ثقافة وإعلام - أدب

غول

خرج أخيرا، وأخذ يسير في طرقات المدينة، تسمّر الجميع وهم ينظرون اليه مبهوتين وقد اذهلهم شكله المخيف، حرصت النسوة على أن لايراه الأطفال فيصابوا بالهلع، فيما أغمي على كثيرين لمّا رأوه، لكن فضول الناس راح يدفعهم للتجمهر حوله أو السير تحت ظله...

خرج أخيرا .. وأخذ يسير في طرقات المدينة، تسمّر الجميع وهم ينظرون اليه مبهوتين وقد اذهلهم شكله المخيف .. حرصت النسوة على أن لايراه الأطفال فيصابوا بالهلع، فيما أغمي على كثيرين لمّا رأوه، لكن فضول الناس راح يدفعهم للتجمهر حوله أو السير تحت ظله الذي كان يغطي مساحة كبيرة من الأماكن التي يمرّ بها ..

- لقد حصلت المعجزة، وإن ما نراه اليوم هو من علامات الساعة، اذ سينتقم الله منكم ويجعل عاليها سافلها .. هكذا صاح رجل عجوز ملتح وهو يرفع يده الممسكة بمسبحة طويلة. كان يقف جانبا وهو يرى الجموع تحفّ بالكائن العملاق الذي يسير بإطمئنان في شوارع المدينة وابتسامة ساخرة تعلو وجهه . 

قيل انه في أيام قحط مرّت بالبلاد، استقر تاجر غريب عند اطراف المدينة وراح يشتري كل شيء من أهلها وبأسعار مغرية .. مع الأيام اختفى اغلب الأثاث القديم والتحفيات الثمينة من البيوت، واختفت مكتبات كبيرة تضم نفائس الكتب والمخطوطات واختفت معها اقلام الباركر والباندان، وكذلك اختفت ملابس عمل محفوظة للذكرى عليها علامات الشركات التي كان يعمل فيها عمال متقاعدون او متوفون. 

واختفت ايضا ملابس عسكرية قديمة، بعضها مرصع بعلامات العهد الملكي وبعده، يحتفظ بها الأحفاد عن الأجداد ومعها اوسمة وانواط عسكرية ومدنيّة وسيوف بأغماد مذهّبة وبنادق قديمة، كانت معلّقة في غرف الاستقبال والديوانيات .. لقد اشترى دفاتر خدمة عسكرية وهويات متنوعة اخرى، وكذلك رتبا ذهبية لضباط مع بيريات وخوذ، كان يحتفظ بها اصحابها أو ابنائهم للذكرى. 

امتد نهمه بعد أن بات إسما شهيرا، فصار يشتري من بعض الناس اطوالهم ليضيفها الى طوله، فتقلّص كثيرون وباتوا كالأقزام لينفخوا جيوبهم الفارغة، واشترى من السمان كروشهم واكتافهم، واشترى انواعا مختلفة من الشعر، اذ قيل انه كان اصلع، حتى ان كثيرين من اهل المدينة راحوا يرتدون القبّعات ليخفوا تصحّر رؤوسهم. 

ولم ينس الحناء والكحل وما تختزنه محال الكماليات من معطرات واسباب الزينة، فباتت الكثير من النسوة بوجوه كالحة ويحجمن عن الخروج من البيوت .. لقد ظل يشتري ويشتري بعد ان جعل له وكلاء يتوسعون في الشراء ليزيدوا من موجوداته التي تضخمت وصارت حديث المقاهي والبيوت .. اشترى سيارات من موديلات عديدة، منها سيارات لملوك ورؤساء، وباصات مصلحة نقل الركاب ذات الطابق والطابقين، ومعها محطات وقوفها وبعلاماتها القديمة نفسها قبل ان يشتري الاراضي الواسعة التي تحيط بالمدينة التي باتت محاصرة بإسمه. 

 في الليلة التي سبقت خروجه للناس انتشرت شائعات كثيرة، تقول انه سيخرج صباحا وسيبهر الجميع، أو هكذا سرّب مريدوه الخبر.. خلت الشوارع من السيارات وتعطل الدوام الرسمي وتوقفت الحياة في كل المرافق، واكتظ الناس على جانبي الطرقات ينتظرون رؤية الرجل الخرافي الذي سيتجول في المدينة .. وعلى الرغم من أن الشمس حجبها غبار في ذلك الصباح جعل الرؤية مضببة، لكنه كان طويلا جدا حين استوى واقفا فرآه الناس من بعيد.  

لقد مدّ عنقه اولا ليخرج جذعه وكان خروجه من الباب الكبير اشبه بخروج تنيّن عملاق من وسط جبل، قبل ان يكتمل وتستقر قدماه أمام المبنى الذي كان يسكنه، فيما كان رأسه يطاول اعلى البنايات في المدينة بملابسه التي كانت خليطا من جميع ما اشتراه مزينا بالأوسمة والانواط والاقلام التي غطت صدره الواسع، وعلى جانبيه علّقت البنادق والسيوف المذهّبة وعلت رأسه قبعة غريبة فيما كان شعره الذي تداخلت فيه الألوان ينسرح على ظهره من تحت قبعته، كما لو انه قطعة من غابة كثيفة تتمايل وراءه ..

أخذ يتمشى بثقة ويتلفت يمينا ويسارا، واحيانا يسأل بسخرية؛ هل هناك من يبيع؟ .. كانت امرأة تقف على سطح بيتها مندهشة من المنظر، وحين سمعته صرخت بصوت غاضب؛ هل ابقيتم شيئا عندكم لتبيعونه؟! 

ساد صمت ثقيل اعقبه شعور بالخوف من هذ الكائن الغريب الذي قدم قبل مدة بحجم واحد من اصغر رجال المدينة وبات اليوم بحجم اكبر مبانيها. 

التفت الكائن العملاق الى حيث تقف المرأة ثم قهقه بصوت عال وراح يشق طريقه بين الجموع المذهولة، متبخترا بين شوارع المدينة، يسحق اناسها ممن لم يسعفهم الوقت ليتجنبوا اقدامه وهي تسقط على الارض وتخلّف دويا هائلا، تسبب ايضا في تهاوي الكثير من المباني على ساكنيها!

اضف تعليق