ان هيمنة وسائل الاعلام على حياة الافراد نتيجة الاتصال المباشر مع مجالات الحياة المختلفة لفئات المجتمع كافة، يستدعي العمل على خلق وعي لدى الافراد حول كيفية التعامل مع وسائل الإعلام، وهذا يحتاج الى اتقان بعض مهارات التفكير، ومن أبرزها مهارة التفكير الناقد...

ان هيمنة وسائل الاعلام على حياة الافراد نتيجة الاتصال المباشر مع مجالات الحياة المختلفة لفئات المجتمع كافة، يستدعي العمل على خلق وعي لدى الافراد حول كيفية التعامل مع وسائل الإعلام، وهذا يحتاج الى اتقان بعض مهارات التفكير، ومن أبرزها مهارة التفكير الناقد التي لا بد من تنميتها وتدريبها، كي لا تكون أسيرة الاستخدام المحدود لها، مما يؤدي إلى تعطيلها وجمودها.

وتعد مهارة التفكير الناقد من أهم عناصر التعامل الواعي مع وسائل الإعلام، لأنها تحسن قدراتك على استخدام عقلك بدل عواطفك، وتستطيع تحديد مشاعرك، وربطها بطريقة منطقية مع أفكارك، وسيساعدك ذلك على تطوير مستويات أفضل من التفكير، وممارستك للتفكير الناقد تنمي قدرتك على المناقشة، والحوار، والقدرة على التواصل، والتفاوض مع الاخرين.

ويعرف التفكير الناقد: بأنه عملية تفكيرية مركبة عقلانية أو منطقية، يتم فيها إخضاع فكرة (قد تكون قضية، أو خبر، أو رواية، أو إدعاء، أو إجراء، أو حدث) أو أكثر للتحقق والتقصي، وجمع وإقامة الأدلة والشواهد بموضوعية وتجرد على مدى صحتها، ومن ثم إصدار حكم بقبولها من عدمه، اعتماداً على معايير أو قيم معينة.

تبرز أهمية التفكير الناقد في أوقات الأزمات والحروب والأحداث العالمية الكبرى، ولاسيما مع التدفق الاعلامي الهائل وافتقار الافراد بغض النظر عن فئاتهم العمرية ومستوياتهم الثقافية واختلاف اعمالهم ووظائفهم ابسط مقومات التعامل معها عبر استخدام أدوات المنطق في فحص المعلومات والأحداث والقيام بمقارنات ومقاربات صحيحة بين مكونات الأحداث، وهنا تظهر ضرورة تفعيل هذه المهارة واستخدامها.

فعندما يمتلك الفرد هذه المهارة يكون مستقلاً في تفكيره وقادراً على اتخاذ قرارات صائبة ومهمة في حياته، فهو ينعكس على طريقة الفرد في انتقاء المحتوى الاعلامي، ويساعد على البحث وتقصي المعلومات الواضحة والمعقدة، وبهذا سيتمتع الفرد بوعي كبير لكل ما يدور حوله من قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وما يبث عبر وسائل الاعلام، من أخبار غير صحيحة، وشائعات مغرضة، وأفكار خاطئة من الممكن ان تقود إلى ارتباطات مدمرة بشبكات الجريمة المنظمة، والإرهاب، والمخدرات، وغسيل الأموال، وغيرها، والخطر الاكبر هو ما يقدم من مواد اعلامية بصيغتها الحالية كالأخبار المبتذلة والنمطية والسطحية والدعائية التي تشكل عائقا أمام التفكير النقدي المتأني فاصبح التفكير السريع سمة الاعلام الراهن.

بإمكاننا استخدم مهارات التفكير الناقد بتوجيه مجموعة من الأسئلة لكل عنصر من عناصر عملية الاتصال، حسب نموذج (لازويل) الشهير، الذي اقترح خمسة أسئلة للتعبير عن الاتصال هي:

1- من؟

2- يقول ماذا؟

3- بأية وسيلة؟

4- لمن؟

5- وبأي تأثير؟

أولاً: من؟ وهي الأسئلة المرتبطة بمعرفة (المرسل وصانع المحتوى)

1- من هو المرسل وصانع المحتوى الذي قام بصنع هذه الرسالة وقام ببثها ونشرها وتوزيعها وإذاعتها؟

2- هل هو جهة رسمية حكومية؟ أم جهة تجارية؟ أم تجمع مهني؟ أم جمعية نفع عام؟ أم غير ذلك؟

3- أين يتم صنع هذا المحتوى؟ ومن أين يتم بثه؟

4- ما هي جنسية المرسل صانع المحتوى؟ وما هو انتماؤه؟

5- ما هي أهداف المرسل وصانع المحتوى، ولماذا يصرف على الرسالة ويموّلها، ويتحمّل تكاليفها؟

6- هل أهداف المرسل تنمية المجتمع وتوعية المواطنين؟ أم الربح التجاري؟ أم أهداف أخرى؟

7- من الذي يملك هذه الوسيلة الإعلامية ويموّلها ويملك قراراها ويحدّد سياستها؟

8- من هو المسؤول عن المحتوى الإعلامي الذي يصنع الرسالة، ويصوغ أهدافها، ويرسم لها طريقها؟

9- هل له قيم معلنة، ومعايير مهنية واضحة، وسياسة إعلامية تتميز بالشفافية؟

10- هل هو خبير ومطلع ومتخصص في مجاله؟

11- هل يتمتع بالأمانة والعدالة والمصداقية؟

12- وأخيراً… ما هي درجة الثقة بالمرسل وصانع المحتوى؟

ثانياً: يقول ماذا؟ وهي الأسئلة المرتبطة بمعرفة (الرسالة والمحتوى)

1- هل هذه الرسالة والمحتوى خبر، أم رأي، أم حقيقة، أم انطباع، أم خيال؟

2- ما هي المعلومات والأفكار والقيم والتوجهات التي تحملها الرسالة والمحتوى؟

3- ما هي مصادر المعلومات والأفكار في هذه الرسالة والمحتوى؟ وهل يمكن التحقَّق منها؟

4- هل تتعارض الرسالة والمحتوى مع الحقائق العلمية؟

5- هل تتعارض الرسالة والمحتوى – ما لم يكن خبراً – مع معتقدات مسلّمة وقطعية لدى المتلقي؟

6- هل تتعارض الرسالة والمحتوى – ما لم يكن خبراً – مع قيم المجتمع؟

7- كيف أميز بين الحقائق التي يمكن إثباتها أو التحقق من صحتها وبين الادعاءات

أو المزاعم الذاتية؟

8- ما وجهة النظر التي عرضت من خلالها الرسالة والمحتوى؟

9- هل كان المحتوى شاملاً، وعرض جميع الآراء ووجهات النظر؟

10- هل هناك تحيز وتحامل في الرسالة؟

11- هل هناك مضامين مضمرة غير ظاهرة في الرسالة؟

12- ما المعلومات ذات العلاقة بالموضوع، وتلك التي أقحمت على الموضوع، ولا ترتبط به؟

13- هل هناك شيء محذوف تم استبعاده، ولم يظهر في الرسالة؟

14- هل هناك تضليل إعلامي في الرسالة؟

15- هل الرسالة جزء من حملة للدعاية أو البروباجندا؟

16- هل عرض هذا المضمون في وسيلة أخرى وكان مختلفاً؟

17- هل تتضمن الرسالة إعلان وترويج تجاري مضمر وغير ظاهر؟

18- إذا كان المحتوى إعلان تجاري.. هل هناك قيم وسلوك مضمّنة في الإعلان، بخلاف الشكل الظاهر للترويج للسلعة أو الخدمة؟

ثالثاً: بأية وسيلة؟ وهي الأسئلة المرتبطة بنوعية (الوسيلة وتقنياتها)

1- ما الوسيلة التي أرسلت بواسطتها الرسالة والمحتوى والمضمون؟

2- هل لتقنيات الوسيلة دور في بناء الرسالة وصنع المحتوى مثل:

أ‌. الصورة: حجمها قريبة أم بعيدة – زاوية التقاطها – إضاءتها – ألوانها – المؤثرات

البصرية عليها – سرعة حركتها.. الخ.

ب. الصوت: نوعية الصوت، والمؤثرات الصوتية، والموسيقى المصاحبة… الخ.

3- ماذا لو كان المحتوى معروضاً باستخدام مؤثرات أخرى؟ ما الذي سيتغير؟

4- هل للوسيلة بذاتها دور في التأثير على المحتوى؟

5- ماذا لو كان المحتوى معروضاً في وسيلة أخرى؟ ما الذي سيتغير؟

6- هل مستوى الجاذبية في الوسيلة وتقنياتها وإبهارها هو الذي يدعوني للتعرض لمحتواها؟ بغض النظر عن جودة المحتوى؟

7- هل تقنيات الوسيلة وجاذبيتها مبرر كافٍ لكي أتعرض لمحتواها؟ هل اختياري وقراراي كان صائباً؟

رابعاً: لمن؟ وهي الأسئلة التي تخص (المستقبل- المتلقي – الجمهور)

1- من الجمهور المستهدف بهذه الرسالة والمحتوى؟

2- هل أنا من الجمهور المستهدف؟ وهل هذه الرسالة تعنيني؟ ولماذا؟

3- هل صنع هذا المحتوى في الأصل لجمهور مختلف؟

4- لماذا توجه هذه الرسالة والمحتوى إلى مجتمعي؟

5- هل توجه هذه الرسالة والمحتوى إلى مجتمعات أخرى وجماهير أخرى؟

6- عندما أقرر أن أكون من الجمهور الذي يتعرض لهذه الرسالة والمحتوى فهل هذا له تبعات قيمية أو أخلاقية أو معرفية؟

7- هل أفراد الجمهور الذين لا يتعرضون لهذه الرسالة والمحتوى يتحملون تبعات قيمية أو أخلاقية أو معرفية مثلما تحملتها؟

خامساً: وبأي تأثير؟ وهي الأسئلة المتعلقة بجوانب (النتيجة – الأثر – رد الفعل)

1- ماذا فهمت من هذه الرسالة والمحتوى؟

2- هل الأشخاص الآخرون فهموا نفس الفهم؟ وما هو فهمهم إذا كان مختلفاً؟

3- هل استفدت من هذه الرسالة في زيادة معرفتي أو تدعيم آرائي؟

4- هل دفعتني هذه الرسالة إلى اتخاذ موقف أو الحكم على شخص أو قضية؟

5- هل تعرضي لهذه الرسالة أدى إلى لفت نظري وتشتيت انتباهي عن قضية أو حدث آخر؟

6- من المستفيد من هذه الرسالة؟

7- ما الهدف الذي كان يتوقعه مصدر الرسالة وصانع المحتوى؟ وهل تحقّق؟

8- هل أدّت هذه الرسالة إلى استثارتي أو انفعالي بها؟

9- هل هذه الاستثارة أو الانفعال أمر إيجابي؟

10- هل هذا الأثر الانفعالي أو الاستثارة التي حدثت لها تبعات قيمية أو أخلاقية

أو معرفية؟

11- هل سأكرر التعرض لهذه الرسالة والمحتوى مرة أخرى؟

12- هل أريد أن أقول شيئاً لمرسل الرسالة وصانع المحتوى؟

13- كيف أقوم بتوصيل رأيي وصوتي ووجهة نظري لمرسل الرسالة وصانع المحتوى؟

وبناءً على ما تقدم يتطلب من الفرد ان يجعل عقله في تساؤل دائم وهو يتابع الوسيلة الإعلامية ليدرب عضلة التفكير النقدي لديه فلا يكف عن طرح الأسئلة على نفسه، ويحلل الرسالة الإعلامية، ويفكر بطريقة ناقدة حتى لا يتعرض للخداع، وعن طريق التفكير الناقد يمكن تفكيك آليات التضليل الدعائي الذي تقدمه وسائل الاعلام، وبهذا يمكن ايضاً فهم ما يدور حول العالم عبر رسم خريطة إدراكية لمعطياته ومتغيراته وايجاد الحلول البديلة.

المصادر:

.....................................................................................................
1- مريم سالم الربضي، التفكير الناقد.
2- فهد بن عبد الرحمن الشميمري، التربية الاعلامية: كيف نتعامل مع الاعلام.

اضف تعليق