فكرة اللاّعنف قوة ذاتية كامنة، هذه القوة ليست قوة العنف، إنها قوة روحية أو روحانية. نحن بحاجة في علاقاتنا الشخصية اليومية، في مجتمعاتنا، في صراعاتنا، أن تسود هذه القوة الروحانية التي هي قوة اللاّعنف، أنها أقـل خطورة وأقـل تدميراً من قوّة العنف وقـد يكـون خياراً راجحاً في المستقبل...

يمكن القول أن في فكرة اللاّعنف قوة ذاتية كامنة، هذه القوة ليست قوة العنف، إنها قوة روحية أو روحانية. نحن بحاجة في علاقاتنا الشخصية اليومية، في مجتمعاتنا، في صراعاتنا، أن تسود هذه القوة الروحانية التي هي قوة اللاّعنف، أنها أقـل خطورة وأقـل تدميراً من قوّة العنف وقـد يكـون خياراً راجحاً في المستقبل.

وهنا نسأل: من الذي يميل إلى العنف؟ الضحية أم الجلاّد، المستلب أم الطاغية؟ هل المحتلّ هو الذي يلجأ إلى العنف، أم الذي احتلّت أراضيه سيضطر للدفاع عن نفسه؟ اذن هناك فارق كبير بين من يستخدم العنف لغرض الهيمنة والتسيّد، وبين من يلجأ إليه دفاعاً عن النفس وضدّ الإستلاب، وهو ما ينبغي أن تنتهي مهمّته لاحقاً، بحيث تسود علاقات اللاّعنف والسلم والتفاهم.

الجلاّد هو الذي يمارس العنف لانتزاع ما يريد من الضحية لإذلالها ونزع عقيدتها، لإجبارها على الخضوع والخنوع. قوّة الضحيّة في صمودها لا عنفيّاً، في مُثُلِها. الضحيّة قويّة بالمُثُل، بقيمة الحريّة، بالعدالة، بالمساواة، وبالدعوة للشراكة والمشاركة، قوّتها في تحدّي العنف.

العنف سيلوّث المبادئ الإنسانية النبيلة. لا يوجد دين، ولا توجد أيديولوجيا، ولا أي فلسفة أو فكرة تستطيع أن تعفي نفسها من إرتكاب المعاصي فيما إذا لجأت إلى العنف ضدّ الآخر لبسط سلطانها بزعم إمتلاك الحقيقة، إذ لا عصمة من إرتكاب الجرائم باسم المبادئ، مهما ادّعت من نبل وإنسانية اذا ما استخدمت وسائل عنفية خسيسة لإذلال الضحايا، أو في محاولة لإستخدام هذه الوسائل العنفية لأهداف تدّعي أنها أهداف شريفة ولغايات شريفة، سواء ضدّ الشعوب التي تريد إخضاعها، أو ضدّ الجماعات الثقافية، أو ضدّ الأفراد المختلفين.

ربما الشائع الغالب هو العنف لكن النادر الضائع هو اللاّعنف. نحن نبحث عن النادر الضائع ليصبح بالتدرّج سائداً، وكلّما ارتقت إنسانية الإنسان واشرأبّت نحو المُثُل والقيم العليا، كلّما ازداد رصيد اللاّعنف وكبُر معسكر اللاّعنفيين باتجاه تحقيق الأهداف والمُثُل العليا.

هل يمكن مواجهة العنف بالعنف؟ نعم يمكن مواجهة العنف بالعنف، وقلنا سابقاً أن "العنف الرجعي" يقابله "العنف الثوري". ولكن ماذا كانت النتيجة؟ تدمير المجتمعات بعنف وعنف مضاد، ثم عنف ثورة مضادة، وهكذا كانت مسلسلات من العنف والإنقلابات العسكرية، والعنف الذي استُخدِم في مجتمعاتنا كان عنفاً دموياً إلى حدود كبيرة.

إذا استخدمنا العنف بالعنف لتحقيق الأهداف، سنكون أمام وسيلتين لا اختلاف بينهما، الجلاّد سيمارس العنف والضحيّة ستردّ بالمثل وهناك عنف مضاد، وربما يدخل طرف ثالث وطرف خارجي لاستخدام العنف بتأجيجه لكي يستمر النزاع عنفياً بين الضحايا والجلاّدين فيستمر التدمير ويعمّ.

أستطيع القول، رذيلتان لا تنجبان فضيلة، إذا كان العنف رذيلة فبمقابلته بالعنف رذيلة أخرى، ورذيلتان لا تنجبان فضيلة، وجريمتان لا تصنعان سلاماً، وظلمان لا يولِّدان عدلاً. من يقوم بقتل وقتل مضاد وقتل الآخر وهكذا... سيكون المجتمع كلّه مقتول، والقتل لا يصنع العدالة. الذي يصنع العدالة هو العدالة، العدالة هي التي تصنع العدالة، والسلم هو الذي يصنع العدالة. ولذلك عنفان لا يولّدان سلاماً.

من عِبر التاريخ أن من يحكم بالعنف ستكون الحصيلة هزيمة العدالة وهزيمة الحق وهزيمة السلام.

بالعودة إلى كتاب ميكافيلّي، والكتاب صدر قبل أكثر من خمسمائة عام، إحتفلت ايطاليا بالعام 2013 بمرور خمسمائة عام على كتاب ميكافيلّي "الأمير"، هو الذي أدلج لفلسفة العنف فقد كان الإفتراق مثيراً، عندما اعتبر الغاية تبرر الوسيلة. أيقتضي إذن علينا ونحن نتحدث عن اللاّعنف توحيد الوسيلة بالغاية؟

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق