q

أ.م.د.عادل محيي شهاب الربيعي/جامعة أهل البيت (ع) كلية العلوم الإسلامية

 

منذ أكثر من الف وأربعة مائة عام بعث الله سبحانه وتعالى نبينا محمد (ص) ومعه كتاب يتحدث عن قضايا الإنسان في كل مكان فعدا قضية الخلق وسر الكون والحياة ومصير الإنسان، فانه تحدث عن قضايا إنسانية في غاية الأهمية الا وهي قضية العدل والاعتدال وأهميتهما كمنهج إنساني ينبغي ان يأخذ طريقه في الحياة التي تستحيل اقامتها وممارستها فبدونه بل ان الإنسانية في شقاء دائم ما دامت هذه الفريضة غائبة عن الوجود.

وقد ذكر الله سبحانه ذلك في محكم كتابه المنير مثل قوله سبحانه (ان الله يأمر بالعدل والإحسان) (سورة النحل: 90) وليس هذه الآية هي الوحيدة التي تأمر بهذه الفريضة (العدل) وتأديتها وانما هناك آيات اخر، كقوله تعالى (واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل)(سورة النساء:58)، وكذلك قوله عز وجل على لسان نبيه ورسوله محمد (ص): (وأمرت لأعدل بينكم)(سورة الشورى:15).

اذن ماذا نعني بالعدل والاعتدال لغة واصطلاحا. فمعنى العدل من الناحية اللغوية هو ما قام في النفوس.. وهو ضد الجور. أما الاعتدال فهو التوسط بين حالين او شيئين (1)، وهناك من يرى ان العدل (هو إعطاء كل ذي حق حقه) (2). وان الاعتدال هو الوسطية (3). اما من الناحية الاصطلاحية للاعتدال فهو لا يجانب الناحية اللغوية في المعنى.

مصطلح الاعتدال وإشكاليته اذا كان مصطلح الاعتدال هو الوسطية او التوسط بين حالين او شيئين مثلا بين الماء الحار والبارد فان التوسط بينهما هو الماء الفاتر، ولكن ما هو الوسط بين الحق والباطل... بين القاتل والمقتول. فالعدل كما يصرح به القرآن الكريم هو الإصلاح كما في قوله تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فأن بغت أحدهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فأن فائت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا أن الله يحب المقسطين)(سورة الحجرات:9).

كل هذا ولد في الباحث قناعة بالفصل بين الذاتية والموضوعية في العدل والاعتدال لان موضوع العدل أو الحكم بالعدل قضية ليست سهلة او يمكن ان تتحقق بسهولة ولا تتحقق الا بعد التربية النفسية والروحية العالية لصناعة الإنسان العادل الذي يتمثل قول الحق ولو على نفسه، كما في قوله تعالى(واذا قولتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)(سورة الأنعام:153)، فالذاتية التي يطرحها القرآن الكريم تتمثل بهذه الآية وآيات أخرى، تنهى عن ان تكون الأحكام ذاتية ولها علاقة بالقربى او المصالح الخاصة، والموضوعية التي يحاول القرآن الكريم ان تكون علاجا للذاتية التي غالبا ما يتعامل بها الناس هي العلاج الذي ينبغي ان يسود المجتمع الإسلامي والإنساني، لان الذاتية والأهواء المرتبطة بها تفسد العلاقات الإنسانية، وقد أظهر القرآن هذه الواقعة بقوله تعالى (لو أتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن)(سورة المؤمنون:71).

ان القرآن الكريم يضع معايير للعدل والاعتدال من اجل مكافحة الأهواء الذاتية والاندفاع الى الموضوعية التي تدفع الى قول الحق والاهتمام بالواقع وتحسينه والوصول به الى إدارة مجتمعنا بكل مفاصله التربوية والسياسية والاجتماعية في الفريضة الغائبة التي تتولد بغيابها الأزمات السياسية والاجتماعية والدينية.

* ملخص بحث مقدم الى مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة الذي يعقد بمدينة كربلاء المقدسة في 22-23/3/2017، والذي ينظم من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ومركز الفرات للتنمية للدراسات الاستراتيجية

اضف تعليق