قد لا يدرك الظالم الذي يسرق جهود الاخرين، او يتعدى على حقوق الناس، او من يمارس الظلم من خلال منصبه، بان عواقب هذا الظلم لن تصيب المظلوم وحده، بل سينال جزاءه من هذا الظلم كاملاً في الدنيا وفي الحياة الاخرة، وهذا الاقتصاص جزء من العدالة الإلهية التي نهت...

الظلم فعل يمارسه أصحاب النفوس الضعيفة والمهزوزة من الداخل، وهم فئة من الطامحين الى تسلق المناصب وحصد الشهرة والمال والقوة على حساب الاخرين مهما كان الثمن والضرر الذي يلحقه، والظالم يعاني من فراغ نفسي وعاطفي وعقلي كبير، لدرجة انه لا يشعر معها بالأهمية والتميز إلا من خلال ممارسة الظلم والقسوة والجبروت، بل وسلب حقوقهم وكرامتهم لتعويض النقص الحاصل في شخصيته واشباع رغباته المنحرفة.

الظلم اشبه بالنار التي يحترق بها الجميع، بما فيهم الظالم نفسه، لتدمر كل شيء من حوله، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "الظلم في الدنيا بوار، وفي الآخرة دمار"، لأنه يخالف العدالة الاجتماعية والفطرة الإنسانية التي تستقيم معها الحياة، ويسود فيها السلم والعدالة والاخاء بين افرادها، بعيداً عن الظلم بمختلف انواعه وتعدد أسبابه لأنه لا يقود الا الى المزيد من الظلم والتدمير الذاتي للأفراد والمجتمعات، لذلك "يجب على الإنسان أن يبتعد مهما استطاع عن الظلم، لأن عناءه يزول عمن ظلمه ويبقى وزره عليه".

قد لا يدرك الظالم الذي يسرق جهود الاخرين، او يتعدى على حقوق الناس، او من يمارس الظلم من خلال منصبه، بان عواقب هذا الظلم لن تصيب المظلوم وحده، بل سينال جزاءه من هذا الظلم كاملاً في الدنيا وفي الحياة الاخرة، وهذا الاقتصاص جزء من العدالة الإلهية التي نهت عن الظلم باعتباره طريق منحرف يدمر استقرار المجتمع ويلحق الضرر بالأفراد، وبالتالي سيؤدي الى المزيد من الخلافات والمشاكل والصراعات داخل المجتمع وخلف دوامة من عدم الانسجام والاستقرار.

ان معنى الظلم "هو وضع الشيء في غير موضعه"، كما يعبر عنه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي، ويعني عدم وضع الشيء في غير موضعه، اختلال الميزان الطبيعي الذي تستقر وتتوازن معه الأشياء عند وضعها في مواضعها المناسبة والحقيقية، وهذا الاختلال الحاصل نتيجة للظلم سيؤدي الى هزات اجتماعية ارتدادية كرد فعل طبيعي للتعرض للظلم، وهو ما سيولد اثار نفسية سيئة تصيب الافراد والمجتمعات على حد سواء، وهذه الاثار لن تزول او تندمل جراحها بسهولة بل ستبقى اثارها السيئة لازمان طويلة.

ان الأثر الذي سيتركه الظلم على الافراد له جوانب عديده، يقول عنها الامام الشيرازي: "للظالم الأثر الواضح على المظلوم في جوانب عديدة، أقلها إنه استهان بقيمته وكرامته، سواء بغصب حقه، أو بأكل ماله، أو الاعتداء عليه"، وهو ظلم له عواقب وخيمة للغاية لأنه من سيمهد الى تدمير المجتمع ككل بعد سلب حقوق افراده وحرياتهم وامتهان كرامتهم واستعبادهم، وعنه يقول الشيرازي: "وأما الظلم الذي لا يدعه الله (عز وجل)، فهو ظلم الناس بعضهم لبعض، وإن تاب الظالم، لكن الله تعالى لا يتركه إلا برضا المظلوم أو التعويض للمظلوم بما لحقه من ضرر، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يؤمن بالمعاد من ظلم العباد)، وقال (عليه السلام): (من ظلم العباد كان الله خصمه)".

اما الآثار التي تتركها ممارسة الظلم على المجتمع فهي آثار كبيرة وخطيرة، لأنها ستكون أعمق واشمل وأكثر عنفاً، وستؤدي الى حالة من عدم الاستقرار داخل المجتمع الواحد، ربما ستنتقل لاحقا الى مجتمعات أخرى، خارج حدودها الجغرافية، كرد فعل اجتماعي مسببة لحالات عدم الاستقرار لتلك المجتمعات ايضاً، كجزء من تصدير الازمات التي يمارسها الحكام المستبدون داخل مجتمعاتهم وخارجها.

يقول الامام الشيرازي: "ان المجتمع الذي تكثر فيه حالة الظلم، لابد وأن تكثر فيه الاضطرابات المختلفة، وحالة عدم الاستقرار، وتترتب عليه آثار وخيمة جداً في نفوس أبناء المجتمع، خصوصاً إذا كان الحاكم نفسه ظالماً لشعبه، مستبداً برأيه، لا يهمه سوى مصالحه الشخصية، وبقائه في الحكم مدة أطول".

وهو وضع عاشه المجتمع العراقي، على سبيل المثال، أيام حكم النظام البعثي الذي مارس الظلم والاستبداد لعقود طويلة على المجتمع ككل، مما ولد هزات اجتماعية عنيفة أدت الى حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي، نتج عنها، إضافة لأثارها الداخلية السيئة، تصدير لهذه الازمات عبر حروب عبثية، وغزوات فاشلة، وصراعات غير منطقية مع الاخرين.

وقد زادت هذه التصرفات العشوائية من حجم الخسائر المادية والمعنوية التي تحمل تكلفتها الباهظة كل أفراد المجتمع العراقي، كما ولدت لهم عقد اجتماعية ونفسية كبيرة خلقت حالة من الفوضى واللإنظام وانعدام الامن والثقة والاستقرار في نفوسهم، لأنها اصابت صميم بنية المجتمع وشوهت القيم والعادات والثقافة التي بنيت عليها الحضارة الأخلاقية للمجتمع العراقي الذي ما زال يعاني من اثارها، رغم مرور عقدين من الزمان على زول هذا النظام المستبد.

ولا يقتصر الأثر المادي او المعنوي على المظلوم، افراد ومجتمع، فحسب، بل سيشمل هذا الأثر الظالم ايضاً، وسيدفع الثمن النفسي والمعنوي بشكل كامل، وربما أكثر بكثير من الاضرار والدمار الذي كان هو السبب في حدوثه بصورة مباشرة او غير مباشرة، وهذا مقتضى العدالة السماوية، سواء اكان القصاص في هذه الدنيا ام في الاخرة، فعند الله لا يهمل او يضيع أي حق، يقول السيد الشيرازي: "في الدنيا، وذلك عن طريق الأمراض والآلام التي يتعرض لها في حياته بسبب ما ارتكبه من جرائم، فان الآلام والأمراض قد تكون من باب الامتحان والاختبار، وذلك لتخفيف بعض ذنوبه التي ارتكبها في دنياه، وكلامنا لا يتضمنها، وقد تكون عقوبة دنيوية على ظلمه للناس، فكم من الظالمين أصيبوا في هذه الدنيا بأمراض نفسية وجسدية أودت بحياتهم بعد ذل عاشوه، وقد يحصل في بعض الحالات أن الظالم لا ينال جزاءه في الدنيا، فهل هذا يعني أنه في الآخرة يترك ولا يعاقب؟ كلا، بل ان الله للظالمين بالمرصاد، وإمهال الله للظالم لا يعني تركه أبداً".

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق