q
اصبحت ليبيا على شفا الهاوية بعد سنوات من الفوضى التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وأفضت إلى وجود إدارتين متصارعتين إحداهما في طرابلس في الغرب والأخرى في بنغازي في الشرق، وتدخلت قوى إقليمية وعالمية في الحرب الدائرة بليبيا مما قاد إلى ما...

تطورات ميدانية مهمة تشهدها ساحة الحرب المشتعلة في ليبيا، حيث شهدت الفترة الأخيرة نقطة تحول في قضية الصراع المعقد بين بين قوات الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق، خصوصا مع استمرار دعم القوى الخارجية التي تسعى الى تأجيج الحرب لحماية مصالحها في هذا البلد المهم من غير أن تتكبد أي قدر من الألم. ومع استمرار تدفق المزيد من إمدادات الأسلحة والمقاتلين اصبحت ليبيا وبحسب بعض المراقبين، على شفا الهاوية بعد سنوات من الفوضى التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وأفضت إلى وجود إدارتين متصارعتين إحداهما في طرابلس في الغرب والأخرى في بنغازي في الشرق.

وتدخلت قوى إقليمية وعالمية في الحرب الدائرة بليبيا مما قاد إلى ما وصفته الأمم المتحدة بتدفق ضخم للأسلحة والمقاتلين إلى ليبيا في انتهاك لحظر السلاح. ولم تحقق جهود تحقيق السلام في ليبيا تقدما يُذكر واستقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص غسان سلامة في مارس آذار، ولم يتم الاتفاق بعد على خلف له. وأعاق الصراع جهود حكومة الوفاق الوطني وأيضا الحكومة المنافسة التي تتخذ من بنغازي مقرا، والتي تدير مناطق يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، الرامية لمواجهة جائحة فيروس كورونا وتعرضت المرافق الطبية مرارا لقصف مدفعي. وتواجه حكومة الوفاق الوطني والحكومة التي مقرها بنغازي أيضا متاعب مالية حيث أدى منع قوات تتمركز في الشرق لصادرات النفط إلى وقف مبيعات الطاقة منذ يناير كانون الثاني.

تطورات جديدة

وبعد أن أسهمت الطائرات المسيرة التركية في دفع قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) إلى التقهقر بعيدا عن طرابلس، ذكرت تقارير أن روسيا تعزز تلك القوات بطائرات حربية، فيما يزيد حجم المخاطر في حرب أهلية وصلت إلى طريق مسدود وقسمت البلاد. ويواجه القائد العسكري خليفة حفتر وجيشه الوطني الليبي الآن شبح الفشل في جهوده المستمرة منذ عام لانتزاع السيطرة على طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. وتقدم حفتر الصيف الماضي، مدعوما بالسلاح والمرتزقة والضربات الجوية من الإمارات وروسيا ومصر حسبما يقول خبراء من الأمم المتحدة، إلى الضواحي الجنوبية لطرابلس قبل أن يتعثر هجومه.

لكن المساعدات التركية قلبت الموازين وغيرت مسار المعارك. فالدفاعات الجوية وضربات الطائرات المسيرة شلت القوة الجوية للجيش الوطني الليبي، قبل توجيه ضربات قوية لقواته البرية وخطوط إمداده الطويلة. وقال مسؤول تركي كبير ” حدث تحول كبير في الموازين في ليبيا“، ونسب الفضل في ذلك إلى الطائرات المسيرة التركية و“الجنود غير المدربين“ الذين يديرون الدفاعات الجوية للجيش الوطني الليبي. وأدى ذلك إلى خسارة الجيش الوطني الليبي بشكل مفاجئ لسلسلة من البلدات القريبة من الحدود التونسية، وقاعدة جوية بالغة الأهمية، ونحو عشرة أنظمة للدفاع الجوي، والقسم الأكبر من موطئ قدمه في طرابلس. ذهب ذلك وذهبت معه آمال حفتر في النصر.

وخلال الفترة نفسها، سلم عسكريون روس نحو 14 طائرة مقاتلة من طراز ميج 29 وسوخوي-24 إلى قاعدة الجفرة الجوية التابعة لقوات حفتر في وسط ليبيا، حسبما ذكر الجيش الأمريكي. ويمكن لهذه الطائرات أن تغير مسار الحرب مرة أخرى. ونفى عضو في البرلمان الروسي والجيش الوطني الليبي وصول الطائرات. وحذر دبلوماسي غربي مختص بشؤون ليبيا من ”نزاع مقيم يُقابل فيه التصعيد بتصعيد، ويتزايد فيه العنف، دون حل أو مخرج“.

وحذرت فرنسا، وهي أيضا داعمة لحفتر إلى مدى كبير، هذا الأسبوع من أن الوضع في ليبيا ينذر بخطر استنساخ السيناريو السوري عندما هوت البلاد إلى حرب بلا نهاية تقودها قوى خارجية. وكان مسؤولون روس وأتراك تحدثوا وأصدروا بيانا اتفقوا فيه على ضرورة وقف إطلاق النار، في إشارة محتملة إلى أنهم توصلوا لاتفاق في الغرف المغلقة لتجنب الصدام المباشر بعد وصول الطائرات الروسية. وقال دبلوماسي غربي آخر مختص في شؤون ليبيا ”لقد وضعوا المسدس على الطاولة ليشيروا لتركيا بأن هناك حدودا للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه قواتها باتجاه الشرق“.

وقال فولفرام لاشر من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية إن الطائرات المقاتلة في الجفرة يمكن أن تكون الآن الرادع لهجوم جديد من جانب حكومة الوفاق الوطني بعد أن تعزز مكاسبها في الغرب. وأضاف ”يبدو أن الهدف من هذه المقاتلات وإعادة الانتشار في وسط ليبيا وجنوبها الآن هو استقرار وتجميد الوضع العسكري“. ومع انهيار هجوم حفتر، وسقوط مشروعه الأوسع المتمثل في توحيد ليبيا بالقوة وتغيير حكومة الوفاق الوطني، أصبحت الشكوك تلف دوره وموقعه كركيزة تلتف حولها الكتلة الشرقية. وقال أحد الدبلوماسيين ”بٌني قدر كبير من حملة حفتر وقصته على النجاح والزخم على مدى سنوات عديدة“. بحسب رويترز.

وفي أواخر أبريل نيسان، عندما كانت حربه تواجه عثرات، أعلن حفتر فجأة أن جيشه سيتولى السلطة في كامل البلاد، وهي خطوة من شأنها تهميش الإدارة المدنية في شرق ليبيا التي كانت قد اعترفت به قائدا للجيش هناك. لكنه لم يُتبع ذلك بتشكيل حكومة جديدة، لأنه لم يتمكن، على ما يبدو، من حشد الدعم الكافي في صفوف تحالفه في الشرق أو من الداعمين الأجانب.

حذرت تركيا في وقت سابق من شن قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر أي هجمات على مصالحها في ليبيا بعدما هددت هذه القوات بالرد على الانتكاسات العسكرية التي منيت بها بضرب مواقع تركية في البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي ”إذا استُهدفت مصالح تركيا في ليبيا فسيكون لذلك عواقب خطيرة للغاية“.

وقال قائد القوات الجوية في الجيش الوطني الليبي صقر الجروشي في مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي إن ”جميع المواقع والمصالح التركية في جميع المدن المحتلة هدف مشروع لمقاتلات سلاح الجو“ خلال ما وصفها بأنها ستكون أكبر عملية جوية في تاريخ ليبيا. ويقول محللون إن ذلك يثير تساؤلات عن مدى قدرة الجيش الوطني الليبي على مواصلة هجوم حفتر الذي استمر عاما بهدف انتزاع السيطرة على طرابلس من دون ضخ دعم جديد من داعميه الخارجيين.

حرب مصالح

على صعيد متصل ذكر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش أن بلاده تعتقد بأنه ”لا يمكن إحراز أي تقدم حقيقي على الساحة الليبية دون وقف فوري وشامل لإطلاق النار والعودة إلى مسار العملية السياسية، ولا بد أن يتوقف التصعيد الإقليمي لتحقيق ذلك“. وقال قرقاش على تويتر ”نجدد الموقف الواضح لدولة الإمارات من الأزمة الليبية والمتصل بموقف المجتمع الدولي“. وتدعم الإمارات ومصر قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر، والتي تحاول السيطرة على العاصمة طرابلس. وتساند تركيا حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا وتتهم الإمارات بجلب الفوضى للمنطقة بتدخلها في ليبيا واليمن.

من جانب اخر اتهمت تركيا الإمارات العربية المتحدة بإحلال الفوضى في الشرق الأوسط بتدخلاتها في ليبيا واليمن، في اتهامات ستؤجج على الأرجح التوتر بين الخصمين الإقليميين. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يرد على انتقادات لدور تركيا في الصراع الليبي، حيث نشرت عسكريين وساعدت في إرسال مقاتلين سوريين لدعم الحكومة المعترف بها دوليا.

وأصدرت الإمارات ومصر، بيانا مشتركا مع اليونان وقبرص وفرنسا يندد ”بالتدخل العسكري التركي في ليبيا“. وقال جاويش أوغلو لتلفزيون أكيت التركي إن الإمارات ومصر ودولا أخرى لم يسمها ”تحاول زعزعة استقرار المنطقة كلها“، غير أنه انتقد أبوظبي على وجه الخصوص. وقال ”إذا كنت تسأل من الذي يزعزع استقرار هذه المنطقة، من الذي يجلب الفوضى، فسنقول أبوظبي دون تردد“. واضاف ”الواقع هو أنهم القوة التي زعزعت استقرار ليبيا ودمرت اليمن“.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده لن تخلي الساحة لصالح ما وصفها بـ"قوى الشر"، في إشارة منه إلى منظمات بينها منظمة غولن وحزب العمال الكردستاني، إضافة إلى ما سماها بـ"محاور العداء" في الخليج. ونقلت وكالة أنباء الأناضول الرسمية عن أردوغان قوله، "لن نخلي الساحة لأي من قوى الشر انطلاقا من منظمة غولن إلى بي كا كا، ومن اللوبيات الأرمنية والرومية وصولا إلى محاور العداء التي مصدرها الخليج". بحسب رويترز.

وأضاف أردوغان: "ندرك جيدًا المآرب الخبيثة وراء المكائد التي تستهدف اقتصادنا"، مُجددًا قوله إن تركيا "ستواصل إفشال مخططات الذين يتوهمون أنهم قادرون على هدم اقتصاد تركيا عن طريق استخدام مؤسسات مالية في الخارج وحشرها في الزاوية.. هؤلاء سيجرون أذيال الخيبة مجددًا". وقال أردوغان إن "الجهات التي لم تستطع استنزاف تركيا في سوريا وليبيا مثلما تشاء لجأت إلى استخدام سلاح الاقتصاد بشكل متزايد"، مؤكدًا أن بلاده ستواصل الدفاع "بكل حزم عن حقوقها ومصالحها في شرق المتوسط وقبرص وبحر إيجة".

أمريكا وروسيا

الى جانب ذلك قال الجيش الأمريكي إن الولايات المتحدة تبحث إرسال لواء للمساعدة الأمنية إلى تونس بغرض التدريب في إطار برنامج للمساعدة العسكرية، وسط مخاوف بشأن النشاط الروسي في ليبيا. وذكرت قيادة الجيش الأمريكي بأفريقيا في بيان ”مع استمرار روسيا في تأجيج لهيب الصراع الليبي فإن القلق يزداد بشأن الأمن الإقليمي في شمال أفريقيا“. وأضافت ”نحن ندرس مع تونس طرقا جديدة لمواجهة القلق الأمني المشترك ويشمل ذلك استخدام لوائنا للمساعدة الأمنية“.

وفي بيان لاحق قالت قيادة الجيش الأمريكي بأفريقيا ”إن لواء مساعدة قوات الأمن يشير إلى وحدة تدريب صغيرة كجزء من برنامج المساعدة العسكرية ولا يتعلق بأي حال من الأحوال بقوات قتال عسكرية“. وذكر الجيش الأمريكي أن عسكريين روسا سلموا 14 طائرة ميج 29 وسوخوي 24 إلى قاعدة الجفرة الجوية التابعة لقوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي). ونفى الجيش الوطني وعضو بالبرلمان الروسي ذلك. وقالت وزارة الدفاع التونسية في بيان إن الولايات المتحدة شريك رئيسي في جهود بناء قدرات الجيش التونسي.

وقال جنرال أمريكي إن الجيش الأمريكي يعتقد أن تسليم روسيا طائرات حربية إلى ليبيا ربما لن يغير التوازن في الحرب الأهلية التي بلغت طريقا مسدودا، لكنه يمكن أن يساعد موسكو في نهاية المطاف في ضمان معقل استراتيجي في شمال أفريقيا. وقال البريجادير جنرال جريجوري هادفيلد نائب مدير إدارة المخابرات التابعة للقيادة الأمريكية في أفريقيا لمجموعة صغيرة من الصحفيين إن الطائرات الروسية انطلقت من روسيا ومرت عبر إيران وسوريا قبل وصولها إلى ليبيا. وأضاف أنه لم يتم استخدام الطائرات حتى الآن، لكنها يمكن أن تضيف قدرات جديدة للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.

لكن هادفيلد نبه إلى أن موسكو قد لا تكون بحاجة إلى انتصار صريح لحفتر لتعزيز المصالح الروسية. وقال ”فيما يتعلق بدعم الجيش الوطني الليبي ودعم المشير حفتر، الأمر لا يتعلق في الحقيقة بكسب الحرب، وإنما بإقامة معاقل“. ويكمن أحد مخاوف واشنطن الرئيسية في إمكانية استخدام موسكو لمثل هذا الموقع لنشر صواريخ. وقال ”إذا ضمنت موسكو موقعا دائما في ليبيا، والأسوأ، إذا نشرت أنظمة صواريخ طويلة المدى، فسيغير هذا قواعد اللعبة بالنسبة لأوروبا وحلف شمال الأطلسي وكثير من الدول الغربية“.

ولعبت الولايات المتحدة دورا أقل في الحرب الليبية منها في مرحلة سابقة عندما ساعد حلف شمال الأطلسي المعارضة على الإطاحة بمعمر القذافي. وتنكر قوات شرق ليبيا وجود أي مقاتلين أجانب إلى جانبها، لكن الأمم المتحدة قالت إن شركة واجنر الروسية للخدمات العسكرية لديها ما يصل إلى 1200 فرد في ليبيا. بحسب رويترز.

من جانب اخر قال عميد بلدية بني وليد الليبية إن حلفاء ليبيين لمقاتلين روس نقلوهم جوا إلى خارج البلدة الواقعة جنوبي العاصمة طرابلس بعد انسحاب قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) من الخطوط الأمامية بالعاصمة. وقال سالم عليوان رئيس بلدية بني وليد إن مقاتلين روسا متحالفين مع الجيش الوطني الليبي تراجعوا هم وعتادهم الثقيل من العاصمة إلى مطار البلدة التي تبعد نحو 150 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من طرابلس.

وأضاف أن الروس نُقلوا جوا إلى خارج غرب ليبيا عند بلدة الجفرة وهي منطقة نائية بوسط البلاد ومعقل للجيش الوطني الليبي. وقال إنهم نُقلوا في ثلاث طائرات عسكرية إلى الجفرة ونُقلت سياراتهم العسكرية إلى هناك. ونشرت حكومة الوفاق مقاتلين سوريين متحالفين مع تركيا في حين يستعين حفتر بسودانيين. ولا يزال الجيش الوطني الليبي يسيطر على مدينة ترهونة جنوبي طرابلس بمساعدة فصيل مسلح محلي.

اضف تعليق