وبالغالب يكون مرتكب هذه الجريمة مدفوعاً بالسعي إلى حب الظهور أو الانتقام أو بسبب التعصب الأعمى، وقد يكون عدم النضج هو الدافع الرئيس لمرتكب هذه الجريمة، ومن الملاحظ ان القارة الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، عموماً تشهد تزايداً بارتكاب هذه الجريمة ضد المهاجرين والأسيويين وضد بعض الفئات والعرقيات والديانات...
تحرير: حسين علي حسين

ضمن النشاطات الفكرية لملتقى النبأ الأسبوعي عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية حملت عنوان (جريمة الكراهية لأسباب دينية... العدوان على القرآن الكريم إنموذجاً)، حيث قدم الدكتور علاء الحسيني ورقة بحثية في هذا الموضوع بحضور عدد من المفكرين والكتاب والأكاديميين، وقد جاء في نص الورقة:

"الكراهية أو جريمة الكراهية أو خطاب الكراهية في الآونة الأخيرة كثيراً ما نسمع بهذه المصطلحات والتي تشير إلى معنى واحد يتمثل في ((التحيز ضد أشخاص أو جماعات معينة لأسباب مختلفة بالغالب دينية أو عنصرية، بمعنى الكراهية لا تعني المشاعر السلبية تجاه الآخرين بل التمييز ضدهم خلافاً للقانون والفطرة السليمة))، لذا خطاب الكراهية لا يعد مجرد خطاب أو كلام أو شعور أو حرية شخصية بل بالغالب يتحول إلى أفعال تتضمن العدوان على الغير مادياً أو جسدياً أو معنوياً أو على الأقل تترجم إلى تحريض ضد الآخرين ممن يتباينون مع صاحب خطاب الكراهية، لذا قد يكون الخطاب بحد ذاته تحريضاً أو مساعدة على العدوان وبكل الأحوال نخرج من دائرة حرية الرأي والتعبير، إلى ارتكاب جريمة غاية بالخطورة تهدد الأمن الإنساني والتعايش السلمي.

وبالغالب يكون مرتكب هذه الجريمة مدفوعاً بالسعي إلى حب الظهور أو الانتقام أو بسبب التعصب الأعمى، وقد يكون عدم النضج هو الدافع الرئيس لمرتكب هذه الجريمة، ومن الملاحظ ان القارة الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، عموماً تشهد تزايداً بارتكاب هذه الجريمة ضد المهاجرين والأسيويين وضد بعض الفئات والعرقيات والديانات، وأخيراً ما بات يعرف بالإسلاموفوبيا حين ارتفعت أصوات نشاز تدعو إلى الإساءة للإسلام والمسلمين تحت ذرائع واهية أخرها جريمة تدنيس المصحف الشريف في دولة السويد، إذ قام أحد العراقيين المهاجرين بالعدوان على القرآن الكريم وأعقب ذلك ردود فعل رسمية وشعبية متباينة أثارت تساؤلات حول مسؤولية المجتمع الدولي ممثلاً بـ(الدول، والمنظمات الدولية المعنية بالأمن وحقوق الإنسان كالأمم المتحدة) إزاء السماح بأفعال ترقى إلى مخالفة التزامات قانونية دولية ووطنية، ومنها على سبيل المثال مخالفة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري للعام 1965 التي تنص في المادة (2) منها على "تشجب الدول الأطراف التمييز العنصري وتتعهد بأن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون أي تأخير، سياسة للقضاء علي التمييز العنصري بكافة أشكاله وتعزيز التفاهم بين جميع الأجناس، وتحقيقا لذلك:

أ‌- تتعهد كل دولة طرف بعدم إتيان أي عمل أو ممارسة من أعمال أو ممارسات التمييز العنصري ضد الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات، وبضمان تصرف جميع السلطات العامة والمؤسسات العامة، القومية والمحلية، طبقا لهذا الالتزام.

ب‌- تتعهد كل دولة طرف بعدم تشجيع أو حماية أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أية منظمة."

وعطفاً على ما تقدم تنص المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 على أن "يحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف".

وبعد قراءة الورقة البحثية عرض الباحث السؤالين التاليين على الأساتذة الحاضرين في هذه الحلقة لإغناء هذا الموضوع المهم وكالآتي:

السؤال الأول/ كيف تسهم ازدواجية المعايير الغربية في تعميق الشرخ بين الحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة؟

السؤال الثاني/ كيف يمكن مواجهة خطاب الكراهية؟

المداخلات

- الدكتور محمد مسلم الحسيني؛ باحث علمي وأستاذ جامعي‏ في بروكسل:

يمكن تعريف خطاب الكراهية حسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بأنه تهجم بالقول أو التعبير أو التصرف صادر عن فرد أو مجموعة من الأفراد وموجه ضد فرد أو مجموعة من الأفراد، مغلف بمعاني الازدراء والإهانة والسخرية، ومبني على أساس كراهية موجهة تمييزية قائمة على الهوية العرقية أو الدينية أو اللون أو الجنس أو النسب أو العاهة أو الانتماء الطبقي والاجتماعي أو غيرها.

هذا الخطاب العدواني المنبعث عن شعور سلبي مناقض للحس الإيجابي الحضاري ولرشاقة السلوك والأخلاق له أسبابه ودواعيه ولا ينحصر تواجده على مكان أو زمان محدد، بل أن كثافته ودرجته وحالات ظهوره تتباين طبقا لظرف المكان والزمان.

الكراهية بالمعنى العام هي نزعة ذاتية وشعور سلبي يناقض شعور المحبة. لها محفزاتها الخاصة وتختلف الاستجابة لها من فرد لآخر حسب ضوابط فسلجية ونفسية وعقلية وتربوية وثقافية واعتقاديه ومصالح شخصية. بنفس هذا السياق وعلى أساس هذه الضوابط تنشأ الكراهية الموجهة التمييزية التي تنبعث عنها خطابات الكراهية التي تنشطها وتحفزها بل تخلقها عوامل وظروف وثقافات تربوية خاصة.

أسباب ودواعي كثيرة تلعب دوراً في تنشيط وتفعيل خطابات الكراهية بين البشر، الخص بعضا منها بما يلي:

أولا/ الجهل وقلة الوعي: رتابة الوعي ونقص الثقافة الإيجابية وهشاشة الإدراك الصحيح لدى المؤثر والمتأثر بخطابات الكراهية تعتبر أرض خصبة ووسط ملائم لنمو هذا التوجه السلبي في المشاعر والتصرف والتفكير. هؤلاء الأفراد هم أهداف سهلة للتحريضات الداخلية والخارجية الموجهة بهذا الاعتبار.

ثانياً/ البيئة والنهج التربوي: ما يكتسبه المرء أثناء طفولته من ثقافات إجتماعية سلبية ومن أحقاد وكراهية ينشأ عليها في بيئته والتي تبنى على أسس عرقية أو دينية أو طائفية أو طبقية أو غيرها تعتبر حجر أساس في مستقبل أحاسيسه وتوجهاته. يكون هؤلاء هدف سهل للاستقطاب وأساليب التحريض على الكراهية المنبعثة من جهات سياسية أو سلطوية أو جهات متطرفة أخرى، تسعى لنشر الفرقة والفتنة وخلق حالة عدم الاستقرار في المجتمع.

ثالثا/ الاسلاموفوبيا والهجرة الشرعية وغير الشرعية في البلدان الغربية: أثرت الأحداث والأعمال الإرهابية التي قامت بها فئات متطرفة ترفع يافطات إسلامية في الغرب إلى نشر حالة من الرعب والخوف من الإسلام والمسلمين في نفوس الغربيين من جهة والى كراهية موجهة تمييزية شعورية ولا شعورية عند البعض منهم من جهة أخرى. ازدادت الهوة واتسع الضجر بتزايد عدد المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين الذين تركوا بلدانهم خشية الحروب ومصاعب العيش ولم يستطيعوا الإندماج كما ينبغي مع الوسط الجديد. فاقت إعداد المهاجرين طاقات استيعابهم في دول الغرب مما سلط ذلك ضغوطا اقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسية على الشعوب المضيفة وحكوماتها، في ظل ظروف إقتصادية وسياسية صعبة ومتزايدة التعقيد عقب جائحة كورونا وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية.

رابعاً/ السياسات المحلية المتطرفة: في ظرف متشنج إقتصاديا واجتماعياً ونفسيا وبظل تأثيرات الاسلاموفوبيا وكثرة المهاجرين، تسلل السياسيون المتطرفون إلى أركان الحكم في الحكومات الغربية وصار لهم شأنا لا يستهان به. صعود نجم الأحزاب المتطرفة واليمنية إلى سدات الحكم تعني قطعا تشنج الخطابات السياسية وتحفيز خطابات الكراهية ضد الأجانب والمختلفين وهذا هدف وغاية لهذه الأحزاب وشعار من شعاراتهم الستراتيجية.

خامسا/ تقاطع المفاهيم: تقاطع مفهوم خطاب الكراهية مع مفهوم حرية الرأي والتعبير، أدى إلى اختلاط في أوراق تفسير أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان. حرية الرأي والتعبير حق من حقوق الإنسان وخاصية من خصائص المجتمعات الديمقراطية الحرة، غير أنه من غير الممكن أن تكون هذه الحرية مدخلا للمتطرفين في استخدام خطاب الكراهية ضد الآخرين. الحد الفاصل بين حرية الفكر والتعبير والتحريض على الكراهية هو حد غير معرف ومبهم، وهذا قد شجع المتصيدين بالماء العكر بخلط الأوراق في مواقع ازدواجية المعايير ومثابات صنع المغالطات.

الكراهية حرية في نظر البعض

هذه الشعارات المتضاربة باتت ترفع حسب الوضع والحالة، إذ سرعان ما تنقلب تسمية التحريض على الكراهية إلى حرية فكر في نظر البعض، وحرية الفكر والتعبير إلى خطاب كراهية في موقف آخر وذلك حسب الظرف وحسب الميول والأهواء!. هذا التمييز بالأحكام لا يصدر فقط على صعيد الأفراد والجماعات وإنما على صعيد المجتمعات والدول، متحضرة كانت أم غير متحضرة، فللسياسة إراداتها وأحكامها!

التعامل الناجز والممكن في مواجهة ظاهرة خطاب الكراهية، يبدأ بمعرفة الدواعي والأسباب الفاعلة في صيرورتها وانبعاثها أولا، فدواء الداء يكمن بمضادات أسبابه. نستطيع التركيز على الأمور الممكنة في التعامل مع الحالة ونوجزها بالنقاط التالية:

أولا / مركزية التصدي لخطابات الكراهية:

التصدي لهذه الظاهرة السلبية يتطلب عملا دؤوبا وجهدا استثنائيا يشارك فيه الجميع دون استثناء وكل من خلال مكانته وموقعه، فرغم أن الجهد الفردي في بناء خطاب مضاد للكراهية هو أمر أساسي وممارسة فعالة وهامة، غير أن علاج الخلل يتطلب البدء من القمة إلى القاعدة. قادة الأمم السياسيين والدينيين والتثقيفيين لهم القدح المعلى في إنجاز هذه المهمة، فهم من يجب أن يقود حملة التصدي ضد لغة الكراهية. الحكومات يجب أن تسلك سلوكا يقتدى به في هذا المضمار وألا تكون جزاء مسؤولا في بناء هذه الظاهرة وبشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الصمت أو بالتحفيز الخفي أو المعلن لها.

على الحكومات أن تتخذ التدابير اللازمة لتعزيز المساواة وعدم التمييز بين أفراد المجتمع من جهة، والى وضع حد فاصل بين حقوق الإنسان في حرية الرأي والتعبير وبين التحريض على الكراهية من جهة أخرى. كما عليها أن تلتزم بفرض العقوبات والإجراءات القانونية التي نص عليها القانون الجنائي الدولي ضد كل من يحرض على التمييز والعداوة والعنف، بحيث تظهر هذه الإجراءات جلية في العلن وعلى أرض الواقع لا أن تبقى حبر على ورق غير قابلة للتنفيذ والتصرف.

ثانيا/ لجم النفاق السياسي:

استنكار خطاب الكراهية يجب أن يتم على الصعيد الداخلي في البلاد وعلى الصعيد الدولي وحسب متطلبات الحالة، كما ان الإجراءات الضرورية لكبح زمام هذه الظاهرة يجب أن تبقى موحدة ومدروسة وصادرة عن منظمات متخصصة عالمية كمنظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان. يجب الاتفاق على تعريف ثابت لمعنى خطاب الكراهية والفصل بين التحريض على العنف والعدوان وبين حرية الفكر والتعبير كي لا تبقى الأبواب مفتوحة على مصراعيها لتأويل الحالة وتبرير الأفعال من قبل السياسيين وحسب أهوائهم وإراداتهم.

كما يجب ألا تستخدم الدبلوماسية كعذر في لجم الأفواه في انتقاد من يستحق الانتقاد، حيث تطغي المصالح وأسس العلاقات الخاصة بين الدول على ما يجب فعله بهذا الشأن. بنفس الوقت يجب عدم السماح للسياسيين المتطرفين في تمرير أجنداتهم الخاصة في هذا السياق من خلال المحاسبة القانونية الصريحة لهم والتي ينص عليها القانون الدولي بهذا المضمار.

ثالثا/ الحوار الهادف:

يجب تشجيع وتنشيط الحوارات والنقاشات الجادة والهادفة في بناء خطاب مضاد للكراهية بين المجموعات المتباينة في داخل البلد نفسه أو على المستوى الخارجي بين حكومات الدول. هذا الحوار قد تقوده هيئات وأطراف رسمية أو منظمات مجتمع مدني أو ممثليات دينية واجتماعية وثقافية وإنسانية وغيرها. تهدف هذه الجهود إلى التقارب والتفاهم والتكافل والتكامل في وضع الحلول الناجعة والإجراءات اللازمة التي من شأنها مراقبة الأفكار والتصرفات والتصدي لكل ما يتعارض مع مقومات المنهج الإنساني الصحيح.

رابعا/ الإعلام النزيه:

للإعلام النزيه والمتحضر دور رائد وفعال في نشر الوعي الحضاري بين الناس ومحاربة الظواهر الاجتماعية السلبية المناهضة للمنطق والإنسانية والأخلاق. كما يجب ملاحقة ومحاسبة الإعلام المتطرف المسيس الذي يستخدم لغة التحريض المحفزة للعنف والكراهية، وعدم السماح لنشاطاته المضللة أن ترى النور وتحت مظلة إي اعتبار أو تفسير أو تبرير لا يتناسب مع أهداف السلم والسلامة وحقوق حماية المعتقدات والأعراف والقيم.

خامساً/ صواب ردة الفعل:

رغم أن خطاب الكراهية له أساليبه الاستفزازية التي تؤجج المشاعر والغضب في النفوس المستهدفة، غير أن ردود الأفعال لهذه الأعمال المشينة يجب أن تتسم بالتروي والتريث والعقلانية. من غير المفيد أن تواجه الأفعال المشينة بردود أفعال تشابهها، فليس من الحكمة أن تنجر الأفراد والجماعات بل وحتى الحكومات والدول إلى ردود أفعال تجعلها تدفع الثمن غاليا أو تكون صيد سهل يقع في فخ أعدائها. التصعيد والعنف المقابل غير المدروس لا يحل المشكلة إنما يعقدها ويجلب الأذى للنفس من حيث تدري ولا تدري، كما يجعل المستهدف جزءا مكملا للفتنة المطلوبة حيث تتحقق أهداف صانعيها...!

- الدكتور حميد مسلم الطرفي: مدير منظمة الهلال الأحمر سابقا:

نحن نعيش في عالم اسمه العالم الدنيوي بما يقابل العالم الأخروي أو العالم الأرضي بما يقابل العالم السماوي، ومفردات مثل المُثُل والقيم والأخلاق الفاضلة تبقى أسيرة صراع المصالح والجاه والسيطرة في عالمنا.

لذا لا غرابة على الإطلاق من المعايير المزدوجة والتفسير المصلحي لكل مفردات الخير والشر، والتاريخ شاهد على ذلك، فمتى تمكنت حضارة أو دولة وبات لديها فائض من القوة سال لعابها بما لدى الغير من ثروة او جاه. ما يمنع الغرب من فرض حضارته وأخلاقه وقيمه على المسلمين ليس المثل التي ينادون أو يدعون بها وانما قوة المسلمين وكثرة عددهم وارتباط مصالحهم أي مصالح الغرب معهم.

لا نحتاج الى مزيد من الجهد لنكتشف ازدواجية معايير الغرب في قضايا مهمة مثل حقوق الانسان، والاحتلال الصهيوني لفلسطين، ودعم انظمة ديكتاتورية موالية للغرب. متى يتخلص الغرب من ازدواجية المعايير؟ عندما تتمكن الشعوب المسلمة من امتلاك زمام المبادرة في مجال العلم والتكنلوجيا واستثمار الثروات الطبيعية حينها ستحسب حكومات الغرب الف حساب قبل المساس بمقدسات المسلمين ومشاعرهم الدينية.

إن التبرير بحرية التعبير، والحفاظ على الحقوق، ومراعاة لقوانين المحلية، كل ذلك يقف خلفه شعورهم بقوتهم وضعفنا، وحاجتنا اليهم واستغنائهم عنا، وغيابنا عن صانع قرارهم وحضورهم في صنع قرارنا.

ازدواجية معايير الغرب ليست وليدة اليوم، إنها برزت منذ بان ضعفنا وغزينا بعقر دارنا، وتفرقنا عن حقنا وهكذا هي الدنيا لا تخلو يوما من صراع.

إن القيم الانسانية التي ينادي بها الغرب واللاعنف والسلم ومناهضة الكراهية والعنصرية، ينادي بها مادامت توفر له الازدهار وتحولنا الى رعايا سمحين مطيعين ودودين، يحلب مواردنا ويستثمر خيراتنا، حتى إذا أحس بتنامي قدراتنا ورغبتنا باستقلال قراراتنا ضرب كل تلك الشعارات والمعايير عرض الحائط وراح يعاقبنا ويحاصرنا وان اقتضى الأمر يغزونا.

أما كيف نواجه خطاب الكراهية فلا سبيل لذلك إلا عندما تدرك الحضارات والشعوب المختلفة حاجتها لبعضها البعض وتوازنها مع بعضها البعض وخشيتها من العواقب المترتبة على عدائها لبعضها البعض فمن أمن العقاب أساء الأدب، هكذا هو طبع الانسان، وطبع الأقوياء. اذا امتطينا ناصية العلم، وبنينا دولاً ذات هيبة ونفوذ، واعتمدنا على ذواتنا في المعرفة والعمران، حينها سنواجه خطاب الكراهية، ولا أبالغ اذا ما قلت حتى نحن -اعني المسلمين- حينما نشعر بفائض القوة سيصدر منا ما يغيض الغرب ويهيج مشاعرهم، تلك غرائز البشر وصراعهم من أجل السيادة والسيطرة على هذه الأرض.

- الباحث حسن كاظم السباعي:

من المسلم به؛ إن أي قوة سياسية تسعى لفرض سيطرتها وهيمنتها وترويج أفكارها ومبادئها وثقافتها وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لأي تيار فكري. وبما أن القوة السائدة في الزمن الراهن هي بزعامة الغرب، فلا يُتوقع أن يكونوا محايدين وأمناء في حفظ الحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة.

فكل حزب بما لديهم فرحون، وكل من لديه القوة أو السلطة لا يراعي غالبا حقوق الآخرين بقدر ما يراعي حق نفسه ويحاول فرض ثقافته وإن ادعى الحياد والموضوعية في سنّ قوانين حقوق الإنسان أو احترام الثقافات. كما لا يمكن أن نتوقع ذلك من مؤسسة دولية وعالمية بضخامة الأمم المتحدة أيضا، ذلك لأنها هي الأخرى من نتاج القوى العظمى التي تطمح للسيطرة بفرض أفكارها أو مبادئها؛ مهما تظاهرت بالشمولية العالمية.

ومن مبادئ الغرب -حاليا- سواء كانت مبتنية على مصالح سياسية أو أسس أخرى تحرّم المساس أو مجرد نقاش موضوع وقوع "الهولوكوست"، أو حرق عَلَم دولة أو نظام من الأنظمة السياسية المرحب بها، لكنها في نفس الوقت تسمح بانتهاك حرمة الأديان والمقدسات لدى الكثير من أبناء البشر تحت عنوان حرية البيان.

وهذا الأمر ليس خاص فقط بالغرب، فحتى لو انتهى عهد الزعامة الغربية على العالم و-الذي هو فعلا على وشك الانتهاء حسب نظرية التداول التي تتكرر كل مائة عام- فإنَّ القوة التي ستليها أو تخلفها سيكون لها نفس النمط؛ أي أنها هي الأخرى ستبذل جهودها للهيمنة وفرض مبادئها على العالم؛ ولربما قد تفوق على سلفها الغربي مما يؤدي إلى ترحم أبناء العالم على السيطرة الغربية!.

من هنا وبناء على هذا الأساس؛ فإنَّ المشكلة ليست فقط في كون المعايير مزدوجة لصالح الأقوى وإنما هي في الأصل فاسدة كونها تتعصب لما تعتقد به من دون الوصول إلى قاسم مشترك يؤدي إلى حفظ الحقوق والثقافات الإنسانية المختلفة، أو الإتفاق على كلمة سواء تمنع انتهاك الحرمات المقدسة.

وفيما يرتبط بكيفية مواجهة خطاب الكراهية؛ فإنَّ الأمر مبدئيا قائم على عاتق أصحاب العلم والفكر الذين يحملوا همّ التعايش السلمي، وذلك بأقلامهم وخطاباتهم ومناهجهم ليبعدوها كل البعد عن أي نوع من أنواع التعصب والكراهية والعنف وإهانة الآخرين.

ومثال ذلك؛ نجحت نيوزلندا في ترويج هذه الثقافة عبر تأهيل معلميها؛ حيث فرض أصحاب الفكر على من أراد ممارسة مهنة التعليم أن يدرس أولا منهج التعايش السلمي واحترام بقية الأديان والتقاليد؛ فوضعت أسابيعا وأياما للحديث عن مختلف ثقافات طلابها في فصولهم التعليمية. كما فرضت آراءها على سائر أركان الدولة بسنّ قوانين تمنع أي عمل استفزازي قد يخل بالتعايش والوئام ولو على مستوى الكلام في بلد يحوي الكثير من الأديان والثقافات والشعائر، وما ذلك إلا لإدراكها لخطورة اشعال فتيل الفتن وما يولده من كوارث وحروب أهلية لا نهاية لتبعاتها.

من هنا فإن سلوك الطريق العلمي والعملي نحو التعايش السلمي والفكر الذي يقبل الاختلاف وفي نفس الوقت يلتزم بشروط الاحترام يؤدي إلى السلام والأمن والرفاه والعدالة، وأي تباعد عنه يؤدي إلى التعصب الأعمى والعنف المتبادل.

وعليه؛ لو وضع أصحاب صنع القرار والقانون هذه النظرية القرآنية نصب أعينهم – وهو كتاب علم قبل أن يكون كتاب دين-: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم"؛ فإن الحصيلة ستنتج قوانين جديدة تصد عن أي حركة تدعو إلى الكراهية والعدوان.

وهذه النظرية قد تكون متوفرة في محتوى أو متون مختلف الدساتير أو البيانات الدولية أو المحلية وذلك بتعابير مختلفة لكنها متفقة في المغزى وهو الابتعاد عن كل عمل سلبي قد يؤدي إلى إثارة المشاعر السلبية أو الاستفزاز.

وبناء على هذا الأساس؛ فيبدو أن هنالك فرصة لأصحاب الفكر في أن يقدموا معايير جديدة للمرحلة القادمة في فترة انتقال القوة لزعامة العالم لغير الغرب، فإذا كانت المراحل السابقة قائمة على قدرة المال والسلاح مما جعل الغرب الرأسمالي يتصدر العالم، فإن المرحلة القادمة ستكون قائمة على الذكاء الصناعي وما يسمى بحكومة المعلومات" Government of Data"، وهو الذي جعل الصين أن تكون المرشحة لزعامة المرحلة القادمة لقدراتها في هذا المجال، فإذا استغل أصحاب الفكر فرصة التحول العالمي "Global Transformation"، فإنهم سيكونون قادرين على تصحيح القوانين ورفض الازدواجية في المعايير، وذلك من خلال التركيز على القواعد المشتركة بين الحضارات البشرية، بل وحتى قيم إنسانية مشتركة؛ مثل شعار حقوق الإنسان، أو قبول الرأي الآخر، ونبذ العنف والتطرف، وادانة بث التفرقة والكراهية، والدعوة إلى العدل والمساواة..

- الباحث حامد عبد الحسين الجبوري:

السؤال الذي يجب أن يُطرَح، هو لماذا حُرِق القرآن؟، وهل الشخص الذي قام بالحرق نتيجة لأسباب لوضع سابق في العراق، أم هو بدافع العداء، هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرَح ويتم مناقشته، وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت لحرق القرآن، هذا السؤال جوهري، وفي مسألة أخرى وهي مهمة أيضا وينبغي الالتفات لها، وهي تتعلق بالأولوية أو الوسيلة والهدف، بمعنى هل الكتاب المقدس أهم من الإنسان أم الإنسان هو الأهم؟ هذه أيضا نقطة مهم من الضروري التعليق عليها والإشارة إليها.

الله سبحانه وتعالى أو الخالق بشكل عام وضع كتبه ودياناته لأجل سعادة الإنسان، فأي شيء يتعارض مع هذه السعادة بشكل واضح غير مقبول، وقد أشار القرآن إلى مسألة الكرامة الإنسانية (وكرمنا بني آدم) وكذلك (لا إكراه في الدين) فإن أي شيء يتعلق ويتعارض مع سعادة الإنسان أو كرامة الإنسان فهذا بالتأكيد سوف يكون في الاتجاه الخاطئ، فمسألة الأولوية الأساسية هي مسألة كرامة الإنسان، والإنسان هو أولا، والديانة جاءت لتحقيق سعادة الإنسان، فهل تدخل عملية حرق القرآن في دائرة حرية التعبير، كان على الفاعل أن يرجع إلى الجهات المختصة لأخذ حقه؟

في هذه الحالة أعدنا كل الأمور إلى نصابها، فلك حرية التعبير ولك حرية الاعتقاد، بالمقابل توجد جهات مختصة في حال شعر بخطأ تجاهك أو شخص ما اعتدى على حقك فهناك جهات مختصة تأخذ لك حقك.

- الباحث محمد علاءالصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

بدءً سوف أعلّق على ازدواجية المعايير، فالمعايير المذكورة هي المعايير الغربية، والازدواجية في هذا المجال موجودة تقريبا في كل المجتمعات، واليوم نحن نشهد حالة ازدواجية المعايير، مثلا إذا أردنا أن نحلل سلوك هذا الشخص الذي أقدم على حرق القرآن (بالطبع هناك من سبقه في هذا الفعل ولا نستطيع أن نلقي المسؤولية الأولى عليه، لأن هناك من سبقه في نفس المجتمعات الغربية، وليس شرطا أنه كان في الدنمارك أو السويد أو في فرنسا كما حدث في قضية رسوم الكاريكاتير فهي بالنتيجة إساءة لرموز دينية أيا كانت والتركيز كان يكون عادة على المسلمين خاصة بعد ربطهم بقضية القاعدة وتفجيرات سبتمر، حدث هناك استهداف مباشر للمسلمين بشكل عام.

وتم وصف المسلمين بأنهم إرهابيون والمسلمون يقومون بهذه الأعمال نتيجة لديانتهم والكتاب الذي يعتمدون عليه والسنة النبوية وهكذا، وقد ربطوا هذه الأمور بالديانة، فصارت الصورة نمطية حتى في وسائل الإعلام الغربية وفي السينما أيضا بأن المسلمين هم إرهابيون، وهذه القضية كان لها تبعات كبيرة لاحقا، لكن في السنوات الأخيرة بدأ يخف هذا التوجه تقريبا حول قضية المسلمين.

إن دولة مثل السويد هي أصلا ليس لديها دين، يعني يوجد فيها استهداف لكل الأديان، وليس الإسلام وحده المستهدَف، فنلاحظ وجود انتهاك للكنائس أيضا، أما عدم أسباب استهداف اليهود، فهي قضية سياسية تتعلق بالنازيين وتقريبا أطروا الموضوع سياسيا، وحشدوا اليهود لهذا الموضوع فجعلوا أنفسهم في المنطقة الآمنة، لكن بقية الأديان فلا زالت تعاني من الانتهاك مع وجود ازدواجية المعايير بشكل كبير في هذا الموضوع.

مثلا حتى في وسائل التواصل الاجتماعي مع أن الدكتور الباحث لم يذكر هذا الموضوع في ورقته البحثية، ففي مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنيت تقريبا توجد معايير، كذلك وُضعت معايير أخرى لكن فيها ازدواجية، فحين يصل الموضوع إلى انتهاك حرية الناس، وسخرية من معتقداتهم ودينهم ومن الشعائر التي يقيمونها أو من كتبهم ومن النصوص المذكورة في كتبهم نلاحظ هناك سخرية.

المعايير في مواقع التواصل الاجتماعي تسمح بهذه السخرية، لكن مثلا حين يصل الأمر إلى قضية ثانية حين يتم استهداف مجتمع ما، أو قضايا تخص العنف الأسري، فنلاحظ أننا بالنتيجة إذا كتبنا حرفا واحدا سوف يتم حظركَ فورا، وتمنع من الكتابة، وهكذا نلاحظ وجود ازدواجية واضحة جدا للمعايير في نظرتها إلى الأديان أو حتى في القضايا الاجتماعية والأسرية، ولا يمكن مواجهة خطاب الكراهية وقد ذكره الباحث في ورقته وجود القوانين ووجود الاتفاقيات الدولية لكن بالنتيجة دائما تُنتهك القوانين في كل الدول سواء كانت في خدمة الناس أو في خدمة الأنظمة أو في خدمة النظام الاجتماعي وكذلك في خدمة الدين والمعتقدات الدينية.

مواجهة خطاب الكراهية يتم من خلال تطبيق القوانين الصحيحة، لكن ازدواجية المعايير هي التي تمنع تطبيق القوانين، كذلك في نفس الدولة في السويد يوم أمس أخذ مواطن مسلم موافقة بحرق التوراة من نفس الجهة التي منحت الرخصة للعراق لعملية الحرق في المسجد في ستوكهولم عاصمة السويد، فأخذ موافقة البارحة بأن يحرق التوراة مقابل السفارة الإسرائيلية وحسب ما فهمت لاحقا أنه انسحب عن تنفيذ حرق التوراة، ربما حدثت ضغوطات عليه، أو أنه غيّر فكره.

لكن بالنتيجة هي حالة رد فعل على التحريض والكراهية وهذا السلوك أنه مواطن مسلم ومن حقه أن يحرق التوراة وهذا يسبب تفاقم للمشكلة. فجريمة الكراهية وخطاب الكراهية فشلت وانتهت وتبقى قضية تطبيق القوانين فقط وعدم التعامل بازدواجية مع هذه القوانين.

- الشيخ مرتضى معاش، باحث وكاتب:

أولا عندي ملاحظتان أو إشكالان حول قضية الكراهية، الإشكال الأول: نحن لا نستطيع أن نقول إن الكراهية جريمة، فالقضية هي ثقافية وفيها أبعاد نفسية وحضارية وايدلوجية وإعلامية، وفيها أبعاد في الرأي العام، هذه الآراء والأفكار المتشكلة يمكن أن نقول عنها إنها جريمة، وهي موجودة في الذهن، ولكن إذا تحولت الكراهية إلى فعل عنيف ضد الآخرين يصبح هذا الفعل في الواقع جريمة، جريمة كراهية، هذا هو الإشكال الأول كما أتصوّر.

الإشكال الثاني: إن العدوان على القرآن الكريمة ليس ضمن العدوان المادي فحسب، وإنما أيضا يدخل فيه العدوان المعنوي وقد يكون أسوا من العدوان المادي، لأن القرآن الكريم هو مجموعة مفاهيم ومعانٍ وليس مجموعة أوراق، فعندما رفع جماعة معاوية المصاحف خديعة ومكرا لأجل إيقاف هزيمتهم في الحرب، قال لهم الإمام علي (عليه السلام): (أنا أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه، وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن؛ فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونقضوا عهده، ونبذوا كتابه، ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم، وأنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون). وقوله (عليه السلام): (هذا كتاب الله الصامت، وأنا المعبر عنه، فخذوا بكتاب الله الناطق...)، فهو القرآن الناطق والقرآن المعنوي.

لذلك إذا أردنا اليوم أن نحاسب على قضية القرآن، والعدوان على القرآن، فلابد أن نحاسب ايضا الحكومات الإسلامية، لأنها تعتدي على القرآن الكريم، فإهانة كرامة الإنسان بالتعذيب والقمع والفساد والاستبداد وبالدكتاتورية، إهانة وعدوان على القرآن الكريم، وأكل المال الحرام بالفساد والتجاوز على المال العام: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) النساء 10. هذا عدوان على القرآن الكريم ايضا. لذلك لابد من ادانة هؤلاء الذين يرتبط بهم العدوان من ناحية انتهاكهم للقيم والاحكام والمعاني التي دعا اليها القرآن الكريم، (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الفرقان 30.

هناك أيضا أسباب أخرى تقف وراء هذا الانتهاك الخطير للقرآن الكريم:

أولا البعد السياسي، وهي قضية ترتبط بين دولتين وبين مؤسستين، بين دولتين هما السويد وتركيا، هناك صراع بين السويد وتركيا في قضية سياسية معينة، وبين مؤسستين هما الحلف الأطلسي أو حلف الناتو والانضمام إلى الاتحاد الأوربي، الأوربيون يرفضون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي باعتبار تركيا دولة تنتهك حقوق الإنسان، وتركيا ترفض انضمام السويد إلى حلف الأطلسي باعتبار أنها تأوي إرهابيين من حزب العمال الكردستاني في السويد.

هذا الخلاف بين الدولتين قوي جدا ومتجذر لسنين طويلة، حيث أرادوا من تركيا أن تتنازل عن قيمها وثوابتها وتصبح حالها حال الدول الأوربية في قضية حرية التعبير، ليس هناك موانع في حرية التعبير، كل الدول الأوربية متفقة على حرية التعبير والإساءة لرموز الدين، كل هذه الدول متفقة على هذا الأمر، وليس هناك فرق بين دولة وأخرى، كلها نفس الشيء مثل فرنسا والسويد وهولندا والدنمارك ودول أخرى.

لذلك كان هذا بالون اختبار، فالحرق لعبة مفتعلة من قبل الاتحاد الأوربي بشكل عام والسويد بشكل خاص من أجل إثبات رد الفعل التركي تجاه هذه الحادثة، وفعلا كان رد الفعل التركي خافت جدا وغير قوي وغير مؤثر، وبالنتيجة توصلوا إلى صفقة انضمام السويد لحلف الناتو حيث وافقت تركيا على انضمام السويد إلى حلف الأطلسي في مقابل وعد بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي.

بالنسبة إلى الجوانب الحضارية والفكرية، ضمن قضية أسباب الإساءة والعدوان على القرآن الكريم، الحداثة الغربية هي في حد ذاتها ايديولوجية لا تقبل أي ثوابت، فهي في حركة دائمة لتفتيت كل الثوابت، ليست لديها حدود، فالفلسفة الموجودة في التفكير الغربي هي فلسفة مطلقة وليس فيها توقفات، أي أنها سعي مستمر للتفكيك والتذويب لكل القيم، إلى أن تصل إلى مرحلة معين تصبح كالثقب الأسود تأكل نفسها بنفسها وتلتهم كيانها.

وكان أحد المفكرين الغربيين طرح هذه القضية وهو صاحب كتاب (الحداثة السائلة) حيث يقول إنها الإذابة الدائمة، إذابة ليس لها حدود، تذويب الحدود والثوابت، لذلك نلاحظ أنهم متورطون في هذه القضية، لأنهم لا يمتلكون ثوابت حتى يقفون عندها، حتى في القضية الجنسية أو ما تسمى الجندر، فقد أصبحت قضية عجيبة غريبة جدا، في عملية تطورها وتضخمها إلى حدود بعيدة جدا، وأنا أتصور أنهم متورطون في هذه القضية، لا يمكنهم التراجع، لأنهم إذا تراجعوا لابد أن يتراجعوا عن الأشياء الأخرى، لذلك هذا التفكيك والتفتيت هو المطلق بالنسبة لهم حيث يدّعون انهم يؤمنون بالنسبي في الحقائق والقيم، لكن هذا الأمر بالنسبة لهم في الواقع مطلق وليس نسبي وهذا هو التناقض بحد ذاته. فالتفتيت والإذابة هي عملية مطلقة تتجه نحو تدميرية ذاتية.

أما أسباب الازدواجية فإنها تكمن في قوة اللوبيات التي تحكم هذه الحداثة الغربية، وخصوصا الحداثة الأوربية، فقد وصلت إلى حدود بعيدة جدا، في عملية نموها وتطورها، فاللوبيات أقوى من السياسة، ومن الاقتصاد، يوجد اليمين المتطرف في لوبياته يقف ضد المسلمين، لأنه يعتبرهم مهاجرين قدموا لالتهام أوربا بإسلامهم، ويعتبر أن المسلمين سوف يتفوقون بدينهم على المسيحيين وتصبح أوربا إسلامية وتغير ميزان القوى. لذلك فاليمين المتطرف يحارب المسلمين والمهاجرين دائما في قضية الدين، علما إنه ليس علمانيا مطلقا وإنما يميل إلى المسيحية.

كذلك بالنسبة لليسار الليبرالي فهو يعتبر إن الحداثة الغربية بقيمها مهدّدة من قبل المسلمين، لأن الأديان الأخرى استسلمت وخضعت لليسار الليبرالي، في عملية صعود هذه القيم الجديدة ما عدا المسلمين، فالمسلمون يمثلون الحاجز الأخير لرفض هذه الحداثة الغربية الجديدة، وليس الحداثة الغربية القديمة، بل الحداثة الجديدة في (ما بعد الحداثة) التي تحمل سلوكيات التحول الجنسي أو حرية التعبير المطلقة وحرية الجسد المطلقة.

بالنتيجة يعتبرون أن المسلمين حاجز يقف أمامهم في قضية الوصول إلى تفكيك كل هذه القيم وتذويبها، لذلك نرى أنهم جعلوا القرآن كمسألة في عملية رفع الحواجز كبالون اختبار في عملية تفكيك هذا الحاجز، فإذا سكت المسلمون بالنتيجة هذا يعني أن الغربيين نجحوا تدريجيا، نعم هناك أضرار جانبية لكنهم استوعبوا الأضرار بطرق دبلوماسية مخادعة.

نحتاج لمواجهة الكراهية عبر مجموعة الاساليب:

النقطة الأولى: عن طريق الردع الإيجابي، وليس بالردع السلبي لأن الردع السلبي الذي يتمثل باستخدام العنف ضد الآخرين سوف تكون أضراره كبيرة جدا ويكون مردوده سيّئ، لذلك فإن الردع الإيجابي يمكن من خلال نفس الأساليب التي يستخدمها الغرب، من خلال العقوبات، كما يستخدم الغرب أسلوب العقوبات الاقتصادية والعقوبات الأخرى، لكي يرتدع ويمكن على الأقل إيقاف عملية استمرار الكراهية.

النقطة الثانية: ممارسة الدبلوماسية غير الرسمية، هذا الأسلوب مهم جدا من خلال المنظمات الشعبية والمتمثلة بمنظمات المجتمع المدني، وكذلك عبر الجهات والمؤسسات الدينية، وعبر الأحزاب والكتل السياسية تستطيع أن تستخدم الدبلوماسية من خلال علاقاتها في إيقاف هذه الموجات المتلاحقة من الكراهية.

النقطة الثالثة: تحالف الأديان في مواجهة الإساءة إلى الأديان، فتتحالف فيما بينها لأجل إيقاف عملية الإساءة إلى الرموز الدينية كافة التي يمكن أن تؤثر في هذا المجال.

النقطة الرابعة: إيجاد عقد عالمي لحماية حرية التعبير في ظل عدم الازدواجية في المعايير، كما يحصل في فرنسا يسمحون لرموز دينية معينة ويرفضون رموز أخرى، هذه المعايير المزدوجة لا تعبّر عن حرية حقيقية لحرية التعبير، ولكن بشرط أن لا يتم استخدام هذا العقد العالمي كذريعة لقمع الآخرين.

المشكلة هنالك تماهي بين حرية التعبير، واعتبارها كراهية، فهذا التماهي والتقارب ليس فيه محددات واضحة، فلابد أن توضع معايير وتوضع أساليب لاحتواء هذه الكراهية، ليس باستخدام القوة والعنف، أو مثلا وضع لجنة دولية لمراجعة الكراهية وبالنتيجة إيقافها عند حد معين حتى تؤدي إلى ترسيخ السلم الأهلي.

النقطة الخامسة: فتح منتديات للحوار، حول الأيديولوجيات فكل طرف يتعصب لأفكاره، فإذا فُتحت منتديات للحوارات مع وجود عملية تقليل الصورة النمطية السيئة بين هذه الأيديولوجيات فسوف يؤدي هذا إلى عملية تقليل الكراهية، وبالنتيجة تقليل الصدام الحضاري، فالغرب يستخدم آلية الصدام الحضاري بين الحضارات من أجل الهيمنة.

الصدام الحضاري هو ليس حقيقة، وإنما هو جزء من أساليب القوى الكبرى الغربية للهيمنة على باقي الحضارات، وعلى باقي الأيديولوجيات وباقي الأديان في سلوك صدامي مع الحضارات الاخرى، باعتبار أنهم يمتلكون القوة السياسية والاقتصادية، ويسيطرون على مجلس الأمن والأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، ويتحكمون بكافة المؤسسات الدولية.

أما إذا كان هنالك منتديات للحوار بين الأيديولوجيات، فعلى الأقل يمكن تخفيف الصورة النمطية وتخفيف حده الصدام وحدة الكراهية ما بين مختلف الأيديولوجيات.

- حيدر الأجودي؛ باحث في مركز المستقبل للدراسات والبحوث:

الملاحَظ هو تنامي الكراهية في الفترة الأخيرة وحتى في السياسات، بلا فرق سواء في الشرق أو الغرب، لو أخذنا جانب الغرب لوجدنا أن اليمين المتطرف أصبح هو المتصدر وسيد الموقف، لأن هناك الكثير من ملايين البشر المؤيدين لهذا الخطاب، ففي جميع خطاباتهم يسود خطاب الكراهية، وقد جعلهم على سدة الحكم سواء رجال السياسة أو رجال الاقتصاد، داخل دولهم أو خارجها.

وبسبب تبني هذا الخطاب فتح الباب واسعا أمام الملايين من هذه الفئات لتبني نفس الخطاب المعتمد، وعلى الرغم من أن التاريخ أثبت لنا بأن خطاب الكراهية هو البوابة الرئيسية لدخول جماعات العنف وجماعات التطرف وجماعات الإرهاب من باب الكراهية، ورغم قيام الأمم المتحدة ببذل بعض الجهود السلمية وجعل يوم 18 من حزيران يوما عالميا لمكافحة التطرف، إلا أن هذا الأمر بقي شكليا ولم يتمكن من النزول إلى الواقع الحقيقي.

الواقع اليوم يعيش أزمة خطيرة جراء خطابات الكراهية مما ولد التأثير السلبي على الأمن والسلم الدوليين، ومما ظهر من خطاب الكراهية وأثر بقوة على المسلمين والإسلام بصورة عامة، هو حرق القرآن وسبقها أيضا نفس الفعل في قضية الإساءة للرسول صلى الله عليه وآله، وأيضا في السويد أو الدنمارك، في هذه البقعة.

السؤال هو لماذا تتوقف حرية الرأي والتعبير عن الرأي في التعدي على معتقدات الآخرين، فهذا هو معتقدي وعندما يتعدى الآخرون عليه وأنا أريد أن أقابلهم أو أن أعبر عن رأيي ضدهم في إطار حرية الرأي، والكل يعرف أن هذه الجريمة تؤجج المشاعر والإرهاب الفكري، كما تستفز الملايين من الطوائف المعنية.

بالإضافة إلى ما تفضل به سماحة الشيخ مرتضى معاش، علينا أن ننشر ثقافة وتعاليم الإسلام وتعاليم القرآن الحقة بين ظهرانينا ولنبدأ من أنفسنا أولا، فالمسلم الحقيقي هو من سلم الناس من يده ولسانه.

تعليق الباحث على المداخلات

في الختام أجاب الباحث الدكتور علاء الحسيني عن الأسئلة المطروحة حول مضمون ورقته البحثية، حول الأسباب الحقيقية وراء حرق القرآن الكريم، وقال في الحقيقة لا يوجد تصور دقيق عن الأسباب الحقيقية وأن الأمر مدفوع من جانب عنصري أكثر من جانب واقعي، وهناك سؤال هل الكتاب أهم من الإنسان؟

نحن لا نستطيع أن نقارن هذه المقارنات، فكل إنسان له مجموعة من الحقوق والحريات، وهذه الحقوق والحريات ليست حبيسة النصوص القانونية بقدر ما هي حبيسة القانون الطبيعي، بمعنى هي حقوق فطرية تولد مع الإنسان، وتموت معه، وليس بالضرورة أن يتحجر القانون ولذلك حتى في الشريعة هنالك النية التي تسمى الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها.

بالتالي واحدة من هذه الحقوق قد تم انتهاكها وهي تتعلق بحرية الإنسان أو بحرية العقيدة، وربما أضف الشيخ مرتضى معاش أن جريمة الكراهية لابد أن تقترن بفعل اعتداء وهذا الفعل ليس بالضرورة أن يكون فعلا ماديا، فقد يكون فعلا معنويا، لأن الفعل المعنوي لا يقل عن الفعل المادي، وكل القوانين لها بعد مادي وبعد معنوي حتى في القوانين الأوربية لا يميزون في هذا الموضوع.

مثلا اليوم جرائم الامتهان والإهانة، بالعادة تنطوي على آثار معنوية أكثر من الآثار المادية، فيمكن أن يكون الضرر بحكرة أو إيماءة وممكن بكلمات غير مباشرة، أما الكراهية فلابد أن تقترن بفعل حتى تتحول من مجرد خطاب إلى جريمة.

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق