؛ وتفتقر إلى ما توفره شهادة المحاكمة الحية، بما في ذلك القدرة على تقييم سلوك الشاهد أو إلى أي مؤشرات أخرى تدل على المصداقية (أو عدمها).

ولكن هناك مسائل أخرى لم تعالجها المحكمة بعد. فعلى سبيل المثال، لم تبت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قط بشأن ما إذا كانت المادة 3 "ذاتية التنفيذ"، أو أنها تتطلب بعض التشريعات التمكينية من جانب الكونغرس الأمريكي قبل أن يصبح ممكنا تطبيقها. وتقول المحكمة العليا في كولورادو أن الولايات لها الحق في تفسير قوانين الانتخابات الخاصة بها فيما يتعلق بإلغاء أهلية الاقتراع على أساس الدستور دون انتظار المبادئ التوجيهية الفيدرالية. وتدعم المحكمة هذا الرأي باستشهادها بقرار اتخذه القاضي، نيل جورساتش، قبل أن يصبح عضواً في المحكمة العليا الحالية في الولايات المتحدة. ولكن، بطبيعة الحال، لدى القضاة تاريخ في تغيير آرائهم.

أما فيما يتعلق بما إذا كانت المحكمة العليا ستؤيد تعريفاً شاملاً أو ضيقاً لكلمة "منصب" فلا أحد يستطيع أن يخمن بشأن ذلك. وأُطلق على المحكمة العليا في الولايات المتحدة "الفرع الأقل خطورة" في الحكومة الفيدرالية، وذلك لأنها لا تتمتع بسلطة المجلس التشريعي في إدارة الأموال، ولا تتولى قيادة القوات المسلحة كما يفعل الرئيس. وعملتها الوحيدة هي استعداد الجمهور لقبول شرعية سلطتها. وقد تراجعت قيمة هذه "العملة" في الآونة الأخيرة، خاصة بسبب فضائح المحكمة الأخلاقية التي ما فتئت تتزايد، والنقض الصادم لقضية "رو" ضد "وايد"، الذي رفض سابقة طويلة الأمد تدعم حق المرأة في خصوصية اختيار المضي في الحمل أو عدمه.

وبعد مراجعة الأسئلة المتعلقة بتورط ترامب في التمرد وما إذا كانت المادة 3 تنطبق على منصب الرئيس، سيتعين على المحكمة العليا أن تنظر فيما إذا كانت مستعدة للمقامرة بالمزيد من التراجع في الدعم الشعبي، أو مدى استعدادها لذلك. إنه وقت عصيب سيلقي بظلاله على الجمهورية، وعلى محكمة مشحونة بالفعل بشكوك متزايدة بشأن تضارب المصالح والسيطرة السياسية.

* ريتشارد ك. شيروين، أستاذ القانون الفخري في كلية الحقوق في نيويورك، هو مؤلف كتاب "عندما يصبح القانون شعبياً: الخط المتلاشي بين القانون والثقافة الشعبية"
https://www.project-syndicate.org/

اضف تعليق