فبما أن المسلمين لم يعملوا بقوانين الله في التقدم في كافة مناحي الحياة تسلط عليهم اليهود منذ خمسين عاماً. وهذا إلى جانب معصية الله فانه سبب تأخر المسلمين وتفرق كلمتهم وأصبحوا أمماً متعددة وصغيرة يحارب بعضهم بعضاً، وقد قسّمها الاستعمار إلى كتل وتجمعات صغيرة وضعيفة، لا تستطيع الوقوف...

في كتابه (بين المسلمين واليهود) يطرح المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي سؤالا يدور في ذهن الكثير من الناس، وهو: لماذا سيطر اليهود؟ وكيف تمكن اليهود -مع قلتهم- من الوقوف بوجه المسلمين، وهم بهذه الكثرة، ومن السيطرة على أراضيهم وما أشبه؟

يقول الإمام الشيرازي إذا عرضنا هذا السؤال على القرآن الحكيم؛ نرى التصريح القرآني يقتضي ويستلزم عكس الواقع الحاضر، ويبين لزوم تقدم المسلمين؛ لأن القرآن بيّن حال اليهود بأنهم أذلاء، وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، فقال تعالى: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ...)، أما بالنسبة إلى المسلمين؛ فقد عبّر القرآن الكريم عن حالهم بقوله سبحانه وتعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، وقوله عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس)، هذا هو حال اليهود والمسلمين عند الله تعالى، وفي القرآن الكريم فقد كانت اليهود أذلة طول التاريخ.

أما الواقع اليوم فيشير إلى سيطرتهم على العديد من مجالات الحياة، فان اليهود كان عددهم (56) ألف شخص في فلسطين قبل خمسين عاماً، وقد وصل عددهم اليوم إلى أربعة ملايين نسمة، أي أن عددهم في فلسطين آخذ في التزايد حيث جمعوا اليهود من شتى بقاع الأرض وأسكنوهم في بلاد المسلمين قهراً وغصباً، وفي المقابل صارت نسبة المسلمين في فلسطين في تناقص، فكيف جرى كل هذا ولماذا؟

يرى الإمام الشيرازي أن الجواب واضح، وهو أن المسلمين قد تركوا العمل بأوامر الله، وقد جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى بيّن لأنبيائه، هذه الحقيقة بقوله: «إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلطت عليه من خلقي من لا يعرفني»، إن المسلمين في جميع العالم -غالباً -لا يلتفتون إلى ما يريد الله منهم ولا يعملون بأوامره في جميع مجالات الحياة كما هو المفروض، في حين أن كلام الله والأنبياء والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هو واضح كوضوح الشمس، بل هو سنة من سنن الكون، سواء صدّقنا هذا، أم لم نصدقه.

فبما أن المسلمين لم يعملوا بقوانين الله في التقدم في كافة مناحي الحياة تسلط عليهم اليهود منذ خمسين عاماً. وهذا إلى جانب معصية الله فانه سبب تأخر المسلمين وتفرق كلمتهم وأصبحوا أمماً متعددة وصغيرة يحارب بعضهم بعضاً، وقد قسّمها الاستعمار إلى كتل وتجمعات صغيرة وضعيفة، لا تستطيع الوقوف بوجه الدولة اليهودية الغاصبة لأرض فلسطين، فكانت هذه الحدود الجغرافية المصطنعة لكي لا يتمكن المسلمون من الوقوف بوجه المؤامرات الغربية والشرقية في أرض المسلمين، وقد شملت هذه التجزئة أغلب الدول العربية، وبالأخص دول المواجهة مع إسرائيل، أو كما تسمي هي نفسها بذلك، وقد جاء في خطبة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «... العرب اليوم وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع».

فالعز للمسلمين ككل وللعرب لا يأتي إلا في طاعة الله تعالى والاجتماع تحت راية الإسلام، فعندما يطابق الواقع البشري كلام الله تعالى فسيبقى اليهود أذلاء، كما أشار تبارك وتعالى إلى ذلك في آيات عديدة من القرآن، وان ترك المسلمون سبل التقدم التي أمر بها الباري عزوجل فيتأخرون ويغلب عليهم أعداؤهم من اليهود وغيرهم.

إن هؤلاء المسلمين الذي يبلغ عددهم ملياراً و(600) مليون، وهم أغنى سكان الأرض، بما لديهم من الثروات النفطية والمعدنية والثروات المائية، كيف استطاع الإسرائيليون الذين عددهم أربعة عشر مليوناً التغلب على عددهم الهائل هذا، وفي فترة قصيرة نسبياً من الزمن؟

وأما على نطاق خاص بالدول المسلمة العربية فإن عدد المسلمين العرب يبلغ (250) مليوناً، وأمام أربعة ملايين يهودي لم يستطيعوا إنقاذ فلسطين، بل هم كل يوم يدخلون عملية مصالحة وإذلال لأنفسهم، والسبب كله يعود إلى أننا قد خالفنا أوامر الله تعالى، وتفرقنا، فسلط الله علينا اليهود. قال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً).

ولكي تنتصر فلسطين على اليهود المحتلين يحدد الإمام الشيرازي عددا من الشروط هي:

1. وحدة الصف الفلسطيني والعربي والإسلامي: إن فلسطين قد خلّصها الإسلام من أيدي الأعداء، لا العروبة، ثم أخذها اليهود من أهلها؛ لأن اليهود متحدون مع بعضهم البعض، يحترم بعضهم البعض الآخر، وهم أمة واحدة، مع أن الاتحاد والاحترام والأمة الواحدة هي كلها من توصيات القرآن الحكيم لنا، لكننا أعرضنا عنها فخسرنا الدنيا والآخرة. فليس المسلمون اليوم أمة واحدة كما أراد القرآن العظيم، فما نراه في الواقع الخارجي شيء آخر لا يطابق كتاب الله، فهذا عراقي وذاك باكستاني والآخر إيراني وهو بنغالي و...، فصرنا سبعين أمة وحصلت بيننا التفرقة. وبناء عليه فان الشرط الأول للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي هو وحدة الصف الفلسطيني والعربي والإسلامي، وعلى جميع الميادين، والإخلاص لأجل إنقاذ الوطن ونصرة أبناء الشعب الفلسطيني، دون الارتماء في حضن المستعمرين اليهود والأجانب، والذلة بالدخول في معاهدة خاسرة وباطلة.

2. التحرك السلمي : الإسلام دين السّلام، وما الحرب والمقاطعة وأساليب العنف فلا تكون إلا وسائل اضطرارية تستخدم قليلاً وذلك في أشد حالات الضرورة القصوى على خلاف الأصول الإسلامية؛ قال تعالى: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً). فالقائمون بالحركة يجب أن يتحلوا بالسلام في فكرهم، وفي قولهم، وفي كتاباتهم، وفي مواجهاتهم، حتى يتمكنوا من استرداد حقوقهم المغصوبة، وحتى عملية الإضرابات والمظاهرات لابد أن تتصف باللين والمنطق وقوة التأثير؛ لأن المهم هو الهدف السامي واسترجاع الحقوق الضائعة، وليس الانتقام والحقد والبغضاء، فان السلام -بمعناه الصحيح- هو الضمان الأكيد لبقاء المبدأ، هذا من ناحية الأصل العملي في كل حركة، أما لو اضطرت الحركة بعد أن تستنفد كل ما لديها من أسس السلام، أن تواجه الأعداء بالمواجهة العسكرية، والجهاد في سبيل الله فلا بإشكال في ذلك بل هو من أقرب القربات إلى الباري عز وجل، ولكن مع توخي السلام المشرِّف في كل فرصة. قال سبحانه وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ).

3. الاعتماد على الإسلام كمنهج: لن يتمكن العرب والمسلمون من تحرير الأرض الفلسطينية ولن يحققوا شيئاً على طريق النصر ما لم يتخذوا الإسلام والقرآن وتعاليمهما في الوحدة والأمة والإخوة والحرية واللاعنف منطلقاً لتحركاتكم، فإن حالهم سيكون كمن يريد أن يخطو إلى الأمام، وهو يعلم أنّه بعد خمس دقائق سوف يقع في البئر، وبالفعل سقط عرفات ومن قبله بعض الحكام في أحضان اليهود أو فخهم. فقد راح أُناس يعدون أنفسهم قادة لفلسطين، وهم أذلاء، لكي يقولوا للإسرائيليين: نعم للتفاوض والصلح والاستسلام، ولا يخفى أن التفاوض يجري اليوم على قسم صغير جداً من الأرض الفلسطينية التي تسمى (بغزة وأريحا) ومساحتهما قليلة جداً بحيث لا تتسع لمليون فلسطيني في حين أن عدد الفلسطينيين أكثر من خمسة ملايين. وقد تنازلوا عن سائر الأراضي الفلسطينية للعدو الغاصب مقابل لاشيء! أليست هذه هي الذلة بعينها؟

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق