تقريباً، معظم الافراد في العالم اليوم يؤمنون بالديمقراطية، غير انه لا يوجد اتفاق حول مضمون هذه الديمقراطية، هناك عدة انواع من الديمقراطية على سبيل المثال:

- الديمقراطية التحررية Liberal Democracy

- الديمقراطية الشعبية people Democracy

- الديمقراطية التنظيمية Guided Democracy

- الديمقراطية البروليتارية Proletarian Democracy

وهناك انواع اخرى، والعديد يصر على ان وجود مجموعة معينة من المؤسسات السياسية، يشكل الديمقراطية الحقيقية، وهناك معنى اخر للديمقراطية وهو الديمقراطية النيابية ممكن اختصاره بالعبارة التالية (حكومة الشعب)، فكلمة الديمقراطية اغريقية الأصل حيث ان المقطع Demos يعني الشعب او الناس، و Cratos تعني حكم، بالتالي يصبح المعنى الاصطلاحي يعني الدولة التي تكون فيها السلطة العليا للشعب ومن ثم لممثليهم.

في خطابه الشهير في جيتسبورغ، وصف ابراهام لنكولن الديمقراطية بأنها "حكومة الشعب، من الشعب وللشعب". ووفقا لدانيال ويبستر الديمقراطية هي "حكومة الشعب، تأسست لأجل الشعب ومن قبل الشعب، ومسؤولة أمام الشعب" والبرلمان هو الأداة الرئيسية التي يتم من خلالها ممارسة تلك السلطة فالناس لا يستطيعون إدارة السلطة بشكل مباشر، ولا يستطيعون العمل بأنفسهم مباشرة ولايستطيعون الاتفاق على اقتراح التشريعات اللازمة، باختصار فان الجماهير لا يمكن أن تحكم. على هذا الاساس فالديمقراطيات الحديثة تستند على حكم الأغلبية، التي تفترض ان سلطة الشعب تمارس على الشعب من قبل افراد الشعب الذين يشكلون أغلبية في التصويت.

وفي تطور لمفهوم الديمقراطية النيابية تم الاتفاق على ان المفاهيم الأساسية للديمقراطية هي: السيادة الشعبية والمساواة بين افراد الشعب وضمان الحقوق والحريات بما فيها حقوق الاقليات. ويرى أوستن راني ان التعريف الفعال للديمقراطية يتمثل باعتبارها "شكلا من أشكال الحكم المنظم وفقا لمبادئ السيادة الشعبية والسياسية والمساواة، والاستشارة الشعبية، وحكم الأغلبية"، والدول تختار أشكالا مختلفة من الحكم، تتوقف ملاءمتها على عوامل مختلفة مثل السكان والاقتصاد والبنية الاجتماعية، الارث والثقافة السياسية، وما إلى ذلك. فكل نظام سياسي يعمل في بيئة معينة وله خصائصه الذاتية المميزة، واستقر في المفهوم السياسي والدستوري في الوقت الحاضر ان أشكال الحكم الديمقراطي النيابي تتلخص في النظام البرلماني، او النظام الرئاسي او النظام المجلسي أو مزيج من هذه الانظمة.

ومهما كان النظام الذي يختاره المشرع الدستوري فانه يجب ان يضع نصب عينيه ان الديمقراطية تتطلب تصميم وتنفيذ السياسة الوطنية وفقا للإرادة الشعبية. لذلك، من أجل إقامة الديمقراطية، لابد من فهم الآلية التي من خلالها يمكن ضمان هذا المطابقة بين عمل المؤسسات السياسية وارادة الشعب. وفي هذا الخصوص تأتي أنماط الفصل بين السلطات في الاعتبار كعنصر أساسي في هذه الآلية، إذ يجب ان يتم تقييمها وفقا لمدى أدائها في النهوض بالديمقراطية قبل تقريرها في متن الدستور، عندما نريد تحقيق الديمقراطية النيابية من خلال تمثيل وتنفيذ الإرادة الشعبية علينا طرح التساؤل الاتي: كيف وإلى أي مدى يمكن ان تعكس السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية الإرادة الشعبية. وكذلك اثر عملية التفاعل بين السلطين على تحقيق الإرادة الشعبية.

وكمثال نموذجي على هذا التساؤل لابد ان نلاحظ انه في النظام الذي ينتخب فيه الشعب مباشرة أعضاء السلطة التشريعية، كممثلين عنه وهي بدورها تنتخب اعضاء السلطة التنفيذية كما هو معروف في النظام البرلماني والمجلسي، بالنتيجة تكون السلطة التشريعية هي الأكثر ديمقراطية لأنها الأقرب إلى الشعب وتم اختيار اعضاؤها مباشرة من قبلهم. وإذا كان دور التنفيذية فقط لتنفيذ ماتقرره السلطة التشريعية، فإن كل مانحتاجه لتأمين الديمقراطية هو ضمان تشكيل السلطة التشريعية وفقا لإرادة الشعب قدر الامكان، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك الهدف، هو من خلال إقرار نظام انتخابي متناسب وعادل.

ولكن هل يكفي ذلك للحكم بتحقق الديمقراطية؟ هل بمجرد قيام الشعب باختياره نوابه بحرية ودون اي معوقات وبالية قانونية عادلة يعني اننا ضمنا تحقيق الديمقراطية النيابية؟ وهل صحيح أن السلطة التنفيذية لا تفعل أكثر من تنفيذ قوانين البرلمان؟ الجواب طبعا يكون بالنفي لأن اختيار البرلمان بالطرق الديمقراطية وضمان تحقيق التمثيل الانسب لشرائح الشعب لايعني الوصول الى نتيجة نهائية في مسألة تحقيق الديمقراطية، بل هذا يمثل فقط بداية الطريق نحو تعزيز البناء الديمقراطي، فإذا كان معنى الديمقراطية يتمحور حول حكم الشعب (الاغلبية) لنفسه عن طريق ممثليه، فإن هذا المعنى التاريخي للديمقراطية لم يعد كافيا.

فمن ناحية لابد من توفير ضمانات عدم انحراف هذه المؤسسة التمثيلية المنتخبة عن حدود نيابتها ومصادرة الارادة الشعبية، ومن ناحية اخرى لا يمكن القبول بدور تنفيذي ضيق للسلطة التنفيذية ذلك لأنها تمارس دورا كبيرا في رسم السياسة الخاصة بالدولة، وهكذا فإن الديمقراطية تتطلب من السلطة التنفيذية هي الاخرى أن تمارس اختصاصاتها الدستورية بما يتفق والإرادة الشعبية.

وهنا يأتي دور الرقابة المتبادلة (check and balance)، فلأجل ضمان عدم انحراف اي من هاتين السلطتين السياسيتين عن مقتضى التوصيف الديمقراطي لسلطات الحكم، لابد من تبني أساس دستوري متوازن عند تأسيس هاتين السلطتين يتمثل في العبارة التالية (السلطة تحد السلطة او الطموح يواجه الطموح)، وكما يقول جيمس ماديسون "إذا كان البشر ملائكة، فلن تكون هناك حاجة إلى أي حكومة. وإذا كانت الملائكة هي التي تحكم البشر، فلن تكون هناك حاجة لضوابط خارجية أو داخلية على الحكومة. في تأطير الحكومة الشعبية، الصعوبة الكبيرة تكمن في مسألتين: الاولى يجب تمكين الحكومة للسيطرة على المحكومين؛ والثانية يجب إلزامها للسيطرة على نفسها. ولا شك أن الاعتماد على الشعب هو آلية السيطرة الرئيسية على الحكومة؛ ولكن التجربة قد علمت البشرية ضرورة أخذ الاحتياطات المساعدة... يجب أن يتم جعل الطموح لمواجهة الطموح" (اوراق الفدرالية ورقة رقم 51)

* الدكتورة ميسون طه الزهيري، عضو ملتقى النبأ للحوار، استاذة القانون الدستوري جامعة بابل

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق