q
هناك حجم وطني مغيب، على هذه القوى أن تستحضره في حساباتها وأن تعمل على معالجته، مع أن هذا الأمر بات مستحيلا، أي أن أغلب الناس فقدت الثقة تماما بهؤلاء، ولن تنظر لهم بإيجابية مستقبلا، لا سيما أن ملفات الفساد، التي أعلن عنها، والتي لم يعلن وحجم السرقات من المال العام...

أعلنت نتائج انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت يوم 18 - 12 - 2023، وتوزعت المقاعد بين الفائزين، لكن هناك نتائج أخرى نراها الأهم .. لقد كشفت هذه الانتخابات أن الناس تريد من يخدمها في حاضرها، وليس من يذكرها بما قام به أو فعله سابقا! ولذا جاءت أصوات المحافظين، الذين قدموا خدمة عالية نسبيا، قياسا بمنافسيهم من أحزاب الشعارات! وفي العموم لم ينجح أغلب هؤلاء الشعاريين في الوصول إلى مجالس المحافظات، لولا المقاطعة الكبيرة وانفرادهم في الساحة من دون منافسة حقيقية.. وأيضا لا بد من القول، إن القوى التي تسمي نفسها بالكبيرة، أثبتت هذه الانتخابات والتي قبلها أنها صغيرة جدا، قياسا بعدد الناخبين، الذين لم يصوّت أغلبهم وهؤلاء بالضرورة ضد هذه القوى المتهمة بالفساد وهدر المال العام وغياب الرؤية العلمية لبناء الدولة، ما يعني أن الذي حصلت عليه هذه القوى يمثل ربما أقلُّ من عشر الناخبين، منوهين بأن أغلب المصوتين يعطون أصواتهم لحسابات القرابة والمصلحة الشخصية والعلاقات، وليس لحسابات مبدئية أو لبرنامج الكتلة التي يمثلها هذا المرشح أو ذاك.

اذن هناك حجم وطني مغيب، على هذه القوى أن تستحضره في حساباتها وأن تعمل على معالجته، مع أن هذا الأمر بات مستحيلا، أي أن أغلب الناس فقدت الثقة تماما بهؤلاء، ولن تنظر لهم بإيجابية مستقبلا، لا سيما أن ملفات الفساد، التي أعلن عنها، والتي لم يعلن وحجم السرقات من المال العام وغياب الفعل النافع طيلة أكثر من عقدين، صارت كافية لتتخذ الناس موقفا يصعب تغييره، وهذا ما تجلى بالمقاطعة، التي بقدر ما أفادت هؤلاء الفاسدين وتركتهم وحدهم مع الصناديق أعطتهم درسا ايضا في أنهم لايمثلون الأغلبية، بل أقلية محدودة وعليها أن تعرف حجمها.

لقد كنا نتمنى لو ان القوى الوطنية، لا سيما قوى ثورة تشرين، شاركت في الانتخابات بمرشحيها وناخبيها، الذين يمثلون العمق الجماهيري الأكبر، وأن نتجاوز نغمة (ما راح يتغير شي) أو ( موزعة المقاعد مسبقا)، والتي تروج لها ماكينة الفسادين الإعلامية وجيوشهم الالكترونية لإحباط الناخب، وتحييد ملايين الأصوات، التي لو نزلت إلى الصناديق لرأينا نتيجة اخرى، والدليل هو أن هناك قوائم في الانتخابات الأخيرة تصدرت في محافظات، مثل بغداد ونينوى وديالى وكركوك والبصرة وواسط، مع أنها غير محسوبة بشكلٍ مباشر على أحزاب السلطة التقليدية، بل إنها بدت متحدية لها، وإن ولد بعضها من رحمها!

ما يعني أن فرصة الفوز وتغيير الواقع في المحافظات تمهيدٌ لتغيير أكبر وأشمل في الانتخابات النيابية القادمة، كانت ممكنة، مثلما كانت ممكنة في الانتخابات النيابية للعام 2021 لكن المقاطعة من قبل قوى تشرين، وكذلك الناخبين مكّن القوى التقليدية من إعادة إنتاج نفسها وبفارق قليل من المقاعد، التي حالت دون تشكيل حكومة أغلبية.. اليوم وبعد أن أصبح كلُّ شيء واضحا وعرفت قوى السلطة حجمها الجماهيري المحدود، باتت الفرصة مواتية للقوى الوطنية الأخرى، التي عليها أن تنظم صفوفها وتعمل على قائمة وطنية مدنية تتجاوز عقد الماضي، التي استثمرتها وعملت عليها جهات لا تريد الخير للعراق وشعبه، وأن عقدا جديدا فرضته الإرادة الوطنية، التي تمثلت بالمصوتين، الذين منحوا أصواتهم لمن هم أقرب لمصالح الناس والمقاطعين، الذين يتطلعون الى تحقيقها.. لكن يجب أن يكون في المرة القادمة بشكل ايجابي، وليس في الوقوف على التل وانتظار أن يأتي التغيير بمعجزة!.

اضف تعليق