الازمات التي يمر بها العالم الإسلامي هي ليست أزمات حقيقة بل مصطنعة، وإنها مجرد وهم غلف بها الفرد والمجتمع الإسلامي نفسه ليبتعد بإراداته، او رغم عنه، عن ممارسة دورة الطبيعي في النهوض وتحقيق التقدم وبناء الحضارة بدلاً من بقاءه على الهامش خصوصاً مع قبول المسلمين بالتراجع عن مكانتهم...

"نحن ضيوف على الحضارة" وكما أن الضيف لا يرتبط بالبيت في قليل أو كثير لا نرتبط نحن بالحضارة الحديثة في قليل أو كثير، بهذه الكلمات يلخص المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي واقع المسلمين في الوقت الحاضر، والذي يختلف جذرياً عن تاريخهم السالف، اختلاف الليل والنهار، لأسباب يعزو بعضها الى مشاكل داخلية تتعلق بالفرد والمجتمع والأنظمة الحاكمة، حيث أدى تراكم الخلافات والمشاكل الى انعدام البيئة المنتجة للثقافة والابداع والعلوم، في مقابل تفشي امراض الجهل والتخلف والكسل.

ويعزو، الامام الشيرازي، البعض الآخر الى أسباب خارجية تتعلق بالعالم الغربي وتصدره للنظام العالمي وفرض طريقة تأثيره الثقافي والأخلاقي من خلال التفوق العلمي والتكنولوجي والتطور الكبير الذي حققه في مختلف المجالات، على المجتمعات الإسلامية.

كما ان النظام العالمي، بحكم سيطرته وتفوقه، أصبح مانعاً ومعرقلاً للكثير من الحلول التي تقدمها او تسعى الى تطبيقها بعض الأنظمة والمجتمعات الإسلامية التي تحاول الوصول الى ركب الأمم المتقدمة: "نعم إذا تصدت الحكومات والشعوب معاً لحل تلك المشاكل فلا شك أنه يبقى شيء من بعض المشاكل وذلك من جهة النظام العالمي المسيطر الذي لا يرى تغيير موقفه، ولذلك لا تحل المشكلات كافة، فان النظام العالمي وان كان في بعض جوانبه خير من أنظمة كثير من بلاد الإسلام الموضوعة بسبب بعض الحكام، لكنه يعرقل كثيراً من الأمور".

ورغم ان الشيرازي يرى ان الازمات التي يمر بها العالم الإسلامي هي ليست أزمات حقيقة بل مصطنعة، وإنها مجرد وهم غلف بها الفرد والمجتمع الإسلامي نفسه ليبتعد بإراداته، او رغم عنه، عن ممارسة دورة الطبيعي في النهوض وتحقيق التقدم وبناء الحضارة بدلاً من بقاءه على الهامش: "وفي الحقيقة إنها ليست أزمات حقيقية، وإنما أخذ الحاكم والشعب بقوانين الغرب والشرق تارة، وبالأهواء والشهوات تارة أخرى، فصارت أزمات وأزمات، فإذا رجع المسلمون إلى الإسلام كله، لرجعوا إلى ما كانوا فيه".

الا انه يحذر من خطورتها، خصوصاً مع قبول المسلمين بالتراجع عن مكانتهم الإنسانية والحضارية والعلمية المتميزة وقبولهم بالمرتبة الأدنى من دون أسباب حقيقة لهذا التراجع والخضوع المزمن للمشاكل او الازمات، سيما وان هذا التراجع خلق المزيد من الازمات المزمنة كأزمة (السكن، التعليم، البطالة، التأخر، سوء الاخلاق، الامراض، الفقر، المرأة، الاستبداد، الزواج...الخ).

وقد شخص السيد الشيرازي (رحمه الله) ثلاث أسباب فاقمت من حجم هذه الازمات هي:

1. فقدان الإيمان: عندما يفقد الانسان الايمان تتعرى النفس من القيم والثقة والمبادئ وتتحول الى صحراء جرداء لا حياة فيها، ويصبح الفرد غير قادر على العطاء والابداع وتسيطر عليه المادية التي تسلب كل احاسيسه واستقلاليته وانسانيته.

2. عدم الالتزام بموازين الأخلاق: ان فطرة الانسان تميل الى فضائل ومكارم الاخلاق، اذ هي التي ميزت الانسان عن سائر المخلوقات الأخرى، وبفقدانها لا يمكن ان تستقيم الحياة او يعم السلام والامن والسعادة بين افراد المجتمع.

3. عدم تحري المنهج الصحيح في الحياة: وهو امر ضروري جداً، فقد يقضي الفرد حياة كاملة بلا عنوان او هدف ليشعر بانه تائه بين اراء واتجاهات ومذاهب وتيارات جعلت حياة كالبحر المتلاطم الأمواج، لا يهتدي الى الطريق المستقيم والمنهاج الصالح.

لقد ناقش السيد محمد الشيرازي في كتابه القيم (الازمات وحلولها) اغلب الازمات التي تواجه العالم الإسلامي بطريقة واقعية بعيداً عن المجاملة او المبالغة، كما أشار الى السبيل للتخلص من هذه الازمات لإرجاع الأمور الى سياقاتها الطبيعية بقوله: "حل هذه الأزمات وإرجاعها إلى الأمور الطبيعية الفطرية التي كانت للمسلمين قبل غزو الثقافة الغربية لبلادهم، بحاجة إلى أوسع الثقافات الحقيقية، والدعوة إلى إنشاء وجمع جمعيات مخلصة تختص بالأمر بدون كبرياء أو غرور أو أنانية أو ما أشبه ذلك، وإلا فالمشاكل أعقد من إمكان حلها، وحلها لا يكون إلا بهذين الأمرين".

والخلاصة ان الاعتراف بوجود هذه الازمات والبحث عن الحلول الناجعة لها لا يكفي مالم يسبقه اعتراف بالتقصير والتكاسل عن السعي الى تغيير الواقع الذي نعيشه، وعدم الاكتفاء بالبقاء على هامش التاريخ او ضيوف على الحضارة الإنسانية بعد ان كان المسلمون هم صناع الحضارة الإنسانية.

كما أشار الامام الشيرازي الى جملة من الأمور المهمة التي ينبغي على المسلمين التمسك بها من اجل العودة الى مكانتهم السابقة منها:

1. العودة الى القران الكريم لدفع الازمات وإيجاد الحلول لمشاكلهم ففيه الكثير من الحلول السماوية التي تعتبر كمفاتيح مهمة لمستقبل أفضل.

2. حل الازمات لا يأتي عبر الغرور والتكبر عن الاعتراف بها، بل بالسعي الى توسيع المدارك والثقافات الحقيقية، والدعوة إلى إنشاء مراكز ومؤسسات مختصة للتشخيص وإيجاد الحلول بالتعاون مع الجميع.

3. العودة الى الجذور الإسلامية بتعاليمها واخلاقها ومعرفتها وعلومها وفطرتها وانسانيتها وتحضرها، بدلاً من التقليد والتبعية والانجراف وراء الثقافات الغريبة البعيدة عن الفطرة الإنسانية والفضائل والأخلاق الحسنة.

4. التحلي باللين والرفق في كافة مجالات الحياة، فنعرف كيف نمسك أعصابنا ولا نفقدها، وأن تكون لنا السيطرة الكاملة عليها وعلى أنفسنا وأخلاقنا، ونعلم أن التفكير الصامت المنطقي أعلى صوتاً وابلغ أثراً من الصراخ والسباب والاتهامات.

5. التعاون والتكاتف بين المجتمعات الإسلامية لحل الازمات وتجاوز العقبات معاً عبر الحكمة والموعظة والنقاش بدلاً من الصراع والخلاف والحروب التي تزيدنا ضعفاً ووهن.

6. إطلاق الحريات وعدم تقييدها، الا بقدر ما يضر الانسان والمجتمع، في كل شأن من شؤون الزراعة والتجارة والصناعة والسفر والإقامة والثقافة وغير ذلك، فالكبت والتضييق ومنع الحريات من أبرز أسباب التخلف وتفاقم الازمات في أي مجتمع.

7. الاهتمام بجميع الكفاءات ونموها وعدم تحطيمها ومحاربتها او التضييق عليها.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق