سيكون نجاحا عظيما للعراق وللمنطقة اذا نجح في ان يكون مركزا لبناء التوازنات الاقليمية والامنية الجديدة بعد انتهاء معركتي الموصل وحلب.

معطيات عديدة افرزتها النجاحات في هاتين المعركتين لكن اخطرها واهمها ان خمسة اعوام من الصراع المضني عسكريا وسياسيا مباشرة وعبر الوكلاء في طريقه الى نهايته الماثلة، لقد انكسرت اكبر حالة اصطفاف طائفي في المنطقة على كافة المستويات، وتبين لمن خطط للعودة بالمنطقة الى عهود المشاريع الطائفية فشل هذا المشروع بعدما نجح السوريون وحلفائهم في استعادة مدينة حلب.

ويكاد العراقيون ان يستعيدوا مدينة الموصل بعدما استعادوا ثلاثة ارباع ارضهم التي احتلتها داعش في ذروة صعود المشروع الطائفي في المنطقة، لم ينظر الطائفيون الاقليميون الى صعود داعش وتحولها الى (دولة) بمنظار الخطر الذي ينبغي ان يشعر به من يخاف صعود منظمات الارهاب والتطرف الاسلامي، بل اعتبروها جزءا من متغيرات وتطورات انهيار منظومة الامن والسياسة مابعد عام ٢٠٠٣، ولذلك انهمكوا في تسعير المشاعر الطائفية لتوظيفها لاحقا في مشاريع سياسية لإعادة بناء امن المنطقة وفقا لمنظوراتهم الجديدة.

كانت حلب ثم الموصل هما الحجران الاساسيان في هذا المشروع وكانوا ينتظرون سقوط حجر ثالث ربما يكون أحد العواصم الثلاث بيروت او دمشق او بغداد، بعد اعوام من الصراع ها هي العواصم الثلاث ابعد ماتكون عن مرمى المشروع الطائفي والموصل وحلب في طريقهما الى النجاة.

هل بالإمكان اعادة بناء امن المنطقة وفق منظورات جديدة تكون اشبه بمنظومة امن اوربا بعد الحرب العالمية الثانية، من الواضح ان هناك مخاوف واحقادا وموروثات مذهبية وطائفية وسياسية وتنافس وصراع على الثروة والمكانة والزعامة والتأثير، وهناك تخلف وتطرف ومدارس دينية وسياسية غير عقلانية ميالة الى الصراع والاقتتال، كما ان هناك مشاريع استراتيجية وطموحات غير مشروعة وتدخلات تقصد اثارة النزاعات.

لكن المنتصرون والمنهزمون من هذا الصراع ادركوا انه بغير ترتيبات سياسية وامنية اقليمية وبضمانات دولية لن تستقر المنطقة ولن تنجو من الصراعات الطاحنة، صار موكدا ان العراق لن يعود الى عهده القديم رغم كل مفخخات وانتحاريي داعش ومن قبلها القاعدة والزرقاويين وامراء الحرب الاخرين وان نظام بشار الاسد لن يسقط عبر جبهة النصرة ولا فتح الشام او جيش نور الدين زنكي وكتائب السلطان سليم.

كما ان الحروب من منطلقات طائفية ومذهبية لن تحقق لسدنة المشاريع الكبرى اهدافهم فهي ببساطة اصبحت للمستهدفين بها حرب دفاع عن الوجود، فهل نشهد ولادة فكر سياسي جديد لعلاقات اكثر هدوءا وأمن اقليمي اكثر استقرارا، الكلمة الفصل كانت للبندقية حتى الان، ولكن جاء دور استثمار النتائج والامل في التبشير والعمل برؤى جديدة، لان ثمة جديد يلوح في افق المنطقة قبل ان تختطفه ارادات الموت والتدمير.

* إبراهيم العبادي، كاتب وباحث وعضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق