قال تعالى: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها(1).

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا(2).

تدعوني ويك ام البنين...تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم....واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى....قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلائهم...فكلهم أمسى صريعا طعين

ياليت شعري أكما أخبروا...بأن عباسا قطيع اليمين

ان الامام علي (عليه السلام) قال لعقيل: أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحول، لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً.

فقال له: تزوج أم البنين الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها(3).

فهي فاطمة بنت حزام بنت خالد بن ربيعة الكلابية العامرية، وهي من بيت عريق في العروبة والشجاعة، وليس في العرب أشجع من أبائها وأصل كريم، على تعبير عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه (4).

وأمها تمامة بن سهل بن عامر.

وهذه السيدة الجلية قد تنازلت وطالبت عدم ندائها باسمها (فاطمة) مخافة أن يتذكر أبناء السيدة الزهراء (عليها السلام) أمهم، فيتجدد لهم حزنهم، ويعود عليهم مصابهم... فكان امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) يناديها بكنيتها (ام البنين)(5).

وكان استشهاد السيدة أم البنين (عليها السلام) في 13 جمادي الاخر يوم الجمعة عام 64 هـ بعد مقتل الامام الحسين (عليه السلام) على ما تذهب إليه بعض الروايات. ومكان دفنها في المدينة المنورة (البقيع).

وربما يتبادر الى الاذهان الاستغراب في كلمة استشهاد السيدة ام البنين (عليها السلام) وسنعود لذلك فيما بعد.

وانها ضجيعة شخص الإيمان قد استضاءت بأنواره وربت في روضة أزهاره واستفادت من معارفه وتأدبت بأدبه وتخلقت بأخلاقه..، فأنها زوجة ولي الله تعالى وحجته وخليفته واخو وذراع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ووالد ريحانتي رسول الله الامامان الحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين)، فزوجها امام المتقين وقائد الغر المحجلين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)..

ولها من الاولاد من صلب امير المؤمنين عليا (سلام الله عليه) اربعة هم:ـ حامل لواء الامام الحسين (عليه السلام) (العباس) (عليه السلام) ويكنّى بـ (أبي الفضل) و(قمر بني هاشم).

والسيد عبد الله والسيد جعفر والسيد عثمان (سلام الله عليهم اجمعين) وقد استشهدوا جميعاً في نصرة أخيهم الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء.

و لكن لم يتطرق اهل التواريخ الى دور أم البنين (عليها السلام) وعملها بعد واقعة كربلاء، نعم إنما ذكر بكاؤها وندبتها(6).

ويذكر الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر في كتابه (العباس بن علي) وكانت أم البنين شاعرة فصيحة لاحت بوادر شاعريتها في الأفق، بشعرها السهل الممتنع، والإيماني، فقد كانت تعوذ ولدها أبا الفضل العباس وهو رضيع صغير، فقد كانت له الأم الحانية، تخاف وتخشى عليه من أعين الحساد من أن تصيبه بأذى أو مكروه، وكانت تعوذه بالله تعالى،

أعيـذه بـالـواحــد من عين كل حاسد

قائـمـهـم والقاعـد مسلمهم والجاحـد

صادرهم والوارد مولـدهـم والـوالـد

والسيدة ام البنين (سلام الله عليها) في واقعة الطف (كربلاء) كانت في المدينة المنورة بسبب علة المرض.. وقد صرحت السيدة فاطمة الصغرى ـ وهي بنت الامام الحسين (عليه السلام)، أو مشتغلة برعاية أولاد بنيها، أو غير ذلك مما علمه عند الله سبحانه.

ولكن لم تكن الاسباب المذكورة مانع لجهادها ضد بني أمية حيث كانت تفضح بني أمية الذين قتلوا الإمام الحسين (عليه السلام).. وهذا ما جعلنا نذكر كلمة الاستشهاد بحقها، فحتما ان اعوان بني امية قاموا بدس السم اليها.

وقد ذكرت لنا المصادر التاريخية الكثير من تلك الجرائم التي استهداف بيت النبوة والامامة سواء الائمة (عليهم السلام) او نسائهم او اصحابهم، فعلى سبيل المثال في زمن امير المؤمنين (عليه السلام) قاموا بدس السم الى مالك الأشتر في العسل. وبعدها دس السم للأمام الحسن (عليه السلام)، وهكذا فالتاريخ يسطر بالدليل تلك الجرائم.

والسيدة ام البنين (سلام الله عليها) من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت، فهي المخلصة في ولائهم الممحضة في مودتهم لهم، ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع وقد زارتها السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) بعد وصولها المدينة المنورة تعزيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيام العيد وبلغ من عظمتها معرفتها وتبصرتها بمقام أهل البيت (عليهم السلام) أنها لما دخلت على أمير المؤمنين وكان الحسنان مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب.. وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما.. وتخضع لهما كالأم الحنون.

وقد ورد عن الزهراء (سلام الله عليها) يوم الحشر تخرج من تحت عباءتها كفين مقطوعين وهما كفا أبي الفضل العباس وتقول: يا عدل يا حكيم احكم بيني وبين من قطع هذين الكفين..

وكان من موقف السيدة ام البنين (سلام الله عليها) في استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) موقف نادر ومشرف ورائع حينما يدخل الناعي المدينة وهو (بشر بن حذلم) ويصيح: (يا أهل يثرب لا مقام لكم.. الخ) يخرج رجال ونساء المدينة ليتلقوا الخبر ومن بينهم ام البنين (عليها السلام) خرجت لتسأل الناعي ما الخبر فأفادها بما جرى. فقالت: يا بشر أسألك بالله هل الحسين حي ام لا؟ فتعجب بشر من سؤالها، فسأل بشر رجلا وقف إلى جنبه: من هذه الامرأة المفجوعة، قال: هذه ام البنين، ام العباس وأخوته.

فأراد بشر ان يخبرها بشهادتهم واحدا بعد الآخر لتخفيف الألم عنها، فقال لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر قالت وهل سمعتني اسألك عن جعفر، فقال لها عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت أخبرني عن الحسين، فقال عظم الله لك الأجر بعثمان وأبي الفضل العباس قالت ويحك لقد قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين، أهو حي ام لا؟

فقال لها بشر: يا ام البنين عظم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين، فما ان سمعت بالخبر، صرخت مولولة ورجعت إلى دار بني هاشم منادية:

لا تزار الدار الا بأهلها

على الدار من بعد الحسين سلام

فلقد هان خبر مقتل أولادها أمام مقتل الحسين ابن فاطمة وهذا الموقف يكشف عن عمق ولائها ومودتها لآل الرسول ومدى الوفاء للزهراء البتول.

وامتدادا لهذا الموقف نصبت مأتم عزاء على الحسين وآله وجعلت هذا العزاء والمأتم صرخة فجرت من خلاله كيان يزيد، حيث كان واليه على المدينة آنذاك (عمر بن سعيد) يكتب للطاغية ما سببت ام البنين له من ازعاج وكانت العقيلة زينب (عليها السلام) شاطرتها بالمصاب أيضا حتى أمر يزيد بإخراجها من المدينة فالتزمت الشام.

وكانت العقيلة زينب أيضا تزور ام البنين في دارها لتشاطرها المصاب على أولادها، وهذا دليل على عظمة مقامها وشأنها. وذكر المؤرخون ان ام البنين بعد الفاجعة بفقدان الحسين وأولادها الأربعة، خطت خمسة قبور (من باب الرمز) في مقبرة البقيع، تبكي عليهم واستمرت لوعتها وأحزانها حتى استشهادها.

فسيدتي ومولاتي ام البنين لها كراماته وهي احد الوسائل لطلب الحوائج فلو زارها الإنسان وصلّى عند قبرها ركعات ـ لا بعنوان الورود ـ قربة إلى الله سبحانه وأهدى ثوابها لها، كان مشمولاً لما دلّ من إهداء أمثال الصلاة للمؤمنين والمؤمنات.

أشهد ان لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يافاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك يازوجة وصي رسول الله، السلام عليك ياعزيزة الزهراء، السلام عليك يا أم البدور السواطع يافاطمة بنت حزام الكلابية المكناة بـ (أم البنين) ورحمة الله وبركاته، أًشهد الله ورسوله أنك جاهدت في سبيل الله ؛ إذ ضحيت بأولادك دون الحسين ابن بنت رسول الله، وعبدت الله مخلصة له الدين بولائك للأئمة المعصومين، وصبرت على تلك الرزية العظيمة، واحتسبت ذلك عند الله رب العالمين وآزرت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في المحن والشدائد والمصائب، وكنت في قمة الطاعة والوفاء وأنك أحسنت الكفالة، وأديت الأمانة الكبرى في حفظ وديعتي الزهراء البتول عليها السلام، السبطين الحسن والحسين عليهما السلام، وبالغت وآثرت ورعيت حجج الله الميامين وسعيت في خدمة أبناء رسول رب العالمين، عارفة بحقهم، موقنة بصدقهم مشفقة عليهم، مؤثرة هواهم وحبهم على أولادك السعداء، فسلام الله عليك كلما دجن الليل واضاء النهار، فصرت قدوة للمؤمنات الصالحات لأنك كريمة الخلائق تقية زكية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنة منزلك ومأواك، ولقد أعطاك من الكرامات الباهرات حتى أصبحت بطاعتك لسيد الأوصياء وبحبك لسيدة النساء الزهراء عليها السلام، وفدائك بأولادك الربعة لسيد الشهداء عليه السلام، بابا للحوائج، فإن لك عند الله شانا وجاها محمودا، والسلام على أولادك الشهداء العباس عليه السلام قمر بني هاشم باب الحوائج، وعبد الله وعثمان وجعفر الذين استشهدوا في نصرة الحسين عليه السلام بكربلاء، فجزاك الله وأجزاهم أفضل الجزاء في جنات النعيم، اللهم صل على محمد وآل محمد عدد الخلائق التي حصرها لا يحتسب أو يعد، وتقبل منا يا كريم.

.....................................
المصادر
(1). الإسراء: 7.
(2). قرب الإسناد: ص18.
(3). عمدة الطالب لابن عنبة ص357 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص389 و390 والطبعة الأولى ج12 ص196 وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج7 ص429 وج8 ص389 والأنوار العلوية ص442 وعقيل بن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص47.
(4). أم البنين والكرامة الإلهية ـ الشيخ عبد الستار الكاظمي.
(5). الخصائص العباسية | آية الله الحاج محمد إبراهيم.
(6). مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: ج2 ص209، مقاتل الطالبيين: 85.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

ابو حسين
العراق - النجف
عظم الله لكم الاجر2016-03-22