q
في العاشر من حزيران 2014 سيطر تنظيم داعش الارهابي بالكامل على مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) ليتخذها منطلقا لضم مساحات واسعة من البلاد، وارتكب على اثرها جرائم وحشية ضد السكان المدنيين ودمر اهم اثار المدينة ومساجدها التاريخية، فاتحا الأبواب على اتهامات متبادلة داخل الأحزاب الحاكمة في بغداد بالمسؤولية عن هذه الكارثة التي أدت الى تغيرات كبرى في البلاد ومنطقة الشرق الأوسط برمتها...

في العاشر من حزيران 2014 سيطر تنظيم داعش الارهابي بالكامل على مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) ليتخذها منطلقا لضم مساحات واسعة من البلاد، وارتكب على اثرها جرائم وحشية ضد السكان المدنيين ودمر اهم اثار المدينة ومساجدها التاريخية، فاتحا الأبواب على اتهامات متبادلة داخل الأحزاب الحاكمة في بغداد بالمسؤولية عن هذه الكارثة التي أدت الى تغيرات كبرى في البلاد ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

تسلسل الأحداث

- 5 يونيو/حزيران 2014: محافظ نينوى آنذاك أثيل النجيفي يقول إنه "لا يوجد مسلحون لا في الموصل ولا على أطرافها"، ويؤكد أن السلطات الأمنية (قيادة العمليات الثلاثية) فرضت حظر التجوال فيها كـ"فعل احترازي" في هذه المدينة التي تشكل مركز المحافظة وتقع على بعد 400 كلم شمال بغداد وتعتبر ثانية كبريات المدن العراقية.

- 6 يونيو/حزيران: قوات محدودة تابعة لتنظيم داعش الارهابي تدخل مدينة الموصل وخاصة أطرافها في مناطق مشيرفة و17 تموز والهرمات وحي التنك وحي العريبي وحي الزهراء وحي التحرير. وقد قتل 12 شخصا وأصيب العشرات بجروح في هجمات بسيارات مفخخة واشتباكات مسلحة داخل وحول المدينة. بحسب تقرير لموقع الجزيرة.

واشتبكت قوات التنظيم الإرهابي مع من لم يهرب من عناصر الفوج السابع من الشرطة المحلية (بقي منهم 40-50 مقاتلا) مدة ثلاثة أيام دون أن تتلقى هذه العناصر أي مساعدة من "قيادة العمليات"، مما أدى إلى انهيارها في النهاية مما فتح الباب أمام انهيارات أمنية متلاحقة.

- 7 يونيو/حزيران: نزوح جماعي من عدة أحياء في مدينة الموصل خشية التعرض للقصف بعد اندلاع اشتباكات بين الجيش العراقي ومسلحي التنظيم الارهابي، والقوات الحكومية تؤكد استعادتها "السيطرة على 90%" من مدينة الموصل إثر قصف الجيش للمناطق التي سيطر عليها المسلحون، مما أدى إلى "قتل 105 من المسلحين وتدمير عشرين من سياراتهم المزودة بأسلحة آلية مما منعهم من السيطرة على الأرض".

- 8 يونيو/حزيران: استمرار الاشتباكات في الموصل بين عناصر التنظيم والجيش الذي نفذ قصفا على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون ويسيّرون فيها دوريات، معلنا أن عملياته العسكرية في المدينة تأتي ضمن حملة لـ"تطهيرها من المجاميع الإرهابية".

- 9 يونيو/حزيران: الشرطة الاتحادية تنسحب من مقراتها في منطقة الموصل الجديدة وحي الرسالة وتحرق تلك المقرات.

ومن جهة أخرى -وفي نفس اليوم- هاجم 13 مقاتلا من تنظيم داعش وحدة من الشرطة الاتحادية كانت تشكل خط صد عن المدينة لكن أفراد الوحدة فروا، ثم حدث انهيار كبير -خلال ثلاث ساعات- في قوات الفرقة الثانية" من الجيش العراقي بعد أن شاع بين الجنود أن القادة الكبار في "قيادة العمليات" قد هربوا وقطعوا الجسور خلفهم على الساحل الأيمن من المدينة.

- 10 يونيو/حزيران: مئات من مسلحي تنظيم داعش يسيطرون بالكامل على مدينة الموصل، طاردين القيادات السياسية والأمنية والقوات الرسمية التي تقدر بثلاث فرق من الجيش والشرطة (ما بين 40-50 ألف مقاتل) مجهزة بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح الأميركي، والتي أصيبت بـ"انهيار أمني كامل" حسب تعبير وزارة الخارجية الأميركية.

وفي أول إجراء اتخذوه، فتح مسلحو داعش سجن بادوش الخاص بجرائم الإرهاب والجرائم الكبرى وسجون مراكز الشرطة في المدينة، وأطلقوا سراح مئات المعتقلين المحكومين فيها على ذمة قضايا أمنية.

حالة طوارئ

واثناء الازمة دعا رئيس الوزراء نوري المالكي المواطنين العراقيين وأبناء العشائر إلى "حمل السلاح ضد الإرهاب"، معتبراً أنه يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الوضع الأمني في البلاد، وعلى رأس هذه الإجراءات إعلان حالة الطوارئ في البلاد.

الحكومة العراقية بدورها شكلت خلية أزمة برئاسة المالكي، "لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيال التطورات الأمنية في البلاد"، كما أعلنت حالة إنذار قصوى في البلاد ودعت البرلمان إلى إعلان حالة طوارئ.

المالكي وخلال كلمة ألقاها الثلاثاء أعلن أن الحكومة اتخذت قراراً بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ومحاسبة المقصرين في نينوى، كما دعا دول الجوار للتعاون مع العراق وقطع طرق إمداد الجماعات الإرهابية.

في السياق ذاته تم إخلاء سجن التسفيرات في تكريت تحسباً لاقتحام مسلحي تنظيم داعش محافظة صلاح الدين، كما دعت رئاسة مجلس محافظة نينوى لعقد جلسة طارئة للوقوف على الأحداث الأخيرة في الموصل، واستنفرت قيادة عمليات دجلة قواتها، وأكدت أن ما حصل في الموصل لا يمكن أن يتكرر في ديالى.

مسؤولية السقوط

إثر سقوط الموصل سارعت الحكومة المركزية في بغداد إلى اتهام السلطات الإدارية المحلية -بقيادة المحافظ أثيل النجيفي- بتسهيل دخول المسلحين، و"خيانة" مسؤوليتهم بالتخلي عن حماية المدينة التي يقطنها مليونا نسمة.

وفي حديث له بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2014- أكد محافظ نينوى اثنيل النجيفي أن سلطاته لم تسلم الموصل للمسلحين "وإنما الذي سلمها الجيش التابع لرئيس الوزراء المالكي الذي سحب كل الصلاحيات الأمنية والعسكرية من كل المحافظين، وأعطاها فقط للقوات العسكرية الموجودة من خلال قيادة عمليات نينوى".

لكن لجنة برلمانية شكلها البرلمان العراقي للكشف عن ملابسات سقوط مدينة الموصل في تقريرها النهائي الذي استغرق إعداده ثمانية أشهر وسلمته لرئيس البرلمان سليم الجبوري في 16 أغسطس/آب 2015- حملت رئيس الوزراء المالكي و35 مسؤولا مسؤولية سقوط المدينة في يد تنظيم داعش، ليعلن بها زعيمه أبو بكر البغدادي قيام "الخلافة الإسلامية" المزعومة من على منبر "جامع النوري" يوم 4 يوليو/تموز 2014.

ومن أهم نتائج التقرير ذكره أسماء شخصيات عديدة متهمة بالتورط في سقوط الموصل يقدر عددها بـ36 ، على رأسها نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي (كان رئيس الوزراء وقت السقوط)، ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي، والمحافظ السابق لنينوى التي تتبعها مدينة الموصل أثيل النجيفي، والقائم السابق بأعمال وزير الدفاع سعدون الدليمي.

كما تضمنت لائحة تقرير الموصل أسماء مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة السابق الفريق فاروق الأعرجي، ورئيس أركان الجيش بابكر زيباري، ومعاونه عبود قنبر، وقائد القوات البرية علي غيدان، وقائد الشرطة في نينوى خالد الحمداني إضافة إلى قادة عسكريين سابقين وحاليين.

وبالإضافة إلى المالكي، ألقى التقرير باللوم في سقوط الموصل على أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق وحمله المسؤولية، "بصفته رئيس اللجنة الأمنية العليا في المحافظة".

كما لام التقرير أيضا القائم السابق بأعمال وزير الدفاع سعدون الدليمي، وقائد الجيش السابق الفريق أول بابكر زيباري، والفريق مهدي الغراوي قائد العمليات السابق في نينوى.

جرائم داعش

وخلال سيطرته على مدينة الموصل كشفت مقاطع فيديو لموقع بي بي سي نشرت في التاسع من حزيران عام 2015 كيف مارس يُمارس تنظيم داعش الإرهابي سلطته على الحياة اليومية للناس فيها.

واظهرت أشرطة الفيديو التي صورت بشكل سري تفجير جوامع في المدينة، واجبار النساء على ارتداء الخمار والنقاب وتغطية كامل اجسادهن. وقال سكان في المدينة انهم يعيشون في خوف من التعرض للعقاب وفقا لتفسير الجماعة المتطرف للشريعة الإسلامية.

وصادر تنظيم داعش الإرهابي بيوت الأقليات الدينية والاثنية. إذ أصبح العديد من الأحياء السكنية التي كانت عامرة بالأقليات مهجورا الآن. وقد تم تفجير المراقد المقدسة والمساجد التابعة للاقليات الدينية التي لا تتبع أفكار التنظيم الإرهابي وفرضت داعش العقوبات القاسية التي يواجهها أي شخص يخالف تفسيرها للشريعة الإسلامية، الذي فرضوه في عموم مناطق سيطرتهم التي أعلنوها "خلافة إسلامية" بعد أسابيع من سيطرتهم على الموصل.

تفجير مرقد النبي يونس

وبعد 14 يوماً من فرض تنظيم داعش سيطرته على مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى) عمد إلى تفجير أقدم المساجد في العراق والعالم . فجّر مسلحو التنظيم الارهابي مسجد "النبي يونس" والذي يعتقد أنه مرقد قبر النبي يونس عليه السلام بمدينة الموصل في العراق بعد أن هجروا أغلب مسيحيي المدينة منذ توغلهم الى هذه المدينة .

امام وخطيب جامع النبي يونس ومدير الوقف السني سابقا بمحافظة نينوى الشيخ محمد الشماع ، أكد بأن داعش كان يسعى قبل سيطرته على الموصل لتفجير جامع النبي يونس قبل عدة سنوات وهو ما نفذه لاحقاً مع هدمه لنحو 50 مسجداً وجامعاً منذ حزيران 2014.

رماد الكتب

وجّر تنظيم داعش الارهابي يوم السبت (21/ 2/ 2015) مكتبة الموصل المركزية في منطقة الفيصيلة (الساحل الايسر)، وسط مدينة الموصل، وحرق محتوياتها من الكتب والوثائق والمخطوطات بينها مؤلفات نادرة امام جموع من اهالي المدينة الذين حاول الوجهاء منهم ثني اعضاء التنظيم عن فعلتهم واقناعهم بضرورة الحفاظ على المكتبة لما تحويه من كتب ومخطوطات نادرة، باعتبار أن هذه المكتبة واحدة من أقدم المكتبات التاريخية في نينوى.

إلا أن عناصر "داعش" ارتكبوا جريمتهم بتفجير المكتبة وحرق محتوياتها، فيما اقدم التنظيم على احراق الاف الكتب الموجودة في مختلف اقضية ونواحي محافظة الانبار. وكشف مدير المكتبة العامة في الساحل الايسر من الموصل، غانم الطعان في تصريحات صحفية عن قيام تنظيم داعش بحرق المكتبة العامة والتي تضم الاف الكتب القيمة والنادرة.

وقال طعان: "ان عناصر مسلحة من تنظيم داعش اقدمت على تفجير المكتبة العامة في منطقة الفيصلية شرقي الموصل، السبت، بعد تفخيخها بعبوات ناسفة". واضاف: "ان المكتبة العامة تضم نحو (8000) كتاب ثقافي وتاريخي وفلسفي وعلمي ومن كتب الشعر وكتب اخرى منوعة".

حرق قاعة ومسرح جامعي!

وذكر تقرير لصحيفة "إيلاف" السعودية ان عناصر التنظيم احرقوا قاعة الاعلام والمسرح مقابل المركز الطلابي الجامعي داخل جامعة الموصل والتي قالوا عنها انها شعوذة وسحر واليوم طبعوا مناهج جديدة لطلاب المدارس.

ونقل التقرير عن شاهد عيان قوله: يواصل التنظيم الارهابي جرائمه وانتهاكاته بحق العلم ومؤسساته بحجج واهية، حرقوا المكتبة المركزية صباح يوم السبت، وامتدت النيران إلى أقسام مبنى المكتبة المكون من ثلاث طبقات".

واوضح أن عناصر التنظيم، الذين أقدموا على إضرام النيران في المكتبة، برروا فعلتهم بأن الكتب والوثائق التي تحتويها تحرض على الكفر، بعد ان رفضوا تدخل بعض الوجهاء الذين طالبوهم بعدم حرق المكتبة"، واكد أنّ المدينة بهذه الجريمة تكون قد فقدت أحد أهم كنوزها الثقافية والتراثية بعد احتراق حوالي 10 آلاف كتاب ومخطوطة.

في الانبار

إلى ذلك، قام داعش بحرق العديد من المكتبات في محافظة الانبار، وأكد عضو مجلس محافظة الأنبار عذال الفهدواي، حرق تنظيم داعش لأكثر من 100 ألف كتاب من المكتبات الثقافية في محافظة الأنبار، مبينا أن مكتبات المحافظة زاخرة بالكتب النادرة والمهمة.

وقال الفهداوي في تصريح صحافي إن "تنظيم داعش أقدم على حرق الالاف من الكتب الثقافية والأدبية والعلمية النادرة التي تزخر بها المكتبات المركزية في المحافظة"، مشيرا إلى أن "أغلب المكتبات تقع في النواحي والأقضية التي يسيطر عليها التنظيم".

خطاب النصر

وفي العاشر من تموز عام 2017 أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي النصر على تنظيم داعش الارهابي في الموصل، وانتهاء "دولة الخرافة والإرهاب الداعشي". وقال العبادي في خطاب متلفز: "أيها العراقيون والمقاتلون الشجعان، قاتلنا الدواعش وحققنا الانتصارات، واستطعنا بجهودكم وتضحياتكم القضاء على جميع الخطط لتفريق العراقيين والعراق. واليوم العراق أكثر وحدة"، وأن "انتصارنا اليوم هو انتصار على الظلام والوحشية والإرهاب".

وأضاف أن "هذا النصر تم بتخطيط وإنجاز وتنفيذ عراقي، ولم يشارك به أحد. العراقيون هم من قاتلوا على الأرض، وحققوا النصر ومن حقهم أن يفتخروا به، لأنه لم يقاتل ويضحي على هذه الأرض غير العراقيين"، ورغم نفيه أي مشاركة خارجية في المعارك ضد داعش قدم العبادي الشكر للدول التي دعمت العراق والقوات العراقية من حيث التدريب والدعم اللوجستي والدعم الجوي. بحسب تعبيره.

اضف تعليق