لم يكد الأمير محمد بن سلمان يصبح وليا لولي العهد في السعودية حتى حول أنظاره إلى امبراطورية مجموعة بن لادن السعودية العملاقة، ففي العام 2015 اتصل الأمير، وكان حينها في التاسعة والعشرين من عمره، ببكر بن لادن رئيس مجلس إدارة المجموعة التي تملكها عائلة بن لادن...

(رويترز) - لم يكد الأمير محمد بن سلمان يصبح وليا لولي العهد في السعودية حتى حول أنظاره إلى امبراطورية مجموعة بن لادن السعودية العملاقة، ففي العام 2015 اتصل الأمير، وكان حينها في التاسعة والعشرين من عمره، ببكر بن لادن رئيس مجلس إدارة المجموعة التي تملكها عائلة بن لادن وقال له إنه يريد أن يصبح شريكا في المجموعة وذلك وفق ما أكده ستة أشخاص تم إطلاعهم على ما دار بينهما.

صور الأمير عرضه كفرصة لأداء عمل وطني يسهم في تغيير شكل اقتصاد المملكة المعتمد على النفط. وقال أيضا إن ذلك سيخفف الأعباء المالية على الشركة في وقت تحد فيه الحكومة من الإنفاق على البنية الأساسية لمجاراة انخفاض أسعار النفط.

كان بكر بصفته رئيسا لشركة المقاولات الأثيرة لدى الأسرة الحاكمة في السعودية معتادا على تنفيذ طلبات أفرادها. لكن المصادر قالت إنه تردد أمام ما قاله الأمير، ورد قطب صناعة البناء بأنه يحتاج بعض الوقت للتشاور مع بقية المساهمين من أفراد الأسرة.

وفي الشهور التالية ازداد نفوذ الأمير محمد بن سلمان حتى أصبح وليا للعهد في يونيو حزيران 2017. وتبنى الأمير الإصلاح الاقتصادي واستهدف الفساد المستشري، وعلى النقيض تدهورت أحوال أسرة بن لادن.

فقد كان ثلاثة من الأخوة بن لادن يشغلون مناصب تنفيذية عليا في المجموعة بين أكثر من 200 شخصية من رجال الأعمال وأفراد الأسرة الحاكمة والمسؤولين الذين تم احتجازهم في نوفمبر تشرين الثاني 2017 في حملة على الفساد أمر بها الأمير محمد.

وفي نهاية المطاف تنازل بكر وشقيقاه صالح وسعد عن حصصهم التي تمثل 36.2 في المئة من شركة العائلة لصالح الدولة في ابريل نيسان 2018، غير أن بكر، وهو في أواخر الستينيات من العمر، لا يزال محتجزا رغم أنه لم تعلن على الملأ أي اتهامات موجهة له.

وتحدثت رويترز مع أكثر من 20 من العاملين في مجموعة بن لادن وأصدقاء العائلة والمسؤولين الحكوميين والمصرفيين ورجال الأعمال لإعداد هذا التقرير عن أفول نجم العائلة، ولم يشأ سوى عدد قليل من هؤلاء أن يذكر اسمه استنادا إلى ميل عائلة بن لادن منذ زمن بعيد للحفاظ على السرية والقيود المفروضة على توجيه انتقادات علنية للحكومة السعودية، ورسمت تلك المصادر مسار التحول الذي شهدته العائلة بدءا بالحوار الذي دار في 2015 بين بكر والأمير محمد وانتهاء بتولي الدولة إدارة المجموعة.

ويقول بعض الاقتصاديين إن هذا التطور يكشف عن تناقضات في خطة الأمير محمد لبناء اقتصاد حديث يقل فيه الاعتماد على النفط. فقد احتضن فكرة الخصخصة على أمل أن يعمل ذلك على تنشيط الاقتصاد غير أن الدولة تدخلت في شركات مثل مجموعة بن لادن السعودية. ورغم أنه اتجه لمعالجة الفساد فلم تكن هناك شفافية تذكر في تلك العملية.

وقال رجل أعمال سعودي إن قصة عائلة بن لادن أصبحت ”رمزا لما يحدث بين الحكومة والقطاع الخاص .. أي انهيار الثقة“، وردا على طلب للتعليق قال مسؤول سعودي رفيع المستوى إن الأمير محمد لم يسع للحصول على حصة في مجموعة بن لادن عام 2015. وأضاف أن الحكومة السعودية أنقذت الشركة من الانهيار بعد أن مرت بصعوبات مالية ”اقترنت بضعف كبير في الإشراف والحوكمة“، وأضاف أن مجموعة بن لادن ”كيان تجاري سعودي حيوي“.

ملك جديد وقواعد جديدة

سبق أن عرفت أسرة بن لادن المشاكل فقد كان ابنها أسامة العقل المدبر وراء هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 في الولايات المتحدة. غير أن العائلة نجت بقيادة بكر من تلك العاصفة. وكانت وفاة الملك عبد الله في يناير كانون الثاني 2015 هي بداية يوم الحساب للعائلة.

ومن بدايات متواضعة في 1931 ازدهرت مجموعة بن لادن بفضل العلاقات الطيبة التي ربطت الأسرة بحكام المملكة المتعاقبين. وكان الترتيب للعقود مع أفراد الأسرة الحاكمة يتم بشكل غير رسمي بل كان في بعض الأحيان يدون على أي ورقة أثناء تناول القهوة.

وقال توماس فالوز المصرفي الأمريكي الذي عمل في الرياض ثماني سنوات ”كان أداء الأعمال يسير بمنطق ’بكرة إن شاء الله‘ حيث يمكن الترتيب لعقد اجتماع الساعة الحادية عشرة صباحا في المكتب ويتغير الموعد إلى الرابعة عصرا ثم يتم فعليا الساعة الثانية صباحا في القصر“، غير أن الشهور الأخيرة من حياة الملك عبد الله شهدت انخفاض أسعار النفط إلى 60 دولارا للبرميل من الذروة التي بلغتها أعلى من 100 دولار الأمر الذي قلص إيرادات المملكة بشدة.

وعندما ارتقى الملك سلمان (79 عاما) عرش المملكة كانت المشروعات التي صدرت تكليفات بها في سنوات الرخاء الاقتصادي قد أصبحت عبئا ومنها مركز الرياض المالي ومطار جديد في جدة ومدينة اقتصادية على ساحل البحر الأحمر.

وسرعان ما عين الملك سلمان الأمير محمد، الذي كان شخصية غير معروفة من قبل بين أبنائه، وليا لولي العهد. كما تولى الأمير الشاب الإشراف على ملفي الاقتصاد والدفاع، وقال دبلوماسي غربي سابق إن الأمير محمد كان أثناء سنوات المراهقة يحضر بانتظام الاجتماعات مع والده الذي كان آنذاك أمير منطقة الرياض لكنه لم يترك انطباعا يذكر على من حوله.

وقال مستشار غربي إنه كان ”فطنا صعب المراس يفهم عقلية المواطن السعودي العادي“، وفي حين كان أمراء آخرون يسافرون إلى الخارج بقي الأمير محمد في السعودية وحصل على شهادة جامعية في القانون واستثمر أموالا في سوق الأوراق المالية بالرياض.

وقال الدبلوماسي الغربي السابق إنه عندما أصبح سلمان ملكا كان الأمير الشاب يحضر اجتماعات مع مسؤولين أجانب ويتواصل سرا مع والده من خلال جهاز آيباد، كان الأمير محمد يؤمن بالتوجهات الإصلاحية مفعما بالطموح تواقا لتغيير الأمر الواقع. فاستحدث تغييرات لتنظيم عمل الحكومة وتنويع الموارد الاقتصادية وخفض التكاليف بما في ذلك تقليص الإنفاق على أعمال البناء.

وقال مصدران إنه كان من أوائل التدابير التي اتخذتها الحكومة الجديدة في العام 2015 أن أصدرت أوامر بمراجعة عقود الدولة مع التركيز على المشروعات الكبرى التي تعتمد عليها مجموعة بن لادن السعودية.

وسئل المسؤول الحكومي الرفيع عن نتائج تلك المراجعة فقال ”الحكومة حريصة على مراجعة كل المشروعات بما في ذلك العقود التي قد تشوبها شبهة فساد أو إهمال في مواقعها“، وقالت سبعة مصادر مطلعة على ما دار من مناقشات إن الأمير محمد شجع المجموعة على بيع أسهم من خلال طرح عام أولي في إطار الجهود الرامية لتطوير أسواق المال بالمملكة. وكان الإخوة بن لادن قد ألغوا خططا لطرح عام أولي في 2011 خشية ألا يتحقق لهم سعر معقول للسهم في سوق الأوراق المالية التي هزها انخفاض أسعار النفط وبسبب الإجراءات البيروقراطية المصاحبة لإصدار الأسهم.

ووفقا لما قالته المصادر السبعة، كانت الأسرة مترددة في إحياء فكرة طرح الأسهم في 2015 حيث كانت الأوضاع في السوق قد ازدادت سوءا، وردا على طلب للتعليق على ذلك نفى المسؤول الحكومي الرفيع أن الأمير محمد أثار فكرة أن تبيع مجموعة بن لادن أسهما في طرح عام أولي، ثم كان سبتمبر أيلول من ذلك العام عندما انهارت رافعة بناء تابعة لمجموعة بن لادن في الحرم المكي مما أدى لسقوط 107 قتلى قبل بدء شعائر الحج مباشرة.

وأخذت الحكومة قرارات ضد المجموعة فمنعتها من الحصول على عقود جديدة من الدولة ومنعت أعضاء مجلس إدارتها وكبار المسؤولين التنفيذيين فيها من السفر للخارج. كما أمرت وزارة المالية بمراجعة المشروعات الجارية التي تنفذها المجموعة استنادا إلى أوجه قصور غير محددة.

وقال مدير تنفيذي رفيع بمجموعة بن لادن ومصدر مقرب من الأسرة إن حادث الرافعة كان للحكومة بمثابة ذريعة للتحرك ضد المجموعة. وأضاف المدير التنفيذي أن مجموعة بن لادن لم تكن مسؤولة عن الموقع في ذلك الوقت إذ كانت الأعمال تخضع لإشراف السلطات المحلية في مكة، ونفى المسؤول السعودي الكبير ذلك وقال إن العرف جرى على إشراف شركة المقاولات على موقع العمل. وأضاف أن الإجراءات القانونية حيال هذا الحادث لم تنته بعد، وقال المدير التنفيذي إن أسرة بن لادن ”تقبلت هذا العقاب“. وأضاف أن الأسرة ”لم تكن لتتفوه بشيء ضد الملك أو ولي العهد. فهم من الرعايا المخلصين“.

حاولت الأسرة الحد من الأضرار. فأرسل بكر رسالة لأخيه صالح سلمه فيها رسميا مسؤولية المجموعة على أمل استرضاء الحكومة بتغيير الإدارة على حد قول مصدرين اطلعا على الرسالة.

لكن الخطة لم تنجح. فمع نضوب مدفوعات الدولة لمجموعة بن لادن تدهورت أوضاعها المالية وتوقفت عن سداد مستحقات عشرات الآلاف من العاملين بها الأمر الذي أدى إلى حدوث احتجاجات، وبحلول منتصف العام 2016 كان جانب كبير من الأعمال الإنشائية التي تتولى المجموعة تنفيذها قد توقف بما في ذلك مشروعات أساسية في خطط الإصلاح التي طرحها الأمير محمد، كانت أسرة بن لادن من جانبها تحاول تهدئة الموقف. فاستعانت المجموعة بعشرات من أصحاب الخبرات في المجال المالي والإدارة من الخارج ومنهم كلاوس فروليش المصرفي السابق ببنك مورجان ستانلي كرئيس جديد للإدارة المالية.

وقال مصدران إن فروليش، الذي لا يزال في منصبه، جاء مسلحا بسنوات الخبرة في مجال التعاقدات السعودية. وكان على صلة بمحمد الجدعان الذي قدر له أن يصبح بعد فترة وجيزة وزيرا للمالية. ولم يستجب الجدعان لطلب للإدلاء بتعليق.

وقال دائنون واجهوا صعوبات في الاتصال بمجموعة بن لادن خلال أزمتها إن الاتصالات تحسنت بعد وصول فروليش. واستأنفت الحكومة صرف الأموال للمجموعة. وتراجعت الضغوط المالية، وقالت ستة مصادر مطلعة إن الشركة طرحت أيضا خططا لإصدار طرح عام أولي امتثالا لضغوط الدولة ”لإعادة تدوير“ بعض من الأموال التي حققتها على مدار عشرات السنين، وبدا أن العلاقات بين أسرة بن لادن والحكومة تسير في طريق التحسن.

لكن هذا الوفاق لم يدم طويلا. فقد كانت المملكة تتجه إلى ركود اقتصادي وكانت أوضاع السوق تزداد سوءا للطرح الأولي. وتعطلت خطط الطرح مرة أخرى بسبب هذا التدهور الأمر الذي أثار استياء الحكومة، وقال شخص عمل في إعادة هيكلة المجموعة ”الحكام ومحمد بن سلمان اعتبروها (أسرة بن لادن) طفيلا يمتص دماء السعودية دون أن يقدم شيئا في المقابل ... نفد صبرهم“، وفي يونيو حزيران 2017 حل الأمير محمد محل ابن عمه الأمير محمد بن نايف وليا للعهد لتتركز في يديه مفاتيح السلطة بقدر أكبر. وأصبح الأمير محمد في وضع يتيح له التحرك فيما يتعلق بمجموعة بن لادن.

السقوط

في ليلة الرابع من نوفمبر تشرين الثاني 2017 احتجزت السلطات السعودية بكر بن لادن في جدة مع أكثر من 200 شخصية من النخبة السعودية فيما وصفه مسؤولون بحملة على الفساد، وقال مقربون من أسرة بن لادن إنه تم تجميد الحسابات المصرفية لعشرات من أفراد الأسرة بما في ذلك أبناء الأخوة بن لادن ومُنعوا من السفر للخارج. وتم استدعاء الأخوة الموجودين بالخارج للعودة إلى المملكة.

بالنسبة لبكر نفسه كانت تلك بداية احتجاز مستمر منذ عشرة أشهر. ومثل كثيرين غيره احتجز في البداية في فندق ريتز كارلتون بالرياض. وكان هذا هو الحال أيضا بالنسبة لأخويه صالح وسعد حيث أن الثلاثة هم كبار المساهمين. وقال أربعة من المقربين للأسرة إنه تم نقل آخرون من الأخوة بن لادن، ومنهم عمر وأحمد ومحمد وعبد الله ويحيى، إلى الفندق لفترات أقصر.

وشملت حركة التطهير أفرادا من الأسرة الحاكمة ووزراء ومجموعة من كبار رجال الأعمال، وامتدت الحملة على وجه الخصوص إلى مدينة جدة التي نشأت فيها أسرة بن لادن وكانت في فترة من الفترات العاصمة الاقتصادية للمملكة. وكان كثير من الأسر التي تعمل بالتجارة في المدينة على صلات وثيقة بالملوك السابقين لكن لم ينج منهم من الحملة إلا القليل.

لم تذكر الحكومة علانية أسباب احتجاز أفراد عائلة بن لادن أو أي من الشخصيات التي شملتها الحملة على الفساد. وقال الملك سلمان في ذلك الوقت إن حركة التطهير رد على ”استغلال بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة“.

وقال مصدران إن الأخوة بن لادن لم يلقوا اهتماما يذكر في الفندق وتركوا وحدهم في غرفهم يشاهدون التلفزيون ويتناولون وجباتهم، وقال شخص مقرب من الأسرة إن أحد الأخوة الأصغر سنا قال له إنه لم يتم إبلاغه قط بسبب وجوده هناك ولم يستطع الاتصال بمحاميه ولم يزره المحققون إلا نادرا.

ومثل الآخرين من نزلاء فندق الريتز كان عليهم إبقاء أبواب غرفهم مفتوحة وكان طبيب يمر عليهم بانتظام لفحصهم. كما استعانت السلطات بمسؤول توثيق لتسهيل تغيير التوكيلات الخاصة بالأصول. ووصف أحد الأخوة لصديق له عند خروجه ما حدث بقوله ”كانت تجربة شنيعة“، وردا على طلب التعليق على ذلك أحال المسؤول السعودي الرفيع رويترز إلى ما صدر من بيانات في ذلك الوقت عن النائب العام. وكانت تلك البيانات قد أكدت أن كل المحتجزين يتمتعون بنفس الحقوق والمعاملة مثل أي مواطن سعودي آخر.

وقال النائب العام سعود المعجب في الخامس من نوفمبر تشرين الثاني 2017 إنه يفترض أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته وإنه سيتم الحفاظ على الحقوق القانونية للجميع، وتم إخلاء فندق الريتز من الموقوفين في أواخر يناير كانون الثاني لكن خمسة أشخاص مطلعين على الوضع قالوا إن بكر لا يزال محتجزا في الرياض حيث لا يزوره سوى أفراد أسرته المقربين، وسئل المسؤول السعودي الرفيع عن المكان الموجود فيه بكر ووضع التحقيق فأحال رويترز إلى النائب العام. ولم يرد النائب العام على طلب للتعليق.

أما الأخوة الآخرون فقد عادوا إلى بيوتهم في جدة لكنهم يتجنبون لفت الأنظار إليهم. وقال أحد المعارف إن صالح أكثر الأخوة انخراطا في النشاط الاجتماعي عاد إلى لعب الورق بانتظام مع أصدقائه، وتم تجريد صالح من الكثير من ممتلكاته بما في ذلك قصر أهداه له الملك عبد الله في جدة وقال أحد المصرفيين العاملين في مجال الإقراض إن صالح يتردد على البنوك طلبا للمساعدة. وأضاف أنه ”يتظاهر بالشجاعة“.

وقالت أربعة مصادر إن السلطات صادرت صكوك الملكية لبيوت كبار الأخوة بما في ذلك الفيلا المملوكة لبكر المطلة على البحر الأحمر في إطار التسويات التي أبرمتها للإفراج عنهم، وقال مصدران إن الدولة صادرت أيضا طائرات خاصة ومبالغ نقدية ومجوهرات ومجموعة السيارات الثمينة التي كان سعد يمتلكها وتبلغ قيمتها 90 مليون دولار. وتشمل تلك المجموعة سيارات فيراري لم يصنع منها سوى عدد محدود وغيرها من السيارات الايطالية النادرة. كما تم تجريد نواف ابن بكر من كل السيارات من نوع مازيراتي في صالة العرض الخاصة به، وردا على طلب للتعليق أحال المسؤول الحكومي الرفيع رويترز إلى مكتب النائب العام. غير أن رويترز لم تتلق منه ردا.

وفي بيان صدر أثناء فترة احتجاز الموقوفين في الريتز قدر النائب العام أن الفساد والاختلاسات كلف المملكة ما لا يقل عن 100 مليار دولار على مدار عدة عقود، وفي ديسمبر كانون الأول 2017 قال النائب العام إن معظم الموقوفين الذين يواجهون اتهامات بالفساد وافقوا على تسويات تشمل التنازل عن أصول من بينها عقارات وأموال سائلة وأوراق مالية.

السيطرة على المجموعة

اشتمل لب التسوية التي وافقت عليها أسرة بن لادن مع الحكومة على المجموعة العملاقة ذاتها، ففي 23 ابريل نيسان استكملت الحكومة نقل ملكية 36.2 في المئة من المجموعة تمثل الأسهم المملوكة لبكر وصالح وسعد إلى كيان أطلق عليه شركة استدامة القابضة وذلك وفقا لما جاء في وثيقة من وثائق وزارة التجارة اطلعت عليها رويترز.

وقالت شخصيتان تعاملتا مع استدامة إن الشركة أسستها وزارة المالية لنقل حصيلة التسويات المبرمة بين الحكومة والموقوفين في الحملة على الفساد إليها، وأكد المسؤول السعودي الكبير لرويترز أن وزارة المالية تملك شركة استدامة. ولا توجد بيانات عامة عن شركة استدامة لأنها ليست مدرجة في سوق الأوراق المالية ولم تستطع رويترز الاتصال بها.

وشكلت الحكومة لجنة من خمسة أعضاء للإشراف على إدارة مجموعة بن لادن. ومن أعضاء اللجنة عبد الرحمن الحركان الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة دار الأركان للتطوير العقاري ومقرها الرياض وخالد نحاس عضو مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) وخالد الخويطر، رئيس الإدارة المالية بشركة الالكترونيات المتقدمة وهي من شركات التكنولوجيا التي أسستها الدولة.

ويرى كثيرون على صلة وثيقة بالشركة أن هذه الشخصيات التي عينتها الحكومة مجرد واجهة للحكام. وقال مصرفي في جدة ”الخلاصة أن الحكومة بسطت سيطرتها عليها“، ولم يستجب الحركان ونحاس والخويطر لطلبات للإدلاء بتعليق، وقال المسؤول السعودي الرفيع إن لجنة الإشراف ”لجنة مستقلة تمثل مصالح جميع الشركاء“.

وتوضح وثيقة وزارة التجارة أن ثلثي المجموعة لا يزال مملوكا للأخوة الأصغر من عائلة بن لادن. وتم تعيين شخصيتين من العائلة في لجنة الإشراف هما يحيى الذي كان مسؤولا عن إدارة عمليات المكتب الخلفي بالشركة وعبد الله المحامي خريج جامعة هارفارد الذي كان يتولى الإشراف على مصالح المجموعة في الولايات المتحدة. وفسرت عدة مصادر تعيينهما بأنه لفتة رمزية من جانب الحكومة. ولم يرد الشقيقان وممثلوهما على طلبات للتعليق.

وملأ الحركان، المطور العقاري المسؤول أمام الديوان الملكي ووزير المالية الجدعان، الفراغ الذي خلفه تقلص دور أسرة بن لادن في المجموعة. فبوصفه رئيسا للجنة ورئيسا فعليا لمجموعة بن لادن كان له دور في ضمان الحصول على قرض بقيمة 11 مليار ريال (ثلاثة مليارات دولار) من وزارة المالية في ابريل نيسان.

كما التقى بدائني المجموعة وهم في الأساس من البنوك المحلية لتقديم تطمينات عن مستقبلها. ونقل أحد الحاضرين عن الحركان قوله إن المجموعة في حالة ”فوضى ومفلسة بشكل يائس“ لكن الملك سلمان عينه لقيادة عملية تصحيح مسارها.

وبدا الارتياب على وجوه بعض المستمعين عندما قال الحركان إن الأخوة بن لادن ”يشعرون بالارتياح لتخليصهم من مسؤولياتهم“، ورغم هذه التطمينات لا يزال الغموض يكتنف مستقبل المجموعة.

وكما قال الحركان للدائنين سيتم نفض الغبار عن الخطط التي وضعت بعد تعيين فروليش. وسيتم تفكيك الشركات التي تتكون منها المجموعة وعددها 537 شركة تعمل في مجالات من البناء إلى الطاقة وسيتم تغيير اسم المجموعة للنأي بها عن إرث أسرة بن لادن.

ومن المشاكل أيضا ما تدين به مجموعة بن لادن من أموال. فبعد احتجاز من احتجزوا في فندق الريتز بدأ ما وصفه مصدر بأنه ”جيش من المحاسبين“ التفتيش في دفاتر المجموعة محاولين سبر غور التزامات الحكومة تجاهها.

وقدر شخص مقرب من الأسرة هذا المبلغ بنحو 40 مليار دولار، لكن مديرا بالمجموعة قدر أن المبلغ أقل من ذلك. وقال المسؤول السعودي الرفيع إن الحكومة ليس عليها التزامات للمجموعة لكن ثمة ”بعض المدفوعات المتنازع عليها بين عدة وكالات حكومية يجري معالجتها“.

الحياة بعد أسرة بن لادن

تتولى مجموعة بن لادن تنفيذ 93 مشروعا وتربطها صلات بمقاولين من الباطن يصل عددهم إلى 1400 مقاول. غير أن أغلب الأعمال متوقفة، وتركز الشركة جهودها على تسليم مشروع واحد ضخم بتكليف من الأمير محمد وهو مشروع نيوم الذي يمثل منطقة اقتصادية على ساحل البحر الأحمر تبلغ قيمة استثماراتها 500 مليار دولار وتمثل محور رؤية الأمير محمد للدولة السعودية الحديثة.

وسيكون للمدينة الجديدة نظامها القانوني الخاص الذي يهدف لجذب المستثمرين الدوليين في صناعات التكنولوجيا المتقدمة مثل التكنولوجيا الحيوية والصناعات التحويلية المتقدمة وكذلك السياحة، غير أن أولى المنشآت التي صدرت تكليفات بإقامتها في الموقع كانت تقليدية إذ تمثلت في قصور فاخرة تطل على البحر.

وأحد هذه القصور نسخة طبق الأصل من قصر أتمت مجموعة بن لادن بناءه للملك سلمان في مدينة طنجة المغربية حسب ما قالته ثلاثة مصادر أحدها يعمل في موقع المشروع، وتبين وثيقة عن تصميم المشروع اطلعت عليها رويترز أن الموقع به قصور للملك وللأمير محمد وشقيقه الأمير تركي بالإضافة إلى فيلات أصغر لأخوة آخرين وأمراء من العائلة، وسيضم الموقع الذي تنتشر فيه النافورات والأشجار المزهرة ثلاثة مهابط لطائرات الهليكوبتر ومارينا بحرية وملعبا للجولف، وكانت عقود القصور في الأصل من نصيب شركات بناء سعودية أخرى. لكن المصدر الذي يعمل في موقع المشروع ومصدرين آخرين قالوا إن هذه الشركات عجزت عن التعامل مع مشروع بهذا الحجم وسرعة الإنجاز المطلوبة، وتم تحويل عشرات الآلاف من عمال مجموعة بن لادن من مشروعات أخرى في مختلف أنحاء البلاد للعمل في المشروع. وقالت المصادر الثلاثة إن هؤلاء العمال عملوا على مدار الساعة بوتيرة شديدة السرعة لتسليم المشروع خلال شهور الصيف القائظة.

ولم يتحقق نمو العشب خارج القصور بالسرعة الكافية قبل الموعد المحدد في الأول من أغسطس آب ولذلك اضطر العمال لتغييره بعشب اصطناعي قبل الزيارة الملكية. وأكد المسؤول السعودي الرفيع إن شركة تابعة لمجموعة بن لادن تشارك في أعمال البناء، وقال أربعة أشخاص مطلعون على التطورات إن الأمير محمد يتجول بالطائرة بانتظام في سماء المشروع للاطلاع على سير العمل فيه.

وقال اثنان منهم إنه يتولى بنفسه تسويق مشروع نيوم ويجلب مستثمرين محتملين في جولات رسمية وحفلات لا تقدم فيها المشروبات الكحولية، وفي نهاية يوليو تموز انتقل هو والملك سلمان إلى المجمع الذي لم يكتمل بناؤه بعد لقضاء العطلة الصيفية، ولعدم وجود مبان كافية في الموقع اضطر أعضاء في الحكومة وقيادات في قطاع الأعمال للإقامة في يخوت أو في مدينة شرما القريبة.

اضف تعليق