كان الروائي ألبير كامو يردّد أن «الصحفي مؤرّخ اللحظة»، وفي تلك المقولة معلومة ومعرفة وحكمة باقتباس من الشاعر إليوت. فكامو يدرك بمعرفته وبُعد نظره ورؤيته الثاقبة، قيمة المعلومة التي يسعى الصحفي لتقديمها إلى الجميع لتصبح لاحقاً معرفة، وهو يقدّر في الوقت نفسه ما يقوم به الصحفي من عمل في أصعب الظروف أحياناً، وأقساها...

كان الروائي ألبير كامو يردّد أن «الصحفي مؤرّخ اللحظة»، وفي تلك المقولة معلومة ومعرفة وحكمة باقتباس من الشاعر إليوت. فكامو يدرك بمعرفته وبُعد نظره ورؤيته الثاقبة، قيمة المعلومة التي يسعى الصحفي لتقديمها إلى الجميع لتصبح لاحقاً معرفة، وهو يقدّر في الوقت نفسه ما يقوم به الصحفي من عمل في أصعب الظروف أحياناً، وأقساها، ليكشف الحقيقة ويمهّد لتحقيق العدالة، وبذلك فهو يقوم بعمل مزدوج في الآن، فإضافة إلى الوصول إلى الحقيقة، فهو يؤرّخ في الوقت نفسه للحدث، ليأتي من بعده فيُظهر المعنى والدلالة، اجتماعياً ونفسياً وقانونياً وتربوياً، فما بالك حين يكون الحدث نفسه يخصّ الصحفي، ويصبح هو ذاته هدفاً لجرائم تُرتكب بحقه، ويحتاج كشفها إلى جهود أخرى لإجلاء الحقيقة من جهة، وتحقيق العدالة من جهة أخرى، كي لا يفلت الجناة من العقاب.

وعلى مرّ العصور كانت فلسفتا الحقيقة والعدالة شغل العالم أجمع، فكيف حين يتعلّق الأمر بالصحفيين الذين يتعرّضون للقتل والتعذيب، والاختفاء القسري، والاعتقال والاحتجاز والطرد، والترهيب والمضايقة، والتهديد، وجميع ضروب الأفعال التي تنطوي على العنف المادي الجسدي والمعنوي النفسي.

ولهذه الأسباب قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2013 الاحتفال بيوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام، بتأكيدها ضرورة عدم الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة ضدّ الصحفيين الذين يؤدون عملهم في كشف الجرائم التي تمسّ أمن الشعوب واستقرار الدول، وتهدّد الإنسانية، مثل الفساد وتجارة الأسلحة والمخدّرات والبشر، وتزوير الانتخابات، وتلويث البيئة وتدمير المحيطات والغابات، وغيرها.

وقد حثّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الدول الأعضاء والمجتمع الدولي على التضامن مع الصحفيين في جميع أنحاء العالم في هذا اليوم العالمي، وفي سائر الأيام، وتأكيد الإرادة السياسية اللّازمة للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضدّهم ومقاضاة الجناة بأقصى ما ينصّ عليه القانون من أحكام.

ولا بد هنا من استذكار بعض القرارات الدولية ذات العلاقة في تبجيل ما يُطلق عليها «السلطة الرابعة» والتي هي بحق وأخواتها من وسائل الإعلام المختلفة، تُعتبر السلطة الأولى الناعمة التي تتغلغل في التأثير في العقول، مثل القلوب، وتتوغل عميقاً لتشمل كل مناحي الحياة، خصوصاً في ظلّ الطور الرابع للثورة الصناعية، ومنها القرارات التي صدرت بشأن حماية الصحفيين في النزاعات المسلّحة، على خلفية اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة في 12 أغسطس/ آب 1949 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وقرار مجلس حقوق الإنسان الصادر في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وغيرها.

وفي ما يخصّ العالم العربي والعراق منه، لا بدّ للسلطات المسؤولة من ضمان المساءلة عن طريق إجراء تحقيقات محايدة وسريعة وشاملة ومستقلّة وفعّالة في جميع القضايا التي تقع في نطاق ولايتها القضائية من أعمال عنف ضدّ الصحفيين، والعاملين في وسائل الإعلام، وتقديم المتهمين بارتكابها، بمن فيهم الأشخاص الذي يأمرون بارتكاب هذه الجرائم، أو يتآمرون مع مرتكبيها، أو يحرّضونهم أو يتستّرون عليهم.

وهنا لا بدّ من إنشاء آلية إنذار مبكر والاستجابة السريعة لتمكين الصحفيين من اللّجوء إلى السلطات المختصة، لّما تعرضوا لتهديد، مباشر أو غير مباشر، بهدف اتخاذ تدابير فعّالة لحمايتهم، وهنا يمكن اقتراح: إنشاء وحدات تحقيق خاصة بالصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، أو لجان تحقيق مستقلة. وتعيين مدّعٍ عام متخصّص. ودعم قدرات العاملين في الجهاز القضائي والموظفين المكلّفين بإنفاذ القانون وضبّاط الجيش ووحدات الأمن والشرطة. وتدريب الصحفيين وتأهيلهم من خلال النقابة، وكذلك بعض الناشطين في المجتمع المدني المدافعين عن الصحفيين وتوعيتهم في ما يتعلّق بواجبات الدول والتزاماتها المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي لجهة سلامة الصحفيين. كذلك إدراج سلامة الصحفيين وحريّة الإعلام في أطر التنمية الوطنية وضمن خطّة التنمية المستدامة 2030.

وأتذكّر أننا وضعنا بعض تلك القواعد في إطار تعاون شمل اتحاد المحامين العرب، واتحاد الصحفيين العرب، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان في عام 1999 القاهرة، حيث قمنا بتدريب صحفيين على القواعد الحقوقية والأحكام القانونية، خصوصاً المتعلّقة بحريّة التعبير، وفي الوقت نفسه تدريب محامين وحقوقيين على القواعد التي تشمل حريّة الإعلام وحقوق الصحفي. فكم نحن بحاجة إلى التعاون بين المحامين والحقوقيين من جهة، وبين الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام من جهة أخرى، وتحويل دور هذه النقابات والاتحادات إلى قوّة اقتراح لمشاريع قوانين وأنظمة بحيث تكون شريكة ومتممة في الآن مع الحكومات، وفي الوقت نفسه راصدة لأدائها وتنفيذها لخطط التنمية والضغط على السلطات المسؤولة لتطبيقها.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق