رغم صعوبة تضاريس اليمن وعدم وجود أنهار وشحة المياه، تمكن قدماء اليمنيين من ابتكار نظام ري قل نظيره في العالم القديم، وابتكروا طرق فريدة لحفظ المياه، وزراعة محاصيل متنوعة، وتصديرها الى أنحاء متفرقة من بلدان العالم القديم، وحولوا الصحراء القاحلة في جنوب الجزيرة العربية إلى واحات زراعية...

رغم صعوبة تضاريس اليمن وعدم وجود أنهار وشحة المياه، تمكن قدماء اليمنيين من ابتكار نظام ري قل نظيره في العالم القديم، وابتكروا طرق فريدة لحفظ المياه، وزراعة محاصيل متنوعة، وتصديرها الى أنحاء متفرقة من بلدان العالم القديم، وحولوا الصحراء القاحلة في جنوب الجزيرة العربية إلى واحات زراعية، وصفها القرآن الكريم بالجنة، ووصف اليمن بالبلدة الطيبة، في قوله تعالى بسورة سبأ: "لقد كان لسبأٍ في مسكنهم آيةٌ جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور"، وهي دلالة على أنها أرض زراعية لا نظير لخصوبتها في العالم.

وقد أدرك الشهيد السيد حسين الحوثي مبكرا، الأهمية الكبيرة للقطاع الزراعي في تعزيز الصمود والثبات والنصر، وضرورة التحرر من قيود الأعداء، والاعتماد على أنفسنا في زراعة الأرض، مؤكداً أن الأمة لا تستطيع أن تدافع عن دينها، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها، وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري، الذي الزراعة أساسه، والتي تعتمد على الاستيراد من الخارج، ولهذا أصبح ضروريا الاهتمام بجانب الزراعة في مجال نصرة الإسلام، فالأمة تُهدد كل يوم لأن قوتها من تحت أقدام أعدائها، من فتات موائدهم، لهذا لا بد أن تحصل على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بحاجياتها الضرورية.

كما حث قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي في أكثر من خطاب على ضرورة التوجه نحو الزراعة والإنتاج المحلي من الغذاء، لتقليل الاستيراد الخارجي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لا سيما في هذه الظروف التي يعاني فيها الشعب اليمني جراء العدوان والحصار الاقتصادي.

وتعظم أهمية إعادة تفعيل الجبهة الزراعية مع تمادي دول العدوان في مواصلة الحصار المطبق للعام السادس على التوالي، ومنع دخول نحو 90 بالمائة من الواردات والمواد الغذائية والحبوب بأنواعها، بعد تدمير كل مقدرات الحياة في اليمن، على أمل أن يحقق العدوان العبري بالورقة الاقتصادية ما عجز عن تحقيقه عسكرياً وسياسياً، في محاولة عبثية لتثبيط عزيمة اليمنيين وتركيعهم والهيمنة على أرضهم ومقدراتهم، وهيهات لهم ذلك.

لهذا تم إنشاء المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب في العام 2016 بقرار من اللجنة الثورية، كضرورة فرضتها التداعيات الكارثية للعدوان القائم على اليمن، بهدف رفع نسبة الاكتفاء الذاتي لتأمين الغذاء، لارتباطه باستقلالية القرار اليمني وتحرير الإرادة اليمنية، ولتكون جبهة متقدمة في مواجهة العدوان العبري، وإبطال مخططات التركيع والإذلال والتجويع، المتواصلة للعام السادس دونما رحمة أو وازع من ضمير، في ظل صمت دولي مخزي.

ومعلومٌ أن الحبوب من المحاصيل الاستراتيجية المرتبطة بسيادة الدول، وتحرر قراراتها، لذا لن يتمكن اليمنيين من نيل حريتهم وامتلاك قرارهم السيادي، إلا إذا تمكنوا من إنتاج احتياجاتهم من الغذاء.

واليمن يعاني في الوقت الراهن من فجوة غذائية كبيرة في الاقتصاد القومي، في محاصيل الحبوب الرئيسية، خاصة القمح والذرة الصفراء، ما يجعل قضية تأمين الغذاء من أهم الأولويات التي يجب الاهتمام بها، والعمل دوما على تضييق تلك الفجوة وتحجيمها، وصولا الى تحقيق الاكتفاء الذاتي، لأن من لا يملك قوته لا يملك قراره، ومن لا يملك قراره لا يملك حريته واستقلاله وسيادته.

الزراعة في سطور

شهدت الزراعة في فترة رئاسة الشهيد إبراهيم الحمدي أخر سنوات مجدها وازدهارها، وشكلت أهم مورد للدخل الوطني، والعمود الفقري للاقتصاد الوطني، وأكبر نشاط اقتصادي في استيعاب الأيدي العاملة، وبلغت نسبة العاملين فيها أكثر من 70 % من اجمالي القوة العاملة في اليمن، حيث كان يعيش في المناطق الريفية أكثر من 90 % من السكان، ووصلت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1972- 1974 ما بين 50 الى 55 %، لكنها سرعان ما انخفضت بعد رحيل الحمدي، لتصل في الفترة 1980 - 1986 الى 30 %، وكان النمط الزراعي في اليمن الشمالي خلال تلك الحقبة يتصف بسيادة محاصيل الحبوب.

واستحوذت زراعة الحبوب على 80 % من المساحة المزروعة في اليمن، وتشكل الذرة الرفيعة المحصول الأساسي، حيث بلغ انتاج الذرة والدخن في العام 1975- 1976 حوالي 785 ألف طن، وهو ما يعادل 78 % من مجموع انتاج الحبوب في نفس السنة.

ولأول مرة وآخر مرة في تاريخ اليمن المعاصر حققت اليمن في عهد الشهيد الحمدي الاكتفاء الذاتي من الإنتاج النباتي والحيواني، وأصدر الحمدي في العام 1974 عملة معدنية ذهبية، نقشت عليها عبارة: "لزيادة انتاج المحاصيل الغذائية".

وكانت الحكومة آنذاك ترى أن الزراعة، القطاع الأساسي الذي لا يتأثر بالتقلبات والعوامل الخارجية، كما هو عليه الحال في المصادر الاقتصادية الأخرى كالنفط والسياحة وغيرها.

وتتوزع أراضي الجمهورية اليمنية على النحو التالي:

1 - أراضي غير مستغلة زراعياً (صحراء أو مدينة) 300.000 كيلو متر مربع، بواقع 54.05 بالمائة.

2 - مراعي 22.600 كيلو متر مربع، بواقع 40.72 بالمائة.

3 - غابات وأحراش 1500 كيلو متر مربع، بواقع 2.70 بالمائة.

4 – أراضي مزروعة 1.202 كيلو متر مربع/ 1484852 هكتار، بواقع 2.04 بالمائة.

ووفقاً لكتاب الإحصاء السنوي لعام 2017، فإجمالي المساحة المزروعة باليمن 1.084.008 مليون هكتار، أي أنها تراجعت عما كانت عليه في عهد الحمدي بمقدار 500 ألف هكتار، بعضها توقفت عن الزراعة، وبعضها اختفت نتيجة التوسع العمراني، أو نتيجة جرف السيول، أو بفعل التصحر، مما يجسد حجم الكارثة التي تتعلق بمستقبل الأمن الغذائي في اليمن، في ظل تشكل فجوة كبيرة بين نمو القطاع الزراعي، وزيادة النمو السكاني، الذي يعد من أكبر المعدلات في العالم، الأمر الذي ينذر بمخاطر متزايدة على استقرار اليمن نتيجة ازدياد الجوع، وتفشي الفقر، وارتفاع نسبة البطالة.

عوامل كثيرة تسببت في هذا التراجع المريع للقطاع الزراعي ما بعد رحيل الحمدي، أهمها:

1 - تزايد معدلات النمو السكاني.

2 - اهمال الدولة للقطاع الزراعي.

3 - تصفية الدولة بعض مؤسساتها الداعمة للزراعة، وتعرض غالبيتها للفساد الممنهج، وتقليص مهام بعضها، مقابل تزايد الأهمية النسبية للقطاعات الأخرى كالتجارة والنقل والاشغال والخدمات.

4 - الاستخدام المتباين والضعيف لمدخلات الزراعة الحديثة كالأسمدة والبذور المحسنة، وضعف الاستفادة من الآلات الزراعية الحديثة.

5 - تزايد هجرة الفلاحين "الشباب" من الريف الى المدن والى خارج البلاد بحثاً عن فرص للعمل.

6 - تلاشي جيل الخبرة من قدامى الفلاحين.

7 - قلة الموارد المائية، والجفاف، وزيادة التصحر، والتغيرات المناخية المتسارعة.

8 – تنامي عدم الاستقرار والاضطرابات في اليمن منذ العام 2011 .

9 - التداعيات الكارثية للأسلحة المحرمة التي استخدمها عدوان التحالف العبري على القطاع الزراعي، والتي تسببت في:

أ - تجريد التربة من خواص الإنتاج الزراعي، سواء في المناطق التي تعرضت للقصف المباشر أو مناطق تساقط الأمطار، وبالتالي حاجة التربة لفترة زمنية طويلة، من أجل استعادة هذه الخواص.

ب - تلوث مياه الآبار الزراعية والسدود والحواجز والمخزون المائي بشكل عام.

ويساهم القطاع الزراعي بحوالي 5.14 % من حجم الناتج المحلي لعام 2015 ، في حين يستورد اليمن 3500000 طن من الحبوب سنوياً بمبلغ يزيد عن ملياري دولار، ويمثل القمح 40 % من المنتجات المستوردة و37 % مواد غذائية وصناعية، فيما تمثل الأصناف الزراعية كالبقوليات وغيرها 10 %، بينما بلغ عدد الأصناف الزراعية المستوردة 896 صنفاً زراعياً، وهو ما يمثل90 بالمائة من الاحتياجات الزراعية، رغم أن اليمن بلد زراعي ولها تاريخ في هذا الجانب.

وبالمجمل استهلك اليمن نحو 3.5 مليون طن من الحبوب، أنتج منها 100.000 فقط، بما نسبته 2.8% وهي نسبة ضئيلة جداً، مع الآخذ في الاعتبار استمرار تزايد النمو السكاني بما يفوق 3% سنوياً.

ووفقا لإحصائيات عام 2017 استورد اليمن نحو 3 مليون طن من القمح، بينما لا يتجاوز الانتاج المحلي 7 بالمائة.

ومن أبرز المحاصيل الزراعية في اليمن: الدخن والذرة والقمح والمانجو والموز والبابايا والبطيخ والرمان والبرتقال والليمون والكمثرى والتفاح والخوخ والعنب والبن.

المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب

تعمل المؤسسة على مسارين:

1 - زراعة مساحات واسعة "مزارع نموذجية".

2 - تنمية الأسر المنتجة زراعيا في مجال الحبوب وتوفير مستلزمات الانتاج سواء للمجاميع الانتاجية التابعة للمؤسسة أو الزراعية من المزارعين.

وتركز عملها بشكل رئيسي على تهامة والجوف والمرتفعات الشمالية والوسطى، من خلال زراعة الأراضي مباشرة ودعم المزارعين، حيث يتم استئجار أراضي مناسبة والقيام باستصلاحها وزراعتها، من أجل تقديم نموذج لمزارع نموذجية، باستخدام وسائل الميكنة الزراعية الحديثة، تساعد المزارع في تحسين الإنتاج وتقليل التكاليف، وتعميم هذا النموذج على المزارعين لتطبيقه على مزارعهم.

وتجسيدا للمشروع الذي أطلقه الرئيس الشهيد صالح الصماد "يد تحمي ويد تبني" تبنت المؤسسة في العام 2018 جائزة الشهيد صالح الصماد لإنتاج الحبوب، وهي جائزة سنوية تُمنح لأفضل بحث علمي في مجال انتاج الحبوب، وأفضل مزارع يحقق إنتاجية مرتفعة من محاصيل الحبوب الرئيسية "الذرة الشامية، الذرة الرفيعة، الدخن، القمح، الشعير"، من أجل خلق روح التنافس بين المزارعين في التوسع بزراعة الحبوب، وهي على مستوى المديريات وعلى مستوى الجمهورية، وجوائزها قيمة وملبية لاحتياجات المزارع نفسه، وفي نفس الوقت ستساهم المؤسسة من خلالها في تمكين المزارعين ومساعدتهم على الاستمرار في زراعة محاصيل الحبوب في مختلف المناطق الزراعية.

الأهداف:

تسعى المؤسسة لتحقيق رزمة من الأهداف، منها:

أولاً: الهدف الاستراتيجي العام:

1 - تحقيق الأمن الغذائي.

2 - تأمين الاكتفاء الذاتي من محاصيل الحبوب.

ثانيا: الأهداف العملية:

1 - التوسع في المساحات الزراعية.

2 - زيادة انتاج الحبوب بصورة تدريجية، وصولاً الى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب بشكل عام والقمح بشكل خاص، وفق خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدي.

3 - تخفيض تكاليف الإنتاج، ليصبح بمقدور المنتج المحلي منافسة أسعار الحبوب المستوردة، وتخفيض الكميات المستوردة بصورة تدريجية، وسيكون هناك تناسب عكسي بين الكميات المنتجة محلياً وبين الكميات المستوردة.

4 - دعم وتشجيع المزارعين، وتطوير مستلزمات الإنتاج، وإدخال التقنيات الزراعية الحديثة، وتنمية المجتمعات المنتجة للحبوب.

5 - تشجيع ودعم البحوث الزراعية الهادفة إلى تطوير الإنتاجية للزراعات المطرية والمروية.

6 - تحسين التسويق وتطوير السعة التخزينية للمحاصيل.

الانجازات:

تعتمد المؤسسة آلية تمويل ودعم المزارعين بالبذور المحسنة وعملية الحراثة، مقابل حبوب يقدمها المزارع للمؤسسة في نهاية العام.

ورغم الإمكانيات المتواضعة، كان للمؤسسة بصمات واضحة في اعادة الحياة للقطاع الزراعي، وانجاز سلسلة من المشاريع الواعدة في فترة قياسية، منها:

1 - تمويل 6500 مزارع بمستلزمات الانتاج الرئيسية، في 9 محافظات، موزعة على 39 مديرية، وزراعة 450 هكتار من القمح والذرة، وتنفيذ عدد من المشاريع لخفض تكاليف الإنتاج في محافظة الجوف، عن طريق دعم وتمويل المزارعين بالغطاسات والبذور المحسنة وعملية الحراثة.

عملية التنفيذ شملت مديريات المطمة والزاهر والمتون بالجوف، ومديريات زبيد والجراحي وبيت الفقيه وباجل والمنيرة والضحي والقناوص بالحديدة، ومديريات عبس وبني قيس ومستبا وحرض وبكيل المير بحجة، والمرتفعات الشمالية بمحافظات صنعاء وذمار والمحويت وعمران، والمرتفعات الوسطى بمحافظتي إب والبيضاء، وضم محافظة تعز في العام الماضي.

2 - تحصيل 7 بالمائة من احتياج السوق للحبوب، أي توفير 7 % من حاجة الناس من الحبوب، وهو إنجاز قياسي في فترة وجيزة.

3 - تدشين حملة توعية للحد من الزحف العمراني على الأراضي الزراعية، في العديد من المحافظات الزراعية مثل عمران وصنعاء وذمار، وعمل لوحات ارشادية في القيعان الزراعية، والسعي لإصدار تشريع قانوني يوقف الزحف العمراني على الأراضي الزراعية.

4 - توزيع أكثر من 45 حراثة يدوية في 9 محافظات، في كل محافظة أربع أو خمس مديريات، تم استلام الاستمارة الخاصة بالترشح وتحليلها وعمل مهرجان في كل محافظة، لتسليم الحراثات والاعداد لتسليم الجائزة في كل محافظة.

5 - الاتفاق على أن تنشئ المؤسسة أسواقاً لشراء وبيع محاصيل الحبوب بأسعار مدعومة.

6 - إنشاء 450 مجموعة انتاج، تتشكل المجاميع من 30 مزارع، تنتخب لها رئيساً و4 أعضاء ومساعدين، ووتولى المؤسسة مهمة التسويق للإنتاج، والربط بين السوق والمزارع، والتعريف بأهمية المنتج المحلي وقيمته الغذائية.

والهدف من إنشاء المجموعات تحديد احتياجات المزارعين وتنظيم جهودهم وإمكانياتهم لإنتاج الحبوب.

وتغطي المجموعات 37 مديرية، موزعة على 9 محافظات، وتضم 11409 مزارع، بإجمالي حيازة 49000 هكتار، تتم فيها زراعة مختلف أنواع الحبوب/ القمح، الشعير، الذرة الرفيعة، الذرة الشامية، الدخن، العدس، الفول، اللوبيا ،….الخ.

..........................................................................................................
المصادر:
1 - ويكيبيديا، الزراعة في اليمن.
2 - محمد جميل، مقابلة مع مدير عام المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب "احمد خالد الخالد"، الحديدة نيوز، 9 أبريل، 2019
3 - مقابلة مع أحمد الخالد، صحيفة الثورة، 12 يناير, 2020
4 - أمين النهمي، مقابلة مع مدير مكتب وزارة الزراعة والري في محافظة ذمار المهندس "هلال محمد الجشاري"، صحيفة الثورة، 27 سبتمبر 2019
5 - فؤاد القاضي، الأمن الغذائي في الرؤية الوطنية، 26 سبتمبر نت، 9 ديسمبر 2019
6 - محمد شرف الروحاني، اليمن يواجه العدوان بالزراعة، صحيفة الثورة، 27 يوليو 2019
7 - محمد الحكيمي، آخر سنوات المجد الزراعي في اليمن، موقع حلم أخضر، 29 ديسمبر 2019
8 - أحمد المالكي، الزراعة خيار استراتيجي لتقليص فاتورة الاستيراد من الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي، صحيفة الثورة، 29 أكتوبر 2018.

اضف تعليق