لا شيء أصعب على الإنسان من فقدان ثقته بنفسه وبقيمه، بحيث يصبح مشدوداً واسيراً لكل ما هو وافد من الأفكار المضطربة، وغير المستندة على أسس فكرية أو عقلية ناضجة، ومثل هذا الفقدان يقود إلى نوع من الانبهار الانهزامي الذي يخلخل القناعات، فهو انبهار برموز مستوردة تصدر الأفكار المضطربة...

لا شيء أصعب على الإنسان من فقدان ثقته بنفسه وبقيمه، بحيث يصبح مشدوداً واسيراً لكل ما هو وافد من الأفكار المضطربة، وغير المستندة على أسس فكرية أو عقلية ناضجة، ومثل هذا الفقدان يقود إلى نوع من الانبهار الانهزامي الذي يخلخل القناعات، فهو انبهار برموز مستوردة تصدر الأفكار المضطربة، ويعدها المنبهرون رموزاً وخلاصات لكل مشاكل الوجود الإنساني كُلٌّ حسب الفكرة التي يطرحها ويتبناها سواء كانت فلسفيةً أو حداثيةً أو عقائدية.

وتترسخ حالة الانبهارية الانهزامية أمام الآخر؛ كلما تكشَّفَت مهيمنات التأثير على الفرد المهزوم والمأزوم في ذات الوقت. تلك المهيمنات لم يتم توجيهها اعتباطاً من قبل الجهات والمؤسسات المُوَجِّهة؛ بل لأنها وصلت لقناعة استعداد المجتمعات الانهزامية لتقبُّلِ ما يُصَدَّر إليها.

إذن؛ نحن أمام انبهار اعلامي مهيمن، سَبَّبَ وَيُسَبِّبُ حالات من الأرق الحضاري، والصداع المعرفي الذي شَوَّشَ أيضاً على المشتغلين بحقول الفكر والمعرفة، الأمر الذي أدى إلى انهزامية مضاعفة وأشد تأثيراً، وبذلك يلعب المفكرون المُنبهِرون دور الناطق غير الرسمي باسم الجهات والمؤسسات التي تُصَدِّر الأفكار المُشَوِّشة، والمشاريع التي تتسلط سلبياً على الذهنية، أي أنهم الحلقة الوسط بين المصادر الأصلية للفكرة وبين عامة الناس.

إنَّ انبهار الإنسان العادي بالآخر؛ لا يتعدى بعض القضايا السطحية، كالانبهار بجمال الطبيعة في هذه الدولة أو تلك حين يسافر لها بقصد السياحة، فيشغله جمال الطبيعة، وبعض المظاهر التي لا يراها في بلده؛ لاختلاف الثقافات عن أشياء لو فكر فيها بشيء من التركيز لكان له رأي واضح ومحدد، بحيث سيكتشف أن انبهاره كان قشرياً. فهو لم يفكر بالطريقة التي يعيش بها سكان هذا البلد، وكذلك لا يعرف أن الدخل الذي يحصل عليه في بلده، والقدرة الشرائية أفضل من تلك التي يحصل عليها مواطنُ البلد الذي سافر إليه، فضلاً عن تلاشي قيمة التماسك الأسري في بعض البلدان التي ينصهر مواطنوها بالمنطق المادي.

بينما لا يجد هذا المُنبهِر تلاشياً للتماسك الأسري في بلده؛ بسبب الالتزام بالخصوصية الثقافية المتوازنة والمتعاطية باعتدال مع ما يستجد في الحياة.

ومن جهة أخرى؛ نرى أنَّ انبهار الإنسان النخبوي المتعاطي مع الأفكار والعلوم أشد ضرراً وتأثيراً؛ لأنه سيقوم بمنح شرعية للأفكار الوافدة، بل ويساهم في تلميع صورة الرموز المستوردة المنادية بما هو بعيد عن ثقافتنا، ويجعلها بديلة عن رموزنا وقيمنا في سعي لتمييع الخصوصية تمهيداً لانقراضها. والنخبوي في هذا الانبهار يعكس انهزاماً داخلياً يظهر مهما اجتهد في إخفائه معتمداً اللعب على المهارة الكلامية، والقدرة الكتابية.

الأخطر في موضوعة الفكر الانهزامي، وانهزام النخب الفكرية والثقافية؛ يكمن في أن هذا الانقسام سيولد حالة من التعددية السلبية المرتكزة على تابعية إيديولوجية، حيث الانقياد الأعمى والتبعية المحضة لعناصر الأدلجة ورموزها التي يتم استيرادها. هذه التبعية ستكون النتيجة المنطقية لاستفحال ظاهرة تضخيم الأخطاء، والتأقلم على الضجر وعدم الإيمان بالاستمرارية، وتنامي المشاعر السلبية التي تستبطن التغلب على الفشل، لكنها تظهر ذلك عبر الهروب منه لا بمواجهته.

وفي الحقيقة إنَّ هذا النخبوي يمارس الانبهار بالتغرّب واحتقار الهوية هروباً من مسؤوليته الأخلاقية التي لا يريد الاعتراف بعجزه عن القيام بها، ولا يحب أن يظهر منهزماً فيلجأ لتأطير انبهاره الفوضوي بأطر غرائبية طارقاً كل الأبواب المؤدية لدهاليز العبارة الشائعة (خالفْ تُعرَفْ) حتى وإن جاءت المُخالفة والمعرفة على حساب الهوية الحضارية والأخلاقية.

وبعد فترة قد لا تطول يكتشف المنبهرون أنهم أضاعوا وقتاً مهماً كان يمكن لهم استغلاله في أمور نافعة لهم ولمجتمعاتهم، وهذا الاكتشاف مفيد لو تعامل مع عبارة (أن تصل متأخراً خيراً من أن لم تصل) فثمة فرصة للاستدراك وإصلاح الأمور، لكن المشكلة تكمن في الارتداد السلبي للانبهار حين يتحول إلى مبرر للندم الشديد، وجلد الذات وسجنها في عزلة وإحباط وكأن نهاية الكون حلت بهم. وهنا ستتعزز الانهزامية وتتحول إلى إحباط، بينما يمكن للمنبهر أن يمارس نقداً ذاتياً يرصد من خلاله المراحل التي انبهر بها على نحو مبالغ به، ومن ثم ينطلق إلى عملية إصلاح ما أفسده الانبهار من خلال تنمية الوعي الذاتي أولاً، ثم الوعي الجمعي في حال كان من المؤثرين الفاعلين في الحياة الاجتماعية، وأن يعي أن كل مسيرة في الحياة؛ لابد أن تواجه المطبات والمعرقلات، لكن ذلك لا يعني الاستسلام والخضوع لمنطق اليأس والانكسار؛ لأن ذلك سيجعل مساحة العتمة مهيمنة على خريطة المسيرة الإنسانية حيث الإنسان يضخم الأخطاء لدرجة استحالة التصحيح، ويعمل على تحقير ذاته وإذلالها ممارساً أقصى حالات جلد الذات.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
احبائي
الغرب يعاني من خلل واضطراب وشذوذ يصل بمواطنيه الى الإنتحار
لكنه رغم ذلك ينجح بمنظماته ومخابراته في تصدير نموذجه الى شبابنا باقتدار
الشباب يتلقون هذه الزخارف الكاذبة في معظمها والصادقة فقط في بعض المعاملات بانبهار
الغرب يستخدم ضد مجتمعاتنا كل الوسائل المتاحة بداية منمايسمى وسائل التواصل الإجتماعي وصولا الى مؤسسات تدريب جورج سورس وأمثاله التي تدرب وتمول عملاء الهدم والإنهيار
ومن يراجع الماضي القريب ويرى برنارد هنري ليفي يقود مظاهرات ما أسموه بالربيع العربي وحوله كوكبة من نسائه الفاتنات يعرف من هم أصحاب القرار
برنارد هنري ليفي اليهودي الصهيوني والمرشح لرئاسة اسرائيل قابلته في ميدان التحرير يطالب بحقوق المصريين والعرب في العيش والحرية والكرامة الإنسانية وصرخت في وجهة ونسائه::اخرجوا من أرضنا يا أذناب الإستعمار
وربما كان كبر سني ووقاري هو ما منع العملاء من الفتك بي رغم تطاول بعضهم على بألفاظ نابية ونظرهم الى بضيق واحتقار
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الارض
جمال بركات.... رئيس مركز ثقافة الالفية الثالثة
الإنسانية2019-02-21