ما زلت أتذكر الكثير من الأفلام العربية وهي تقدم الشخصيات المعاقة، لأجل السخرية أو للاستهزاء بها، فتكون محور موضوع النكتة! وكذلك فعل المسرح العراقي بشكل فاضح، عبر استغلاله لعوز فئة من العاقين وقدمهم كمادة للضحك عليهم، وبعض المسلسلات التي ركزت على السخرية من المعاقين...

ما زلت أتذكر الكثير من الأفلام العربية وهي تقدم الشخصيات المعاقة، لأجل السخرية أو للاستهزاء بها، فتكون محور موضوع النكتة! وكذلك فعل المسرح العراقي بشكل فاضح، عبر استغلاله لعوز فئة من العاقين وقدمهم كمادة للضحك عليهم، وبعض المسلسلات التي ركزت على السخرية من المعاقين، كذلك بعض البرامج التلفزيونية فهي تلجأ للمعاقين والأقزام فقط للضحك، من غير أن تفكر بطرح قضايا هذه الفئة! انه اتجاه سلبي اتخذه الكثير من صناع السينما والمسرح والدراما والبرامج.

فتحول المعاق في قنواتنا والمسرح وحتى السينما وسيلة للضحك تارة، وموضوع للشر تارة أخرى، فيكون القاتل او الشرير أو عضو العصابة من ذوي الإعاقة، أن تحول موضوع الفن في منطقتنا العراقية لا يكتمل الا بوجود شخصية معاقة، لتكون نقطة الضحك او مصدر الشر في الفيلم، وفي أفضل الصور تم جعله نقطة للشفقة على انه انسان ناقص، ولا يتم التعامل على انه مواطن له كل الحقوق والواجبات.

ترى هل انتبه صناع الفن لانعكاسات هذه الاتجاه على المتلقي المعاق، عندما يشاهد الافلام والمسلسلات والبرامج وهي تنتقص من كيانه وشخصيته ! وكيف يمكن أن يتقبل الناس المعاقين، بعد الصورة التي ترسمها السينما والمسرح والتلفزيون، خصوصا أن الناس تندمج مع رسالة الفنية وتتأثر بالصورة.

القضية لصناع السينما والمسرح والتلفزيون قضية تجارة وربح، ولا يهمهم ما يتعرض له الانسان المعاق من الام نفسية، جراء ما يطرحون من أفلام، وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني والرقابة الحكومية، التي يجب أن تدافع عن افراد المجتمع، وهذا الدور غائب تماما الى ألان، لذلك يستمر المنحى السيئ في التطور والاستمرارية.

التقينا بعض المهتمين بالموضع فخرجنا بهذه الاراء:

السينما والمسرح والتلفزيون غير منصفة للمعاقين

في مول النخيل الواقع في شارع فلسطين، التقيت هناك بالمواطن حسن عبد ألبياتي (وهو باحث اجتماعي) ليحدثنا عن معاناة المعاقين، فقال: السينما والتلفزيون العربي غير منصفة للكثير من القضايا الاجتماعية وقضايا الوطن، ومنها قضية المعاقين، حيث جعل منهم مادة للضحك والشفقة والإثارة، ونجدهم قد تم ظلمهم كثيرا عبر السينما والمسرح والتلفزيون، فاغلب ما ينتج يكون ضمن مسيرة الضحك والاستهزاء بشخصهم، بل أن السينما رسمت بالأذهان أن الأشخاص المعاقين هم أما شخصية كئيبة او غامضة، أو فاقدة لأي قدرة على العيش السوي، أننا أمام أداة تسيء للإنسان المعاق، وهو يحتاج للمساعدة والتشجيع، كي يمكنه ان يندمج مع المجتمع، لكن تاتي السينما والمسرح والتلفزيون وتصنع حواجز بين المجتمع وهذا الانسان البائس، فدورها الحالي تخريبي.

دوافع الربح هي السبب

وتضيف المواطنة حنان جليل (بكالوريوس فنون جميلة): بالحقيقة عندما نتسائل مع الأساتذة والفانين الكبار، عن السبب عن عدم القيام بصنع أفلام أو مسلسلات تتناول قضية المعاقين، وتدافع عن همومهم، يجيبوننا بصعوبة التسويق فالجمهور العربي بالخصوص يطلب أفلام الكوميديا الاكشن، ولا يستسيغ ألمادة الفنية التي تناقش قضية المعاق، لان مصيرها الفشل، لكن الخطيئة التي ترتكب هو عملية تدمير لشخصية المعاق، فألاهم عند صناع الفن هو موضوع للنكتة حتى لو كان على حساب المعاق، فهنا مكمن المصيبة والتي يجب التنبيه أليها، فهي جريمة بحق فئة من المجتمع، هي بأمس الحاجة للعامل المعنوي.

وتصور معي عندما يشاهد الانسان المعاق هذه الافلام التي تستهزئ به، في أي حالة نفسية سيعيش؟ بالتأكيد سيعيش انتكاسة نفسية، فالسينما والتلفزيون تدمر شخصيته وتمنعه من الاندماج مع المجتمع، وتبعد عنه الاحساس بأنه يمكن ان يصبح انسان سوي.

الفن يعمل على الحط من كرامة المعاق

عند مقهى الأسطورة في شارع الرشيد، التقينا بالمواطن سيد علي حسنين (موظف حكومي) للتعرف على رأيه، فقال: القيم الإنسانية تدعونا للوقوف مع الانسان المعاق، لكن مع الاسف يعمل التلفزيون والسينما على الحط من كرامة الانسان المعاق، فتجعل منه أضحوكة في كل المشاهد التي تعرضها! أو تجعل منه انسان مريض نفسيا، أو شخص قليل القدر، وينظر للدنيا بعين سوداوية! هكذا يتم تصويره للناس وهي صورة مشوهه.

والجمهور المتلقي يأخذ قناعاته من السينما والتلفزيون ويعتبرها صور حقيقية، كل هم الانسان المعاق ان يصبح انسان عادي كي يتقبله المجتمع، فتاتي السينما والتلفزيون وتجعل منه انسان ناقص، وتصوره على انه من غير الممكن ان يصل لمرتبة الانسان العادي، فتقفل بوجه باب الأمل وتزيد من محنته، نحتاج إلى سينما وتلفزيون تهتم بالقضايا الإنسانية، فالمعاق يحتاج الكثير من الدعم كي يندمج بالمجتمع، وهذا واجب أنساني نبيل في أعناق الكل.

التلفزيون والسينما تشوه صورة المعاق

عند المركز الثقافي في نهاية شارع المتنبي التقينا بالأستاذ مرتضى كريم، وهو ناشط اجتماعي وكاتب فقال حول المحور: المعاق بالحقيقة يتعرض للكثير من الظلم في حياتنا اليوم ! في الأغلب المجتمع غير متواصل مع المعاقين، والافجع أن لا يقبل اندماجهم، والسبب الصور المرسومة في مخيلته عن المعاق والتي كانت نتاج التلقي المغلوط للأفكار، تلك الأفكار التي ينتجها السينما والتلفزيون والمسرح، فالمعاق يريد أن يكون مواطن عادي، لا يقل رتبة عن الباقين، وهذا يحتاج إلى احتضانهم وشمولهم بالرعاية والحب، وإعطائهم نفس الحقوق من التعليم والتملك والعمل والنشر والمعيشة مع الاحترام.

والتأكيد على تصحيح الصور الخاطئة المأخوذة من السينما والمسرح والتلفزيون، حيث تطرح وبشكل مكثف على أن المعاق هو انه إنسان ذو عطل دائم، وهو مجرد إنسان مريض ومثير للشفقة ومكتئب، ويغلب عليه الصمت، والسلبية تلازمه، وهي صورة غير حقيقية رسمتها السينما والتلفزيون والمسرح، وفي عقول الناس والمصيبة فقط تقع على المعاق.

الفرق بين السينما العالمية والسينما العربية

أخر لقائتنا كانت مع الأستاذ عبدالله غالب وحدثنا عن رؤيته للموضوع، فقال: السينما والتلفزيون عالميا تعمل على مساندة للقضايا الإنسانية، ومنها قضية المعاقين، ومنذ بزوغ فجر السينما العالمية خصوصا في أفلام الدراما تناولت الإعاقة، أظهرت شخصية المعاق بصورة أنه ينتصر على مأساته الخاصة، الناجمة عن فقدان أحد حواسه، حيث يستطيع المعاق أن يتدبر أمره في عالم غير المعاقين.

بخلاف السينما العربية التي لم تجهد نفسها بهذا النمط في الأفلام، بسبب قضية التسويق والربح والوعي، بل عملت على تكريس النقص، وجعله أما وسيلة للضحك والاستهزاء بهؤلاء المعاقين، أو جعله مثير للشفقة لعدم إمكانية أن يعيش كانسان طبيعي، وحتى الأفلام التي تطرقت لقضية الإنسان المعاق لم تسعده، بل تجعله إنسان مستغل اجتماعيا وغير مندمج وباحث عن الانتقام، فالصور السينمائية العربية مشوهة للإنسان المعاق، وتحتاج إلى أعادة النظر، والدعوة إلى تغيير الأفكار المغلوطة التي يتم تداولها سينمائيا.

ختام الرحلة

تم تشخيص الخلل في صنعة الفن التي تسيء للمعاقين، أننا نحتاج من الإعلام أن يقدم فن إنساني لا يقلل من شان أي مواطن لاعتبارات التسويق والتسفيه، ونطالب برقابة حكومية على المسرح والتلفزيون والسينما يمنع عرض المادة التي تقلل من شان المعاق، وكذلك على الأعلام التصدي لأي مادة فنية تهاجم المعاقين، فالسكوت مشاركة بالجريمة، ونطالب مؤسسات المجتمع المدني أن تنهض بدورها في نشر الوعي وتثقيف الناس، على أن الإنسان المعاق ليس كما تصوره السينما والتلفزيون، بل هو إنسان عادي، وان تقيم دعاوي قانونية ضد أي فيلم ينتقص من الانسان المعاق، بالاضافة لإقامة مشاريع دعم الانسان المعاق.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق