رغم خطورة اللحظة، فإنها تشكل أيضاً فرصة لصياغة سرد لما يعنيه السلام في اليمن: ليس رؤية الحوثيين في الهيمنة، ولا مطالب الحكومة الفاترة باستسلام المتمردين، بل سلسلة من التنازلات من خلال محادثات متعددة الأطراف تعترف بالوقائع على الأرض وتشير إلى النوايا الطبية لجميع الأطراف. مع يأس الفصائل المعادية...

بعد نحو ثمان سنوات من الحرب في اليمن، تجري مفاوضات بين المتمردين الحوثيين والمملكة العربية السعودية. لكن هذه النقاشات بحد ذاتها لن تتمكن من إنهاء الأعمال القتالية. ولذلك ينبغي على الأمم المتحدة أن تبدأ بتحضير الأرضية لمفاوضات تشمل جميع أطراف الصراع.

ما الجديد؟ الحرب اليمنية متوقفة بشكل غير مستقر منذ 2 تشرين الأول/أكتوبر موعد انتهاء الهدنة التي توسطت الأمم المتحدة في التوصل إليها. أما ما إذا كان القتال سيستأنف أم لا فيعتمد غالباً على قناة الاتصال المبهمة بين السعوديين والحوثيين والتي كان العُمانيون قد يسّروا إنشاءها، وليس على المسار الرئيسي الذي تقوده الأمم المتحدة.

ما أهمية ذلك؟ إن اتفاقاً حوثياً – سعودياً أفضل من تجدد الأعمال القتالية. لكن إذا صيغ بشكل سيء، أي إذا كان أكثر كرماً مما ينبغي مع الحوثيين أو ببساطة غير قابل للتطبيق، كما كان حال المقترحات السابقة، فإن من شأنه أن يزيد من جرأة الحوثيين على التهرب من المفاوضات، ودفع الأطراف الأخرى إلى تعطيله أو يؤدي إلى مرحلة أكثر فوضوية من القتال.

ما الذي ينبغي فعله؟ الفصائل اليمنية المعادية للحوثيين يائسة من المفاوضات الحوثية – السعودية، التي أقصيت عنها. وإذا كانت الأمم المتحدة ستشرع في نقاشات تهدف إلى تسوية سياسية شاملة، فإنها ستجد على الأرجح مشاركة كبيرة. ولذلك، ينبغي على السعوديين أن يضمنوا أن أي اتفاق مع الحوثيين سيؤدي إلى إعادة توجيه المفاوضات نحو الأمم المتحدة.

لمحة عامة

حرب اليمن في حالة غير مستقرة من تعليق الأعمال القتالية. ففي نيسان/أبريل، رتبت الأمم المتحدة هدنة دامت ستة أشهر انتهى أمدها في تشرين الأول/أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، التزمت الأطراف اليمنية والإقليمية في الصراع بهدنة دون هدنة، فأوقفت إطلاق النار بشكل عام بينما يسعى المتمردون الحوثيون إلى مفاوضات ثنائية مع السعودية، التي يعدّونها خصمهم الحقيقي. لكن مع تباطؤ هذه المحادثات، فإن الحوثيين وخصومهم اليمنيين في الحكومة المعترف بها دولياً، مجلس القيادة الرئاسي، بدأوا بالتحضير لجولة أخرى من القتال وصعدوا حرباً اقتصادية موازية. إذا تمكنت صنعاء والرياض من التوصل إلى اتفاق، فإن القتال سيبقى متوقفاً. لكن مثل هذا الاتفاق قد يقنع الحوثيين بأنهم يستطيعون الالتفاف على المفاوضات مع مجلس القيادة الرئاسي، الأمر الذي ينذر بالشؤم بالنسبة لاحتمالات قيام حوار وطني شامل. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، في هذه الأثناء، فإن مواجهة عسكرية أخرى تلوح في الأفق. ولذلك، ينبغي على الأمم المتحدة والقوى الخارجية أن تدفع السعوديين والحوثيين إلى العثور على أرضية مشتركة، بينما يستعدون لمحادثات متعددة الأطراف وأن يوضحوا أن اتفاقاً حوثياً – سعودياً، بحد ذاته، لا يحقق السلام في البلاد.

كانت الهدنة دون هدنة نتاج مساومة صلبة من قبل الحوثيين تهدف إلى الحصول على الحد الأقصى من المزايا من المفاوضات مع السعودية بينما تقصي أعداءهم في مجلس القيادة الرئاسي وتقدم عدداً قليلاً من التنازلات، هذا إذا قدموا شيئاً من جهتهم. كانت مطالب اللحظة الأخيرة التي تقدم بها الحوثيون هي التي قوضت جهود الأمم المتحدة لتمديد وقف القتال لمدة ستة أشهر في أواخر أيلول/سبتمبر. ومنذ ذلك الحين تمسك الحوثيون بشروط مسبقة يصفونها بأنها إغلاق الملف الإنساني” – ورفع جميع القيود على حركة الطيران القادم والمغادر من مطار صنعاء وعلى الحركة في ميناء الحديدة، ودفع رواتب جميع موظفي الدولة، بما فيها الأجهزة العسكرية والأمنية في المناطق التي يسيطرون عليها – مقابل استعادة الإنفراج. أما الثمن الذي طلبوه لإنهاء الحرب فهو أعلى؛ أي أن يتوقف السعوديون عن دعم خصومهم اليمنيين، وأن يقدموا إلى جانبهم دفعات لإعادة الإعمار، أي ضمان تفوقهم في نظام ما بعد الاتفاق.

لم يتصاعد الصراع العسكري بشكل كبير منذ انتهاء أمد الهدنة في تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن صراعاً اقتصادياً موازياً تصاعد. في تشرين الأول - وتشرين الثاني/نوفمبر أطلقت القوات الحوثية هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على منشآت تصدير النفط في جنوب اليمن، ما أدى إلى وقف الشحنات وقطع مصدر حيوي لإيرادات الحكومة. كما ألمح الحوثيون إلى تجدد حربهم عبر الحدود مع السعودية والإمارات العربية المتحدة. رد مجلس القيادة الرئاسي بالمثل، مصنفاً الحوثيين جماعة إرهابية ومتعهداً باستهداف مصالحهم المالية والإعلامية. ومع قيام الجانبين على ما يذكر بتعزيز القوات والعتاد على الجبهة، فإن فرص تجدد القتال تبقى مرتفعة بشكل خطير.

لكن حتى الآن، لا يبدو أن أياً من الطرفين مستعد للعودة إلى الحرب. فرغم كل تبجحهم، قد يدرك الحوثيون أن تجدد القتال سيكون مكلفاً، على الأقل بسبب القيود الاقتصادية الصارمة التي يواجهونها. وقوات مجلس القيادة الرئاسي، من جهتها، في موقع لا يؤهلها للعودة إلى المعركة. مدفوعين بغضبهم من الهجمات الحوثية على منشآت تصدير النفط، مصدر دخلهم الوحيد، وربما بقلقهم حيال المفاوضات الحوثية – السعودية التي لا يشاركون فيها، فإن مسؤولي مجلس القيادة الرئاسي طرحوا سراً وعلناً فكرة العودة إلى الحرب.

إلا أن المجلس، الذي تشكل في نيسان/أبريل ليحل محل الرئيس المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي بصفته السلطة التنفيذية، واجه صعوبات في توحيد صفوفه. بدلاً من ذلك، وفي الوقت الذي كانت فيه الهدنة سارية المفعول، فإن الحلفاء الاسميين بين قوات مجلس القيادة الرئاسي قاتلوا بعضهم بعضاً. كما يعتمد المجلس على الدعم السعودي – وقد حذرت الرياض القادة العسكريين للمجلس بأنها قد لا تساعدهم إذا بدأوا القتال دون موافقتها.

الأمر الأكثر أهمية، هو أنه ثمة محادثات للتوصل إلى هدنة أخرى، ولو بشكل رئيسي عبر مفاوضات حوثية – سعودية مباشرة وليس عبر المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة. فيما يبدو على أنه علامة على الرغبة بإنهاء دورها في الحرب الأهلية في اليمن، تستمر الرياض بالتحدث إلى الحوثيين رغم هجماتهم على البنية التحتية لتصدير النفط والغاز. ويبدو أن الحوثيين أيضاً يستعملون لهجة أكثر تصالحية مع السعوديين، سواء سراً أو علناً. لكن لم تجد الرياض وصنعاء بعد أرضية مشتركة، بسبب أساليب التفاوض المختلفة والمطالب غير المتوافقة.

يدفع الحوثيون إلى التوصل إلى اتفاق خطي مفصّل يحقق مطالبهم – بشكل رئيسي إنهاء القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة ودفع رواتب جميع موظفي الدولة، بما في ذلك أجهزتهم العسكرية والأمنية (مقابل هدنة طويلة) وأن ينسحب السعوديون من الحرب، وأن يوقفوا دعمهم لمجلس القيادة الرئاسي وأن يدفعوا للحوثيين من أجل إعادة الإعمار (لإنهاء الحرب) – في حين يسعى السعوديون للتوصل إلى تفاهم حول مسار لإنهاء الحرب، ويترددون في الالتزام بأي شيء خطي. ويفترض كل من الطرفين أن الطرف الآخر سيقبل بمطالبه، عاجلاً أم آجلاً.

يشكل المسار الحوثي-السعودي مأزقاً محتملاً للأمم المتحدة واللاعبين الدوليين الآخرين الساعين إلى إنهاء حرب اليمن. فقد كان واضحاً أن تفاهماً حوثياً – سعودياً من نوع ما ضروري لوضع حد للأعمال القتالية. وبالفعل، فإن الحوثيين يصرون على أن وحده اتفاق ثنائي بين السعوديين وبينهم، وليس محادثات مع مجلس القيادة الرئاسي، يمكن أن يوقف القتال. وهم يتطلعون إلى حوار مع خصومهم المحليين، لكن فقط بعد أن يسحب السعوديون دعمهم العسكري والمالي لهذه القوات. ويبدو أن المتمردين يرون في المفاوضات فرصة لتعزيز فكرتهم عن السلام – اتفاق مع السعوديين يقصي جميع الفصائل اليمنية الأخرى – هو ليس خطة الأمم المتحدة للمحادثات متعددة الأطراف التي تفضي إلى تسوية. هذا أقصى ما يخشاه خصوم الحوثيين

تواجه الأمم المتحدة تحديان جوهريان. أولاً، ينبغي أن تضمن أن تستمر المحادثات الحوثية – السعودية لكن أن تقنع المتمردين بعدم صوابية فكرة أنه بوسعهم تجنب الحوار مع خصومهم. كما ينبغي أن توضح أن الشرعية الدولية لجميع الأطراف تستند إلى المشاركة في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة. ثانياً، يجب أن تقنع الحوثيين بالعودة إلى تلك المفاوضات قبل أن ينهار مجلس القيادة الرئاسي أو يتوحد خلف العودة إلى الحرب. إن أداء هذه المهمات لن يكون إنجازاً سهلاً.

لكن رغم خطورة اللحظة، فإنها تشكل أيضاً فرصة لصياغة سرد لما يعنيه السلام في اليمن: ليس رؤية الحوثيين في الهيمنة، ولا مطالب الحكومة الفاترة باستسلام المتمردين، بل سلسلة من التنازلات من خلال محادثات متعددة الأطراف تعترف بالوقائع على الأرض وتشير إلى النوايا الطبية لجميع الأطراف. مع يأس الفصائل المعادية للحوثيين جراء تركها خارج القناة الحوثية – السعودية وخوفها من المستقبل، فإن الأمم المتحدة في المكان المناسب للشروع في نقاشات رفيعة المستوى مع القادة اليمنيين الرئيسيين بشأن عملية سياسية تتمتع بالتفويض لقيادتها. بالشروع بهذه العملية الآن، وبدعم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وحكومات الخليج العربية، يمكن للأمم المتحدة أن تفرض نفسها بصفتها المرجع الرئيسي للمفاوضات في اليمن والوسيط الوحيد المحتمل للتوصل إلى سلام متعدد الأطراف، بصرف النظر عن نتيجة المحادثات الحوثية – السعودية.

https://www.crisisgroup.org/

اضف تعليق