وإذا كان صراع الغرب مع الشرق الأقصى ظل صراعا سياسيا ومصالحيا في ذلك الجزء من تاريخ أوربا الحديث إلا أن الغرب سعى في الثلث الأخير من الألفية الثانية الى تعميم العداء القيمي الثقافي والأيديولوجي اللبرالي مع الشرق كله، بل مع دول وحضارات وثقافات لم تحسب على الشرق...

لقد كان لقاء الإسلام بالغرب في اسبانيا محاولة تاريخية كبرى بدأها الشرق في تغيير وجه العالم وتغيير نمط غربي - روماني ظل سائدا على مدى قرون في الهيمنة على شعوب البحر المتوسط، وكان اعتناق البربر للإسلام سببا رئيسيا في محاولة المسلمين عبور البحر المتوسط من أجل الوصول الى عالم الامبراطورية الرومانية التي عجز المسلمون في الشرق عن اقتحام عاصمتها بيزنطة – القسطنطينية والتغلغل في أراضيها، ولكنهم تمكنوا من ذلك واستطاعوا الدخول الى عالم أوربا القديم عن طريق البربر، وهي التسمية الإسلامية للأمازيغ شعوب شمال أفريقيا وهي شعوب حية عاشت على ضفاف المتوسط وصحاري أفريقيا وكانوا على تواصل تجاريا وثقافيا مستمرا مع عالم أوربا القديم، وقد تركت اثارهم الاجتماعية والثقافية بعد إسلامهم انطباعا أوليا عن الإسلام في أوربا في المراحل الأولى في لقاء الإسلام بالغرب في اسبانيا.

وكان لفتح الأندلس على أيدي المسلمين في عام 96هـ - 714م فتح لتاريخ متأزم من العلاقات بين أوربا والإسلام أو الشرق الإسلامي، واستفزازا حضاريا وثقافيا ظل يشكل جزءا مأزوما في الذاكرة الأوربية تجاه الإسلام وعالمه الشرقي، ويبدو ذلك واضحا في السعي الأوربي – المسيحي لاجتثاث مخلفات واثار الإسلام من جزئها المقتطع في الأندلس والذي استمر 800عام تحت حكم دول وإمارات إسلامية، وقد كان راهب دير كلوني ورئيسه بطرس المبجل ومنذ العام 1141م يسعى الى القضاء على ماكان يسميه "هرطقة الإسلام" ويحاول إعادة المسيحين الذين اعتنقوا الإسلام الى دينهم الأول، وقد توفي هذا الراهب في عام 1316م في تونس وهو في سبيل مهمته تلك التي تجاوزها الى محاولة نشر المسيحية في بلاد المسلمين، ورغم أن أوربا استطاعت وبعد وفاة راهب دير كلوني أن تستعيد سيطرتها على الأندلس وتعيد اسبانيا الى حضيرة أوربا في العام 1492م، إلا إنها منيت وقبل ذلك بأربعة عقود بخسارة كبرى في تاريخها وهو سقوط القسطنطينية بأيدي المسلمين العثمانيين القادمين من الشرق في العام 1453م.

لقد كانت القسطنطينية تحمل رمزية كبرى في تاريخ أوربا الوسيط، فهي عاصمة الدولة الرومانية التي استمرت فيها أكثر من ألف عام بعد سقوط شقها الغربي في روما في القرن الخامس الميلادي، وكانت عاصمة المسيحية الشرقية أو المذاهب الأرثوذكسية، وهي مهد المسيحية الأوربية الأولى وبذلك شكلت تحولا تاريخيا في أوربا من عصر الوثنية الى المسيحية -التي اكتسبت أوربا ومن خلالها هويتها وثقافتها لاحقا من كنائسها وكتابها المقدس القديم- التوارة والجديد – الإنجيل، وكانت القسطنطينية تشكل الحد الفاصل بين أوربا والشرق وبوابة عالمها الخاص بها جدا.

ورغم أن روما سقطت قبلها بما يقارب الألف عام إلا أنها لم تترك ذات الأثر النفسي والقلق الاستراتيجي في الذات الأوربية والسبب لأن روما سقطت بأيدي القوط الغربيين وقبلها ضعفت على أيدي البرابرة الجرمانيين من اقوام أوربا، لكن سقوط القسطنطينية تحت وطأة الجيوش الإسلامية القادمة من الشرق الإسلامي وتغلغلها في الأراضي الشرقية من أوربا ومحاصرتها لإمبراطورية النمسا أسهم في ترسيخ القلق الاستراتيجي الأوربي من الشرق الإسلامي، لاسيما وأنه صدم العقيدة النفسية والاجتماعية الأوربية وعبر قرون من التاريخ القديم والوسيط في حقها في استباحة الذات الأوربية للأمم والشعوب الأخرى وإيمانها المتوارث ومنذ عصر الإغريق بحقها في حكم البرابرة من حولها، وكان ذلك هو الذي أثار حفيظة أوربا ضد الإسلام وشعوبه ودوله.

فقد اثبت الشرق الإسلامي وعلى أيدي الفاتحين المسلمين خرافة ووهم التفوق الأوربي، ولعل ذلك ما يفسر اعتبار أوربا ونخبها الفكرية ان سقوط القسطنطينية في القرن الخامس عشر الميلادي يمثل آخر حقب العصر الوسيط في أوربا وبدأ عصرها الحديث أو تاريخ أوربا الحديث التي بدأت فيه باستعادة المبادرة من جديد ومحاولات بناء أوربا الحديثة والتي من جديد ستعود الى ممارسة دورها الممنوح لها طبيعيا وفق تراثها الإغريقي والروماني في حكم العالم والهيمنة على الأمم والشعوب الأخرى، وعلى ضوء ذلك التراث وتحديات ثقافة الهيمنة الأوربية نظرت أوربا الى صراعها مع الإسلام أو مع الشرق الإسلامي باعتباره صراعا استراتيجيا ينتمي ماضيا الى أيديولوجيا الغرب المسيحي ثم حديثا الى أيديولوجيا الغرب الحداثوي.

وفي كلا الأيدويولوجيتين انغرست تنميطات أوربا تاريخيا للإسلام وللشرق الإسلامي باعتباره في اختلاف بنيوي أو حتى صدام دائم مع الغرب، وهي المضامين الرئيسية للبرالية الجديدة - القديمة التي افصحت عنها وعن أفكارها تجاه الإسلام كتابات صموئيل هنتغتون "صدام الحضارات" وكتابات فوكوياما "نهاية التاريخ" بل وما استبطنه مشروع الولايات المتحدة الأميركية في ماعرف بـ "الشرق الاوسط الجديد"، وقبل كل ذلك التنميطات حول الإسلام والشرق الإسلامي التي رسخها الاستشراق الأوربي في الذهنية الأوربية التي استطاعت أن تكون ذهنية العالم الحديث بفضل المؤسسة العلمية الأوربية ونشاط الاستشراق الثقافي والسياسي وكذلك بفضل المؤسسة الإعلامية البرجوازية – الأوربية التي هيمنت أخيرا عليها الثقافة السياسية - التوراتية تجاه الشرق الإسلامي وأحقية الوهم التوراتي في ارض الميعاد، وبذلك اكتسب الصراع مع الشرق الإسلامي بعدا عمليا جديدا دينيا–صهيونيا مشتقا عن اليهودية–المسيحية لا سيما البروتستانتية الأميركية، بعد إن تجاوز الغرب كلا البعدين التاريخيين في صراعه مع هذا الشرق وهما البعد المسيحي–الصليبي ثم البعد الحداثوي الذي لازال الغرب نظريا ينظر إليه على انه أساس الصراع مع الإسلام او مع الشرق الإسلامي ويعبر عنه باختلاف القيم الحضارية والثقافية لديه عن قيم وثقافة الإسلام.

ولكن صراعات الغرب مع الشرق وحروبه وغزواته بعد سقوط القسطنطينية لم تتوقف عند حدود الشرق الإسلامي بل اتسعت لتشمل الشرق كله وصولا الى أقصى مناطق الشرق ودوله وكادت تلك الحروب والغزوات الأوربية أن تغطي كل تاريخ أوربا الحديث وتهيمن على طبيعة وتوجهات العلاقة بين الغرب والشرق وتمنحها ذلك البعد المتأزم في تاريخ العالم.

اتساعات المواجهة مع الشرق

كان انتزاع أوربا من عصرها الوسيط وعلى أثر سقوط القسطنطينية يتم عبر انتقال موجهات السلطة والمعرفة من الكنيسة المسيحية الى العلمانية السياسية والمعرفية، فقد بدأت حركة المعرفة تحاول انتزاع مضامينها ووسائلها من سلطة الكتاب المقدس وشروحاته ذات المضامين الإغريقية–الوثنية، وكانت البداية مع الفلك الذي أعاد ترتيب صورة الوجود والكون في الذهن البشري ووضع الأرض على هامش الكون وإعادة الشمس الى مركزها في نظام الكون، وكان يتزامن معها محاولة أوربا – الغرب استعادة مركزيتها في التاريخ من خلال ما عرف بعصر النهضة الأوربية، ثم كانت البداية الأخرى في المعرفة مع الجغرافيا التي كشفت آفاق الأرض المجهولة وحددت طرائق البحر للوصول الى العالم الجديد واكتشاف رأس الرجاء الصالح لإعادة الوصول الى الأهداف البعيدة في الشرق من خلال هذه الطرائق البحرية التي كادت أن تحتكرها أوربا في ذلك العصر، وكان اكتشاف رأس الرجاء الصالح في العام 1488م سلب لقوة الشرق في استحواذه على طرق التجارة في البر والعابرة بين أوربا والهند والصين مما أثر في ضعف الممالك الشرقية لا سيما المطلة على البحر المتوسط وإزالة طريق الحرير الصيني من رسوم الخارطة التجارية في العالم آنذاك، ونستطيع هنا ان نحدد تاريخيا بداية صراعات المصالح بين الغرب والشرق والذي سيأخذ منذ هذه اللحظة أنماط ومضامين الصراعات السياسية وانتهاء عصر الصراعات الدينية – التقليدية بينهما.

وكان من آثار هذه التحولات أن اتسعت مواجهة الغرب مع الشرق بانتقال الغرب من حصر مواجهته بالعالم الإسلامي أو الشرق الإسلامي الى الشرق كله وتقسيمه الى ادنى وأوسط وأقصى، بينما احتفظ الغرب باسمه ومصطلحه مع التركيز الأوربي على تلك التسميات الخاصة بالغرب والشرق واستدراجه الثقافي لها في تقسيم العالم وترسيخ مسمياته وبمضمون سياسي – أيديولوجي أوربي.

ومع سيطرة أوربا على البحار في القرن السادس الميلادي ومنذ وصول الأسطول البرتغالي الى موانئ وشواطئ الخليج العربي في العام 1650م ثم وصول الأسطول البريطاني بعد ذلك الى الخليج العربي في العام 1809م، بدأت تفرض هيمنتها الاستعمارية على المناطق القصية في الشرق الآسيوي وأفريقيا بعد وصولها الى شواطئ الخليج العربي إضافة الى مناطق العالم الجديد، ومع زيادة حجم القوة البحرية الأوربية التي طوقت العالم كله وتزايد القدرة الصناعية فيها مع صعود البرجوازية الأوربية وانتقال السلطة من البابوات الى الأمراء والملوك الطامحين لا سيما بعد حركة الاصلاح الديني – المسيحي مما تسبب وفق هذه العوامل مجتمعة ظهور الغزاة البريطانيين والفرنسيين وقبلهم البرتغاليين الذين وطأت جيوشهم عالم الشرق ودوله ومدنه، وأحيت تلك الرحلات الاستكشافية والاستعمارية في التاريخ الأوربي الحديث فكرة تفوق الرجل الأوربي وريادة شعوب أوربا وحدها في حقها بإدارة وحكم العالم والذي تم تقنينه من خلال مبدأ الإنتداب في مواثيق عصبة الأمم المتحدة في العام 1920م والذي أستبدل بمبدأ الوصاية في العام 1945م في مواثيق الأمم المتحدة.

ونتيجة أكثر من ثلاثة قرون من هيمنة الغرب على العالم وامتداد حدود امبراطورياته الى افريقيا وآسيا ومناطق العالم الجديد في أميركا الشمالية والجنوبية، وصياغات التقنينات الدولية التي فرضها الغرب بالقوة المعنوية والمادية على الهيئات الدولية سواء في عصبة الأمم أو الأمم المتحدة استطاع هذا الغرب أن يحتكر أو يمتثل جورا صوت المجتمع الدولي والتعبير عنه في المحافل الدولية ونبذ كل القوى والدول الأخرى المعارضة والمتمسكة بمبدأ سيادة الدول وإعادة وصمها بالدول المارقة أو دول الشر التي تشكل خطرا على العالم الحر مما أنذر باتساع حجم وقوة المعارضة في العالم بوجه أوربا والغرب.

وكان اتساع حجم المعارضة يستند الى خلفية تاريخية ونضالية ضد الغرب لا سيما في الشرق وامتداد هذه المعارضة تاريخيا الى الشعوب التي تنبهت بعد الحرب العالمية الأولى وبعد تجارب مريرة الى خطر الغرب السياسي والاقتصادي واخيرا الثقافي، مما جعل من المواجهة معه أمرا مفروغا منه عقائديا وأيديولوجيا، وكانت حركات الاستقلال ومطامح الشعوب في تحقيق السيادة لأوطانها ودولها تنتشر في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية انتشار النار في الهشيم، مما أرغم الغرب على الانسحابات المتوالية من الشرق بعد الحرب العالمية الثانية وتحقيق الاستقلال الناجز لدول العالم لا سيما في الشرق الذي كان أعظم مأثرة أوربية او منقبة قومية ينجزها الغرب في قاع الذهن الأوربي - الغربي باستيلائه على الشرق ودوله ومدنه، وكان هذا الذهن الاستعماري يدرك منذ البدء صعوبة المهمة التي تكفل بها وهي إخضاع الشرق ولذلك جاءت سياسته الاستعمارية تحاذر المتطلبات الثقافية والاجتماعية لمجتمعات الشرق لا سيما الشرق الإسلامي وعدم العمل على تغيير هوية هذه المجتمعات ذات الأصول الحضارية والتاريخية الضاربة في القدم كما فعل هذا الاستعمار العالمي مع شعوب ومجتمعات أخرى في العالم المستعمَر وحاول استثناءا تطبيقها في الجزائر فعادت عليه وبالا.

لقد كان وصول السفن التجارية الى الصين والهند ومن ثم قدوم الأساطيل العسكرية الى الشرق الأقصى ورسوها في موانئ هذه الدول وبعد ذلك غزوها للشرق الأدنى والأوسط برا وبحرا إيذانا بأفول الشرق حضاريا وتاريخيا وإسدال الستار على أعظم أمم التاريخ البشري في إنجازاتها الحضارية والثقافية والمادية.

لقد كان أفولا محبطا ومؤلما على المستويات النخبوية والشعبية في عالم الشرق ونشأت أفكار الثورة والتحرر على أيدي الشعراء والمفكرين الشرقيين وكانت التعبئة الثقافية والايديولوجية على قدم وساق تتنامى في الشرق وهي تبشر بانبثاقه الحضاري والتاريخي مجددا.

واقدم حرب تحرير كانت قد خاضتها الصين ضد الغزاة الغربيين الفرنسيين في العام 1883م التي بدأت بمظاهرات شعبية ضد الفرنسيين ثم حربا عسكرية بين فرنسا الغازية والصين المعتدى عليها، ثم انتقلت المعارك مع شعوب الشرق في تلك الأعوام الى فيتنام لغرض الاستيلاء عليها من جانب الغزاة الفرنسيين واستمرت الى العام 1905م حيث ضمت فرنسا فيتنام ولاوس وكمبوديا الى مستعمراتها بعد مقاومة شعبية احتفظت بها الذاكرة الوطنية لتلك الشعوب، وكان قبل ذلك قد استولت بريطانيا على عدد من المدن الصينية في ما عرف بحرب الأفيون من العام 1839م – 1842م التي قاومت فيها الصين حكومة وشعبا الغزاة الغربيين البريطانيين، وكانت تلك الحروب هي البدايات الأولى في حصار الغرب للشرق ومعه أخذت تتسع دائرة الانتهاكات الأوربية أو انتهاكات الغرب ضد دول الشرق، فأعقب غزو الصين غزو بريطانيا للهند في العام 1885م وألحقت الهند مع كافة الأراضي التي تعرضت قبل ذلك للغزو البريطاني في آسيا وأفريقيا بالتاج البريطاني، ليكون إعلانا رسميا وقانونيا وإن كان أحادي القرار عن الهيمنة الغربية المبررة أوربيا - دوليا بإزاء الشرق.

وإذا كان صراع الغرب مع الشرق الأقصى ظل صراعا سياسيا ومصالحيا في ذلك الجزء من تاريخ أوربا الحديث إلا أن الغرب سعى في الثلث الأخير من الألفية الثانية الى تعميم العداء القيمي - الثقافي والأيديولوجي – اللبرالي مع الشرق كله، بل مع دول وحضارات وثقافات لم تحسب على الشرق في ما مضى رغم وقوعها على خطوط العرض والطول التي تؤمّن انتسابها الى الشرق وهي دول ومناطق بقايا الامبراطورية الروسية أو بقايا النفوذ السوفيتي في القرن العشرين.

ورغم أن روسيا الامبراطورية – الأرثذوكسية كانت قد خاضت حروبا مع أوربا وكانت الحدود الفاصلة بينها وبين الممالك والامبراطوريات الأوربية ملتهبة، وأشهرها ما أطلق عليه في التاريخ الروسي الحروب الوطنية الكبرى وأولها حرب فرنسا بقيادة امبراطورها الجامح نابليون بونابرت في العام 1812م ضد روسيا القيصرية، وأخرها حرب ألمانيا النازية ضد الاتحاد السوفيتي في العام 1941م في الحرب العالمية الثانية، وتعرضت روسيا ودولها في كلا الحربين الى الغزو الأوربي والذي قاومته ببسالة وقوة وطنية أرغمت أوربا – الغرب على الانسحاب من أراضيها، إلا أن روسيا ودولها ومناطق نفوذها القديم لم تدخل في تصنيفات الشرق وخرائط دوله إلا أخيرا ونتيجة سياسات النبذ الغربية تجاهها مما حدا بدولها وشعوبها الى أن تعي هويتها الشرقية القومية والدينية ومنها الإسلامية لدى بعض شعوبها والأرثوذكسية - المسيحية لدى البعض الآخر منها مما سينعكس على طبيعة التوقعات المستقبلية في هذه المواجهة غير التقليدية من خلال اتساعها جغرافيا ومصالحيا.

وما يعزز من طبيعة تلك التوقعات هما خطوتان أساسيتان في استراتيجيات دول الشرق الكبرى وهما الصين وروسيا، أحداهما هو إصرارهما على إعادة توزيع القوى في العالم من جديد والعمل السياسي والعسكري على إنشاء عالم متعدد الأقطاب لامجال فيه لاستئثار الغرب وأميركا على وجه الخصوص بقيادة العالم الحديث والتحكم فيه عبر نظام القطب الواحد وهيمنة حلف الناتو على المصير العسكري والحربي في العالم، وثانيها هو التحالفات المزمع إنشاؤها بين روسيا والصين ودول العالم الإسلامي بإزاء المواجهة ذات الأقطاب والعوامل المتعددة مع الغرب، وقد أفصحت الخارجية الروسية عن كلا الخطوتين واعتبرتهما بمثابة جدول أعمال دولي يلقى على عاتق روسيا والذي يشهد تأييدا له عمليا من دول الشرق الكبرى التي تبنت مشروع المواجهة مع الغرب، مما يعد بعالم أكثر توازنا وعالم تعود فيه المركزيات الحضارية والثقافية لاسيما الشرقية الى ممارسة نشاطاتها التاريخية وابداعاتها في بناء عالم أكثر استقرارا وأكثر احتراما للذات الثقافية للدول والشعوب في العالم، والتي باتت مهددة بخطر الانقراض على أيدي الرأسمالية الأميركية المتوحشة وقيم اللبرالية الأكثر شذوذا عن مسارات وتوجهات القيم الإنسانية العليا والمؤسسة عبر التاريخ للمعاني الإنسانية والأخلاقية التي أرستها حضارات المجتمعات الإنسانية منذ فجر التاريخ البشري.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق