تعد مشكلة الشعب الفلسطيني جوهر مشكلة الشرق الأوسط؛ فلم تحظِ قضية شعب بالاهتمام العربي والإسلامي والدولي كما حظيت به قضية الشعب الفلسطيني؛ وذلك بسبب الظلم التاريخي الكبير الذي لحق بالفلسطينيين، جراء حرمانهم من دولتهم أو اغتصاب أراضهم أو قتلهم وتهجرهم، فضلا عن عمليات الإبادة الجماعية المنظمة التي كان يتعرض لها الفلسطينيون من لدن الحركات اليهودية الصهيونية المسلحة آنذاك. أو جراء ما يتعرضون له من عمليات اضطهاد منهجية على أيدي الجنود الإسرائيليين اليوم.

لقد كان إنشاء "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين مرتبطاً بطرد الشعب الفلسطيني من وطنه، بل تصفية وجوده كشعب عن طريق نفيه وإخضاع ما تبقى منه في وطنه للاستعمار. فعندما سنحت الظروف للصهيونيين في فلسطين عام 1948، عملوا على بلوغ هذا الهدف بأبشع وأقسى ما عُرف في التاريخ القديم والمعاصر من أساليب الإرهاب المادي والنفسي، والعنف، والفظائع، والمذابح، لإخراج أكبر قسم من الفلسطينيين عن ديارهم. وبعد قيام "إسرائيل" استمرت سلطاتها في عمليات تصفية الوجود الفلسطيني بأشكال متعددة ومتجددة.

ما قصة فلسطين؟ ولماذا تحظى فلسطين بالاهتمام العالمي دون سواها؟ وكيف حُرم الشعب الفلسطيني من حقوقه، بينما نالت الشعوب الأخرى حقوقها أو جزء منها؟ وكيف نظرت الأمم المتحدة إلى القضية الفلسطينية؟ وماهي الحلول التي اقترحتها في إطار الحل الشامل والعادل؟ وماهي الحقوق التي طالب بها الفلسطينيون ولم ينالوها إلى الآن؟ وكيف يمكن أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم في المستقبل؟

تقع فلسطين في قلب الشرق الأوسط، وفي موقع استراتيجي بين مصر وسوريا والأردن، وهي أرض الرسالات، ومهد الديانتين اليهودية والمسيحية، وهي تقاطع طرق للأديان والثقافات والتجارة والسياسة، ولذلك لكثير من مدنها أهمية تأريخه أو دينية، وعلى رأسها القدس، قبلة المسلمين الأولى. وكانت بريطانيا تستخدم مصطلح "فلسطين" للإشارة إلى جميع الأشخاص المقيمين بصفة قانونية في منطقة الانتداب البريطاني على فلسطين أو ولدوا على حدودها، دون النظر إلى العرق أو الدين، أو مكان الولادة. وباستخدام هذا التعريف، اُطلق على كل من المسلمين والمسيحيين واليهود أسم "فلسطينيين"

ولكن منذ إنشاء الدولة العبرية على جزء من أرض فلسطين التاريخية في 14/ايار 1948، أصبحت إسرائيل تُطلق على مواطنيها مُسمى "إسرائيليين" وغالبيتهم من اليهود المهاجرين، بالإضافة إلى عرب عام 1948، أو ما يسمى اليوم بـ "عرب اسرائيل" في حين أصبح مصطلح "فلسطينيين" عادة ما يشير إلى الفلسطينيين الذي يسكنون خارج دولة اسرائيل، أي في الجزء الباقي من الأرض الفلسطينية، وهي الضفة الغربي وقطاع غزة، بالإضافة إلى الفلسطينيين المهاجرين والمهجرين إلى خارج فلسطين.

قبل عام 1948، كانت تضم فلسطين التاريخية كل من منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة ما يُعرف بـ "اسرائيل" اليوم، وفي فلسطين يعيش المسلمون والمسيحيون واليهود، وغيرهم ممن لا تُعرف لهم ديانة. إلا أن غالبية سكان فلسطين كانوا من العرب؛ سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين. حيث تشير الإحصاءات السكانية أن "عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية يقارب "2" مليون نسمة إلى حين حرب 1948، ثلثيهما من العرب الفلسطينيين والثلث الآخر من اليهود، وعاش معظم الفلسطينيين نحو 940 ألفا، والسواد الأعظم من اليهود، في المناطق التي أصبحت تدعى فيما بعد بـ "دولة إسرائيل".

مع مرور السنيين، كانت التركيبة السكانية للشعب الفلسطيني تشهد تغيرات جذرية كبيرة في أعداد السكان المحليين؛ حيث كان عدد العرب الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين يقل بينما عدد اليهود يزداد تدريجيا. سواء كانوا من الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، وذلك بسبب سياسات الدول الكبرى آنذاك، ولاسيما بريطانيا العظمى. ثم سياسات التهجير القسري التي تقوم بها ما يُعرف بـ "دولة إسرائيل"، أو كانوا من الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس أو في الضفة أو قطاع غزة، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر؛ منذ ذلك الحين على ما تبقى من أراضي للفلسطينيين.

تشير الإحصاءات الرسمية، بعد إعلان "دولة اسرائيل" عام 1948، وبعد حرب 1948، ونتيجة أعمال الطرد الجماعي من قبل القوات اليهودية، بقي داخل حدود "دولة إسرائيل" بعد انتهاء المعارك نحو 160 ألفا من الفلسطينيين الذين شكلوا 10% تقريبا من العدد الكلي للفلسطينيين حينها. وفي نهاية عام 2000، وصل تعداد المواطنين الفلسطينيين من العرب الذين يعيشون داخل حدود الخط الأخضر إلى نحو مليون نسمة. وبلغ عددهم 1.350.000 نسمة، في نهاية شهر إبريل/نيسان 2005، وذلك حسب المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاءات، مشكلين بذلك 20% من مجموع السكان.

كما تؤكد الإحصاءات السكانية أنه "في عام 1922، مثل اليهود نسبة 11.1% من إجمالي السكان، ثم بدأت أعداد اليهود بالتزايد في فترة الانتداب البريطاني بسبب موجات الهجرة إلى أن وصلت عشية إعلان دولة إسرائيل عام 1948 إلى 31%. حتى كان اليهود أغلبية في احصاء عام 1990، إلا أنهم أصبحوا متساويين مع الفلسطينيين عام 2006، ويرجع نمو الفلسطينيين إلى الزيادة الطبيعية، في حين أن الزيادة لدى اليهود كانت تعتمد على الهجرة بالأساس.

وفي عام 2012، بلغ عدد سكان فلسطين التاريخية من العرب واليهود، حوالي 11,8 مليون نسمة، يشكل اليهود ما نسبته 51% من مجموع السكان، ويستغلون أكثر من 85% من المساحة الكلية للأراضي، بينما تبلغ نسبة الفلسطينيين 49% من مجموع السكان، ويستغلون حوالي 15% من مساحة الأرض. وقد أشار تقرير لجهاز الإحصاء الفلسطيني في عام 2013، أن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، قد بلغ حوالي 5,9 مليون نسمة، في حين بلغ عدد اليهود 6 مليون نسمة، وذلك بناءً على تقديرات دائرة الإحصاءات الإسرائيلية.

تاريخيا، بدأت مأساة الشعب الفلسطيني منذ عام 1917، حينما خلفت بريطانيا بوعودها للعرب بمنحهم الاستقلال عند إزالة الحكم العثماني عن بلادهم، وأصدرت على لسان وزير خارجيتها بلفور وعده الذي سمي باسمه في 2 نوفمبر 1917، الذي ينظر بعين العطف " إلى إنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين" وبناء على هذا الوعد، وافقت الحكومة البريطانية على إنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين؛ وتعهدت بمنح يهود فلسطين جميع الحقوق السياسية والمدنية، وبفتح باب الهجرة أمامهم، وتعهدت كذلك بمنحهم استقلالا ذاتيا في كل الأمور الدينية والمدنية والثقافية في فلسطين.

وفي عام 1937، عرضت بريطانيا فكرة تقسيم فلسطين الى ثلاثة أقسام: هي دولة يهودية، وترتبط بمعاهدة صداقة وتحالف مع بريطاني. وقسم يخضع للانتداب البريطاني: ويشمل الأماكن المقدسة: بيت لحم، والقدس. ومنطقة عربية، وهي مملكة عربية مستقلة مرتبطة بمعاهدة صداقة.

عُرضت قضية فلسطين على الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى رسميا، في عام 1947، بناء على طلب من المملكة المتحدة لإدراج قضية فلسطين على جدول أعمال الجمعية العامة لكي تقوم الجمعية العامة بتقديم توصيات، بموجب المادة 10 من الميثاق، بشأن الحكومة المقبلة لفلسطين بعد إنهاء ولاية عصبة الأمم المتحدة على فلسطين. وبعد شهور من المداولات والاجتماعات المكثفة، قررت الجمعية العامة تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة عربية وأخرى فلسطينية مع الاحتفاظ بمركز دولي خاص للقدس (القرار 181/1947).

ورغم إعلان استقلال دولة إسرائيل في 14 أيار/ مايو 1948، لم تظهر الدولة العربية إلى حيز الوجود بسبب الحروب المتعددة التي دارت في المنطقة، وظلت قضية فلسطين تناقش في الأمم المتحدة؛ إما كجزء من النزاع الشامل في الشرق الأوسط، أو من حيث جوانبها المتعلقة باللاجئين أو حقوق الإنسان.

لقد حظيت القضية الفلسطينية بالعديد من القرارات الدولية، على مستوى الجمعية العامة أو مجلس الأمن، منها: قرار الجمعية العامة رقم (3236 /1974) الذي حددت فيه حقوق الشعب الفلسطيني بأصولها وفروعها في الفقرات التنفيذية الخمس الأولى من القرار على النحو الآتي: الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي. والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين. وحق الفلسطينيين الثابت في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا عنها واقتلعوا منها، وتطالب بإعادتهم إليها. والاحترام الكلي للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني طرف رئيسي في إقامة سلم عادل ودائم في الشرق الأوسط. وبحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.

وفي المحصلة، نخلص إلى ما يأتي:

1. تعد قضية الشعب الفلسطيني، في نظر الكثير من المحللين والسياسيين القضية المركزية في الصراع العربي الإسرائيلي، وسبب أزمة هذه المنطقة وتوترها. بالرغم من أن هذا النزاع يحدث ضمن منطقة جغرافية صغيرة نسبياً، إلا أنه يحظى باهتمام سياسي وإعلامي كبير، نظراً لتورط العديد من الأطراف الدولية فيه، وغالباً ما تكون الدول العظمى في العالم منخرطة فيه؛ نظراً لتمركزه في منطقة حساسة من العالم وارتباطه بقضايا إشكالية تشكل ذروة أزمات العالم المعاصر، مثل الصراع بين الشرق والغرب، وعلاقة الاديان اليهودية والمسيحية والاسلام فيما بينها، وعلاقات العرب مع الغرب، وأهمية النفط العربي للدول الغربية، وأهمية وحساسية القضية اليهودية في الحضارة الغربية خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست اليهودي وقضايا معاداة السامية وقوى ضغط اللولبيات اليهودية في العالم الغربي.

2. لم ينصف المجتمع الدولي الشعب الفلسطيني، ولم تحل قضيته، وهو يتعرض منذ عام 1948، إلى أبشع أنواع الاضطهاد والتميز العنصري من لدن ما يُعرف بـ " دولة إسرائيل" وان هذا الشعب له العديد من الحقوق الثابتة وفق مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، ومنها:

أ‌- إنهاء الاحتلال الإسـرائيلي والانسحاب مـن كافـة الأراضـي الفلـسطينية والعربية المحتلة، بما في ذلك الجولان العربي السوري المحتل حتـى خـط الرابـع مـن حزيران/يونيو 1967، وما تبقى من أراض محتلة في جنوب لبنان؛

ب‌- التوصل إلى حل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ورفض كافة أشـكال التـوطين؛

ت‌- إقامـة دولـة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية؛

ث‌- الوقف الفوري لعمليات الاسـتيطان والتحـرك بخطوات واضحة ومحددة نحو تنفيذ استحقاقات عملية السلام القائمـة علـى المرجعيـات المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام.

ج‌- التوقف عن هدم المنازل الفلسطينية في القدس الشرقية؛ وما أعلن عنـه مـؤخراً مـن إقامـة مـشروعات استيطانية جديدة في القدس بهدف تغيير وضعها الجغرافي والديمغرافي وهويتهـا العربيـة وفصلها عن باقي الأراضي المحتلة وفرض وقائع جديدة على الأرض تـستبق مفاوضـات الوضع النهائي في خرق واضح لقرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي؛

ح‌- تحميل إسرائيل المسؤولية القانونية الجنائية عما ارتكبته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، وتأكيد العزم على ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وضـمان عدم إفلاتهم من العقاب.

.............................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق