تقرير ممارسة الأعمال لم يستقص الأعمال حقا، ولم يحاول قياس التكاليف الحقيقية لممارسة الأعمال لمجموعة تمثيلية من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. بل اعتمد بدلا من ذلك على أحكام غير موضوعية صادرة عن مجموعة صغيرة من الخبراء، الذين وُجِّـهَـت إليهم الدعوة لتقييم تكاليف الضوابط التنظيمية لشركة افتراضية...
بقلم: موريسيو كارديناس

واشنطن، العاصمة ــ في وقت سابق من هذا العام، كلفني البنك الدولي وخمسة من زملائي الأكاديميين بوضع توصيات حول كيفية تحسين المنهجية التي يستند إليها تقرير ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك سنويا، والذي يصنف البلدان على أساس جودة ضوابطها التنظيمية للأعمال وبيئة الأعمال في مجمل الأمر. كان التقرير مثيرا للجدال منذ إنشائه في عام 2003. ففي حين عمل على توليد تغطية متوهجة في الأوساط التجارية العالمية، فإنه كان أيضا موضوعا للانتقادات المتواصلة بسبب معاداته المتصورة للتنظيم، ومناهضته للعمل النقابي، وميله إلى معاداة الضرائب.

في الأول من سبتمبر/أيلول، قدمنا توصياتنا النهائية، حيث دعونا إلى إصلاح شامل لتقرير ممارسة الأعمال بما في ذلك إنهاء ممارسة تصنيف البلدان. بعد أسبوعين، أعلن البنك الدولي أنه ألغى التقرير بالكامل بعد أن خلص تحقيق منفصل أجرته شركة محاماة خارجية إلى أن البيانات كانت موضع تلاعب متعمد من أجل تغيير تصنيفات بعد البلدان، وخاصة الصين والمملكة العربية السعودية.

بصرف النظر عن الجدال الدائر حول ما حدث حقا في الماضي، فإن نهاية تقرير "ممارسة الأعمال" لا تخلو من عواقب مهمة. ليس لدينا أدنى شك في أن العالم يحتاج إلى أداة لقياس ظروف البلدان لتحديد مدى تطور الأعمال لديها وجاذبيتها للاستثمار المباشر الأجنبي، وأن البيانات المستمدة من مثل هذا المشروع وثيقة الصلة لكل من الباحثين وقادة الأعمال والحكومات.

أعلن البنك الدولي بالفعل عن اعتزامه مواصلة العمل على القضايا المرتبطة بمناخ الأعمال. ولكن لإعادة ترسيخ نفسه في هذا المجال، يتعين على البنك أن يتغلب على عجز الثقة العميق وأن يتخذ خطوات جذرية لاستعادة الثقة العامة في بياناته. الواقع أن أفكارنا حول كيفية إصلاح ممارسة الأعمال من الممكن أن تخدم الآن كحد أدنى من المعايير التي يجب أن يفي بها أي جهد جديد في هذا المجال.

أولا، لا ينبغي للبنك الدولي أن ينشئ مؤشرا جديدا لتصنيف البلدان، كما كان تقرير ممارسة الأعمال يفعل. إن مثل هذه المؤشرات الكلية اعتباطية حتما، كما تستحضر التصنيفات أحكاما معيارية تذهب إلى ما هو أبعد من الأدلة المتاحة. وحتى قبل فضيحة التلاعب بالبيانات الأخيرة، كان من الواضح أن التكنولوجيا وراء لعديد من مؤشرات "ممارس الأعمال" الفردية بحاجة إلى الإصلاح.

كانت المشكلة الأساسية تتمثل في أن تقرير ممارسة الأعمال لم يستقص الأعمال حقا، ولم يحاول قياس التكاليف الحقيقية لممارسة الأعمال لمجموعة تمثيلية من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. بل اعتمد بدلا من ذلك على أحكام غير موضوعية صادرة عن مجموعة صغيرة من الخبراء، الذين وُجِّـهَـت إليهم الدعوة لتقييم تكاليف الضوابط التنظيمية لشركة افتراضية كانت غالبا غير تمثيلية على الإطلاق في العديد من البلدان التي كان البنك بقيمها. يجب أن تحل شروط يفرضها الأمر الواقع محل التركيز على التقييمات القانونية.

لحسن الحظ أن استطلاعات منفصلة أجراها البنك الدولي طرحت بشكل دوري على مديري شركات فعليين ذات الأسئلة التي يطرحها تقرير ممارسة الأعمال: حول الوقت اللازم لتسجيل شركة، والحصول على تصريح بناء، وتخليص البضائع من الجمارك، وما إلى ذلك. وقد تبين أن إجابات الشركات لا تربطها أي صلة بتلك التي قدمها خبراء ممارسة الأعمال. إذا كان هناك أي خَـلَـف لتقرير ممارسة الأعمال، فيجب أن يبدأ من بيانات حقيقية وليس من افتراضات.

تتعلق مجموعة ثانية من القضايا بافتراضات حول السياسات أو الضوابط التنظيمية الصحيحة، والتي ينطوي عليها ضمنا أي تصنيف لبيئة الأعمال. عندما يتعلق الأمر ببعض المؤشرات، مثل التأخير في تسجيل الأعمال، فمن الواضح أن الأقل هو الأفضل. لكن في ما يتصل بمؤشرات أخرى، مثل معدل الضريبة على الشركات، تصبح السياسة المثلى موضوعا لجدال أكاديمي محتدم.

أصبحت القضية الضريبية محرجة على نحو متزايد لتقرير ممارسة الأعمال في السنوات الأخيرة. مع استكمال 130 دولة لخطط هذا العام لوضع حد أدنى عالمي لمعدل ضريبة الشركات، استمر المؤشر في تشجيع السباق إلى القاع في خفض الضرائب المفروضة على الشركات.

ثالثا، أي محاولة جادة لقياس بيئة الأعمال في أي بلد يجب أن تضع في الاعتبار الجهود الحكومية الرامية إلى إصلاح إخفاقات السوق وتوفير المنافع العامة الأساسية. لكن رؤية البنك الدولي الواسعة حول كيفية تعزيز مناخ أعمال جيد، كما يتجسد في مؤشر ممارسة الأعمال، كانت تعاني من بعض النقاط العمياء الخطيرة. لكي يزدهر القطاع الخاص، يبدو أن الحكومة يجب أن تبتعد عن الطريق في الأغلب الأعم.

الواقع أن هذه النظرة لم تضع في الحسبان الاستثمارات العامة في البنية الأساسية مثل الطرق، وشبكات الاتصالات، وشبكات الطاقة، التي تشكل جميعها ضرورة أساسية لممارسة الأعمال لكنها كانت غائبة تماما عن التقرير. غاب عن التقرير أيضا أي إشارة إلى منع الجريمة والنظام العام، أو قوة العمل الماهرة، أو الاستثمارات في البحث والتطوير.

أخيرا، هناك مسألة مصداقية البيانات. ربما يكون المزيد من الشفافية بداية طيبة. لم تكن البيانات الأولية التي يستند إليها تقرير ممارسة الأعمال متاحة لعامة الناس مطلقا، وهذا يعني أن تكرار التحليل بشكل مستقل أمر غير وارد. لقد أفضى التركيز المفرط على التصنيفات والافتقار إلى القدرة على الوصول إلى البيانات إلى ظهور مُـنـتَـج ضعيف في مواجهة الضغوط السياسية والمساومة على البيانات.

لكن قواعد الشفافية من غير الممكن أن تضمن أبدا عدم التلاعب المتعمد. في نهاية المطاف، سيكون لزاما على البنك الدولي أن يقنع مستخدمي البيانات بأنه أنشأ جدار حماية وظيفيا بين عمله التحليلي وعمليات الإقراض التي يديرها. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي للبنك أن يتخلى عن ممارسة بيع الخدمات الاستشارية حول كيفية تحسين النتائج في الإحصائيات التي يقيسها مباشرة.

يوفر زوال تقرير ممارسة الأعمال للبنك الدولي الفرصة لاستعادة قيادته الفكرية في مجال التنمية العالمية من خلال التزام متجدد بجمع وتحليل بيانات جديرة بالثقة. ومن الواضح أن الزعم بأن الفضيحة كانت مؤسفة لكن المنهجية كانت صحيحة لن يفي بالغرض. كانت تصنيفات ممارسة الأعمال ــ التي تنتج عن تجميع المؤشرات ــ ملتبسة ومريبة دائما، لأنها لم تقدم صورة دقيقة للظروف على الأرض ولم تضع في الاعتبار الاستثمارات العامة المهمة، أو الضرائب المعقولة، أو الضوابط التنظيمية الضرورية. ويجب أن تعالج أي جهود لتقييم بيئة الأعمال في المستقبل في البلدان الأعضاء أوجه القصور هذه.

وَقَّـعَ على هذا التعليق أيضا بقية الأعضاء في لجنة المراجعة الخارجية لتقرير ممارسة الأعمال: لورا ألفارو، وألان جيه. أورباخ، وتاكاتوشي إيتو، وشيبنيم كاليمالي أوزكان، وجوستين سانديفور.

* موريسيو كارديناس، وزير مالية كولومبيا الأسبق، يزور باحثًا أول في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق