q
وأكثر ما تخشاه الاوساط الشيعية في افغانستان من عودة طالبان بقوة الى الساحة السياسية، صمت الولايات المتحدة إزاء هذا السيناريو الجديد بانتظار النتائج بعد جولات من المفاوضات بين الجانبين جرت في قطر، الهدف المعلن منها وضع حدٍ لهجمات طالبان على القواعد العسكرية وعموم الوجود الاميركي في البلاد...

حصل ما كان متوقعاً لشيعة افغانستان مؤخراً بعد ضغوط عنيفة مارستها طالبان بسلسلة من العمليات الارهابية الدموية خلال فترات زمنية متقاربة، فصار الإجماع –تقريباً- على حمل السلاح وتشكيل تنظيمات عسكرية بهدف توفير الحماية والأمن الشيعة المتواجدين في غير مدينة بالبلاد، وصدرت تصريحات من عديد الشخصيات الشيعية بأنهم يبغون الدفاع عن انفسهم أمام عمليات القتل الجماعي المنظّم والممنهج لطالبان ضد النساء والاطفال والمدنيين الشيعة، في ظل عجز حكومي مريب في تحمّل مسؤولية توفير الأمن للمواطنين بشكل عام.

ما يدفع بهذا الاتجاه مشاعر الغضب الجماهيرية من سقوط المئات من الرجال والنساء وطلبة المدارس والجامعات شهداء بعمليات تفجير انتحاري او اقتحام مسلح خلال الفترة القليلة الماضية، ومجرد تكرار هذه الهجمات الارهابية على المواطنين الشيعة تحديداً دون غيرهم، وخلق مجازر مريعة بدم بارد وبدون رادع، يثير في النفوس مشاعر الغضب والخيبة في آنٍ من الحكومة برئاسة أشرف غني، ثم البحث عن أقصر الطرق لتحقيق الأمن الذاتي، و أول خطوة؛ حمل السلاح لتكون الخطوة التالية تشكيل مجاميع مسلحة بعناوين مختلفة، وهو ما حصل في محافظة جوزجان شمال البلاد عندما استقبلت مديرية شؤون المرأة هناك عدداً من النسوة المتطوعات لحمل السلاح، وظهرت صور عدد من النسوة الافغانيات بالحجاب التقليدي (النقاب) وهنّ يحملن بنادق كلاشنكوف على صفحات التواصل الاجتماعي "لتوجيه رسالة واضحة لطالبان بأنهن لن يسمحوا لهم دخول المدينة وأنهن على استعداد للقتال دفاعاً عن الأرض والعرض، وانهن يفضلن الموت على العيش الذليل"، كما تقول مديرة شؤون المرأة في هذه المحافظة، وتنشر وسائل التواصل الاجتماعي لشيعة افغانستان أن "مئات النساء في مزار شریف، و طالقان وميمنة وبنجشير وقندوز توجهن إلى حمل السلاح والإستعداد لمواجهة طالبان إلى جانب الرجال".

وقد سبق هذه الخطوة، دعوة وزير الدفاع الافغاني بالوكالة الجنرال بسم الله محمدي إلى التعبئة والإستعداد لمحاربة طالبان، وقال إن وزارة الدفاع مستعدة لتوفير الامكانات والسلاح للشعب لمواجهة طالبان، ولم يعرف ما اذا كانت هذه الدعوة تأتي ضمن اجراءات عسكرية من الحكومة، كأن يكون توسيع التشكيلات النظامية وتزويدها بالمعدات والاسلحة الثقيلة المؤثرة على ميزان القوة في مواجهة التنظيم المسلح لطالبان؟ ففي الوقت الذي يدعو الوزير "كل الوطنيين الشرفاء إلى الوقوف إلى جانب الجيش و القوات المسلحة في جميع المناطق، ونحن مستعدون لتقديم كل ما يلزمكم للاستمرار في مواجهة طالبان"، نشرت وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بشيعة افغانستان انباءً عن انسحابات عسكرية حكومية، ربما مواكبة للانسحاب العسكري الاميركي من عموم البلاد والمقرر ان يكون نهائياً في شهر ايلول مع حلول ذكرى هجمات الحادي عشر من ايلول على برجي التجارة العالمي عام 2001، مما يؤشر الى وجود مخاوف كبيرة لدى الجيش الافغاني من البقاء وحيدين في الساحة دون غطاء ودعم اميركي.

وأكثر ما تخشاه الاوساط الشيعية في افغانستان من عودة طالبان بقوة الى الساحة السياسية، صمت الولايات المتحدة إزاء هذا السيناريو الجديد بانتظار النتائج بعد جولات من المفاوضات بين الجانبين جرت في قطر، الهدف المعلن منها وضع حدٍ لهجمات طالبان على القواعد العسكرية وعموم الوجود الاميركي في البلاد، بالمقابل طالبت الجماعة بإطلاق سراح حوالي ثلاثمائة من عناصرها المعتقلين في السجون الحكومية لمشاركتهم بعمليات ارهابية دموية، وهو ما استجابت اليه الحكومة على الفور رغم الاعتراضات الشديدة من اوساط سياسية وشيعية كون هؤلاء ملطخة اياديهم بدماء الابرياء.

وتذهب اوساط شيعية الى أن المفاوضات بالاساس كانت ذات اهداف اخرى تصل الى تسوية سياسية شاملة مع طالبان ومحاولة دمجها بالعملية السياسية في افغانستان، مقابل تخلّيها عن السلاح والعمليات الارهابية، وقد سجلت مصادر مطلعة تحركات عسكرية لطالبان للسيطرة على مناطق عدة في شمال افغانستان، مع احتمال استهداف المدن ذات الاغلبية الشيعية التي تراها الجماعة مصدر خطر على مستقبلها السياسي لوجود الفارق الايديولوجي الكبير والتوجه المختلف والمتعارض تماماً بين المدرستين، ويبدو أن طالبان ذات التجربة السياسية في الحكم لا تطيق الوجود السياسي الشيعي في الحكم في ظل النظام الديمقراطي الجديد، مما يدفعها لشن حملات عسكرية تارةً، وارهابية تارة اخرى لتحجيم وتضعيف الشيعة على مختلف الاصعدة.

كل هذه المعطيات تدفع الشيعة قهراً نحو الخيار العسكري لمواجهة ما يخطط له طالبان من عودة سياسية معترف بها هذه المرة دولياً وأقليمياً، في حين يفترض بالحكومة والنظام السياسي القائم الحؤول دون تحمّل الشعب الافغاني والشيعة تحديداً ثمن هذه العودة، فالمهمة ليست مهمة الشيعة لوحدهم، بقدر ما هي مسؤولية الدولة الافغانية برمتها، وايضاً الطبقة السياسية في البلاد ومؤسسات المجتمع المدني، والمكونات الاجتماعية والمؤسسات الثقافية التي تعلم من يكون طالبان، وما هي خلفيتهم الفكرية، مما يتطلب التعبئة العامة لجميع الشعب الافغاني وليس فقط من الشيعة وحسب، ولهذا انعكاسات ايجابية سريعة منها:

1- الآثار السلبية لعودة طالبان لا تتعلق بالشيعة فقط، فهي ستلوث ثقافة المجتمع، وتجعل السلم الأهلي مرهوناً باجتهادات وقناعات الجماعة إزاء هذه القضية أو تلك، لاسيما وأن افراد الجماعة محكومون بالصمنية الايديولوجية، فكلما يصدر منهم هو الحق المطلق، ودونه الباطل والكفر، وهذا يحمّل جميع افراد الشعب الافغاني مسؤولية التصدّي لخطر محدق كهذا، وكلما تداعت الأيادي لتحمل هذه المسؤولية قلّت الخسائر المتوقعة في هذه المواجهة غير المعروفة النتائج.

2- إخراج المواجهة من الطابع الطائفي الذي تبحث عنه طالبان، كما بحثت عنه داعش في العراق، فالشيعة في العراق هم الوحيدين الذين تحملوا مسؤولية التصدّي لاجتياح هذا التنظيم عام 2014، فحرروا جميع المناطق التي احتلها داعش، وهي على الاغلب مناطق ذات كثافة سنية، وقدّم في هذا الطريق آلاف من الشهداء، مع جروح غائرة في المجتمع العراقي (الشيعي) وتداعيات سياسية وأمنية، فيما كان الآخرون يقفون متفرجين بانتظار النتائج.

والأهم من هذا؛ عدم إعطاء الشرعية والمبرر لطالبان للتمادي في أعمالهم الارهابية بوحشية أكثر بدعوى أنه يواجهون تحركاً عسكرياً طائفياً، وهذا ما يجب ان ينتبه اليه قادة الشيعة في افغانستان ويتحذرون من عواقبه الوخيمة التي لن تطال طالبان بقدر ما سيدفع ثمنه الشيعة انفسهم.

معطيات الاحداث المتسارعة في افغانستان تؤشر الى صعوبة في التمييز بين الدفاع عن النفس، والقتال بعنوان طائفي الذي يعد مستنقعاً دموياً يبغيه طالبان وأطراف عديدة ومساندة لهم للقضاء نهائياً على كل مقومات القوة والاقتدار للشيعة من علم وثقافة ومعرفة وتاريخ مشرق.

اضف تعليق