لم يدرك الحاكم العربي أن زمن الألفية الثالثة أشرق فيه جيل جديد بثقافة جديدة وطموحات مختلفة وتواصل نفسي واجتماعي عابر للقارات ومستمر على مدار اللحظات، وانه يكبر وينمو فيما جيل الكبار يقل ويشيخ، وغباء الحاكم العربي أنه ظل على يقين الخليفة، أن امتلاك السلطة والثروة معا يضمن له...

مشكلة الحاكم العربي أنه يعيش خارج العصر في زمن سيكولوجي مرتبط بماض يشعره بأنه امتداد للخليفة، يفكر بنفس (المنهجية)، يؤول قول الله على هواه، ويشرعن حتى استبداده!، ولا يغادر السلطة الا يوم يخصه عزرائيل بالزيارة، أو يقتل. لم يدرك الحاكم العربي أن زمن الألفية الثالثة أشرق فيه جيل جديد بثقافة جديدة وطموحات مختلفة وتواصل نفسي واجتماعي عابر للقارات ومستمر على مدار اللحظات، وانه يكبر وينمو فيما جيل الكبار يقل ويشيخ.

وغباء الحاكم العربي أنه ظل على يقين الخليفة، أن امتلاك السلطة والثروة معا يضمن له ديمومة البقاء حاكما، معززا هذا اليقين بمبتكرات التكنولوجيا بأن أحاط نفسه بثلاثة (سواتر):

أمن خاص ومخابرات وشرطة، وزادها ميليشيات. لم ينتبه الى أن ما كان يفعله الخليفة غير العادل من خطايا يظل محصورا ضمن حدوده الجغرافية وأن ما يفعله هو اليوم يعرفه العالم لحظة بلحظة، وأن العالم شعوبا وأنظمة، صار قوة تضعف سلطة الحاكم غير العادل وتناصر المطالبين بتحقيق العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لبشر وصفت أمتهم بأنها كانت خير أمة أخرجت للناس صيرها حكامها أفقرها حالا وأشدها بؤسا.

وغباء السلطة أنها لم تدرك ان امتلاكها الثروة يفضي بالنفس البشرية الى الولع بها وتصير لحكامها كماء البحر، كلما جمعوا منها ازدادوا ضمئا، وأنها تخلق من حولهم فئة انتهازية منافقة تريهم وجه الولاء لها فيما يدفعها انتهاز الفرصة وقلق المستقبل وضعف الضمير الى سرقة المال العام فتبعد الناس عن الحاكم وتنخر في هيكل السلطة لينهار في لحظة تصيب الحاكم بالدهشة كيف ان المستكينين أطاحوا به، وكادوا ان يطيحوا بهم في العراق مرتين، مرة يوم دخلت الجماهير قصورهم وفرّوا منها هاربين.

ومرة يوم رأوا اللافتات المعلقة على المطعم التركي وادركوا ان جماهير ساحات التحرير اقتربت من الفرصة التي تذكرهم بمصير من سحل قبلهم في الشوارع، فتعاملوا معهم كما لو كانوا اعداء غزاة فقتلوا المئات وجرحوا واعاقوا الآلآف في سابقة لم يشهدها التاريخ السياسي في العراق ان يقتل شباب مسالمين يطالبون بحقوق مشروعه.

وبلادة الحاكم العربي أنه لا يدرك أن أكثر من نصف شعبه هو جيل شباب من مواليد 1975 فصاعدا، وأنه من مواليد 1965 فنازلا!، وأن هذا الجيل الذي وحّده الفقر والشعور بالحيف صار كما الروافد تجمعت في نهر ثقافي اجتماعي نفسي بعد أن يئس من احزاب السلطة وأحزاب محنّطة باديولويجيات وتنظيرات لا تقدم حلولا ولا تعالج واقعا بائسا ولا تضمن مستقبلا يحقق طموحات اختلفت نوعا وكمّا عن طموحاتنا نحن الكبار.

كل غباءات السلطة هذه هي التي أدت الى ارتكابها خطاياها، ليس فقط بحق شعوبها بل بحق نفسها أيضا، فأيّ مصير آل اليه زين العابدين وحسني مبارك والمحسوبون عليهما! وأين صار ما جمعوه من أموال طوال ثلاثين سنة! وأي حال وصل اليه ملك الملوك! الذي عزا تظاهرات المحتجين الى تناولهم حبوب الهلوسة فيما كان هو الذي يهلوس!.

والأوجع، ان الفضيحة ستلاحقهم بعد عار الدنيا وخسارة الجاه والمال والاعتبار، فهل يعتبر الحكام الباقون والقادمون؟، قد لكنها لن تنفع مع من لا تزال سيكولوجيا الخليفة متحكّمة فيه حتى لو كان ديمقراطيا!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق