لفهم كيف ينظر المواطنون عبر المنطقة إلى هذا التنافس، وضع الباروميتر العربي جملة من الأسئلة حول قادة التكتلين. كما يتضح من هذا الاستطلاع الجديد، فإن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هو القائد الذي يتمتع بأعلى درجة من التقدير في الدول المشمولة باستطلاع الباروميتر العربي. في ستة من تسع...

على مدار العقد الماضي، رأينا منافسة بين القادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وصفها البعض بالحرب العربية الباردة الجديدة، حيث يقود التكتل المعادي لإيران والإسلاميين السعودية والإمارات، وتقود تركيا وقطر التكتل الصديق لإيران والإسلاميين على الجانب الآخر. خلال السنوات الماضية قلت الانقسامات الحادة مع انتهاء الحصار بقيادة السعودية لقطر وتحسّن العلاقات بين أنقرة والرياض.

لفهم كيف ينظر المواطنون عبر المنطقة إلى هذا التنافس، وضع الباروميتر العربي جملة من الأسئلة حول قادة التكتلين. كما يتضح من هذا الاستطلاع الجديد، فإن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هو القائد الذي يتمتع بأعلى درجة من التقدير في الدول المشمولة باستطلاع الباروميتر العربي. في ستة من تسع دول شملها الاستطلاع، كان لإردوغان أعلى نسبة دعم قياساً إلى أي قائد آخر، وفي اثنتين من الدول الثلاث الأخرى، كان ضمن القادة الثلاثة الأعلى نصيباً من التقدير.

لكن رغم شعبيته الكبيرة نسبياً، فإن آراء المواطنين إزاء إردوغان بالنظر للسنوات السابقة ليست إيجابية بنفس القدر. فعند المقارنة بنتائج الدورة الخامسة للباروميتر العربي (2018-2019)، يتبين أن شعبية إردوغان قد تراجعت كثيراً في نصف الدول التي أجري استطلاع الباروميتر العربي فيها. إذ أن استحسان سياساته الخارجية تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تراجع بواقع 23 نقطة مئوية في السودان، و16 نقطة في الأردن، و12 نقطة في فلسطين، و11 نقطة في تونس. وفي لبنان، الدولة التي بها بعض أدنى معدلات دعم إردوغان، لم تطرأ تغيرات تُذكر على آراء المواطنين حوله في هذه المسألة.

وبينما تعد شعبية إردوغان هي الأعلى إجمالاً، فإن منافسيه الاقليميين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد يحلان في المركز التالي له من حيث الشعبية. كثيراً ما نجد أن شعبية كل من ابن سلمان وابن زايد متساوية إحصائياً، لكن يميل ابن زايد إلى حصد نسب شعبية أعلى بقليل. ابن زايد هو القائد صاحب أعلى شعبية في اثنتين من الدول الثلاث التي لا تفضّل إردوغان (العراق ولبنان). الاستحسان الذي يتشارك فيه القادة في نظر الناس قد يعكس صلاتهما القوية. فالدولتان كانتا موحدتين لوقت طويل في أهداف السياسة الخارجية، لا سيما فيما يخص مناوئة إيران ومحاربة الحركات الإسلامية عبر المنطقة. في جميع الدول التي شملها الاستطلاع – باستثناء العراق – كانت نسب تأييد القائدين متقاربة، بفارق لا يتجاوز الست نقاط مئوية. إجمالاً، يرى 66 بالمئة من المواطنين العراقيين إن سياسات ابن زايد “جيدة” أو “جيدة جداً” مقارنة بنسبة 50 بالمئة لابن سلمان.

ومن بين القادة الاقليميين الخمسة الذين طلب الباروميتر العربي من المواطنين تقييم شعبيتهم، كان الرئيس بشار الأسد والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي هما الأقل شعبية. بيد أن الأسد أعلى شعبية من خامنئي بقليل. في فلسطين فقط (16 بالمئة مقابل 11 بالمئة) وموريتانيا (37 بالمئة مقابل 26 بالمئة) كان خامنئي أعلى شعبية من الأسد بقدر كاف. خلال السنوات الماضية، ركزت إيران على بناء علاقات مع الدول الأفريقية، بما في ذلك إطلاق محادثات ثنائية مع موريتانيا. في الوقت نفسه، يعد الأسد هو القائد الإقليمي الأعلى شعبية في ليبيا، إذ قال 49 بالمئة من الليبيين إن سياساته “جيدة” أو “جيدة جداً”. وفي تونس، كانت نسبة استحسان الأسد (28 بالمئة) مساوية لتلك المتعلقة بابن سلمان (28 بالمئة) وابن زايد (29 بالمئة).

ويُرجح أن السياسات المحلية في دول القادة الإقليميين المذكورين تؤثر على آراء المواطنين تجاه هؤلاء القادة. فالتراجع الكبير في شعبية إردوغان عبر المنطقة جاء في وقت تخسر فيه تركيا معركتها ضد التضخم الاقتصادي. لقد بلغت الأزمة المالية التركية مستويات جديدة في يونيو/حزيران مع تجاوز التضخم نسبة 78 بالمئة بحسب التقديرات التركية. وتراجع احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي التركي لدرجة خطرة، ما أدى بتوجه إردوغان نحو تطبيع العلاقات مع خصومه القدامى والأطراف الإقليمية التالية في الشعبية بعده، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. إذا نجح إردوغان في مسعاه لتحسين العلاقات مع ابن سلمان وابن زايد، فمن المحتمل أن يؤثر هذا التقارب على شعبيتهم في نظر المواطنين العرب في المستقبل.

في ثلاث دول فقط تبين أن دعم إردوغان قد زاد كثيراً منذ استطلاع الباروميتر العربي للمنطقة في 2018 و2019: المغرب (زيادة 11 نقطة مئوية)، العراق (زيادة 10 نقاط مئوية)، ليبيا (زيادة 5 نقاط مئوية). هذا الدعم لإردوغان في كل من هذه الدول يرجح أن يكون مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بسياسات تركيا إزاء هذه الدول. على سبيل المثال من السهل ربط دعم المغرب لإردوغان بدعمه العلني المتكرر لدعاوى المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.

في ليبيا تدخلت تركيا بصورة مباشرة في الصراع الجاري داخل البلد. طالب البعض بإخراج القوات التركية، الأمر الذي يُرجح أنه قد أدى لمستوى شعبية اردوغان المتدني هناك. على أن الزيادة في دعم إردوغان نجدها بالكامل نتيجة لتزايد الدعم في غرب ليبيا. حيث لعب الأتراك دوراً مهماً في المساعدة على بسط سيطرة الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة. إجمالاً، فإن 31 بالمئة من الليبيين المقيمين في غرب البلاد يرون سياسات إردوغان “جيدة جداً” أو “جيدة”، مقارنة بـ 18 بالمئة فقط من الليبيين في الجنوب، و13 بالمئة في الشرق.

وهناك صورة مناطقية مشابهة في العراق. في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة العراقية بالبلاد، يؤيد 51 بالمئة من السكان إردوغان، بينما تبلغ النسبة 17 بالمئة فقط في المناطق الكردية العراقية. هذا غير مستغرب إذ يعارض إردوغان بقوة إنشاء أية دولة كردية.

ليس لدى الباروميتر العربي بعد بيانات عن توجهات آراء المواطنين عبر الزمن فيما يخص محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. يظهر من نسب الشعبية العالية نسبياً لكل من إردوغان وابن سلمان وابن زايد أن مواطني المنطقة لا يبالون بالحرب الباردة بين هؤلاء القادة. ولم تظهر بعد انعكاسات تحالف القادة الثلاثة الجديد على شعبيتهم في أعين المواطنين.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق