من النساء الخالدات عبر التاريخ السيدة فاطمة الكبرى (المعصومة) بنت الإمام موسى الكاظم (173-201هـ)؛ إذ تعد هذه المرأة ذات شأن عظيم، وفضل جسيم، فقد نشأت في بيت الإيمان والطهارة، وترعرعت في أحضان الإمامة والولاية، وارتوت من منبع العلم والحكمة والمعرفة.

فهذه الشخصية النسائية المباركة: عالمة ومحدثة وراوية، وآثارها وبركاتها وكراماتها معلومة ومشهورة بين الخاصة والعامة، ولها مكانة مرموقة عند الأئمة الأطهار (عليهم السلام).

ويكفيها فخراً وشرفاً وفضلاً أنه ببركة وجودها في مدينة قم ومدفنها فيها أصبحت هذه المدينة مقصد العلماء والفقهاء والمجتهدين، ولولا وجودها المبارك لما كانت مدينة قم إحدى الحواضر العلمية الكبرى لتخريج الفقهاء والعلماء طوال قرون من الزمن.

وقد كانت السيدة المعصومة (عليها السلام) راوية للأحاديث الشريفة عن آبائها الطاهرين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما حدّث عنها جماعة من أهل العلم والحديث، ونقلوا رواياتها كما هو مدون في كتب الحديث والسيرة، ومنهم: الشيخ الصدوق في أماليه، والحافظ شمس الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي (ت 813هـ) في كتابه أسنى المطالب، والمجلسي في البحار، وغيرهم.

وتدل كلمات أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) في فضل زيارتها على مكانتها وفضلها وشرفها ومقامها الكبير.

فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: «من زارها عارفاً بحقها فله الجنة»[1]، وقول الإمام الجواد (عليه السلام): «من زار عمتي بقم له الجنة»[2]، وما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أن زيارتها تعادل الجنة»[3].

وروى الحسن بن محمد القمي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «إنّ لله حرماً وهو مكّة، وإنّ للرسول (صلى الله عليه وآله) حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستُدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنّة»[4].

فهذه الأحاديث وغيرها تنبئ عن أن للسيدة المعصومة (عليها السلام) مقاماً رفيعاً، وشأناً عظيماً، وأنها ليست كسائر النساء العاديات، بل لها مكانة مرموقة ومتميزة.

وتعرف السيدة فاطمة الكبرى بألقاب عديدة: كالمعصومة، والعقيلة المحدثة، والعابدة، والمقدامة، وكريمة أهل البيت، وأخت الرضا... وغيرها من الألقاب الدالة على مكونات وخصائص شخصيتها العظيمة.

ومن أشهر ألقابها: (المعصومة)، ويأتي أهمية هذا اللقب من أن الإمام الرضا (عليه السلام) هو الذي أطلق عليها هذا اللقب، مما يكشف عن مقامها الديني والعلمي، وعلو شأنها وفضلها، وجلالة قدرها ومنزلتها.

ومن أسرار عظمة شخصية فاطمة المعصومة (عليها السلام) هي ديمومة آثارها وبركاتها المتواصلة، حيث لا زالت بركاتها وآثارها الإيجابية مستمرة إلى يومنا هذا في أكثر من جانب واتجاه ديني وعلمي، وستبقى كذلك، بالرغم من حياتها القصيرة، فقد كان عمرها حين وفاتها 27 سنة تقريباً، حيث أنها ولدت في غرة ذي القعدة سنة 173هـ -على أصح الأقوال- وتوفيت في 10 أو 12 ربيع الثاني من سنة 201هـ [5]، وهذا يدل على أن حياة الإنسان الحقيقية لا يقاس بسنوات عمره، وإنما بمقدار عطائه وآثاره وإنجازاته وبصماته التي لا تختفي.

ويعتبر مشهدها اليوم من المشاهد المشهورة والكبيرة في بلاد المسلمين، وهو مبني على طراز الفن العمراني الإسلامي الرفيع، ويقصده محبّو وعاشقو أهل البيت (عليهم السلام) من مختلف بلاد العالم الإسلامي للزيارة والدعاء والبركة، ويعج بالحركة والزوار طوال العام دون انقطاع.

وبإمكان كل امرأة معاصرة أن تقتدي بفاطمة المعصومة في عبادتها وعلمها وعملها وصلاحها، وأن تكون امرأة عالمة ومباركة إذا ما قامت بدور فيه منفعة للمجتمع وتقدمه، فبعض الشخصيات تلازمهم البركة والخير أينما حلوا وارتحلوا ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ﴾[6].

............................
الهوامش:
[1] مستدرك الوسائل: ج 10، ص 368، ح 12198.
[2] كامل الزيارت: ابن قولويه القمي، ص 536، ح 827.
[3] مستدرك الوسائل: ج 10، ص 368، ح 12197.
[4] مستدرك الوسائل: ج 10، ص 368، ح 12196.
[5] راجع: مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج 8، ص 261.
[6] سورة مريم: الآية 31.

اضف تعليق