وجدت دراسة تناولت ما يقرب من 450 ألف سجل صحي إلكتروني علاقة بين عدوى فيروسات الإنفلونزا وغيرها من الفيروسات الشائعة، وارتفاع يظهر مع تقدم العمر لخطر الإصابة بعدد من أمراض التنكس العصبي، مثل مرض أُلزهايمر أو مرض باركنسون. غير أن الباحثين واضعي الدراسة يلفتون محذرين إلى أن بيانات هذه السجلات الصحية...
بقلم: ماكس كوزلوف

وجدت دراسة تناولت ما يقرب من 450 ألف سجل صحي إلكتروني علاقة بين عدوى فيروسات الإنفلونزا وغيرها من الفيروسات الشائعة، وارتفاع يظهر مع تقدم العمر لخطر الإصابة بعدد من أمراض التنكس العصبي، مثل مرض أُلزهايمر أو مرض باركنسون. غير أن الباحثين واضعي الدراسة يلفتون محذرين إلى أن بيانات هذه السجلات الصحية لا تشير إلا لاحتمالية لوجود علاقة كهذه. ولا يزال الغموض يحيط بما إذا كانت الإصابة بهذه الفيروسات قد تحفز أعراضًا مرضية، أم لا، والآلية التي قد تنشأ بها هذه الأعراض.

فالدراسة التحليلية سالفة الذكر، والتي نُشرت في دورية «نيورون» Neuron بتاريخ التاسع عشر من يناير الماضي، كشفت عن قرابة 22 علاقة بين حالات عدوى فيروسية وأمراض تنكس عصبي1. وارتبط بعض حالات العدوى تلك بارتفاع في خطر الإصابة بأمراض دماغية، بعد فترة تصل إلى 15 عامًا من الإصابة.

تعليقًا على هذا الاكتشاف، يقول ماثيو ميلر، اختصاصي علم المناعة الفيروسية من جامعة ماكماستر في هاملتون بكندا: "إن مدى تشعب الفيروسات وأمراض التنكس العصبي في هذه العلاقات مذهل".

لا تُعد هذه المرة الأولى التي تُعزى فيها أمراض دماغية إلى عدوى فيروسية. على سبيل المثال، اكتُشفت علاقة بين تطوُر داء أُلزهايمر والإصابة بأحد أنواع فيروسات الهربس. كذلك وَجَدت دراسة بارزة نُشِرَت العام الماضي في دورية «ساينس»3 Science أدلة تُعد إلى اليوم أقوى ما يدعم وجود علاقة بين فيروس «إبشتاين-بار» والإصابة بالتصلب المتعدد.

وفي الدراسة محل البحث التي نُشرت مؤخرًا، للوصول إلى فهم أوسع لمدى احتمالية وجود علاقة تجمع بين عدد من الأمراض الدماغية وبعض حالات العدوى الفيروسية، كريستين ليفين، المتخصصة في علم بيانات الطب الحيوي من المركز التابع لمعاهد الصحة الوطنية، مركز أبحاث الخرف المرتبط بداء ألزهايمر في مدينة بيثيسدا بولاية ميريلاند الأمريكية، عكفت مع فريقها البحثي على تحليل مئات الآلاف من السجلات الطبية بحثًا عن حالات مسجلة لإصابة أشخاص بعدوى فيروسية ومرض دماغي معًا.

حصر عدد حالات أمراض الدماغ الفيروسية

عمد الفريق البحثي أولًا إلى فحص سجلات طبية لحوالي 35 ألف مصاب بأمراض دماغية، ولما يقرب من 310 ألف شخص من غير المصابين بهذه الأمراض، أتاحتها قاعدة بيانات الصحة الفنلندية الضخمة «فينجين» FinnGen. ومن ثم، وجد الفريق البحثي 45 علاقة ملحوظة بين عدد من حالات العدوى الفيروسية والأمراض الدماغية، ثم اتجه إلى التحقق من صحة اكتشافه بالرجوع إلى أكثر من 100 ألف سجل مستمد من قاعدة بيانات البنك الحيوي بالمملكة المتحدة. وأسفر هذا التحليل عن تقليص عدد هذه العلاقات، لينحصر في 22 حالة.

ومن بين أوثق هذه العلاقات، تلك القائمة بين مرض أُلزهايمر ونوع نادر من التهاب دماغي فيروسي، يمكن أن تسببه أنواع عدة من الفيروسات. إذ تبين أن المصابين بهذا النوع من الالتهاب الدماغي كانوا أكثر عرضة للإصابة بألزهايمر في مرحلة لاحقة من حياتهم بحوالي 31 مرة ممن لم يصابوا بهذا الالتهاب. بينما لم تكن غالبية العلاقات الأخرى بين الفيروسات والأمراض الدماغية بهذه القوة؛ فمن أصيبوا بنوبات شديدة من الإنفلونزا، أدت في نهاية المطاف إلى التهاب رئوي، كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بمقدار أربع مرات مقارنًة بمن لم يصابوا بإنفلونزا أفضت إلى التهاب رئوي. ولم يتبين وجود علاقات مماثلة تشير إلى علاقة مناعية وقائية بين العدوى الفيروسية والأمراض الدماغية.

هل يمكن لعدوى ميكروبية أن تسبب الإصابة بمرض ألزهايمر؟

في ذلك الصدد، تقول كريستين فانك، المتخصصة في علم المناعة العصبية من جامعة نورث كارولاينا في مدينة تشارلوت الأمريكية، والتي تدرس الصلة بين فيروسات الهربس ومرض ألزهايمر: "أشعر بحماس شديدة لاتساع نطاق هذا البحث ليجاوز مداه النطاق الذي تناولته الدراسات الأخرى".

بيانات قاصرة

أما شيتيل بيورنفيك، عالم الأوبئة من كلية تي إتش تشان للصحة العامة بجامعة هارفرد في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، وهو واضع ورقة بحثية نُشرت في دورية «ساينس»، تناولت فيروس «إبشتاين-بار»، فقد أشاد بمساعي ليفين وفريقها البحثي لإلقائهم مزيدًا من الضوء على دور العدوى الفيروسية في نشوء الأمراض الدماغية، لكنه نوَّه إلى أن منهج الفريق في الاستعانة بالسجلات الطبية "قد ينطوي على إشكالية"، نظرًا إلى أنه لم يعمد إلا لدراسة حالات العدوى الشديدة التي استدعت زيارة طبيب ممارس، في حين أن أخذ حالات العدوى الأقل حدة بعين الاعتبار قد يشير إلى رابط ضعيف بين هذه الممرضات والأمراض الدماغية.

وتذكر فانك أن الباحثين في الدراسة استندوا في مصادر بياناتهم إلى بيانات لأفراد من ذوي الأصول الأوروبية فقط تقريبًا، وهو ما يعني أن النتائج قد لا تنطبق على الجزء الأكبر من سكان العالم. كما تضيف أن "ثمة فيروسات أكثر شيوعًا" خارج أوروبا، كفيروس زيكا أو فيروس غرب النيل. وعليه، ربما أغفلت الدراسة علاقات أخرى بين الممرضات الفيروسية وعدد من الأمراض الدماغية. وفي هذا السياق، تقر ليفين بنقاط الضعف التي شابت الدراسة؛ لكنها تستدرك موضحة أن الفريق أجرى بحثه مستعينًا بما توفر له من بيانات.

أما بيورنفيك، فيشير إلى أن مواطن القصور تلك تؤكد أيضًا صعوبة الجزم بما إذا كانت حالات العدوى الفيروسية تؤدي إلى أمراض تنكس عصبي، أم أن المرض الدماغي في حد ذاته يعزز قابلية الأفراد للإصابة بالعدوى. ومما يزيد الوضع تعقيدًا أن واضعي الدراسة اكتشفوا أن هذه الروابط تضعف كلما طالت المدة الزمنية بين العدوى وتشخيص المرض الدماغي. ويضيف بيورنفيك أنه من المعروف أن الجسم يبدأ في المرور بتغيرات قبل نشأة أعراض الأمراض الدماغية وتشخيصها4 بسنوات، لذا يصعب الجزم بأي من المرضين يسبب الآخر. وتذكر كورنيليا فان داين، المتخصصة في علم الأوبئة الوراثية من جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة، أن عددًا من النظريات المقبولة أخرى يشير إلى أن الإصابة بعدوى فيروسية من شأنه أن يسرع وتيرة التغيرات الجزيئية التي تدب بالفعل داخل الجسم.

وإذا دعمت دراسات مستقبلية وجود علاقة بين حالات العدوى الفيروسية والأمراض الدماغية، فربما يتيح ذلك لمسؤولي قطاعات الصحة حلولًا ذات تأثير ملموس لتأخير ظهور أمراض التنكس العصبي. وهنا، تشير داين إلى وجود لقاحات مضادة لكثير من هذه الفيروسات، وتضيف أنه نظرًا إلى أن أنواعًا عدة من الخرف، تُشخص في مرحلة متأخرة من العمر، في نقطة قرب متوسط العمر المتوقع، ربما يعني ذلك أن تمكُن الأطباء الإكلينيكيين من تأخير ظهور أعراض الأمراض الدماغية ولو لبضع سنوات، قد يُجنب تمامًا الكثيرين الإصابة بهذه الأمراض.

اضف تعليق


التعليقات

karrar mahmood
Iraq
السلام عليكم أحتاج إلى مصدر هذه الدراسة أن أمكن2023-03-15