محاولة لإيجاد أسس واعمدة الاعتدال للدولة المدنية الحديثة من قلب صراعات التطرف والتكفير. نبحث عن مشكلة بناء دولة من جديد، مشكلة إيجاد هوية ومنهجية وفلسفة بناء هذه الدولة، مشكلة إيجاد الأرضية المشتركة لمكونات الدولة للتعايش السلمي بينها، مشكلة ممارسة العقائد والثقافات والحريات الأساسية في المجتمع دون قهر واستبداد وتهميش...
المستشار الدكتور عز الدين المحمدي/كلية القلم الجامعة -كركوك

(بحث مقدم الى (المؤتمر الوطني حول الاعتدال في الدين والسياسة) يومي 22 و23 اذار 2017، الذي عقد من قبل مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ومركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء ومركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية)

المقدمة

فكرة الحق تعني فكرة انماط معينة من ترتيبات الحياة المشتركة وفق قواعد معدة سلفا، وتعني فكرة نظام حقوق والتزامات تعطي العلاقات الاجتماعية شكلها، وفكرة بناء أسرى وانماط تداول اقتصادي وما يجب على الفرد نحو الجماعة، وما يمكن ان ينتظره من الجماعة، وتعني الفكرة المرتبطة بأوضاع الخبرات، والاشخاص وباختصار هي شبكة من تبادل التبعية والاستقلال النسبي والتي يعطي الجماعة شكلها الخاص.

فكرة القانون - او الحق - ليست اذن معادلة لمفهوم فلسفي علوي مثل العدالة او التضامن بل على الارجح هي ترجمة عرضية لهذا المبدأ لأن العقلية الاجتماعية ابعد من ان تضع مسبقا بعض التعاليم المعينة والتي يجب ان تحكم النشاط المشترك، فالعقلية الاجتماعية تؤثر حول صورة شكل عيني من التنظيم الاجتماعي. (1)

انه الدستور وليس شيئا اخر غير وضعية المؤسسة وليس ارادة من بأيديهم السلطة، والذي ينظم هذا الدوام الشكل يجعل الحكام يستمدون وظيفتهم مباشرة من هذه الوظيفة ويحصلون على سلطان كامل.

من هنا نرى انه بالرغم من اختفاء الدستور احيانا وباسم واقعية سياسية معينة فإننا نشهد في صالح الدستور فلا غنى عنه من اجل منح الدولة قاعدة مستقرة بدونها تكون الوظيفة القيادية تحت رحمة مزاج الحكام. (2)

اذا قبلنا ان دور الدولة هو تنظيم الصراع السياسي، بشكل ان ادارة الشؤون تحافظ على وجود الجماعة من خلال التجديد المستمر لطريقها في الوجود فانه من الواضح ان الدولة لا تستطيع دعم هذا الدور الا اذا كانت سلطة بمعنى الكلمة فيجب عليها لكي تفرض قواعد اللعبة ان تكون لها طاقة وقوة مستقلة اعني مستقلة عن وجود قوة الاحزاب ويجب ان تكون الاحزاب مرغمة على قبول سلطة الدولة، ليس فقط اللعب الذي يتوجه طموحاتها وانما ايضا قوة تحد من طموحات الاحزاب هذا يعني ان من الضروري ان تكون الدولة قادرة دون افساد التضامن الذي يوحدها مع توجه جماعي آخر، وان تخدم المصالح الخاصة لكل المجتمع.

وهذا التنظير في الشروط ذات طبيعة متنوعة لأنها تتعلق بالتربية والتعليم والمعتقدات الدينية وانماط الحياة والبنية الاقتصادية ويمكن القول ان تحققها بمجموعها يترجم في ايجاد مجتمع متجانس.(3)

أهمية البحث

تأتي أهمية البحث في الوقت الذي تتعرض المنطقة العربية والشرق الأوسطية صراعا مريرا داخليا في الدول التي تعرضت للتغييرات البنيوية والأيديولوجية وإقليميا ودوليا لرسم خارطة جديدة للسيطرة على مجريات الشرق الأوسط بين القوى الإقليمية والدولية لرسم سياسة جديدة واتفاقية سايكس بيكو جديدة للمنطقة ومحاولة الوصول الى خلق هويات للدول التي اصابتها هزات عنيفة في بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من اجل الحفاظ على ما بقيت لها من اطلال دولة اصابها الانهيار والخراب، والبحث محاولة لإيجاد أسس واعمدة الاعتدال للدولة المدنية الحديثة من قلب صراعات التطرف والتكفير والاجرام والإرهاب التي اجتاحت المجتمعات في المنطقة.

مشكلة البحث

نبحث عن مشكلة بناء دولة من جديد، مشكلة إيجاد هوية ومنهجية وفلسفة بناء هذه الدولة، مشكلة إيجاد الأرضية المشتركة لمكونات الدولة للتعايش السلمي بينها، مشكلة ممارسة العقائد والثقافات والحريات الأساسية في المجتمع دون قهر واستبداد وتهميش.

منهجية البحث

يحتاج موضوع البحث الى ان نخوض في المنهجية العلمية التحليلية والوصفية لمجريات الاحداث التي تلهبها المنطقة، فوصف المظاهر للأحداث وبناء الدولة وتحليل الفلسفة التي ترسم البناء المؤسساتي للدولة المدنية في الفكر والمنطق والواقع المجتمعي لمكونات الدولة المدنية الحديثة.

تقسيم البحث

البحث عبارة عن دراسة موجزة لمتطلبات تقديمها للمؤتمر والموسومة بـ (أعمدة الاعتدال في بناء الدولة المدنية الحديثة) اوجزناها في مقدمة وثلاثة مباحث: المبحث الأول بحثنا فيه عن مفهوم الاعتدال والمدنية في ادارة الدولة، فيما اوجزنا في المبحث الثاني أعمدة ادارة الدولة عند الامام علي (عليه السلام) وابن خلدون ومنظري الغرب، اما في المبحث الثالث فقد ناقشنا أسس ومفاهيم اعمدة الاعتدال في الدولة المدنية الحديثة ثم الخاتمة التي كانت لها الاستنتاجات والتوصيات والهوامش.

المقدمة

المبحث الأول: مفهوم الاعتدال والمدنية في ادارة الدولة

المبحث الثاني: أعمدة ادارة الدولة عند الامام علي (عليه السلام) وابن خلدون ومنظري الغرب

المبحث الثالث: اعمدة الاعتدال في الدولة المدنية الحديثة

الخاتمة

المبحث الاول
مفهوم الاعتدال والمدنية في ادارة الدولة

الدولة التي تهتم ببناء مدنيتها على المادة فحسب، فتسهر على بناء الجانب المادي والجسدي للإنسان، وتحاول ان تحقق له الرفاهية المادية والسعادة الجسمية من غير النظر الى جانبه الروحي والخلقي فهي هنا تقوم على نصف انسان.

ايضا المدنية تعني الجانب المادي من الحضارة والتمدن كالعمران ووسائل الاتصال والترفيه ويقابلها الجانب الفكري والروحي والخلقي في الحضارة، والروحية في الفلسفة تقابل المادية وتقوم على اثبات الروح وسموها على المادة. (4)

توصف الدولة بالمدنية بهذا المعنى إن اهتمت ببناء مدنيتها على المادة فقط، فتسهر على بناء الجانب المادي والجسدي للإنسان وتحقق له الرفاهية والسعادة المادية من غير النظر الى جانبه الروحي والخلقي وهي هنا تقوم على نصف انسان لأن الانسان مادة ومعنى، فالمعنى هو الروح التي نفخها فيه الله سبحانه وتعالى والمادة هي ذلك الجسد الذي تسكنه الروح.

فاذا انشغل الانسان بجزئه المادي وأهمل الجانب الروحي فانه عندئذ قد نسي وأهمل نصفه الآخر وحينما خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه السلام وأتم خلقته المادية من طين فإن سبحانه لم يكرمه بسجود الملائكة له الا بعد ان نفخ فيه الروح " اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين * فاذا سوَيتُهُ ونفَختُ فيه من رُّوحي فقعوا لهُ ساجدين"(5)

لا بد اذن للدولة من الاهتمام الكامل بالإنسان الكامل على مستوى منظومتها التعليمية والتربوية والمؤسساتية حتى توجد الفرد السوي المتطور ماديا والنظيف اخلاقيا والسامي روحيا والسليم جسميا وعقليا وسلوكيا وثقافيا ومن ثم بناء المجتمع الراقي في جميع مجالات الحياة، ولقد عاشت الانسانية دهورا طويلة لا تهتدي الى فكرة صحيحة شاملة عن القوى الكونية والانسانية فقد ظلت تفرق بين الروحية والقوى المادية، تنكر احداهما لتثبت الاخرى او تعترف بوجودهما في حالة من التعارض والخصام. (6)

اذا كانت تلك المدنية والاعتدال في بناء ذات الانسان فلا بد من اعتدال المدنية في البيئة التي يعيش فيها الانسان ابتداء من الاسرة والمدرسة والمجتمع الى منظومة مؤسسات الدولة وما يحيط بها من مرتكزات بنائها على اساس من الاعتدال والمدنية والحداثة.

وان ضبط المعنى والمصطلح لمعرفة المعنى الصحيح لمصطلح الدولة المدنية يحتاج الى معرفة لفظ المدنية واصلها في اللغة العربية ومعناها.

مدنية من الفعل مدن وفي لسان العرب مدن بالمكان يعني اقام به ومنها المدنية على وزن فعلية، المدنية ايضا تعنى الحصن، ومن الفعل مدن اشتقت مدينة، مدني، مدنية، تمدن، ومتمدن، فالمدنية هي مكان الاستقرار والعمران والمدنية في اللغة اما اسم معرف مثل قول المدنية بمعنى الحياة المدنية والحضارة، او صفة لوصف حياة المدنية في طورها المتقدم في شتى مجالات الحياة من علوم ومعارف وآداب وثقافة وصناعة وخدمات وتجارة ومباني وملابس وترف ورفاهية.

يستخدم وفي السياسة مصطلح الدولة المدنية في مقابل الدولة الدينية التي ما زال البعض يدعو لها والدولة المدنية ليست ضد الدين انما هي ضد المشروع السياسي الذي يدّعي اصحابه انه يحكم باسم الدين، وقد شهدت التجارب والقاصي والداني بأنه مشروع عار تماماً من مقاصد الدين واخلاقيات الدين ولو تمعنا بالمدني، والمتمدن، ومدنية نرى يقابلها في القاموس الإنكليزي civil ومديني يقابلها civic اما كلمة civics فهي تعني علم التربية المدنية وعلم حقوق المواطنين وواجباتهم و civilization يعني مدنية وحضارة وcivil service تعني الخدمة المدنية و civil society تعني مجتمع مدني و civil democratic state تعني دولة مدنية ديمقراطية. (7)

دور الاعتدال في صناعة الدولة المستقرة

الأركان والاعمدة التي تقوم وتستند عليها الدولة بمفهومها الحديث هو المجتمع الذي بوجوده توجد الدولة، والمجتمع الناضج يصنع دولة ناجحة ومستقرة، ويؤكد اهل الاختصاص أهمية توازن المجتمع واعتداله وابتعاده عن التطرف في الفكر والسلوك، فلا يصح بالمنطق والواقع ان يكون حال المجتمع محصورا بين الخنوع التام والعنف المطلق بمعنى عندما يغيب السلوك الوسطي سوف يعيش المجتمع حالتين متناقضتين تماما، فأما الخضوع المطلق للحاكم الجائر بكل قراراته واحكامه الفردية المستبدة، أو ان يكون المجتمع عنيفا بصورة مطلقة في ردود افعاله تجاه الظلم الواقع عليه.

فأي مجتمع يتخذ هذين السلوكين يكون خاسرا لمستقبله واستقراره ولا يمكن ان يسهم في صناعة دولة مستقرة بمعنى ان المجتمع ينبغي ان يتخذ من الاعتدال والتوازن طريقا للحياة، وهذه مهمة النخب القابض للسلطة واذا تحقق ذلك مع مرور الزمن فأن المجتمع يكون بذلك صانع الاستقرار وهو المحفز على التغيير والابداع والتجدد وهذا هو الطريق الامثل نحو بناء الدولة المدنية المستقرة.

ولكن عندما تغيب حالة الاعتدال في الفكر والسلوك المجتمعي، ويصبح المجتمع خانعا وعنيفا بصورة مطلقة فأن هذا المنهج لا يمكن ان يسهم في بناء دولة مستقرة تسعى الى التطور والتقدم بل يؤدي الى فشلها وتراجع مؤسساتها المجتمعية وضعف بنائها وافتقارها للقدرة على البناء المجتمعي السليم وهذه النتائج هي انكار حتمي لغياب الاعتدال المجتمعي.

ولا شك عندما تقوم ركيزة التعاون المتبادل بين سلطة الدولة القائمة وبين المجتمع سوف يتوجه الى نتائج سليمة بخصوص بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على التطور والتمدن وتقوم السلطة القائمة – الحكومة – على انتهاج المنهجية المدروسة والقائمة على الاختصاص والعمل الجاد من اجل قيام مؤسسات الدولة الحديثة والتي تهدف الى خدمة المجتمع ونشر العدالة الاجتماعية واحترام كرامة وحرية الانسان واشاعة العلم والعمل وحماية حقوق وحريات الافراد وتوفير الاجواء الديمقراطية والتعددية الفكرية واحترام سيادة الشعب والوطن والقانون واخضاع الجميع لأجواء الرفاهية لبناء مجتمع متماسك في دولة اساسها الاعتدال والمدنية والحداثة.

الأسس الفلسفية للدولة المدنية

من الاهمية بمكان علينا ان نضع المنهجية الموجهة التي تنطلق من قناعة معرفية بان الدولة المدنية هي كأي شكل من اشكال التنظيم المجتمعي والسياسي، يتضمن مجالين أساسيين:

اولاً: مجال يتعلق بالأسس الفلسفية والنظرية.

ثانياً: مجال يرتبط بالقوانين والاجراءات التطبيقية والمؤسساتية التي يجب ان تكون منسجمة مع الاصول النظرية والاسس الفلسفية.

والدولة لها طبيعة وضعية، فهي نتيجة للجسم الاجتماعي والعقل الخلاق للفرد المالك الاصلي للسيادة والمتحرر في كل المعايير السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يكون مصدرها خارج الجسم الاجتماعي، وتتجدد طبيعة الدولة بهذه المعاني من خارج المعتقدات والانتماءات الدينية، والتي شكلت اطاراً للقانون الدستوري، هي دولة مدنية مرتبطة بالمواطن الحر المالك للسيادة والمعبر عنها عبر الانتخابات والقانون الذي يترجم الارادة العامة للأفراد المتساويين في الحقوق والمتمتعين بالحريات، وتعتبر الدولة المدنية شكلا من اشكال التنظيم العقلاني للمجتمع، اي انها تختلف عن اشكال التنظيمات الاخرى التي لا تعتمد على العقلانية في بنائها بل على العناصر الهوياتية (كالدين والعرق واللغة)، التي لا تعاديها الدولة المدنية بل تحميها باعتبارها حقوقاً للأفراد (8)، وهذا يعني ان مرجعية الدولة المدنية تأخذ بعين الاعتبار التنوع وتحمي الهويات المرتبطة بالفرد وحقوقه وحرياته وتتجاوزها الى مبادئ اكثر عدالة كمبدأ المواطنة ومبدأ سيادة القانون.

فالدولة المدنية على هذا تُمنح فيها الحقوق والواجبات على اساس المواطنة، مما ينتفي معه اي تمييز بين المواطنين بسبب الدين او اللغة او العرق او الجنس في اطار سيادة القانون واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية الى جانب ان الدولة المدنية تعمل على احترام التعددية والتداول السلمي للسلطة، التي تستمد شرعيتها من اختيار الشعب.

المبحث الثاني
أعمدة ادارة الدولة عند الامام علي (عليه السلام) وابن خلدون ومنظري الغرب

الحياة هي ميدان الانسان فهو يستطيع ان يحولها الى منبع للخير، او مصدر للشر، فخيرها يتعلق بالموقف منها، فهي تكون طوع ارادة من حوَلها الى الخير فمن فهمها يعيش فيها بعافية ومن تزوًد منها اغنته لأنها تكدس نعما كثيرة يمكن الاستفادة منها وهي في الوقت ذاته مدرسة لمن اراد الموعظة والعبرة من حوادثها، يقول الامام علي عليه السلام "ان الدنيا دار صدقٍ لمن صدَقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوَد فيها، ودار موعظة لمن اتعظ بها"(9)

اما من ارادها للشر فهي طوع يمينه.

يبدأ الفكر في ادارة الدولة المسلمة بالتركيز على النظم والنظام فأكبر مصداق للتنظيم هو تنظيم شؤون الدولة المدنية وأمور المجتمع وقد جاء الاسلام بهذا الفكر يوم كانت الفوضى سائدة في البلاد العربية وتقدم المسلمون لأنهم كانوا اكثر تنظيما من غيرهم، انتصروا في الحرب لانهم اوجدوا نظاما للقتال، وانهالت عليهم الثروات بعدما وضعوا نظاما للاقتصاد، واستطاعوا ان يوحدوا دولتهم لانهم اقاموها على اساس من التنظيم ونشروا العلم لانهم وضعوا نظاما للتعليم وهكذا سادت الادارة المنضبطة.

بنى الامام علي (عليه السلام) على هذا النسق نظام الدولة ونظم شؤون الرعية ولا غرابه انه لم ينس ان يوصي اولاده واصحابه وجميع المسلمين في آخر كلمة له قبل وفاته "اوصيكما وجميع ولدي واهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم امركم". (10)

يقوم النظام الاداري الذي وضعه الامام علي (عليه السلام) على مبدأ الحقوق والواجبات، وهو ان الحقوق والواجبات المتبادلة بين الرئيس والمرؤوس هي الاساس في تكوين النظام الاداري، فمثلما للرئيس حقوق عليه واجبات ازاء المرؤوسين وكما ان على المرؤوسين واجبات لهم حقوق على الرئيس وعلى اساس هذه الحقوق والواجبات المتبادلة تنشأ العلاقات الاجتماعية في المجتمع وينشأ ما نطلق عليه (النظام الاداري للدولة) ويجدر بنا ان نؤكد هنا ان النظام الاداري للدولة لا يقوم على المصالح الفردية والحزبية والفئوية الآنية التي تقوم على الرابطة العرقية او القومية او المذهبية، بل يقوم على مبدأ الحقوق والواجبات فهو النظام الثابت والقوي الذي لا يمكن ان تزحزحه اية قوة جبارة.

وبهذا المعنى والفكر استطاع النظام الاداري للدولة ان يفرض الامن والنظام في البلاد ومن هنا ارسى فكر الامام علي (عليه السلام) منظومة تقوية النظام الاداري في الدولة وهي بإيجاز:

اولا: العدل: يلعب العدل دور العصا في تنظيم المجتمع فوق جبل الحياة القاسية، فهو السبيل الى الموازنة، فكلما مال الجسم الى جهة اسعفه العدل في الجهة المقابلة وهكذا حتى يستقيم المجتمع.

ثانيا: الحلم: هدوء الاعصاب عند الانفعال، ومن اهم اسس هذه العلاقة سيادة الحكمة في العلاقات وعدم حدوث ردود افعال انفعالية أثناء العمل والتي تعود اليها أهم عوامل المشاكل في التنظيم الاداري للدولة.

ثالثا: روح التعاون بين الافراد: كالإحسان الى الاخرين ومواساة الاخوة في الشدائد والكرم وهي صفات تنم عن روح جماعية وعن ضمور للروح الفردية والاستبداد التي تهدد روح التنظيم الاداري للدولة المدنية.

رابعا: الدعوة الى الطاعة: لا بد من وجود محور يجتمع اليه الجميع على تنظيم مؤسسات الدولة وهو تقوى الله في كل عمل وكلما زادت التقوى والطاعة ازداد التنظيم الاداري للدولة قوة وترابطا لان التقوى والطاعة تزيد الالتزام القانوني والاداري والمؤسساتي للدولة.

خامسا: التواضع: التواضع قيمة اجتماعية وديمقراطية بدونها لا تقوم للمجتمع قائمة لان التسلط والتكبر والاستبداد عامل تشتت وتمزق للمجتمع والمجتمعات التي تنمو فيها مظاهر الاستبداد والتكبر عرضة للانهيار والسقوط والخراب، اذن التواضع والديمقراطية هو السبيل لإيقاف حالات التداعي والانهيار في المجتمعات الانسانية والفكر في التواضع جاء لصيانة المجتمعات من الانهيار والحفاظ عليه وعلى تماسك عرى المجتمعات الانسانية.

سادسا: الامانة: عندما يسود الشعور بالأمانة لكل فرد في التنظيم الاداري للدولة او اي تنظيم اجتماعي بأنه أمين على مصالح الجماعة فأن النزاهة نحو جماعة ومصالحها سيكون متينا للغاية، خلافا للتنظيمات التي تقوم على التنافس واهدار المال العام والفساد والسرقة ومن شأنه ان يفجر التنظيم الاداري من داخله والامانة في ادارة الدولة مسؤولية اخلاقية واجتماعية يجعل من كل فرد امينا على مصالح الامة امينا على ممتلكاتها امينا على قيمها امينا على اسرارها وافكارها.

إن الأنظمة والدول والمجتمعات التي تكون على خلاف هذه الافكار والمبادئ عرضة للانهيار كما ينهار البناء عندما يتسلل اليه الماء والرطوبة، واكبر معول يهدم تنظيم الادارة والدولة هو الخلاف كما قال تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"(11) وقال امير المؤمنين (عليه السلام) " الامور المنتظمة يفسدها الخلاف " (12)

وعندما يبلغ الخلاف والانهيار الى هذا المستوى من التأثير يجب الاسراع في العلاج وتقع ذلك على حكماء المجتمع وعقلائه مسؤولية وضع حد لهذا الانهيار بإيقاف التداعي في المجتمع والعمل بناء الدولة المدنية التي لا يظلم ولا يضام فيها انسان.

الدولة المدنية في فكر ابن خلدون

ترتبط قضية السلطة بإطارها الانساني الاوسع ببداهة وبضرورة الاجتماع الإنساني، فالبشر لا يمكن حياتهم ووجودهم الاَ باجتماعهم فوجود السلطة ظاهرة ملازمة للاجتماع الانساني.

لكن السلطة هذه يجب ان تمارس ليس فقط على اساس القوة بل وفق مجموعة من القواعد، لأن الفكر الاسلامي لم يتخل عن توعية الضرورة الداعية الى تقييد السلطة فالأصول الدستورية وهذا ما يؤكده ابن خلدون بالرغم من رؤياه الواقعية السياسية للسلطة والدولة.

ان وجود الدولة في فكر ابن خلدون لا جدوى له اذا لم تحقق هذه المؤسسة وظائف واغراض تستفيد منها الجماعة البشرية التي تمثل احدى عناصرها الاساسية، لأن الدولة ليست بقوة مفروضة على المجتمع من الخارج ولكنها ظاهرة نشأت نتيجة لحاجتها.

وقد مرًت هذه الحاجة في تاريخ البشرية بسلسلة من الضرورات والمراحل المترابطة، فالإنسان لا يستطيع العيش بدون اجتماع، وهذه النزعة ليست غريزية عند الانسان بل يدفعه اليها ذكاؤه، فهو يفكر بحاجته وبشكل خاص الحصول على المعايشة التي يعتقد ان بإمكانه اشباعها عن طريق هذا الاجتماع ومن الحياة الاجتماعية تتبع الحاجة الى وازع السلطة بكل اشكالها ثم تظهر الدولة كشكل ارقى لتنظيم هذه السلطة ومن هنا ترتبط الدولة بالحضارة ارتباطا وثيقا.(13)

عاشت المنطقة العربية والعراق على وجه الخصوص مرحلة مؤلمة ولا زالت من الفكر التكفيري في فلسفة بناء الدولة والتي افضت الى صراعات دموية ادت الى مزايدات دينية وسجالات حماسية صاخبة، في الوقت الذي برز مناخاً ديمقراطيا هب على المنطقة والعراق، الا ان الشعوب العربية لم تستطع ان تستثمر هذه الفرصة لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة بل احتدمت الصراعات الدينية والطائفية والمذهبية بين المتصارعين في الحلبة السياسية والكل ينهش الوطن بما تيسر له من انياب على مستوى الممارسات السياسية، والكل يدعي هدفا هو بناء الدولة المدنية الحديثة فنظام حكم الدولة خلافا لما يعتقد هؤلاء اما ان يكون مدنيا بقيادة مدنيين او عسكريا بقيادة العسكر او دينيا بقيادة رجال الدين ولا يمكن جمع صفتين في آن واحد.

الدولة المدنية في فكر فلاسفة الغرب

لقد صاغ الفكر الغربي مفهوما حول الدولة المدنية كظاهرة اجتماعية فالمنظر الفيلسوف الانكليزي توماس هوبز وهو المكرس الحديث لتقليد العقد الاجتماعي المؤسس لمدنية الدولة وجون لوك وهو من اشهر مؤسسي الليبرالية واخر الفلاسفة المنظرين للدولة المدنية بمفهومها الاكثر انتشارا وقد اعتمد الفيلسوفان الانكليزيان على فكرتين اساسيتين الحالة الطبيعية والعقد الاجتماعي فان توضيح آليات بلوغ الحكم المدني الديمقراطي المنشود يتبلور فأما الفكرة الاساسية الاولى وهي الحالة الطبيعية فهي عند هوبز، لا تعدو ان تكون الاَ حالة يسودها الخوف بما تبث من رعب في قلوب الجميع وما يميزها من صراع الجميع ضد الجميع، لا بل حالة حرب تستشري في داخل المجتمع ما دام الانسان عدوا لأخيه الانسان لا يسعى الاَ لتحقيق مصلحته الخاصة ومنفعته الشخصية، فيما هي عند جون لوك حالة سلام للجميع ومساواة بين الجميع وبالتالي فالناس جميعا لهم الحق في الملكية التي سعى لوك حثيثا الى المحافظة عليها في سياق تشكيله للمجتمع المدني.

وقد نشر جون لوك سنة 1690 اشهر مقالتين سياسيتين في عصره وكان من ضمن الآراء التي وردت فيه، ان الوظيفة العليا للدولة انما هي حماية الثروة والحرية ونتيجة لذلك يصبح من واجب الشعب تغيير الحكومة القائمة او تبديلها بأخرى فيما اذا لم تحفظ حقوقه وحريته مما يعني ان لوك قد جعل القانون هو الذي يقر السلطة والتي باتت مقيدة بحكم الاغلبية وان السلطة المدنية لا ينبغي لها ان تفرض عقائد الايمان بواسطة القانون الوضعي سواء تعلق الامر بالعقائد او بأشكال عبادة الله. (14)

المبحث الثالث: اعمدة الاعتدال في الدولة المدنية الحديثة

لا بد لقيام الدولة المدنية الحديثة دولة المواطنة التي يستقر بناؤها على منظومة من مؤسسات دولة تستند بالأساس على سيادة القانون والولاء للوطن والشعب.

وتعرف الدولة المدنية بانها دولة المواطنة وسيادة القانون التي تمنح في ظلها الحقوق والواجبات على اساس المواطنة فلا تمييز بين الافراد بسبب الدين او اللغة او العرق او المذهب او اللون، والدولة المدنية الحديثة في ظلها فقط تضمن حقوق الانسان وحرياته الاساسية وتضمن احترام التعددية الفكرية والعقائدية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وان تستمد شرعيتها من اختيارات الشعب بوعي حضاري وثقافي ووطني وتلك المفاهيم تنطلق من جوهر الديمقراطية وقيمها الاساسية التي ننادي بها.

في دولة المواطنة والمؤسسات والدولة المدنية تتحقق المساواة والعدالة لكافة ابناء الوطن والشعب الموحد الذي يعيش فوق تراب الوطن، فان كل فرد يستحق العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليه من حقوق والتزامات، وان جوهر المواطنة هو التسامح واحترام الاخر والقبول بالتعددية السياسية والايمان بالشراكة الوطنية وبسيادة القانون وبالمصالح العليا للبلاد.

من منطلق هذه المفاهيم فأننا نرسم للعراق اعمدة الانتماء الوطني واعمدة بناء الدولة المدنية الحديثة ودولة المواطنة الاصيلة التي تنحتمي جميعا اليها في كل الظروف والمحن ونتظلل جميعا في ظلها الوارف.

أعمدة الدولة المدنية الحديثة

اولا: الشرعية الدستورية الجامعة للديمقراطية

تقوم الشرعية الدستورية الجامعة للديمقراطية على اساس العقد الاجتماعي الوطني بين الحاكمين (السلطات الثلاث: التشريعية - والتنفيذية - والقضائية) والمحكومين افراد الشعب بكل مكوناته، فالدستور العراقي جامع للأمة العراقية ويجب ان يحظى كوثيقة اسمى برضا الشعب وباختيار حر دون اقصاء او تهميش أية فئة من مكوناته او منطقة جغرافية فيه ليضمن الدستور النظام السياسي الديمقراطي الاتحادي وضمان قبوله والرضا العام عنه لتحقيق الحقوق والعدل والمساواة واحترام كرامة الانسان والحريات العامة.

ثانيا: ممثلو الامة العراقية المجلس التشريعي

الشعب مصدر جميع السلطات وسلطة الشعب هي أسمى السلطات والشعب يمنح سلطاته الى الجهات التي يختارها لممارستها في الدولة ويمنح سلطاته الى ممثليه الذين ينتخبون من الشعب ليشكل مجلسا تشريعيا بعقد اجتماعي لممارسة مهامه في تشريع القوانين ومراقبة اداء السلطة.

ثالثا: سيادة القانون

القانون جملة من القواعد تنظم الحياة في الدولة ما بين مؤسسات الدولة والعلاقة ما بين الدولة والافراد وما بينهم والمهم هو الايمان بسيادة القانون في الدولة المدنية وتشريع القوانين وفق الدستور من السلطة التشريعية ويجب ان لا يخالف القواعد الدستورية وسيادة القانون يحتكم اليها الجميع ويحكم به على الجميع وهدفه الاساس حماية مصالح الدولة والافراد وحماية المجتمع والدولة.

رابعا: السلطة التنفيذية

لا سلطة الا بقانون ولا سلطة الا بمسؤولية ولا مسؤولية دون محاسبة فالسلطة التنفيذية - الحكومة – فالسلطات في الدولة تمارس سلطاتها بانتخاب ووفق نصوص دستورية وفي أطر قانونية ويخضع القابضين على السلطة للمسائلة والمحاسبة والمراقبة من ممثلي الشعب في المجلس التشريعي ويجب على السلطة التنفيذية احترام حدود سلطاتها والتفويض بها واحترام الدستور والقانون والنظام السياسي للبلاد وحماية المصلحة العامة للعراق وعدم الاضرار بها طيلة توليها المسؤولية.

خامسا: السلطة القضائية المستقلة

يمنح الشعب جزء من سلطاته الى منظومة السلطة القضائية لتحكم باسم الشعب وينبغي ان تكون السلطة القضائية مستقلة ضمن الدولة المدنية الحديثة فلا سلطان عليها الا القانون وعليها العمل بتعزيز استقلالها ونزاهتها لإقامة العدل والعدالة وفقا للقانون والمساواة بين افراد الدولة دون تمييز على اي اساس سوى القانون وعدم المساس بها.

سادسا: قيام مؤسسات الدولة

لكي تتحقق العدالة والمساواة بين افراد الشعب في الدولة المدنية الحديثة لا بد ان يكون اساس هذه الدولة قائم على مؤسسات الدولة الثابتة والمستقرة وفق حاجات الدولة ومفهوم المؤسسة هي بناء الوزارات والمؤسسات التي بها تمارس السلطة التنفيذية مهامها وتقضي بها مصالح الافراد المختلفة وتكون تلك المؤسسات في اطار القانون وليس الاطار الشخصي للمسؤولين او الاحزاب السياسية المتنفذة والمنافع الشخصية والمصالح الخاصة.

سابعا: ضمانة التعددية الفكرية والسياسية

من أهم اعمدة الدولة المدنية الحديثة هي ضمانة اكيدة للتعددية الفكرية والسياسية، فالتعددية الفكرية هي ضمانة لممارسة الافراد في الدولة انشطتها العقائدية والفكرية والسياسية وفق الاطار العام للمنظومة الدستورية والقانونية للدولة دون ممارسة القهر والاستبداد والتنكيل لبعض المعتقدات الفكرية والسياسية والعقائدية على اساس التمييز العرقي والمذهبي والسياسي ولزوم احترام جميع الافكار والمعتقدات ضمن الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية.

ثامنا: التداول السلمي للسلطة

لا بد لاستمرار الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية من وجود آلية التداول السلمي للسلطة عبر آليات الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة وحرية المشاركة عبر التعددية الحزبية وفقا للدستور و القانون وممارسة الحرية السياسية والوطنية للوصول الى السلطة بنزاهة السلوك لممارسة حق الترشيح والانتخاب دون ممارسة القهر والارهاب لمنع وعرقلة مشاركة الجميع في اللعبة الانتخابية بل اتباع السلوكية الديمقراطية النظيفة للوصول الى الحكم والمشاركة الفاعلة في ادارة الدولة دون تمييز.

تاسعا: العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الانسان

لكي تنهض الدولة المدنية الحديثة بدورها الاساس في التطور والتقدم والاستقرار لا بد من ضمانة حقوق الانسان وحرياته الاساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية للمجتمع والاهتمام بالإنسان في التربية والتعليم وحرية الرأي والاعلام والاهتمام بالمرأة ومنحها دورها الريادي والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية وتحقيق المساواة بين الجنسين والاهتمام بالثقافة والعلوم والطفولة والشباب باعتبارها عماد المجتمعات الانسانية.

عاشرا: مبدأ الفصل بين السلطات

لا بد لاستدامة الحياة السياسية والقانونية في الدولة المدنية الحديثة من اقامة مبدأ الفصل بين السلطات فوجود السلطات الثلاث الاساسية في الدولة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) هناك سلطات اخرى تتمتع بالاستقلالية وخاصة الهيئات المستقلة التي تعمل وفق الدستور باستقلالية عن السلطات الثلاث والسلطة الرابعة الصحافة فلابد احترام جميع السلطات بحدودها التي رسمها الدستور والقوانين النافذة فلا يجوز من انتهاك سلطة ما سلطات اخرى في الدولة ليبقى احترام هذا المبدأ عمودا اساسيا من اعمدة الدولة المدنية الحديثة ليبقى هذا البناء شامخا قويا معافى وبعيدا عن الانهيار والسقوط.

من يريد الديمقراطية للعراق

ان فرض بقاء الديمقراطية على قيد الحياة بعد انسحاب الولايات المتحدة الامريكية لا يبشر بالخير هكذا قيلت وهكذا كانت تضن سلطة الاحتلال لا شيء تقريبا من الشروط التي تساعد في التعزيز الديمقراطي سيكون موجودا، اعادة بناء البنية التحتية العراقية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية اضافة الى البنية المادية.

لأنها ديمقراطية مصطنعة امريكيا للتسويق الخارجي وللرأي العام الدولي فالديمقراطية التي رسمتها امريكا للدولة العراقية هي ممارسات طائفية محاصصة عرقية ومذهبية مقيتة اوصلت العراق الى ما نشهدها اليوم، الى جانب ان امريكا والدول المتحالفة معها قد فتحت بوابات العراق للإرهابيين والفكر التكفيري والمتطرفين لسحق وتبديد حضارة العراق الانسانية وتشويه الاسلام من ممارسات الارهاب باسم الاسلام.

اذا كان العراق يريد ان ينعم بالاستقرار اللازم لتعزيز جذور الديمقراطية قليلة هي دول المنطقة التي ترحب بالديمقراطية في العراق بالنسبة لمعظم الدول في المنطقة فأن الشكل المثالي للحكومة في العراق ولم يزل نظاما ضعيفا مقيدا بالتأكيد انها ليست ديمقراطية ناجحة مزدهرة متجانسة من الغرب.

العراق محاط بدول لها مصالح ثابتة في ان ترى التجربة العراقية تفشل في العراق من غير المحتمل ان نضن ان هذه الدول التي تسعى ان تؤثر على مجرى الحوادث في العراق كما يجري اليوم.(15)

نرى في كافة الثورات البارزة في التاريخ الانساني ان كل ثورة احتوت على اتجاهين فيما يخص نشر افكارها خارج الحدود:

1. اتجاه بناء الدولة النموذجية model state من خلال محاولة الوصول ببناء الدولة الى مرحلة الكمال من وجهة نظر ايديولوجية الثورة بما يخدم تأييد الشعوب او قوى محيطة تكون مشاركة في خصائص معينة مع شعب الدولة الذي قامت فيه الثورة كما حدثت في ايران عام 1979.

2. اتجاه تصدير الثورة وهو يناهز فكرة دور خارجي فعال للنظام (16).

وفي حالة العراق ورغم ان التغيير لم يحصل من الداخل الا ان القوة الخارجية احدثت هذا التغيير ودون ارادة الشعب العراقي ولكن برضا بعض القوى السياسية المعارضة للنظام السابق ولكن لماذا لم يحصل في العراق كما حصل في ايران او في دول اخرى من ان يتم بناء العراق الدولة على اسس من الاعتدال والمدنية الحديثة؟!

ويرتكز التطوير المؤسساتي للدولة على احداث تغيير في السلوك التنظيمي للعاملين في مؤسسات الدولة وتطوير أدائهم وتشكيل انماط ايجابية من التفاعل الاجتماعي، والعمل على استقطاب والإبقاء على قوى عادلة ذات كفاءة ومهارة عالية وتتوافر لديها الرغبة في العمل ويتم ذلك خلال توافر اجهزة الاداء المؤسساتي لمفاصل الدولة العراقية. (17)

الخاتمة

بعد دراستنا لموضوع بحثنا بمباحثه الثلاثة وتحليلنا للموضوعات التي اشرنا اليها توصلنا الى خاتمة البحث في الاستنتاجات أولا و التوصيات ثانيا وكما يلي:

أولا: الاستنتاجات

1. ان فكرة الحق والقانون تعني فكرة أنماط معينة من ترتيبات الحياة المشتركة وان دور الدولة هو تنظيم المنافسة السياسية وإدارة شؤون الدولة تحافظ على وجود الجماعة الاجتماعية.

2. أهمية قيام الدولة بالاعتدال والاهتمام الكامل بالإنسان على منظومتها التعليمية والتربوية حتى توجد الفرد المتطور ماديا والنظيف أخلاقيا والسامية روحيا والسليم جسميا وعقليا وسلوكيا وثقافيا.

3. وجود حقيقة ان نظام الحكم في الدولة حتميا اما ان يكون عسكريا يقودها العسكر او دينيا يقودها رجال الدين او دولة مدنية يقودها مدنيون واستحالة ان يكون نظامين في آن واحد.

4. وجدنا ان أعمدة إدارة الدولة وادارتها بالمفاهيم التي جاءت في فكر وتطبيق الامام علي عليه السلام هي امثل أسس الاعتدال في تطبيقاتها العصرية للدولة المدنية الحديثة.

5. تحتاج الدولة المدنية الحديثة عناصر نجاحها وهي أعمدة الاعتدال والحداثة والديمقراطية في التنظير والواقع لبناء دولة يتمتع في ظلها الانسان الحريات الأساسية والتداول السلمي للسلطة وإدارة الدولة بمؤسسات مستقرة يمارس الفرد بكل حقوقه التي كفلها له الدستور.

ثانيا: التوصيات

نوصي المؤتمر والمؤتمرين والجهات المعنية في بناء الدولة المدنية باعتدال قائم على سيادة القانون وسلطة الشعب التوصيات التالية:

1. تعزيز سيادة الدولة والدستور والقانون وسلطة الشعب بما يضمن استقرار الدولة والمجتمع وتطبيق الأسس القويمة في بناءها الوطني وتعزيز الوحدة المجتمعية في العراق.

2. ان الدولة المدنية الحديثة لها معاييرها واسسها ولابد من ممارسة السلطة فيها من قبل النخب المدنية وأصحاب الاختصاص والتكنوقراط لتطوير البلاد واستقرار حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يتعلق بتلك الحياة من رفاهية الانسان وحقوقه وحرياته الأساسية.

3. الدولة المدنية لا تعادي العقائد الفكرية والدينية لذلك لا بد ان نحتفظ للدولة المدنية أسسها وكذلك للعقائد الفكرية والدينية المختلفة مكانتها كحقوق للأفراد والمجتمع.

4. ان أعمدة الفكر الإداري للأمام علي عليه السلام والتي تعد عناصر ناجحة للإدارة الدولة وبناء أخلاقية الانسان الذي يكون مسؤولا في الإدارات المختلفة فعليهم التحلي بأخلاقية وفكر الامام علي عليه السلام الذي هو سراج منير للإنسان القويم والإدارة النزيهة والناجحة.

......................................
الهوامش
(1) جورج بوردو، ترجمة د. رجب بودبوس، الدولة، المركز العالمي للدراسات وابحاث الكتاب الأخضر، ص81، دار الكتب الوطنية ليبيا 2008.
(2) المصدر السابق، جورج بوردو، ص99.
(3) مصدر سابق، ص143.
(4) إبراهيم مصطفى احمد الزيات، حامد عبدالقادر، محمد النجار، تحقيق مجمع اللغة العربية، طبعة دار الدعوى 1/381 بدون سنة طبع
(5) سورة ص الآية 71 - 72.
(6) أبو محمد بن عبدالله، الدولة المدنية المادية اللاروحية، طريق الإسلام، الموقع الالكتروني www.ar.islamway.net
(7) جمال ادريس الكنين، الدولة المدنية معناها ومغزاها، مقالة منشورة على الموقع www.alrakoba.net
(8) د. الحسين اعبوش، دليل الى الدولة المدنية، منتدى بدائل المغرب ص13.
(9) د. محسن باقر محمد القزويني، الغرر 2/652، عن خصائص إدارة الدولة في فكر الامام علي عليه السلام.
(10) المصدر السابق، الغرر 2/105.
(11) سورة الانفال الآية 64.
(12) مصدر سابق، د. محسن باقر محمد القزويني، الغرر 118.
(13) د. رياض عزيز هادي، مفهوم الدولة نشوءها عند ابن خلدون، ص85، مجلة العلوم السياسية العدد 37 جامعة بغداد بدون سنة طبع
(14) فتحي الجبوري، الدولة المدنية عند هوبز ولوك، مقالة منشورة في جريدة عراق اليوم.
(15) ليام اندرسن، غاريث ستانسفيلد، عراق المستقبل، دكتاتورية ديمقراطية ام تقسيم، ص381، مراجعة وتقديم ماجد شبر، دار الوراق للنشر، لندن 2005.
(16) د. وليد عبدالناصر، ايران، دراسة عن الثورة والدولة، ص70، دار الشروق القاهرة 1997.
(17) د. سامية فتحي عفيفي، الاتجاهات الحديثة في إدارة وتنمية الموارد البشرية للدولة، ص5، جامعة حلوان 2006.
.............................................
المصادر
القرآن الكريم
1. إبراهيم مصطفى احمد الزيات، حامد عبدالقادر، محمد النجار، تحقيق مجمع اللغة العربية، طبعة دار الدعوى 1/381 بدون سنة طبع.
2. أبو محمد بن عبدالله، الدولة المدنية المادية اللاروحية، طريق الإسلام، الموقع الالكتروني
www.ar.islamway.net
3. د. الحسين اعبوش، دليل الى الدولة المدنية، منتدى بدائل المغرب.
4. جمال ادريس الكنين، الدولة المدنية معناها ومغزاها، مقالة منشورة على الموقع www.alrakoba.net
5. جورج بوردو، ترجمة د. رجب بودبوس، الدولة، المركز العالمي للدراسات وابحاث الكتاب الأخضر، دار الكتب الوطنية ليبيا 2008.
6. د. رياض عزيز هادي، مفهوم الدولة نشوءها عند ابن خلدون، مجلة العلوم السياسية العدد 37 جامعة بغداد بدون سنة طبع.
7. د. سامية فتحي عفيفي، الاتجاهات الحديثة في إدارة وتنمية الموارد البشرية للدولة، جامعة حلوان 2006.
8. د. محسن باقر محمد القزويني، الغرر 2/652، عن خصائص إدارة الدولة في فكر الامام علي عليه السلام.
9. فتحي الجبوري، الدولة المدنية عند هوبز ولوك، مقالة منشورة في جريدة عراق اليوم.
10. ليام اندرسن، غاريث ستانسفيلد، عراق المستقبل، دكتاتورية ديمقراطية ام تقسيم، مراجعة وتقديم ماجد شبر، دار الوراق للنشر، لندن 2005.
11. د. وليد عبدالناصر، ايران، دراسة عن الثورة والدولة، دار الشروق القاهرة 1997.

اضف تعليق