q
سياسة - عنف وارهاب

كي لا يعود داعش مجدداً

أسباب نشوء داعش وإمكانية مواجهتها

في ليلة وضحاها أصبحت ظاهرة داعش تمثل التحدي الأكبر عالميا، حيث ان الفراغ الأيدولوجي والسياسي الذي أسس له الحكام العرب افرغ الساحة من كل التيارات والأحزاب والجمعيات الثقافية، وان موجة التفريغ هذه لم تولد تيارات فكرية وأحزاب ناضجة على مستوى المنطقة، بل ولدت حركات سرية متشددة ذات طابع إسلامي...

في ليلة وضحاها أصبحت ظاهرة داعش تمثل التحدي الأكبر عالميا إذ لم تقتصر التعبئة الداعشية وعملها التنفيذي في محيط الدول الإسلامية والعربية، فتعولمت في غضون سنة ونصف منذ نيسان 2013 الإعلان الأول لها.

وكان داعش يبطش بالمناطق الغربية من العراق وكانت الحكومة آنذاك على مرأى ومسمع مما يحدث، من انتشار الفكر المسموم وثقافة العنف والقتل والتعذيب، وقد ابتليت السلطات العراقية بالتحريض ضدها في مناطق عدتها استراتيجيا وإعلاميا على إنها متمردة أو خارجة عن القانون.

مما فتح الباب لقوى الداخل والخارج الباحثة عن أرجوحة جديدة في المناطق التي تحتاج الى حقن فكري ومالي لكي تكيد بالوطن قبل الأحزاب المسيطرة على الحكم، إذ نجح هذا التنظيم الهجين في تحويل الإسلام من الأمن والعدل والإنسانية، إلى الخوف والترهيب والرعب، وإباحة حق الاعتداء على البشر بوشم الدين بالدم.

الاستثمار السياسي

يقول الباحث والأكاديمي حسين حديد ألساعدي: إن "داعش ومهما أضفت على نفسها من مظاهر الدين فهي تبقى ظاهرة سياسية اجتماعية لسببين.. الأول كل مصادر شريعتهم هي خارج الدعوة المحمدية الأصيلة، وهنا اقصد من الدولة الأموية وصولا إلى الدولة الحديثة إذ إنها حكومات ارتكزت على أسس مضمخة بدماء المسلمين للاستحواذ والبقاء في السلطة".

ويضيف " والسبب الآخر أن داعش تمثل ظاهرة للاستثمار السياسي، وما ينطوي عليه من توظيف متعدد الأغراض في الابتزاز والتخريب، ولعل الخطر الأهم لهذا المجموعة إنها قادرة على الظهور وتأدية ادوار لا تتواءم ومتطلبات العصر كالديمقراطية مثلا".

ويبين ألساعدي " كما أن تشريعاتهم تم ربطها بالتكفير وهو الذي يتنافى مع مبادئ الإسلام الذي ينادون به إعلاميا، وهو ما يعني أن الاقتتال الإسلامي سيستمر من دون توقف طالما ظل هذا التشريع مقبولا لدى مجاميع من المسلمين".

من المقدمات الفقهية إلى التوحش

قد لا يكون من السهل التعامل مع السلفية الجهادية كتيار ديني ذي توجهات متباينة ومستندة على قواعد فقهية مركبة القرآن والسنة النبوية مما أتاح لها الإقناع وجذب العديد من الفئات القابلة للتغيير غير المحصنة فكريا.

يؤكد ذلك الدكتور علي حميد تدريسي في كلية العلوم السياسية جامعة النهرين "بالرغم من صعوبة التعامل مع ما يشهده العصر من تطورات علمية وتقنية قادرة على الرصد والتغيير، خصوصا في المجال العسكري والأمني، استطاعت هذه التنظيمات السلفية تكييف نفسها في مواقع جيوساسية تسمح لها باستخدام تلك التقنيات".

ويوضح " لا يختلف الباحثون في ان هناك تحولا في التفكير والممارسة بين تنظيم القاعدة و داعش، فالتبدل الجيوستراتيجي في تطلعات الحركات الإرهابية كان له الأثر في تغييرات الرؤى الإقليمية بشأن تهديد داعش".

ويبين حميد أن " داعش ظهر في سوريا نتيجة لإعلان التنظيم العراقي الاندماج بينه وبين جبهة النصرة لترفض الأخيرة هذا الاندماج وتعلن المعاداة للأول".

ويرى مراقبون أن أبو بكر البغدادي اجبر الجبهة على إعلان العداء بالتحول الذي فرضه على التنظيم، خصوصا محاولته جمع الفصائل المسلحة في العراق تحت إمرته.

ايكولوجيا التمدد

تجمع التحليلات على أن أحداث 11 سبتمبر 2001 لم تكن صدفة، وان التهديد لم يكن للولايات المتحدة فحسب، بل كان موجها للعرب والمسلمين كون من قام بالفعل مخططا ومنفذا ينتمون لهم.

قال الأستاذ في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد فايق الشجيري "طالما أن 15 من أصل 27 يحملون الجنسية السعودية، وأن الأخير حليف إستراتيجي لأمريكا، وان التحقيقات في الحادث أثبتت تورط المملكة بالحادث، لابد أن تكون هناك خطر محدق بدول المنطقة".

وأضاف "كما أن الفراغ الأيدولوجي والسياسي الذي أسس له الحكام العرب افرغ الساحة من كل التيارات والأحزاب والجمعيات الثقافية، وان موجة التفريغ هذه لم تولد تيارات فكرية وأحزاب ناضجة على مستوى المنطقة، بل ولدت حركات سرية متشددة ذات طابع إسلامي".

وبين انه "بعد عام 2003 لم تتم الاستفادة من المعلومات وقاعدة البيانات في سجلات النظام السابق، بل تعمدت القوات الأمريكية حرقها ونهبها، والسبب الآخر عدم وجود أجهزة دولة تؤسس لنظام معلوماتي كفء يكون صورة واضحة لصناع القرار".

وتذكر التقارير أن أبا عمر البغدادي تم طرده من الأجهزة الأمنية في نظام صدام لميوله السلفية، مما يعطي صورة واضحة بان المنتمين للتيار هم من مخلفات البعث البائد، او من خريجي السجون بوكا وأبي غريب وغيرها من المعتقلات التي ألتي تخرجهم وحوشا عوض إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

السلوك الأمريكي

اتضح عبر السلوك الأمريكي في العراق أن الإرهاب تحول إلى أداة لتحقيق أهداف سياسية سواء كانت المواجهة داخلية بين السلطة والجماعات، أو خارجية عبر الحدود.

عرضت بي بي سي تقريرا لجوناثان مارك في 14 يونيو 2014، تحت عنوان " عوامل وقفت وراء انهيار الجيش العراقي السريع"، جاء فيه " أسهم الدور السلبي للقوات الأمريكية في بناء القوات العراقية على أساس ألمحاصصة في فشلها، وتوسع خطر الجماعات الإرهابية هناك".

ويضيف "بعد احتلالها للعراق عمدت إلى تفكيك الجيش وإعادة بناءه بشكل يحمل سمات الجيوش الغربية، من حيث المعدات والسلوك والعقيدة، إذ اثبت المستهدف فاعليته وسرعة استجابته لذلك التأسيس".

ويحمل التقرير الانسحاب الأمريكي وعدم التزام الولايات المتحدة بإكمال المشروع، مسؤولية توقف جميع أنشطة الأشراف والتدريب للقوات العراقية".

ويذكر إن"الالتزامات بتحقيق الاستقرار الداخلي بعد الانفلات الأمني الذي حدث بعد 2003، جعل أمور مهمة مثل تطوير سلاح الجو وإنشاء شبكة دفاع جوي محكمة من ناحية التدريب والإعداد والتأهيل".

المالكي والعبادي

لم ينجح العراق طوال فترة حكم المالكي في التأسيس لجيش مهني، بالرغم من ادعاء المسؤولين الحكوميين أن هناك خيانة في الجيش جرى بموجبها تسليم الموصل إلى داعش، ومن الممكن عدم استبعاد ذلك، إلا أن الخيانة الحقيقية هي آفة الفساد الذي اخذ ينخر جسد هذه المؤسسة العسكرية.

وفي تصريح له في 30 تشرين الثاني 2014، ألعبادي "هناك 50 ألف اسم وهمي في أربع فرق عسكرية، وخلال فترة زمنية قياسية استطعت أن اكشف ذلك من خلال التدقيق الورقي".

وبالعودة إلى تقرير بي بي سي فانه يبين" إن سقوط الموصل لم يكن مفاجأة، ذلك هو نتيجة استثماره الفشل الحكومي بتنفيذ استراتيجياته وخارطته الممتدة بين سوريا والعراق".

البيئة الحاضنة

من بين العوامل والأسباب الداخلية التي أدت إلى اتساع تنظيم داعش في العراق، هي الاحتجاجات في المدن الغربية التي بدأت عام 2012، التي انطلقت سلمية، إلا أنها تطورت للمطالبة بخروج الجيش والقوات الأمنية منها وبدأت تصفيتهم، بعد حادثة الحويجة، وأعلنها المالكي في تصريح له في كانون الأول 2013 بأن "ساحات الاعتصام تحولت لمقر لقيادات القاعدة".

وكما لعبت دول الجوار كعوامل خارجية مساعدة لتكوين القاعدة لبناء الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، إذ أن وفق التحليلات السياسية تضع إيران كعدو استراتيجي لداعش اعتمادا على طبيعة الاختلاف المذهبي.

جاء ذلك في تقرير المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية في القاهرة نشر بتاريخ 16 من أيلول 2014، وبين انه" بتحليل اكثر اقترابا فداعش عملت فعليا بتحديد عدة نقاط ضد الجمهورية الإسلامية أولها التأثير على المستقبل السياسي لنوري المالكي، الذي كان ينظر إليه على انه رجل الولايات المتحدة، والحليف الأهم لإيران".

ويشير تقرير نشره موقع نون بوست في 2 أكتوبر 2014، أن "هناك وجهة نظر في علاقة التنظيم مع دول مجلس التعاون الخليجي التي دعمت مخابراتها وجوده الراديكالي رغبة في إيقاف النفوذ الإيراني الذي توسع بعد احتلال أفغانستان والعراق".

الصراع الطائفي

لقد نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتحويل اتجاه الصراع من عربي صهيوني إلى عربي إيراني، وآخر طائفي سني شيعي، وان الحرب التي جرت وتجري في العراق وسوريا ما هي إلا جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير، ويذكر الباحث في مركز حمورابي للدراسات الإستراتيجية محسن صالح إن " بعد تسلم بندر بن سلمان مسؤولية الأمن والمخابرات في السعودية، حشد كل طاقاته من اجل إسقاط النظام السوري وذلك عبر توظيف التيارات السلفية المقاتلة وإذكاء روح الفتنة المذهبية بين المسلمين".

ويذكر تقرير نشره مركز كلوبل للأبحاث أن "عملية التنسيق بين إسرائيل وداعش مثبتة وحقيقية، إذ إنها تولت نقل ومعالجة الجرحى وحسب تقارير وزارة الصحة الإسرائيلية أن ما يقارب ألف من المتمردين تم معالجتهم في مستشفيات الصهيون المدنية".

الفراغ السكاني

تشكل مناطق الفراغ السكاني مكامن ضعف للدولة من الناحيتين العسكرية والأمنية، إذ يسهل ذلك على الجماعات المسلحة اختراقها وعزلها عن سيطرة الحكومة المركزية، يبين ذلك الدكتور رضا ألشمري من جامعة بغداد "لقد أتاحت طبيعة المنطقة الغربية الصحراوية وقلة التجمعات السكانية فيها، إضافة الى مجاورتها للمدن السورية الرقة وألحسكة والبو كمال، المسيطر عليها من قبل داعش الإرهابي سهولة ربطها مع تلك المدن من قبل التنظيم".

ويقول شادي فقيه في إمبراطورية القرن الجديد، ص 186 أن "التنظيم استخدم أسلوب المخادعة الإستراتيجية لاستنزاف قدرات الخصم وتشتيته، من خلال القيام بعدة هجمات في آن واحد، كما يتخذ من المزج بين نشاطات المجموعات الفاعلة والخلايا النائمة، مما يضع الخصم في حالة من الارتباك والتشتت واتخاذ القرارات الخاطئة، ووضعه تحت ضغط نفسي بتوقع الهجوم من أية جهة وفي أي وقت".

قنوات التمويل الخارجي

اعتمد التنظيم على مصادر تمويل عدة منها داخلية كالسلب وانهب للمناطق التي يدخلها والفدية من الأهالي، بيع الأعضاء البشرية، سوق النخاسين، النفط المهرب، تهريب الآثار، إلا انه قدرات مثل تنظيم داعش لا تخلوا من دعم دولي لتحقيق أهداف كبرى في المنطقة، فامتلاكه طائرات مسيرة، ونقل المقاتلين من 83 دولة إلى العراق، وأجهزة قطع الاتصالات والتجسس وغيرها التي وجدت في مضافاتهم ومقارهم بعد التحرير يحتاج إلى إجراءات لوجستية معقدة وشراكة مع دول المنطقة.

يقول الدكتور جواد البكري الأستاذ في كلية الأدارة والاقتصاد جامعة بابل أن "القدرات التي امتلكها التنظيم جيوش لا تمتلكها، وان مصادر هذا الدعم معروفة تقف في مقدمتها أمريكا وإسرائيل".

ويضيف أن "تحركات داعش ضد الجيوش التي تخوض معركة وجود حقيقي معه، مبنية على معلومات دقيقة من أقمار صناعية تجري مسحا شاملا لمنطقة الشرق الأوسط كل 6 ساعات".

ويبين البكري أن "التنظيم استند على قنوات دعم عدة منها التمويل المالي، والإمداد بالأسلحة، البرنامج الغذائي، وقناة المعلومات، وجميعها تحتاج إلى تنظيم جهود وأفراد مما يعني أن هناك إنفاق مالي كبير".

ويرى رئيس قسم الدراسات السياسية في جامعة كربلاء الدكتور حسين السرحان أن" النصر الذي تحقق على قوى الإرهاب بفضل فتوى المرجعية في النجف الإشرف، ودماء الشهداء التي روت ارض الوطن بالشرف والإباء، لابد من الحفاظ عليه مهما كلف الأمر، وحذر من العودة إلى المربع الأول في حال استمرت القوى السياسية على نفس المنهج في قيادة البلد".

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
تعرفون كرهي للحديث في الأمور السياسية
لكن لي كلمة بسيطة في هذه المسألة الداعشية
داعش ومن على شاكلتها في الأساس صناعة أمريكية
هذه الجماعات يتم تأسيسها وتدريبها بواسطة المخابرات الجهنمية
وللأسف للأسف للأسف الشديد يتم الإنفاق عليها من الأموال العربية
وليس سرا أن دخول هذه الجحافل الضخمة تم من الأراضي التركية
وبعض المضللين وبعض الباحثين عن المغامرة انضموا اليها في العملية
لكن الأمر في أوله وآخره لاشأن له بتاتا بالأمور الدينية والشريعة الإسلامية
أما عن عودة داعش فليس مهما عودتها بنفس الشكل فالأشكال كثيرة في جراب الصهيونية
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات...مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-23