لم يعش شعب من الشعوب حالة من خيبة الامل والصدمة النفسية كما عاشها الشعب العراقي بعد أن خانته قياداته السياسية بعد سقوط الصنم الصدامي، هذه القيادات التي قضت على كل اسباب السعادة والحياة الحرة الكريمة فلم يبقى شيء إلا وسرقته هذه القيادات، حتى سلامة المواطن أصبحت من أدوات اللعبة السياسية التي احترفتها وتعمقت بها.

فقد أصبحت القيادات العراقية المثل الأشهر في الفساد بالنسبة الى القيادات السياسية في العالم، وأصبح الهم الذي يشغل هذه القيادات بكل أنواعها وخلفياتها القومية والدينية هو استغفال الشعب وتمرير صفقات الفساد التي أدمنوا عليها من خلال البقاء في مقاعد السلطة والتسلط، لان معجم المصطلحات والشعارات التي تستعمله الكتل السياسية قد اصبح عند ورقته الأخيرة وأغلب ما يحتويه هذا المعجم من عناوين خداعة ومضللة قد استعملت من قبل المتصدين.

وقد فهم الشعب اللعبة ووعى الحالة وأظهر ما يعانيه في داخله بكل ما يملك من وسائل مع احتياطه الكبير بالظرف الذي يمر به البلد والمخاطر الجلية التي تحتوشه من جميع الجهات، ومع هذه الأجواء الحساسة والشائكة وبرغم التحديات والتهديدات والمخاطر فقد قال كلمته الشعب صارخاً لا للمحاصصة ولا للفاسدين، وما اقتحام قاعة البرلمان العراقي من قبل المتظاهرين إلا تجربة حقيقية صغيرة لانتفاضة الشعب على الفساد بالرغم من السلبيات التي رافقت هذا الاقتحام والغايات والأهداف (الحزبية والشخصية) التي كان يحملها من قاد ذلك التحرك.

ولكن تبقى انتفاضة الشعوب كالفيضان الجارف الذي يكسر ويدمر كل من يقف أمامه وما الانتفاضة الشعبانية ضد النظام البعثي الصدامي إلا أفضل مثال على حقيقة الهيجان الشعبي على الظالمين والفاسدين، ولكن المؤسف ان القيادات لم تستفد من هذا الدرس العظيم والبليغ بل سلكت طريق الحكومات الجائرة التي تريد خداع شعوبها بعد كل هز تتعرض لها من خلال طرح عناوين تريد منها تقديس مكانتها ومقامها كالشرعية والدستورية والقانونية وغيرها، ولم تعي هذه القيادات ان صاحب الشرعية الحقيقي هو الشعب الذي وكلهم لكي يديروا ثرواته وشؤون حياته الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية بالشكل الذي يحافظ به على مصالحه.

فالشعب الذي أعطى هذه الشرعية يمكن له أن يسحبها في اي لحظة يريدها والقاعدة تقول الناس مسلطون على أموالهم، فما تطرحه القيادات من شعارات وأفكار لحماية أنفسها ومكاسبها الشخصية والحزبية لا يمكن لها أن تستمر لفترة طويلة لأن حبل الكذب قصير، عندها سينتفض الشعب كالفيضان الغاضب ويكتسح كل شيء يقف أمامه وتكون النتيجة وخيمة وقاسية على الجميع وفي مقدمتها القيادات ومن يمت لهم بصلة حزبية أو نسبية، لأن استغفال الشعوب غاية لا تدرك وأن الظلم لم يستمر في جميع الحقب التاريخية والطريق الوحيد أمام هذه القيادات هو عودتهم منكسرين الى أحضان شعبهم لنيل رضاهم والعفو عنهم والقيام بجميع الإصلاحات التي ينادون بها وإلا فالانتقام قادم لا محال هذا ما اخبرتنا به جميع الشرائع السماوية والوضعية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق