يبدو أن فرحة النظام السوري وحلفائه بـ "تحرير" حلب، لن تكتمل... ثمة هجمات مضادة ومرتدة، ستجعل الاحتفال أمراً سابقاً لأوانه... على جبهة "الباب"، بوابة حلب ونقطة التقاطع الاستراتيجي بين المشاريع المتصارعة في سوريا، تتقدم قوات "درع الفرات" إلى داخل المدينة من بوابتها الشمالية، تحت وابل مكثف من القصف المدفعي والضربات الجوية للجيش التركي.

وعلى مشارف تدمر، المدينة الاثرية الاستراتيجية في "فم الصحراء والبادية"، تتقدم قوات داعش بقوة، مستفيدة من انشغالات المكثفة على جبهات حلب، وفي مسعى يائس لاستعادة زمام المبادرة، بعد سلسلة الهزائم والنكسات التي مني بها التنظيم في العراق وسوريا خلال الأشهر الفائتة.

ومن واشنطن، يأتي "النبأ السيء" الثالث، حيث ستقرر إدارة أوباما، في أسابيعها الأخيرة، وبعد النجاحات التي حققها النظام وحلفائه في حلب الشمالية، رفع القيود المفروضة على تسليح حلفاء واشنطن، بمن فيهم بعض المعارضات السورية... البعض يتحدث عن أسلحة "كاسرة للتوازن"، والناطق باسم الخارجية الأمريكية ينفي أن يكون من بينها أسلحة مضادة للطائرات محمولة على الأكتاف.

تعددت المصادر، لكن الرسالة واحدة: محظور على النظام وحلفائه الاحتفاء بنصر عسكري حاسم، حتى وإن كان بحجم استعادة السيطرة على مدينة بحجم حلب ومكانتها... محظور عليه التحليق عالياً في سماء الرهانات و"والأوهام" حول إمكانية حسم الحروب في سوريا وعليها، بوسائل الجبر العسكري... ألم يقل السيد ستيفان ديمستورا قبل يومين بأن استرجاع النظام لحلب، لن يقلل من إلحاحية وضرورة التوجه نحو سياسي للأزمة؟.... ألم يعد الرجل بعد طول غياب، وربما بعد أن تلقى "كلمة السر" من بعض العواصم غير الصديقة لدمشق، للحديث عن العناصر الأساسية الأولى للحل السياسي، بمعزل عن نتائج "أم المعارك" في حلب، بل ولكأنها لم تكن؟

لست من أنصار نظرية المؤامرة، ولا أشارك البعض آراؤهم، بأن "أمر عمليات" قد صدر لجميع هذه الأطراف للتحرك على نحو متناغم لتفريغ "نصر حلب" من مضامينه... وأرجّح أن التزامن في فتح هذه الجبهات السياسية والعسكرية، إنما ينبع من مضمون مواقف هذه الأطراف ومصالحها، التي تلتقي حول الحاجة لتوجيه رسائل قوية لدمشق وموسكو وطهران والضاحية الجنوبية لبيروت، مفادها أن الحرب في سوريا وعليها، أبعد من أن تكون قد وضعت أوزارها بعد.

مثل هذه الرسائل صدرت بصورة ديبلوماسية "ملطفة" أمس وأمس الأول، من نيويورك وباريس أيضاً... الجمعية العامة وبأغلبية 122 دولة، تتخذ قراراً يمكن إدراجه في السياق ذاته، وباريس تدعو "النواة الصلبة" الدول المصنفة بـ "أصدقاء سوريا" لاجتماع عاجل، من المقرر أن يتحول إلى "حفلة" إدانة لموسكو ودمشق بخاصة، وليس من المستبعد، أن ينتهي بالدعوة لفرض المزيد من العقوبات على البلدين على حد سواء.

دمشق وموسكو، اعتادتا التعامل مع بيانات الإدانة والتنديد الصادرة عن "أصدقاء سوريا"، وقرار الجمعية العامة بلا أنياب أو مخالب، خارج الإطار المعنوي والأدبي، لكن ما يقلق دمشق، هو هذا التقدم التركي المتسارع صوب "الباب" بعد أن ظنت وظن أصدقاؤها والإعلام الحليف لها، بأن المدينة بموقعها الاستراتيجي، باتت مسيّجة بخطوط حمراء روسية، وأن أردوغان قد رضخ لضغوط "القيصر" الروسي... ما لا نعرفه حتى الآن، ولم نتأكد منه بعد، هو ما إذا كان هذا التقدم، قد تم بتفاهمات روسية – تركية مضمرة، وما إذا كانت دمشق، على علم بهذه التفاهمات، أم أن "السلطان" قد قرر اغتنام اللحظة، والخروج عن السقوف التي رسمها التفاهم التركي – الروسي وفرض حقائق جديدة على الأرض، مستفيداً من "عزلة" موسكو دولياً وحاجتها للشريك التركي، ومن رغبة واشنطن وعواصم الغرب والخليج، بتوجيه صفعة لنظام الأسد، حتى وإن كانت من خلال استهداف داعش في مدينة الباب، من شأنها أن تلقي بظلال من الشك على "نهائية" الانتصار السوري في ثاني المدن السورية.

أما معارك الكر والفر في تدمر وجوارها، فهي وإن كانت تستبطن شتى المخاطر الاحتمالات، إلا أنها من النوع الذي اعتاده الجيش وحلفاؤه، وهو يشبه بهذا المعنى، جولات الكر والفر في ريف حمص وحقل الشاعر وجواره... بيد أن تزامن هذه التهديدات، وانفتاح عدة جبهات سياسية وعسكرية دفعة واحدة، لا بد أنه وقع على دمشق، وقعاً غير مريح، وربما يكون قد نغّص عليها برنامج احتفالاتها باسترجاع العاصمة الاقتصادية للبلاد.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق