ان مؤسسات وزارة التربية ما هي الا مؤسسات تربوية علمية توجيهية وادارية تعمل على ترسيخ قيم اخلاقية وتربوية صالحة وتعمل ايضا على تحقيق تقدم في المستوى الفكري والعلمي والثقافي وتنمية المهارات الفنية والرياضية للطلبة في مراحل الدراسة المختلفة. كما ان المؤسسات التربوية تعمل على رفع مستوى وكفاءة ومهارة التدريسيين وتدريبهم اثناء الخدمة.

هناك ضرورة كبيرة الى انشاء علاقة تفاعلية بين المؤسسات التربوية مع مجتمعها المحلي لضمان عدم حصول تقاطع مع (ثقافته وعاداته وتقاليده ومعتقداته) لما قد يسبب ذلك من ازمات قد تفشل العمل التربوي وتؤدي الى فشل المناهج والتطبيق لها وعدم الوصول للأهداف المرجوة منها. ويجب ان تعمل هذه المؤسسات على معالجة الاشكاليات ومواطن الضعف والقصور بضمان دعم المجتمع المحلي لجهود التربويين وتحقيق التطور.

كما يجب ان يكون هناك جهد اعلامي للمؤسسات الدينية والحكومية لغرض تثقيف المجتمع لدعم المؤسسة التربوية بتثقيف المجتمع وحصر السلبيات ومعالجتها اضافة الى تحصين المجتمع بما يكفي من الثقافة والعلم لغرض مواجهة التحديات والاشاعات والتردي القيمي والثقافي وما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي من تشويه وامور سلبية. كما يجب تثقيف المجتمع الى ضرورة تنظيم الاسرة لتحقيق التربية النوعية التي ستؤدي الى رفع مستوى مدخلات النظام التربوي وتحسينها وبالتأكيد ذلك سيثمر عنه نواتج متميزة. والعمل على توفير فرصة التعليم للجميع ومحاربة تسرب الطلبة من المدراس.

يجب ان يتم اعداد المناهج والكتب بعناية كبيرة وفق استراتيجية واضحة لتتلائم مع حاجات الانسان والمجتمع. ان عملية اعداد مناهج ليست بالأمر اليسير وذلك لصعوبة المرحلة التي يمر فيها البلد ولعدم توفر معطيات واحصائيات دقيقة وكافية عن المجتمع واحتياجاته. وما هي الاهداف المرجوة من المناهج؟! وما هي الرؤية التربوية للغد؟! وكيف يمكن تحقيق الاهداف بظل تناقض وتطرف سياسي وطائفي وعرقي ومناطقي وطبقي كبير في المجتمع وعدم وجود تطبيق فعال للقانون لضعف مؤسسات الدولة وتفشي الفساد.

فلكي يتم بناء المناهج وفق رؤية واهداف صحيحة وسليمة يجب ان يتوفر ما يكفي من المعطيات عن واقع الحال العراقي وعن هول تأثير الاعلام الموجه المسيء وما تركه من رواسب وتشويه فكري ومعتقدي في المجتمع. كما يجب توجيه المناهج لمحاربة اي ظاهرة سلبية في المجتمع او اي تجاوز غير مقبول قيميا واخلاقيا.

مما يلاحظ في مجتمعنا وخصوصا في المناطق الشعبية والقرى والارياف تفشي ظاهرة العنف الذي تسرب بشكل او باخر الى البيئة الدراسية واصبح العنف في المدراس ظاهرة خطرة صعبة الاحتواء والعلاج. ان تفشي واستفحال العنف بين الطلبة واحيانا اتجاه التدريسيين في المؤسسات التربوية ليس غريبا او ظهر بشكل مفاجئ وانما القيم المجتمعية والعرفية والقبائلية اضافة الى ظهور التطرف والتنافر السياسي والطائفي والعرقي أدت وساعدت بمجملها وبشكل كبير على تفشي العنف في المؤسسات التربوية وصعوبة علاج ذلك بظل ضعف اجهزة حفظ الامن الحكومي وبظل الديمقراطية غير الواضحة المعالم وتفشي الفوضى ولا يمكن علاج ذلك وفقا للتعليمات والانظمة والقوانين السائدة. وكان البديل هو ظهور حلول مجتمعية غير منصفة احيانا كثيرة بالرغم من واقعيتها، ولكنها غير محكومة بقانون ثابت ومتأثرة بالوجاهات المجتمعية والعشائرية اضافة الى تدخلات العديد من القوى الاسلامية المتحكمة بالمجتمع ولها قوة ونفوذ اكبر من قوة ونفوذ الدولة فيه. لكن هذا لا يعتبر حلا صحيحا او حلا حضاريا ان الحل الحقيقي يجب ان يبدا من معالجة اسباب العنف وترسيخ قيم الاخلاق السامية واحترام القانون في المجتمع وجعلها قيم ذات قدسية عالية.

المنهاج : يمكن تعريفه بانه ما يمكن ان تقدمه المؤسسة التربوية وتعمل على ترسيخه من قيم واخلاق ومعارف وعلوم ومهارات للطلبة لمساعدتهم في بناء شخصيتهم التربوية بشكل سليم يؤهلهم ليكون بمستوى المسؤولية في المستقبل كجيل جديد لبناء البلد. هنا يبرز الاشكال في من يجب ان يكون المسؤول عن وضع هذا المنهاج بشكل فعال ليحقق هذه الاهداف؟ وهل سيتم وضعه دفعة واحدة ام يكون على شكل دفعات مهيكلة ويطبق بشكل مبرمج يتم تعديله وفقا للمتغيرات والمستجدات؟ ومن صاحب القرار في تحديد الاولويات والمتطلبات الاجتماعية وضبط ذلك لينسجم مع مقدرة الطلبة وإمكاناتهم؟ وما هي فلسفة ورؤية واهداف المنهاج؟ وما هي الاليات والاساليب والطرق اللازمة والممكنة لتطبيقها لتحقيق الاهداف؟ ومن المسؤول عن تطوير المناهج؟ وما هي مبررات واليات التطوير؟ ومن يحدد العوائق والمشاكل التطبيقية له وكيفيه معالجتها؟

أن بناء المنهاج التربوي السليم والصالح بأمل النهوض بالفكر الاجتماعي والتربوي للانسان لا يمكن ان نعتبرها مجرد عملية تقنية واجرائية فقط. فهي مسالة بناء واصلاح كبيرة وصعبة ومعقدة ويجب ان يتم التحاور والتداول بعملية بناء المنهاج باسلوب شامل فلسفي وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي. وهنا يتوجب ان تدخل في الصياغة للمنهاج القيم والاخلاق والمعتقدات والمباديء للمكون المجتمعي بكل الوانه واطيافه واعراقه وطوائفه مع استيعاب رؤى وافكار قوى الضغط للجماعات والاحزاب والمكونات والسياسية والشركات والتجمعات والنقابات والحركات المؤثرة اجتماعيا لا بل يجب الاخذ بنظر الاعتبار ايضا في اعداد المناهج كل المؤثرات الاقليمية والعالمية المؤثرة على سياسة البلد واقتصاده.

اضافة الى التنبه لطبيعة شخصية الانسان العراقي نفسيا واجتماعيا وثقافيا ومعرفيا في تصميم وهيكلة وبناء وتطوير المنهاج. ان بناء المنهاج وتطويره كما قلنا ليس عملية اجرائية فقط وانما عملية حية متواصلة التفاعل مع الظروف والاحداث المختلفة لذلك فان بنائها وتطويرها يكون متأثرا بالكثير من المؤثرات الداخلية والخارجية. بعضها مرتبط بسوء وضعف المناهج القديمة السائدة وعجزها الكبير، وبعضها مرتبط بالأحداث الطارئة والمتغيرات البيئية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها المجتمع والهيئة التربوية والطلبة، وتأثر ذلك بما يحدث عالميا من مستجدات فكرية وثقافية وتكنلوجية وتربوية وبشكل مستمر. لذا يجب ان يتم تكييف المناهج ومنحها ما يكفي من المرونة لاستيعاب الاحتياجات والمستجدات. وهذا يؤكد على ان علمية بناء المناهج ليست عملية ثابتة ومثالية بشكل عام وانما متغيرة وفقا للمستجدات كما ان التغيرات والتحديثات يجب لان تفقد المناهج سمة الهوية الوطنية والانسانية. يجب ان لا يكون تغيير المنهاج وفقا للأهواء الشخصية للمسؤولين وانما وفقا لرؤية تربوية صحيحة وصالحة.

ان الضعف والقصور في المناهج سيؤدي حتما الى تبديد لوقت التعليم وهدر الاموال وضعف بالمخرجات وعدم تحقيق الاهداف وشيوع ثقافة التناقض والتنافر المجتمعي الكبيرة. ان اهم عوامل ضعف المناهج ناجم عن مشكلة الجمود والتحديد النظري اللاوقعي لمفهوم المنهاج في المؤسسة التربوية وبما لا ينسجم مع فلسفة وسياسة تطويرها وتحسينها.

اذن قبل ان نبدأ بعملية وضع اطار عام لمنهاج المؤسسة التربوية العراقية يجب ان نفهم ما هي القيم الحضارية (ثقافية ومعرفية وعلمية وفنية ورياضية) للإنسان العراقي الذي تهدف لها المؤسسة التربوية؟ وما هي القيم والسمات والاخلاق التي نريد تنشئة الاجيال الجديدة عليها؟ اي ما هي المهارات المعرفية والحرفية والقدرات العلمية والاتجاهات الفكرية والقيمية التي يعمل على ترسيخها النظام التربوي العراقي؟ وهل هذه القيم والاخلاقيات التي نتطلع لترسيخها في الطلبة تنسجم مع الموروث الحضاري وتنسجم مع المجتمع الذي نتطلع لتكوينه في المستقبل من خلال هذا المنهاج؟ إن التمعن بهذه التساؤلات سيفرض علينا تحديد رؤية تربوية شاملة تنظر للواقع والموروث القيمي والاخلاقي وتأخذ بنظر الاعتبار الامكانات وتنتبه للازمات وتتنبا بالمستجدات والتي قد تطرا لغرض بناء المناهج الاصلاحية الكفوءة والفعالة.

ان الطالب لا يتأثر بما يتعلمه بقاعة الدرس فقط ولا يتأثر بالمنهاج التربوي المنفذ فقط وانما يتأثر بشكل اكبر بأستاذته التربويون وافعالهم وسلوكهم واخلاقهم واقوالهم داخل وخارج المؤسسة التربوية. كما يتأثر ويتفاعل الطلبة سلبا او ايجابا بالخلجات النفسية والعواطف التي ترافق سلوك واداء واسلوب مدرسيهم العلمي والتربوي في قاعة الدرس. وهذا يفرض على وزارة التربية العمل على تأهيل شريحة تربوية منسجمة مع الرؤية والاهداف الحقيقة للمنهاج المراد استحداثه وتنفيذه.

كما يتأثر الطلبة فيما بينهم في الاوقات الطويلة التي يقضونها مع بعضهم البعض في القراءة واللعب والنقاش خارج قاعة الدرس (وهذا يعني تأثرهم بالقيم المجتمعية السائدة التي تنعكس في سلوك شريحتهم الطلابية).

ان هذا يدلل على ان الكثير من مخرجات التربية والتعليم في مؤسسات وزارة التربية لا يكون حصيلة تطبيق المناهج فقط. اي ان المخرجات قد لا تنطبق مع اهداف المنهاج المطبق والمعلن بشكل رسمي. اذن هنا يمكن القول بان المنهاج لا يمكن ان يكون وحده هي الحل الاصلاحي بل يجب ان يرفقه اصلاح قيمي وثقافي مجتمعي ايضا وتوجيه اعلامي كبير لغرض رفع المستوى الفكري والثقافي وزيادة الوعي للمجتمع ودفعه بالاتجاه الصحيح لتقديس قيم التعاون والتسامح وحب الخير ونبذ العنف والسوء. وهنا يبرز دور المؤسسات الثقافية الدينية والمؤسسات التجمعات والمنظومة العشائرية والمجتمعية في المساهمة في ترسيخ القيم التربوية الصالحة ليتكامل دورهم مع دور مؤسسات وزارة التربية.

اضافة الى المنهاج والية تطبيقه يأتي دور اخر هو دور بناء شخصية الطالب بالاهتمام بالأنشطة التربوية المعدة لغرض الاهتمام بجميع الطلبة وتفعيل دورهم في المشاركة والتجريب ومساعدتهم في تنمية قدراتهم وتنمية شخصيتهم بفعالية وايجابية. وهنا نجد ان الواقع يفرض دور اخر لتعزيز ثقة الطالب بنفسه باستخدام المواقف الحقيقة وليس النظرية في التعليم والتعاطي مع الخصوصيات الفردية للطلبة لغرض رفع مستواهم وتنمية قدراتهم ومهاراتهم. اي ان المؤسسات التربوية يجب ان تكون معمل لبناء وصقل شخصية الطالب ورفع مستواه الفكري والثقافي والتربوي. وضروري جدا اقامة المؤتمرات والندوات النقاشية وخصوصا مع اولياء امور الطلبة بشكل دوري لتحديد نقاط القوة والضعف في المنهاج التربوي واليات تطبيقه. وتحديد هوية المؤسسة التربوية وخصوصيتها وواقع الحال وتحديد احتياجاتها تطلعاتها واهدافها المستقبلية.

ان الارضية غير معبدة حتى الان لتصحيح المسار ولا تتحمل وزارة التربية وحدها المسؤولية الاصلاحية ولغرض تهيئة المنهاج التربوي بشكل صحيح نحن بحاجة اليوم الى وقفة تأمل وتفكر لوضع حجر الاساس في محله الصحيح وعدم التسرع باتخاذ القرارات التي قد تؤدي الى تناقض الاهداف وعدم الوصول الى تكامل حقيقي بين القيم المجتمعية والتربوية والتعليمية والتخصصية الاكاديمية. يجب دراسة ومناقشة الرسالة والرؤية والاهداف التربوية والانسانية في مناهج دول العالم التي سبقتنا بهذا المجال بكثير من التأمل والتبصر، لغرض وضع منهاج تكاملي يهدف الى بناء شخصية الطالب للدخول الى الجامعة بمستوى تربوي ومعرفي وتعليمي مقبول.

نحن بحاجة اليوم ليس الى مؤسسات راي ارتجالي وقرار سريع وتصويت دون تمعن وتفهم ودراسة وإدراك للرؤية المستقبلية والاهداف. وانما بحاجة الى مفكرين ومبدعين ولديهم القدرة الحقيقة على نسج وبناء مناهج تربوية صالحة تحقق الغايات المرجوة منها والا فان ذلك سيؤدي الى تهديد مستقبل جيل كامل من الطلبة.

قلنا ما نعتقد بعبارات وكلمات وننتظر عبارات وكلمات وحوارات ونقاش تكاملي هادف..

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق