فجأة ومن دون مقدمات، تتقدم المعركة على الرقة، لتحظى بالأولوية على جدول الأعمال الأمريكي (الغربي عموماً).... قبل أيام فقط، كانت الأنظار (والمخاوف) منصبة على سيناريو طرد "داعش" من الموصل إلى الأراضي السورية (الرقة تحديداً) الأمر الذي استدعى يقظة واستنفاراً من قبل موسكو ودمشق وطهران، خشية أن تكون واشنطن في وارد "توظيف" داعش لاستنزاف قوى هذا المحور في سوريا.

الحديث يدور عن "معركة متزامنة"... قبل الانتهاء من تصفية داعش في الموصل، واسترداد ثاني مدن العراق لحضن الدولة، ستكون معركة الرقة قد بدأت، والهدف وفقاً للرئيس الفرنسي، عدم السماح لـ "داعش" بالانتقال إلى سوريا، وهو الذي سبق وأن حذّر من مغبة أن "ترث" النصرة داعش، بعد أن تهجره عناصره وقياداته، تحت ضغط ضربات الجيش العراقي وقوات الحلفاء.

ما الذي يدفع بالغرب إلى إحداث هذا التغيير السريع في سلم الأولويات، وإعادة ترتيبها؟... الإجابة على هذا السؤال تتصل بمجريات المعركة على حلب، والتي تبدو محسومة، عاجلاً والأرجح، آجلاً لصالح المحور الروسي – السوري – الإيراني... والمؤكد أن الولايات المتحدة، لن تسمح لموسكو بمد نفوذها ونفوذ حلفائها على "الشرق السوري"، وأنها تسعى في ترسيم مناطق نفوذ، يمكن الاستفادة منها وتوظيفها، عندما تحين لحظة الجلوس على مائدة المفاوضات لترسيم الحل السياسي النهائي للأزمة السورية.

لكن السؤال السابق، يستولد سؤالاً آخر: هل تمتلك واشنطن القوة لإنجاز معركة الرقة بالتزامن مع معركة الموصل، أو بعدها بقليل؟

الإجابة على هذا السؤال، تستدعي النظر في طبيعة القوى (على الأرض) التي بمقدور واشنطن أن تراهن عليها لإنجاز هذه المهمة... الوضع في الرقة مختلف تماما عن الوضع في الموصل، في الموصل هناك جيش عراقي كبير ومدرب ومسلح جيداً، وهناك قوات البيشمركة المدربة والمجهزة بدورها، وهناك قدر من التوافق والتفاهم بين حليفي واشنطن في هذه المعركة، تم التوصل إليها بعد مفاوضات شاقة ووساطات عديدة، قامت بها واشنطن... وإلى جانب هذه القوى النظامية، هناك ميليشيات الحشد الشيعي "القوية" وميليشيات الحشد الوطني والعشائري... بمعنى آخر، معركة الموصل، تتوفر على عناصر نجاحها والانتصار فيها، على الأرض كما في السماء.

لكن الصورة تبدو مختلفة تماماً عندما يتصل الأمر بمعركة الرقة، هناك لا تتوفر الولايات المتحدة، على حلفاء جديين، بل ويمكن القول إن مشكلة واشنطن في الشرق والشمال السوريين، إنما تتمثل في حلفائها وأجنداتهم المصطرعة وحروبهم البينية الدامية.... تركيا ترفض السماح لقوات سوريا الديمقراطية الدخول في المعركة وهي تعتبرها حركة إرهابية، بل وتستهدفها بضرباتها الجوية والمدفعية، وأنقرة ترفض تقديم المساعدة في معركة الرقة قبل أن تحصل على تعهد بعدم مشاركة الكرد، نواة قوات السورية الديمقراطية الصلبة، فيها... في المقابل، يبدي أكراد سوريا، حذراً شديداً من أي تقدم تحققه تركيا على الأرض السورية، فهي تعتبرها "العدو الأول" و"الخطر المحدق" بمستقبلها ومستقبلها مشروعها.

لا يمكن لمعركة الرقة أن تحسم من دون قوات على الأرض من أبنائها وأبناء العشائر العربية السنية فيها وحولها... وهذه القوة، ليست متوفرة بعد، وكل مشاريع التدريب والتأهيل التي تجرى على عجل، لا تكفي لإثارة الطمأنينة في إمكانية حسم المعركة ضد داعش... أما دخول تركيا على الخط، فلا يعني شيئاً سوى نقل التركيز من الحرب على داعش إلى المواجهات المؤكدة بين الأكراد والأتراك على الأرض السورية، وهذا آخر ما تريده واشنطن، أقله في هذه المرحلة.

في ضوء هذه العقبات والتعقيدات، يبدو الاهتمام الأمريكي – الفرنسي بمعركة الرقة، تزامناً مع معركة الموصل، ليس سوى نوعاً من "حجز مسبق" لمنطقة نفوذ في سوريا، وتسييجها ببعض الخطوط الحمراء، لإبعاد الخصوم عنها أو التفكير في استعادتها، على أمل أن تحين اللحظة لجعل السيطرة على هذه المنطقة، أمراً ممكناً.

لكن مشروع استرداد الرقة من داعش، قد لا ينتظر طويلاً، فثمة قوى عديدة، عينها أيضاً على الموصل، وربما تمتلك القدرة على فعل ذلك، إن قُدّر لها أن تحسم المعركة في حلب وعليها، خلال الأسابيع القادمة، وربما يتم ذلك بالتنسيق مع بعض القوى المحلية والإقليمية، التي ترشحها واشنطن للقيام بالمهمة على الأرض، نيابة عنها... الأيام المقبلة، ستكشف عمن سيكسب الرهان في السباق على الرقة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق