آراء وافكار - وجهات نظر

مشكلة شيخوخة الصين أكبر من قدرة شي جينبينغ على حلها

سيكافح النظام الاستبدادي بشكل متزايد من أجل وقف التدهور السكاني

مع عودة الصين إلى عصر حكم الرجل الواحد، أخذت تتداعى ممارسات الحكم التكنوقراطي التي شهدتها البلاد منذ عقود. وهذا يجعل تنفيذ التخطيط طويل الأمد أشد صعوبة، ولا سيما في أرياف الصين. علاوة على ذلك، فقد أعطى شي الاستقرار السياسي الأولوية على كل شيء آخر، الأمر الذي يحد من...
بقلم: كارل مينزنر

الصين آخذة في التقدم بالعمر وعدد سكانها في التقلص. لقد ارتفع عدد سكان البلاد من 540 مليون نسمة في عام 1949 ليصل إلى ذروته التي بلغت 1.4 مليار نسمة في عام 2021، ولكنه انكفأ في عام 2022، وراح يتراجع. وستتبع الصين في العقود المقبلة باقي دول شرق آسيا التي تمضي إلى مستقبل يتميز بانخفاض معدلات الخصوبة، وزيادة سريعة في معدلات الشيخوخة، والتدني بوتيرة ثابتة في عدد السكان. وبحلول منتصف القرن الحالي، من المتوقع أن يقل عدد سكان الصين عن المستوى الحالي بنحو 200 مليون شخص. وفي الوقت نفسه سيرتفع متوسط العمر بشكل مطرد من 38 سنة في عام 2020 إلى نحو 50 سنة.

لكن تركيبة السكان وعددهم لا يرسمان معالم المستقبل. ولا ينذر تقلص عدد السكان أو بلوغهم مرحلة الشيخوخة، بالضرورة، بمصير مشؤوم للصين، لكن تضاؤل القوة العاملة وارتفاع اعداد المسنين، يمثلان تحديات كبيرة ستتطلب [معالجتها] تخطيطاً فعالاً على المدى الطويل واتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية. وتشير التصريحات الرسمية الصادرة من الحزب الشيوعي الصيني بالفعل إلى أهمية معالجة الحاجات التي يتطلبها مجتمع متقدم في العمر. وقد نبه مسؤولون وأكاديميون صينيون إلى ضرورة رفع سن التقاعد التي تبلغ حالياً مستوى منخفضاً غير عملي. غير أن النظام السياسي الذي يتطور في الصين، بقيادة شي جينبينغ الأمين العام المستبد على نحو متزايد، يبدو غير مناسب بشكل خاص للتعامل مع هذه التحديات.

مع عودة الصين إلى عصر حكم الرجل الواحد، أخذت تتداعى ممارسات الحكم التكنوقراطي التي شهدتها البلاد منذ عقود. وهذا يجعل تنفيذ التخطيط طويل الأمد أشد صعوبة، ولا سيما في أرياف الصين. علاوة على ذلك، فقد أعطى "شي" الاستقرار السياسي الأولوية على كل شيء آخر، الأمر الذي يحد من قدرة بكين على إجراء إصلاحات ضرورية، كتقليص ميزات التقاعد مثلاً، لأن ذلك قد يضر بالمصالح المكتسبة التي تتمتع بها النخب الحضرية. إن التمحور الأيديولوجي لبكين نحو القومية العرقية سيجعل الصين عاجزة عن الاعتماد على الهجرة الوافدة كإجراء تكتيكي للتخفيف من آثار تضاؤل قوة العمل الماضية في التقلص. أخيراً، فإن تبني الحزب الشيوعي المتزايد للأدوار التقليدية للجنسين يهدد بمزيد من التفاقم على صعيد التراجع في معدل الخصوبة من خلال تعزيز العوامل الأساسية التي تدفع شباب الصين، وخصوصاً النساء إلى اختيار الامتناع عن الزواج وتربية الأطفال.

بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، من المرجح أن تجد الصين نفسها محاصرة بمجموعة من التحديات الداخلية، بما في ذلك التوترات المتزايدة مع النخب الحضرية حول كلفة المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية، وتدهور الظروف بشكل ثابت بالنسبة إلى المسنين في الأرياف، إضافة إلى المناخ السام الذي تواجهه النساء والأجانب الأمر الذي سيقيد بشكل متزايد صعود البلاد كقوة عالمية.

بكين تنقلب على التكنوقراطية

إن أخطر التحديات التي تواجهها الصين بخصوص التركيبة السكانية كامنة في مناطقها الريفية الفقيرة، فالسكان المتقدمون في العمر في البلاد يتركزون بشكل غير متناسب في الريف. في عام 2020، كان 17.7 في المئة من سكان الريف في الـ65 من العمر، أو أكبر من ذلك، فيما بلغ هذا العمر 11.1 في المئة فقط من سكان المناطق الحضرية. وسترتفع هاتان النسبتان كثيراً في العقود المقبلة، وستُفرض ضغوط اقتصادية واجتماعية هائلة على المجتمعات. وسيكون التخطيط لتلبية حاجات المتقدمين في العمر في الريف من أصعب المهام التي تواجه قادة بكين.

في الظاهر، قد تبدو الصين مجهزة تجهيزاً جيداً بشكل فريد من أجل الاستجابة لهذا التحدي. فعلى أي حال، لديها بيروقراطية ضخمة في صفوفها خبراء يقومون بانتظام بإعداد وثائق سياسة مفصلة تحمل عناوين رائعة، مثل الخطة الوطنية متوسطة وطويلة المدى لعام 2019 بغرض الاستجابة لشيخوخة السكان.

لكن من الناحية العملية، غالباً ما تنهار هذه الخطط في مواجهة الحقائق السياسية الصعبة في الصين. وكما وثق المتخصص في الشأن الاقتصادي سكوت روزيل والباحثة ناتالي هيل، فإن محاولات مماثلة على امتداد أربعة عقود من أجل تلبية حاجات الأطفال الريفيين تعثرت بسبب نظام "هوكو" (تسجيل الأسرة) وهو من إرث ماو تسي تونغ، إذ إنه يربط بشكل وثيق حصول المواطنين على المزايا الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية بالمكان الذي تسجل فيه أسرهم. ومن خلال ذلك، ترسخت وجوه عدم المساواة بين سكان الأجزاء الحضرية والريفية في الصين عندما يتعلق الأمر بالحصول على الموارد الحكومية.

والفوارق نفسها قائمة فيما يتعلق بالمسنين في الريف، حيث يتلقى السكان معاشات تقاعدية شهرية تبلغ 26 دولاراً تقريباً، وهو مبلغ يقل كثيراً عن 506 دولارات الذي يتقاضاه نظراؤهم في المناطق الحضرية. وإن موارد الرعاية الصحية والتغطية التي يوفرها التأمين لهم غير متناسبتين مع الحضريين بشكل مماثل. وبحسب ما لفت عالم الاجتماع يان لونغ وعالمة الشيخوخة ليديا لي، فقد أدى نظام الرعاية الصحية المؤلف من مستويين إلى "توزيع متباين للموارد الصحية بين كبار السن" واختلاف كبير بين كيفية رؤية كل من سكان المناطق الحضرية والريفية لعلاقاتهم مع الدولة، أي إن الأفراد الذين يعيشون في المدن ينظرون إلى أنفسهم كمواطنين لهم حقوق، بينما يرى سكان الريف أنفسهم على أنهم مجرد "فلاحين لا يستحقون رعاية الدولة".

،، قرر "شي" التخلي عن سياسة "صفر-كوفيد" عملياً بين عشية وضحاها ومن دون سابق إنذار ،،

إن عودة الصين إلى حكم الرجل الواحد تزيد من هدر قدرات بكين على التخطيط للمستقبل. ومع تهميش "شي" على نحو مطرد للأصوات والمؤسسات التكنوقراطية، فإن سياسات الدولة تحمل علامات مقلقة على تلبية نزواته. وعلى سبيل المثال، تدعو الخطط التي طرحها هذا العام من أجل إصلاح الرعاية الصحية في الريف إلى توسيع نطاق استخدام الطب الصيني التقليدي في الاستجابة إلى حاجات سكان الريف الذين يتقدمون في العمر بسرعة، لكن هناك مخاطر جدية تتمثل في أن مثل هذه الخطط ليست عبارة عن جهد مدروس بعناية من أجل تحسين صحة كبار السن في الصين بقدر ما هي مثال على محاولة بيروقراطيات الدولة ركوب الموجة السياسية الجديدة التي أوجدها قرار "شي" القاضي بترويج الطب التقليدي كرمز للكبرياء الوطنية، والذي يشير إليه على إنه "كنز العلم الصيني القديم ومفتاح الحضارة الصينية".

وتوفر طريقة تعامل بكين مع المراحل الأخيرة من جائحة "كوفيد-19" فرصة لمعاينة نسخة مقلقة للمشكلات العملية التي تسببها هذه التحولات السياسية، وذلك قبل ظهورها على مسرح الحياة الصينية. عندما ربط "شي" شرعيته الشخصية بسياسات الصين المسماة "صفر-كوفيد" في 2020-2021، والتي كانت ناجحة في البداية، جعل من المستحيل سياسياً على المسؤولين أن يخططوا أو حتى إن يناقشوا ما يمكن أن يأتي بعد تلك المرحلة. وحتى عندما أصبح انتشار الفيروس على قدر كبير من السهولة، فقد أجبروا على زيادة عمليات الإغلاق بسرعة كأداة أساسية لمكافحة الوباء. وظلت حملة التلقيح في البلاد تتم بشكل غير منتظم، كما تلكأت جهود استيراد اللقاحات الأجنبية وتخزين الأدوية المضادة للفيروسات. وأدى هذا إلى ترك كبار السن عرضة للأذى بشكل خطر.

وفي أواخر عام 2022، اتخذ "شي" بشكل درامي مساراً معاكساً [لتوجهه السابق]. فبعد أسابيع فقط من نهاية المؤتمر العشرين للحزب، وهو حساس من الناحية السياسية، قرر التخلي عن سياسة "صفر-كوفيد" عملياً بين عشية وضحاها ومن دون سابق إنذار. هكذا وجد كبار السن أنفسهم وجهاً لوجه مع الفيروس بشكل مباشر، فقد غصت المرافق الطبية الريفية بالناس، وأفرغ المتسوقون رفوف الصيدليات من الأدوية المضادة للحمى في خضم موجة من الشراء المدفوعة بالهلع (تكديس المشتريات المرتبط بالخوف). وترك المواطنون المتقدمون في السن لتدبر أمورهم بأنفسهم، معتمدين على العلاج المنزلي بواسطة الأدوية الصينية التقليدية كما شجعتهم وسائل الإعلام التابعة للحكومة. وفي هذه الأثناء، اشترت النخب الحضرية مخزوناً محدوداً من العلاجات التي ثبتت فعاليتها مثل "باكسلوفيد" بأسعار متضخمة في السوق السوداء.

وطبقاً لما لفت إليه يانتشونغ هوانغ، وهو زميل بارز لشؤون الصحة العالمية في مركز أبحاث "مجلس العلاقات الخارجية"، فإن هذه التحولات الجذرية في السياسة كانت لها عواقب وخيمة. لقد اخضعت مئات الملايين من المواطنين إلى قواعد إغلاق قاسية بشكل استثنائي في ذروة سياسات "صفر-كوفيد" في عام 2022 ثم تسببت في ازدياد عدد الضحايا من مليون إلى 1.5 مليون شخص في أعقاب قيامهم برفع الإغلاقات بشكل المفاجئ بعد أسابيع فقط.

رهينة الاستقرار

سيؤدي تغيير التركيبة السكانية أيضاً إلى إجبار بكين على إعادة النظر في الوعود التي قطعت للأجيال السابقة بما يتعلق بالمزايا الحكومية. ومع تقدم المجتمع الصيني في العمر، أصبحت برامج التقاعد غير مستدامة بشكل متزايد. ولا تزال سن التقاعد، التي حددت في خمسينيات القرن الماضي، منخفضاً بشكل استثنائي، ويبلغ 55 سنة للنساء (50 سنة للموظفين من المهن اليدوية أو ذوي الياقات الزرقاء) و60 سنة للرجال. وتتوقع الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن ينضب صندوق التقاعد الرئيس في المناطق الحضرية بحلول عام 2035، علماً أنه نظام أكثر سخاء بشكل نسبي ويغطي ما يقرب من 450 مليون من أبناء المناطق الحضرية من عمال ومتقاعدين وكوادر حزبية (الطبقة الدنيا في الصين مشمولة بنظام تقاعد محدود بشكل أكبر بكثير، وهي مؤلفة من أكثر من 500 مليون عامل من المهاجرين وقاطني الأرياف، وهم يشكلون جزءاً من السكان أكبر بكثير من أبناء المناطق الحضرية)، ولكن كما هي الحال في بلدان أخرى، مثل فرنسا، فإن رفع سن التقاعد أو تقليص المزايا يمثل تحدياً خطراً بالنسبة إلى الحكومة، لأنها باتخاذه تغامر بإثارة رد فعل شعبي واسع النطاق.

قد يعتقد المرء أن حكام الصين أكثر قدرة على مواجهة مثل هذه المجازفات وعلى الدفع بقوة بالإصلاحات الضرورية من نظرائهم الديمقراطيين، بالنظر إلى وجود جهاز قمعي قوي لدى بكين. إلا أن قادة الحزب المهووسين بالاستقرار يحجمون عن فرض الإصلاحات بشكل غريزي عندما يواجهون تظلمات مشتركة على نطاق واسع يمكن أن تتمدد متحولة إلى مقاومة جماعية. وقد جاء قرار بكين المفاجئ بإنهاء سياسات "صفر-كوفيد" في نوفمبر (تشرين الثاني) على الفور بعد أن أظهرت احتجاجات متفرقة مناهضة للإغلاق علامات تدل على انتقالها من مدينة إلى أخرى وتحولها من شكاوى في شأن سياسات الإغلاق إلى هجمات مباشرة على قادة الحزب.

أعاقت مثل هذه المخاوف بشكل منتظم إصلاحات ذات مغزى في عهد "شي". وعلى رغم اعتراف بكين بالحاجة إلى رفع سن التقاعد الرسمي لمدة 10 سنوات في الأقل، إلا أنها لم تفعل ذلك. ويشير القادة حالياً بصورة غامضة إلى أنهم سيصدرون خطة بحلول عام 2025. ويعكس هذا التأخير مخاوف جدية من أن الإصلاح الهادف للمعاشات التقاعدية من شأنه أن يلحق الضرر بمصالح الطبقة الوسطى الحضرية الكبيرة المكرسة في الصين، بمن في ذلك المسؤولين الحكوميين المتقاعدين وكوادر الحزب وأفراد أسرهم. ويمثل هؤلاء قاعدة دعم مهمة بشكل حاسم يتردد الحزب في الإساءة إليها، على عكس الجماعات الأخرى التي قمعها في الماضي، نشطاء مجتمع الميم، والأقليات العرقية في شينجيانغ، والعمال من أصحاب الياقات الزرقاء الذين سرحوا من قبل الشركات المملوكة للدولة في شمال شرقي الصين.

وقد لقيت سياسات إعادة التوزيع الرامية إلى تقليص الفجوة بين المناطق الريفية والحضرية المصير ذاته، كما لاحظ باحثون مثل وي كوي وماري غالاغر، أن "شي" تراجع بشكل ثابت عن الإصلاحات المحدودة في الإنفاق التي أطلقها منذ ما يزيد قليلاً على عقد من الزمان في ظل إدارة الأمين العام هو جينتاو ورئيس مجلس الدولة وين جياباو. في هذه الأثناء، ظلت مبادرة "الرخاء المشترك" التي طرحها "شي" أكثر بقليل من مجرد حبر على الورق وسط تحذيراته المتزايدة من مخاطر "الرفاهية" بين المحرومين في الصين.

مصالح سكان البلاد الصينيين أولاً

بصرف النظر عن الصين، تحول كل مجتمع في شرق آسيا يواجه تدهوراً في تركيبته السكانية إلى العمالة المستوردة للتخفيف من آثار انخفاض معدلات المواليد والسرعة في الوصول إلى مرحلة الشيخوخة، لكن تمحور "شي" نحو القومية العرقية سينسف قدرة بكين على استخدام هذه الأداة.

وعلى رغم تخيلات القوى العاملة في القرن الحادي والعشرين الآهل بالروبوتات، فإن التكنولوجيا لم تلغ الحاجة إلى العمالة البشرية الشابة. وقد ارتفع عدد المقيمين الأجانب في كوريا الجنوبية وتايوان من مستويات لا تذكر في ثمانينيات القرن العشرين إلى أكثر من 3 في المئة من السكان في كل منهما اليوم. وهناك ما يعادل نسبته نقطة مئوية أخرى من الأجانب الذين صاروا مواطنين وحصلوا على الجنسية عن طريق الزواج. وتردد شوارع تايبيه الآن أصداء أصوات النساء الفليبينيات والإندونيسيات اللائي يعتنين بالمسنين والعجزة التايوانيين، كما يعمل حالياً عشرات الآلاف من الفيتناميين في مواقع البناء وعلى متن قوارب الصيد التايوانية.

تحاول حكومات شرق آسيا الأخرى توسيع نطاق هذه الاتجاهات بهدف تخفيف ضغوط العمل المتزايدة. هكذا قللت اليابان من صرامة قوانين الهجرة في عام 2019، ومنحت حقوقاً أكبر للعمال الأجانب من أصحاب الياقات الزرقاء وابتكرت تأشيرات جديدة لاجتذاب العمال من ذوي المهارات المتوسطة في مجموعة متنوعة من المجالات. أما تايوان فقد تبنت إصلاحاً موازياً في عام 2022، وأعلن رئيس "مجلس التنمية الوطني" أن تايبيه تسعى إلى استقطاب 400 ألف عامل مهاجر إضافي خلال العقد المقبل.

ولو كانت بكين جادة في التخطيط لتقدم مجتمعها في السن مستقبلاً، لكان لديها أوراقها الخاصة لكي تلعبها. تتمتع الصين بمجموعة من الروابط الجنينية مع أفريقيا، وهذه هي المنطقة الوحيدة في العالم التي ستشهد طفرة شبابية خلال العقود المقبلة. وقد ارتفع عدد الطلاب الدوليين الأفارقة في الصين من 1793 في عام 2003 إلى أكثر من 80 ألفاً في عام 2018، وتطور مجتمع نابض بالحياة من عشرات الآلاف من التجار والمهاجرين الأفارقة في قوانغتشو بحلول عام 2010. وبكين تشارك أيضاً في توسيع كبير للتعليم المهني في أفريقيا. ومن الناحية النظرية، يمكن للمرء أن يتصور برامج مصممة بعناية لتدريب جيل من الفنيين الأفارقة للمساعدة في إدارة المصانع الصينية ومقدمي الرعاية الأفارقة للعناية بعشرات الملايين من كبار السن في المناطق الريفية مع تقدم سكان الصين في العمر وتضاؤل عددهم.

،، واجه الطلاب والأجانب الآخرون في الصين موجة من العداء مع تفشي الوباء ،،

لكن، يكاد يكون من المؤكد أن هذا لن يحدث. وتحت شعار "شي" الخاص بـ"تجديد شباب الأمة الصينية"، تتضاءل الشعارات الاشتراكية أمام محاولات لتأطير واضح لمفهوم الصين من حيث الثقافة والعرق. حظرت السلطات المنتجات الثقافية الأجنبية، سواء كانت معمارية الطابع أو احتفالات عيد الميلاد التي اعتبرت أنها تتعارض مع جوهر الصين نفسه، في حين أن السياسات العرقية تنحرف بعيداً من منح الأقليات العرقية الاستقلالية الصورية على الطريقة السوفياتية إلى الاستيعاب أو الانصهار العدواني.

هذا التحول القومي العرقي يؤجج النيران الكامنة [في المجتمع الصيني] للمشاعر المعادية للأجانب. خلال أوائل عام 2010، نفذت السلطات المحلية في قوانغتشو حملة صارمة على الهجرة أدت إلى خفض عدد أفراد المجتمع الأفريقي في المدينة إلى النصف بحلول 2016. وواجه الطلاب والأجانب الآخرون موجة من العداء مع تفشي الوباء في أوائل عام 2020، بما في ذلك عمليات إخلاء جماعي لمئات الأفارقة في قوانغتشو، ما أدى إلى احتجاجات دبلوماسية منسقة من قبل عدد من الدول الأفريقية.

وأدت هذه المواقف الاجتماعية المتشددة إلى إفساد جهود الصين الأولية الرامية إلى جعل سياستها المتعلقة بالهجرة أكثر انفتاحاً. منذ أوائل عام 2010، قامت الحكومة بإصلاح نظام الهجرة الخاص بها لتعميق العلاقات مع المغتربين الصينيين في الخارج واستقطاب المواهب الأجنبية بشكل أفضل، ولكن عندما أصدرت بكين مسودة لوائح مقترحة تهدف إلى توسيع نطاق الإقامة الدائمة للأجانب على نحو معتدل في عام 2020، فإنها أثارت بذلك دوامة متأججة عبر الإنترنت من قبل سكان البلاد الأصليين التي تعتبر أن مصالح الصينيين تأتي قبل مصالح أي كان، وقد سجلت أكثر من أربعة مليارات مشاهدة للمنشورات حول هذا الموضوع على منصة التواصل الاجتماعي Weibo في أسبوع واحد. وبحسب ما أوضحت الباحثة تابيثا سبيلمان بالتفصيل، فقد وضع المسؤولون مقترحاتهم على الرف عندما تلقوا تعليقات سلبية بغالبية ساحقة، واتهامات ببيع الأمة إلى "الأجانب المزيفين" (أي النخب الصينية التي حصلت على جنسية أجنبية)، إضافة إلى انتقادات عنصرية قاسية تستهدف مجتمعات التجار الأفارقة.

مستقبل رمادي

إن اتجاهات من هذا النوع ستختبر الصين بشدة فيما هي آخذة في التقدم في العمر والتقلص في عدد السكان. وسيزداد الصراع في المناطق الحضرية بين الحكومة والأعداد المتزايدة من سكانها المتقاعدين العازمين على حماية المزايا التي يتمتعون بها. وتوفر الاحتجاجات الأخيرة لمحة عن مستقبل الصين، ففي فبراير (شباط)، تجمع آلاف المتقاعدين من الشركات المملوكة للدولة في مدينة داليان وكذلك في ووهان للاحتجاج على الإصلاحات المحلية التي قللت من مساهمات الدولة في حسابات الرعاية الصحية الشخصية الخاصة بهم. وستصبح هذه المشاهد مناظر مألوفة في السنوات المقبلة، ستشمل برنامجاً لمزايا حكومية تلو الآخر فيما تضطر السلطات الصينية إلى أن تحسب حساب التحولات السريعة في التركيبة السكانية والقيود المتزايدة على الميزانية. وسيميل المسؤولون المحليون بشدة إلى التراجع عن الإجراءات التي تؤثر سلباً على المجتمعات الحضرية، أو إلى إرجاء تطبيقها مع الطلب من المجتمعات الريفية ذات العلاقة الأضعف بمراكز القوة والتي تتمتع بامتيازات أقل كما أنها أقل صراحة في التعبير عن مواقفها، أن تتحمل الكلفة بدلاً من الحضرية.

وتدل هذه الاتجاهات على أن مستقبل ريف الصين قوامه اليأس المتعاظم. وتوقع نيكولاس إيبرستادت، المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي، وأشتون فيرديري المتخصص في علم السكان أنه بحلول منتصف هذا القرن سيكون لدى نصف المواطنين الصينيين الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً إما طفل واحد أو لا أطفال، ويمثل ذلك ارتفاعاً من نحو 20 في المئة في الوقت الحالي. وسيتضاعف الطلب على خدمات المسنين في جميع أنحاء البلاد، لكن المناطق الريفية ستتحمل العبء الأكبر. وسيواجه المهاجرون الصينيون الذين يتقدمون في السن بسرعة مطردة الحاجة إلى رعاية أنفسهم وآبائهم المسنين في الريف مع وجود دعم محدود من الدولة أو من أشقائهم.

إن تحول بكين إلى الاهتمام بنفسها سيعوق قدرتها على بناء قنوات قانونية رسمية لتدفقات العمالة الدولية للاستجابة لحاجات الصين المتنامية، لكن المطالب المحلية الملحة ستؤدي ببساطة إلى تطور الضغوط الاجتماعية في اتجاهات سرية أكثر خبثاً. قد تشمل الأمثلة على هذا التحول توسع عمليات الاتجار بالبشر لجلب نساء من باكستان وميانمار إلى المناطق الريفية الفقيرة في الصين، أو ظهور برامج تزعم استقدام طلاب دوليين من بلدان أقل تقدماً إلى الصين من أجل التعليم، بينما هي في الواقع تستغلهم كعمال بكلفة بخسة.

هذه ليست وصفة لصعود إلى مستوى الهيمنة العالمية، أو حتى الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل. وبدلاً من ذلك، فإن شيخوخة السكان السريعة في الصين والنظام السياسي الاستبدادي الصارم بشكل متزايد سيعوق البلاد بشدة، وهي تتقدم بخطوات متعثرة نحو منتصف القرن الحادي والعشرين.

* كارل مينزنر، هو زميل بارز لدراسات الصين في مجلس العلاقات الخارجية وأستاذ بكلية فوردهام للحقوق، والمقال مترجم عن "فورين أفيرز"، 2 مايو 2023
https://www.independentarabia.com/

اضف تعليق