أعاد رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في محاولة منه للإيفاء بوعوده في الكشف عن الفاسدين، فيما الشكوك تساور نوّاباً ومراقبين عن جدوى الهيئة الجديدة وعدم تعرّضها لضغوط الأحزاب والشخصيّات المتنفّذة. وأشار إلى أنّه سيسّخر كلّ الإمكانات لإنجاحه، بعد أن أكّد...
بقلم عدنان أبو زيد

أعاد رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في محاولة منه للإيفاء بوعوده في الكشف عن الفاسدين، فيما الشكوك تساور نوّاباً ومراقبين عن جدوى الهيئة الجديدة وعدم تعرّضها لضغوط الأحزاب والشخصيّات المتنفّذة.

أعاد رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي تشكيل "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد"، الذي أسّسه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، وأشار في 9 كانون الثاني/يناير من عام 2019 إلى أنّه سيسّخر كلّ الإمكانات لإنجاحه، بعد أن أكّد في 31 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018 أنّ الهدف من إعادة تشكيله هو "اتّخاذ الإجراءات الرادعة وتوحيد جهود الجهات الرقابيّة للتصدّي للفساد وحماية المال العام".

تشكيل المجلس يتزامن مع اعتبار منظّمة الشفافيّة الدوليّة، العام الماضي، في تقرير أنّ العراق يحتلّ المرتبة 169 من إجماليّ 180 دولة مدرجة في مؤشّر الفساد، فيما قال عادل عبد المهدي، في 4 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018: "هناك 13 ألف ملف فساد مفتوح في هيئة النزاهة".

وملف الفساد في العراق شائك تتداخل فيه مصالح الأحزاب المتنفّذة، الأمر الذي يجعل من مكافحته مجازفة كبرى لأيّ حكومة منذ عام 2003، إذ فشلت كلّ الحكومات في حسم قضايا الفساد رغم وجود هيئة النزاهة ومؤسّسات رقابيّة أخرى،

وتكلّل الفشل في إقدام رئيس هيئة النزاهة حسن الياسري في 9 أيّار/مايو من عام 2018 على تقديم استقالته، عازياً السبب إلى أنّ "السلطات لم تتّخذ إجراءات، إلاّ في 15 بالمئة من 12 ألف قضيّة فساد أجرت الهيئة تحقيقات بشأنها وأحالتها على القضاء".

هذا العجز عن مكافحة الفساد يطرح الشكوك حول قدرة المجلس الجديد على حسم المعركة، خصوصاً أنّ الحكومة عليها أن تبدأ أوّلاً بجرد النفقات والمصاريف التي تستنزفها الرئاسات الثلاث (الجمهوريّة ومجلس النوّاب والوزراء) والرواتب والمخصّصات الخياليّة الرائجة فيها، ثمّ تحاسب ملفّات الفساد الأخرى.

ينسجم هذا التساؤل مع وجهة نظر النائب عن "سائرون" صباح العكيلي، إذ شكّك في حديث لـ"المونيتور" بـ"جدوى المجلس الجديد"، وقال: "هذا الكيان الجديد هو حلقة زائدة واختلاف في العناوين لا أكثر، وسوف يثقل كاهل الموازنة التي لا تتحمّل زيادة أعباء حلقات جديدة من مؤسّسات".

أضاف: "هيئة النزاهة والمفتّشون العموميّون يمثّلان منظومة كاملة لمكافحة الفساد، ويفترض برئيس الوزراء أن يستعين بها لا أن يؤسّس مجالس، فالقضيّة لن تحلّ بها، وليست الإشكاليّة في المؤسّسات، وإنّما في التطبيق".

وإذ توقّع "الفشل لهذا المجلس لأنّ "زعامات سياسيّة متورّطة في الفساد، ولن تسمح بحسم الملفّات"، كشف عن أنّ "أحد أسباب تشكيل المجلس هو حاجة حكومة عبد المهدي إلى كسب الجهات الداعمة والمموّلة التي تتردّد في الاستثمار وفي تقديم الأموال لإعمار المناطق المحرّرة لخوفها من فشل المشاريع بسبب الفساد".

سبب آخر دعا عبد المهدي إلى التحقيق في ملفّات الفساد وإعادة تشكيل المجلس، يتجسّد في الضغوط. ففي 3 كانون الثاني/يناير من عام 201، دعا النائب همّام التميمي عبد المهدي إلى "التحلّي بالشجاعة والقوّة وفتح ملفّات سابقة بحقّ مسؤولين متّهمين بالفساد"، مشيراً إلى "صدور العديد من مذكّرات القبض في فترات سابقة بحقّ العديد من المسؤولين، لم تفعّل نتيجة ضعف القانون".

وقال المفتّش العام في وزارة الداخليّة جمال الأسدي، الذي اختاره عبد المهدي منسّقاً في المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، لـ"المونيتور": "المفتّشون العموميّون من أصحاب الخبرة في ملفّات الفساد سيكون لهم دور رئيسيّ في المجلس، الذي سيكون هدفه الرئيس توحيد عمل الجهات الرقابيّة في برنامج موحّد للعمل وتنسيق الجهود المتبعثرة بين جهات وهيئات عدّة".

ويتوسّع عضو لجنة النزاهة البرلمانيّة النائب حسن شاكر في تصريح لـ"المونيتور"، في توضيح عمل المجلس، كاشفاً عن أنّ "آليّات المجلس الأعلى لمكافحة الفساد هي في إرساء ميكانيكيّة تنسيق مٌحكمة مع لجنة النزاهة النيابيّة، وتأسيس فروع له في المحافظات تتألّف من ممثلين عن هيئة النزاهة وجهاز الأمن الوطنيّ والمخابرات وهيئة المساءلة والعدالة وقضاة والمفتّشين العموميّين".

ولفت حسن شاكر إلى أنّ "الآليّة العمليّة ستكون في تحويل الملفّات لدى النزاهة البرلمانيّة إلى المجلس الجديد، بعد أخذ موافقة رئيس الوزراء".

وفي اتّجاه يصبّ في عدم الجدوى من المجلس، قال الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة موسى فرج لـ"المونيتور": "إنّ مواجهة الفساد في العراق تتطلّب توافر الشروط الآتية: دولة المؤسّسات وسيادة القانون، أو العزيمة في رأس السلطة لمواجهة حقيقيّة للفساد أو وجود جهاز مكافحة فساد مستقلّ وقويّ، لكنّ الشروط الـ3 غير متوافرة حاليّاً".

أضاف: "الفوضى السياسيّة وغياب القانون باتا السمة السائدة، والرأس التنفيذيّ في كلّ الحقب الحكومية خذل الجميع بتنصّله عن وعوده بضرب الفساد، وعهد عبد المهدي يوصف بأنّه أضعف العهود".

وتابع موسى فرج: "يبقى الشرط الثالث في وجود جهاز مستقلّ وقويّ لمكافحة الفساد، حيث أنّ هيئة النزاهة هي هيئة مستقلّة تخضع لرقابة مجلس النوّاب بموجب أحكام الدستور، إلاّ أنّه وخلافاً لذلك تمّت السيطرة عليها من قبل الرأس التنفيذيّ منذ حقبة المالكي الذي جعل مهمّة مكافحة الفساد مرتبطة بأمين عام مجلس الوزراء التابع له، واعتُبرت هيئة النزاهة جزءاً منه، الأمر الذي جعلها مغلولة اليدّ تستخدم في تصفية الخصوم".

واعترف رئيس هيئة النزاهة القاضي عزّت توفيق جعفر في تصريحات إعلاميّة، بأنّ "هيئة النزاهة التي تأسّست عام 2004 تواجه الضغوط ومحاولات التدخّل في عملها، وهي مثل كلّ الهيئات الرقابيّة الأخرى تعمل في بيئة غير آمنة"، الأمر الذي يطرح السؤال عن السبب الذي لا يجعل المجلس الجديد مسيطراً عليه أيضاً من الأحزاب والكتل السياسيّة والشخصيّات المتنفّذة. كما أنّ التوافقات والضغوط ستمنعه كذلك عن أداء دوره الذي تشكّل من أجله.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق