إن مجتمعنا العراقي يقف عند عتبات التغيير، راغبا بالتطوّر الحضاري، لكن عند كل خطوة إلى الأمام تقف في طريقه قيود تتسبب بها بعض القوانين التي تتساهل مع العُنف ضد المرأة. كذلك هناك اسباب اخرى لهذا النوع من العنف، منها قسوة الظروف التي عاشها المجتمع العراقي خلال الحُقب الماضية، وصور العنف المتعددة التي شهدها المواطن العراقي بشكل عام والمرأة بصورة خاصة، حيث كان لها الاثر الكبير في تزايد السلوك العنيف للرجل، بسبب الحروب المدمرة والحصار الاقتصادي القاسي الذي أعقب الحروب، مع الاحداث اليومية الدامية التي قوضَّت العاطفة الانسانية لدى بعض الرجال تجاه النساء، حتى بلغ الامر حد تهديد النسيج الاجتماعي وتعريض الدولة والمجتمع الى التفكك.

فكثير من الدراسات تُبيّن ان العنف هو الخطر الذي يهدد النساء في العراق، بل تكاد تكون هذه الظاهرة عالمية. ففي بلدان العالم الثالث مثلا، ابرزت الدراسات الميدانية ان ٣٣٪ من نساء تونس، و٥٤٪ من النساء الفلسطينيات يتعرضّنْ للضرب كما ان هناك تقريرا لحقوق الانسان يؤكد ان في باكستان اكثر من (١٠٠) امرأة يذهبن ضحايا جرائم الشرف في البلاد في الشهر، وهذا يؤكد ان الدول النامية وبعضها دول راكدة او متأخرة عن الركب العالمي ومنها العراق، لا تزال تعاني من ظاهرة العنف ضد النساء.

خير الرجال خيرهم لنسائه

وقد نبذ الاسلام العنف في جميع صوره واشكاله، وعلى الرغم من ان الاسلام قد أمر بقوامة الرجال على النساء الا ان هذه القوامة لا تعني مُحاباة للرجل والغاء لشخصية المرأة، وليست سبيلاً الى السيطرة والاستبداد من قبل الرجل على المرأة من خلال اسلوب العنف، بل تعني مسؤولية الرجل عن اسرته، كما ان الاسلام ينهي عن الغلظة في معاملة المرأة، فقد ورد في الحديث الشريف: (خير الرجال خيرهم لنسائهم).

وكانت لـ (شبكة النبأ المعلوماتية) جولة استطلاعية لمعرفة بعض الآراء حول هذا الموضوع المهم.

فقد اعربت السيدة (مروة حسن) عن رأيها في هذا الصدد قائلة:

اولاً- إن البيئة لها تأثير على الزوج والاسرة فالمجتمع لا يمتلك الوعي المتكامل والثقافة المطلوبة لإعطاء المرأة حقوقها والدفاع عنها.

ثانياً- ضعف المرأة امام الرجل وعدم المطالبة بحقها او الابداء برأيها وأنها عنصر مهم وفعال مثل الرجل وان المرأة تعد نصف المجتمع اذا لم تتجاوز ذلك. فهذه الامور قد تسبب العنف ضدها.

اما السيدة (زينب المرشدي) فقد أبدت برأيها بالقول: إن العنف ضد المرأة يأتي من الثقافة المعدومة وربما بسبب بعض التقاليد الموروثة ايضا، لكننا نفهم أن المرأة جوهرة ثمينة، كما نقرأ ذلك في قول امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة).

فيما اعربت (سوزان حميد مجيد مدربة في مجال التنمية البشرية) عن رأيها بخصوص هذا الموضوع حيث قالت: إن السبب في اي خلل بالحياة يعود الى اسلوب التفكير والسلوكيات الناتجة عن ذلك، فقد ثُبِت علمياً ان اسلوب التفكير يختلف عند المرأة عما يوجد لدى الرجل، وتكمن في هذه القضية حكمة إلهية الغرض منها هو ان يكمل بعضهما بعضاً (أي الرجل والمرأة)، لكن عندما لا نحسن استخدام هذا الاختلاف في التفكير، فيكون الناتج عن ذلك سلوك غير ايجابي. وتضيف سوزان حميد قائلة: علما ان هناك تبعات تنعكس عن ظاهرة العنف ضد المرأة منها:

- يؤثر العنف سلبا في نفسية المرأة وبما أنها تمثل عماد البيت بالتالي تضطرب الاجواء داخل الاسرة.

- يؤثر العنف على نفسية الاطفال وبالتالي تكون النتائج سلبية على الجميع.

- يؤثر العنف على نفسية الرجل حتى لو كان هو مصدره، بسبب عدم وجود الاستقرار العائلي، وبالتالي يؤثر ذلك على الجانب العملي والانتاجي.

أهمية الانسجام بين الزوجين

ثم التقينا الباحث الاجتماعي عبد الرزاق رسول، وسألناه عن الاسباب التي تقف وراء تصاعد ظاهرة العنف ضد المرأة، فقال من وجهة نظره وحسب إطلاعه: أن غياب التفاهم بين الرجل والمرأة والانسجام بينهما، يؤدي الى نوع من التناقض بينهما، بسبب تباين الثقافة او التفكير او الرؤية، كذلك هناك نوع من التسرع لدى الرجل حيث يريد الامور جاهزة، ويطالب المرأة أن تنجح في جميع المهام المكلفة بها في العائلة والبيت والعمل وما شابه، وكأنها تمتلك عصا سحرية للقيام بكل هذه الادوار الصعبة، كذلك هناك خلل تتحمله المرأة نفسها، فهي في بعض الاحيان لا تسعى لتطوير نفسها وافكارها، ولا تبذل ما يكفي للانسجام مع زوجها او مع الرجل على وجه العموم، فالطرفان يتحملان مسؤولية هذه الظاهرة لكن نسبة القصور والتقصير لدى الرجل اكبر، والجانب الأهم في هذه القضية، أن ترتقي المرأة بثقافتها وتفكيرها، وتبذل كل ما في وسعها لاحتواء هفوات الرجل واقناعه بأن اسلوب العنف يؤدي الى التدمير وليس البناء.

دور الاعلام

وللاعلام دوره ايضا في معالجة هذه الظاهرة، حيث التقينا الاعلامي خالد الخفاجي الذي شاركنا في هذا الموضوع قائلا: لا شك أن الاعلام له دور كبير في صناعة سلوك وثقافة متطورة تجاه المرأة، حيث تقع وعليه مسؤولية مضاعفة لخلق ثقافة الرفق والرحمة بالمرأة من قبل الرجل كشريكة حياة وصاحبة دور تربوي أسري أساسي في حياة الاسرة والمجتمع، فعلى وسائل الاعلام المتنوعة اعتماد سياسة بنّاءة تجاه المرأة ومضادة للعنف الذي يمارسه الرجل ضدها، فعلى سبيل المثال يجب الابتعاد عن الصورة النمطية المعطاة للمرأة اعلامياً بأنها ذات تفكير دوني او كيدي ضد الرجل، وأنها غير جادة كما يتطلب الامر، كذلك من المهم تقديم البرامج الاعلامية التربوية الهادفة التي تنمي العلاقة السليمة بين الطرفين وتطرح معالجات ومقترحات واقعية وعملية لتحسين التعامل بين الطرفين.

 

اضف تعليق