q
تركيا ماضية في استعادة سياستها السابقة “صفر مشاكل”؛ لكن يبدو أن ذلك متوقف على مدى جاهزية النظام السوري في التعاطي مع التحول التركي، وفي ظل هذا التباين الواضح من المتوقع أن تقود روسيا جهوداً حثيثة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وقد تقف إلى جانب حزب العدالة والتنمية...

بعد سنوات عديدة على الأزمة السورية، ودخول تركيا في قطيعة حادة مع النظام السوري، برز عدد من التصريحات لمسؤولين أتراك تدعو إلى التفاوض مع النظام السوري وضرورة التوصل إلى حل سياسي، وقد جاءت هذه التصريحات في ظل جملة من المتغيرات الدولية والإقليمية، يرافقها توجه تركي لإعادة ترتيب الملفات الخارجية، والعودة لسياسة “صفر مشاكل”.

هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعاً في الوسط السوري المعارض بشقيه السياسي والثوري، صاحبها الحديث عن مدى التغير في الاستراتيجية التركية تجاه الملفات الخارجية، وانعكاس ذلك على الملف السوري.

يبحث تقدير الموقف في مؤشرات هذا الدعوة وسياقاتها العامة، ودوافع وتحديات وانعكاسات هذا التقارب، والسيناريوهات المستقبلية.

المحور الأول: سياقات التقارب ومؤشراته العامة

مع دخول الأزمة السورية عامها الثاني عشر، وظهور عدد من المتغيرات الإقليمية والدولية، واقتراب موعد الانتخابات التركية، أعلنت تركيا نيتها إعادة ترتيب الملف السوري، وقد جاء هذا التوجه في ظل عدد من المؤشرات والسياقات العامة، أبرزها:

أولاً: المتغيرات الإقليمية والدولية

تأتي التصريحات التركية في ظل جملة من المتغيرات الإقليمية والدولية، كان لها دورها في إعادة ترتيب ملفات الشرق الأوسط، ومن أهمها الصراع بين الدول الغربية وروسيا في أوكرانيا، حيث انعكست هذه المتغيرات على واقع المنطقة السياسي والأمني، وأدت إلى تكثيف الحضور العسكري الأمريكي في سوريا، عن طريق مضاعفة الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ومحاولة إنشاء قاعدة جديدة بالقرب من مطار القامشلي بريف الحسكة، وهي القاعدة الأمريكية الثالثة في سوريا، وتقوية الحضور الأمريكي في اليونان، والتنسيق العملياتي المكثف في سوريا مع الكيان الإسرائيلي، مع تجاهل لمتطلبات الأمن القومي التركي، ورفض أي عملية تركية ضد قوات سوريا الديمقراطية، والحديث عن رغبة أمريكية في تقسيم سوريا.

في الوقت نفسه تسعى روسيا لحسم الملف السوري لتخفيف الضغط الغربي العسكري والسياسي والاقتصادي، وقطع الطريق أمام التوجهات الأمريكية لتفعيل ساحات الحرب بالوكالة ضد روسيا، خصوصاً بعد انسداد أفق الحرب في أوكرانيا، وفشل قمة طهران الثلاثية في الموافقة على الرغبة التركية بالسماح بعملية عسكرية جديدة ضد قوات قسد في تل رفعت ومنبج، والضغط الروسي على أنقرة ليكون الأمر من خلال التفاهم مع النظام.

فضلاً عن ذلك، فقد أحدث التدخل الروسي العسكري في سوريا منذ بداياته تحولاً عميقاً في مقاربة أنقرة للملف السوري، وفَرَضَ تفاهمات جديدة أدت للدخول في مسار “أستانة”، إضافة إلى حرص كل من روسيا وإيران على التقارب بين النظامين السوري والتركي، خصوصاً أن الأنظمة الثلاثة شركاء في عدد من المقاربات السياسية والأمنية للملف السوري، كما أن هناك ما يشبه التحول العربي حيال الملف السوري، يرافقه محاولات تركية لتجاوز مرحلة الربيع العربي، بما يؤدي إلى تخفيف التوتر في المنطقة، وتجاوز الضغط الإقليمي والدولي.

وفي هذا السياق الدولي والإقليمي تأتي الدعوة التركية للتقارب مع النظام السوري.

ثانياً: الانتخابات التركية والأزمة الاقتصادية

مع اقتراب موعد الانتخابات التركية في يونيو/حزيران من العام المقبل، هناك تحدٍّ كبير لدى حزب العدالة والتنمية التركي الذي ربح نوعاً ما معاركه الانتخابية في الفترات السابقة، ويسعى بقوة للفوز هذه المرة، في المقابل يسعى معارضوه للإطاحة به، في ظل وضع اقتصادي صعب تعاني منه تركيا التي كانت تطمح لتكون عاشر دولة اقتصادية في العالم بحلول 2023، لكن تعاني عدداً من التحديات التي تحول دون هذا الطموح.

في ظل هذا الوضع تحول الملف السوري إلى ورقة ساخنة، لا ينفك عن القضايا الداخلية، وتستثمر فيه عدة أطراف سياسية، يرافق ذلك محاولات تركية لإعادة ترتيب عودة اللاجئين السوريين، وسعي حزب العدالة والتنمية الحاكم للتهدئة من تصعيد المعارضة ضده، وذلك في إطار التحشيد الانتخابي التركي الذي بدأت معركته مبكراً؛ ولهذا تسعى تركيا للتوصل إلى تفاهمات مع النظام السوري، ودعم تسوية سياسية بين المعارضة السورية والنظام، وإعادة تنشيط العملية السياسية وعودة اللاجئين.

ثالثاً: الإجراءات التركية الأولية للتقارب

تعد تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من أكثر التصريحات التي أثارت جدلاً واسعاً، حيث أكد فيها “أن السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة هو الحل السياسي، والقضاء على الإرهابيين دون أي تمييز بينهم، وتحقيق اتفاق بين النظام والمعارضة”، وقال: “علينا تحقيق اتفاق بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم”، كما كشف الوزير التركي عن محادثة قصيرة أجراها مع وزير خارجية سوريا، فيصل المقداد، في اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلجراد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

أعقب تصريحات جاويش أوغلو توضيح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إمكانية إجراء محادثات مع دمشق، حيث أكد أنه لا يمكنه مطلقاً استبعاد الحوار والدبلوماسية مع سوريا، وأن الدبلوماسية بين الدول لا يمكن قطعها بالكامل، وأضاف أردوغان أن هناك “حاجة لاتخاذ مزيد من الخطوات مع سوريا”، مؤكداً التزام بلاده بوحدة الأراضي السورية.

وعادة ما يسبق إعادة تطبيع العلاقة التركية الخارجية مع الدول التي حدثت فيها أزمة دبلوماسية سابقة، تواصل استخباراتي ثنائي، كما حدث مع الإمارات ومصر والسعودية، ولهذا يذهب البعض إلى أن هناك تواصلاً استخباراتياً سورياً تركياً متقطعاً بدأ من بعد مرحلة الانقلاب الفاشل في تركيا، وقد أكد وزير الخارجية التركي أن هناك محادثات استخباراتية جارية بين الطرفين، وهذا المحادثات يمكن أن تعقبها لقاءات دبلوماسية عالية.

المحور الثاني: التقارب.. الفرص والتحديات

يبدو أن فرص التطبيع وتحدياته كما هي مرتبطة بعوامل مشتركة بين النظامين التركي والسوري، فهي مرتبطة كذلك بعدة عوامل دولية وإقليمية، حيث تسعى روسيا لمسابقة الوقت ضد الجهود الأمريكية لإعادة تفعيل الملف السوري، وتخشى من تغيرات تركية عقب الانتخابات قد لا تكون في مصلحتها، خصوصاً أنها ترى أن شخصية “أردوغان” أكثر استقلالية عن المحور الغربي من غيره، ولهذا تغري النظامين التركي والسوري للتوجه نحو المصالحة.

أولاً: فرص التقارب

تسعى تركيا لضمان أمنها القومي، وليس من مصلحتها استمرار تأزم الوضع السياسي والعسكري في الدول المجاورة، خصوصاً في هذه المرحلة التي تستعد فيها تركيا لمعركة انتخابية مفصلية، إضافة لاستحالة الحسم العسكري في سوريا وتراجع فرص الحل السياسي، وذهاب الأطراف الدولية بعيداً عن خيارات الشعب السوري، وضعف فرص تنفيذ العملية العسكرية التي أعلنتها تركيا، ولهذا يظهر أن تركيا تسعى لتقديم إنجاز سياسي مباشر في هذا الملف، قد يخفف من ضغط المعارضة التركية.

كما ترى تركيا أن عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية استفادت من الفراغ الأمني وتسهيلات النظام السوري والمجتمع الدولي في إعادة ترتيب صفوفها، وهو ما تراه تركيا تهديداً لأمنها القومي، ومن ثم فإن التفاهم مع النظام السوري قد يُشكل بديلاً أمنياً في الشمال السوري، قد تراه تركيا أقل خطورة من قوات سوريا الديمقراطية.

في المقابل يسعى النظام السوري لإكمال هيمنته على ما تبقى من سيطرة المعارضة؛ لإغلاق ملف الثورة من وجهة نظره، كما يسعى لرفع الحظر الإقليمي والدولي عنه، وإعادته لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، كما يتطلع إلى السيطرة على محافظة إدلب وكذلك السيطرة على الطريق التجاري الدولي (M4)، والتخفيف من دعم تركيا للعقوبات الدولية ضد قيادات النظام السوري، وفتح قنوات تواصل بالمنظمات الإقليمية والدولية الكبرى. ومن ثم تسعى روسيا لتشجيع النظام السوري على التقارب مع النظام التركي لتحقيق هذه الأهداف الداخلية والخارجية.

ثانياً: تحديات التقارب

1- الحضور التركي في الأراضي السورية

تساهم تركيا في تأمين عدد من مناطق الشمال السوري، وتسعى لإيجاد منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين، ولهذا فإن التقارب التركي مع النظام السوري يعزز إصرار النظام على هيمنة قواته على كامل الأراضي السورية، وهو ما تخشى منه تركيا قبل ضمان أمنها الحدودي، ومن ثم فإن تطبيع العلاقة مع النظام السوري يتطلب توفير ضمانات حقيقية للأمن القومي التركي، وهذا تحدٍّ حقيقي في طريق التقارب.

2- ضعف حماس النظام السوري

النظام السوري يبدو غير متحمس في الوقت الحالي للتطبيع مع تركيا، خشية من تكاليف التطبيع، وعلى رأسها الاشتباك مع قوات سوريا الديمقراطية، مع ما يحمله هذا الملف من مخاطر داخلية وخارجية، واستيعاب ملف اللاجئين السوريين في ظل الأزمة السورية الحالية، ولهذا لم يبد النظام السوري حماساً ظاهراً مع تصريحات الحكومة التركية، وأكد على دعوته السابقة المتعلقة بخروج القوات التركية من سوريا، ويبدو أنه غير متحمس للإقدام على خطوات تقاربية مع حزب العدالة قبيل الانتخابات التركية حتى لا تُستثمر لمصلحة الحزب، الذي يفضل النظام السوري هزيمته، نكاية بموقفه المساند للشعب السوري، ولهذا يظهر أن النظام السوري من دون ضغط دولي سيبقى تفاعله محدوداً جداً، للتعويل على نتائج الانتخابات القادمة، ومع هذا قد يسهم الضغط الروسي في مقاربة موقف النظام السوري.

3- دور حزب العمال الكردستاني

يسيطر حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني “ب ي د”، والأجنحة العسكرية التابعة لهما على عدد من المناطق شرقي وشمال سوريا، كالحسكة ودير الزور والرقة ومنبج التي تسيطر على أجزاء واسعة منها، وتتلقى “قسد” دعماً مباشراً من الولايات المتحدة الأمريكية باسم مواجهة تنظيم الدولة، كما يظهر أنها في علاقة تخادم مع النظام السوري في بعض الملفات الأمنية.

في المقابل ترى تركيا في المكونات العسكرية الكردية مهدداً لأمنها القومي، وقد أعلنت في الفترة الماضية عن قرب إطلاق حملة عسكرية ضدها، ويبقى التحدي هنا هل ستضمن تركيا تخلي النظام السوري عن الورقة الكردية التي استثمرها ضد الثورة من جهة وضد تركيا من جهة أخرى، أم أن حالة التأزم ستبقى قائمة؟

4- ملف الثورة السورية واللاجئين

التصريحات التركية أثارت جدلاً في الوسط السوري المعارض بشقيه السياسي والثوري، حيث صعدت المعارضة السورية من مظاهراتها في الشمال السوري رفضاً لدعوات المصالحة، وهو ما أدى لإصدار بيان من الخارجية التركية يفسر أن تصريحات الوزير تصب في إطار السياسة التركية التي تدعو لحل سياسي يراعي مصلحة الشعب السوري، وأن تركيا “ستبقى متضامنة مع الشعب السوري”.

وإضافة إلى الاحتجاجات السورية الرافضة للمصالحة مع النظام، أكدت الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والمجلس الإسلامي السوري رفضها لدعوات المصالحة، لضعف ثقتها بالنظام السوري، وخشية من تكرار سيناريو درعا الذي انتهى بتصفية قياداتها. ولهذا فإن المقاربات السياسية التركية لا بد أن تستوعب المطالب السورية، ووجود أكثر من أحد عشر مليون لاجئ داخل سوريا وخارجها، وهذا الرقم يشكل تحدياً أمام أي دعوة للتقارب، تستثني مستقبل هذا المكون.

المحور الثالث: انعكاسات التقارب

أولاً: الانعكاسات السياسية للتقارب

في الوقت الذي تدعو فيه تركيا للتقارب مع النظام السوري، ترى المعارضة التركية أن تصريحات الخارجية التركية انتصار لمطالبها التي دعت إليها من قبل، وتحاول استثمار هذه التصريحات لمصلحتها، في حين يرى النظام التركي أن التقارب أصبح أمراً ضرورياً، بعيداً عن أي ضغط من المعارضة.

في الملف السوري، ترى المعارضة نفسها أمام أمر واقع مغاير، فالنظام الذي ثارت عليه تتعزز قوته أكثر، والحليف تغيرت معادلته في الوقت الحالي وفقاً لمصالحه الجديدة، ويظهر أن أي تسوية قادمة لن تؤدي إلى إسقاط النظام بقدر ما قد تؤدي إلى إعادة ترتيب السلطة وإشراك المعارضة، وهذا التوجه التركي يصطدم مع حسابات القوى الثورية.

ومع هذا فمن مصلحة تركيا ألا تفرط بورقة المعارضة، لأنها من الأوراق الرابحة في عملية التفاوض والضغط إقليمياً ودولياً. حيث يخشى مراقبون من فقدان تركيا للفصائل التركية المتحالفة معها، والتي تعد أكثر ثقة في مواجهة الإرهاب من النظام السوري، ومن ثم فإن تركيا أمام اختبار صعب في حال تراجعت ثقة هذه الفصائل بتركيا، حيث قد يختار بعضها التنسيق مع أمريكا ومغادرة تركيا، وهذا يعني فقدان تركيا التأثير في الملف السوري، في حال تراجع ثقة المعارضة السورية بتركيا.

ثانياً: الانعكاسات الأمنية للتقارب

بلا شك فإن أي تقارب سوري تركي سيؤثر في المكونات الكردستانية، كما أنه قد يعيد تنظيم الدولة للواجهة من جديد، خصوصاً إذا لم يحظ التقارب بمباركة أمريكية، حيث يظهر أن ملف الإرهاب أصبح من الأوراق التي يسهل تفعيلها لمواجهة أي تسويات حقيقية في المنطقة، كما يظهر أن مناطق النفط التي تسيطر عليها “قسد” تتيح لها التحكم في هذه الورقة، وقد تستثمرها في حال كان هناك ضغط إقليمي ودولي تتعرض له، ولهذا يبدو أن الخيارات التركية في التعامل مع “قسد” محدودة في ظل هذا الوضع، وعليه فإن الإقدام على تفاهمات مع النظام السوري بعيداً عن الملف الكردي قد تكون لها انعكاسات سلبية.

في ملف اللاجئين يبحث الشعب السوري عن ضمانات حقيقية للعودة، وخصوصاً من تركيا، إذ من المؤكد أن الشعب لم يعد على ثقة بضمانات النظام السوري، في المقابل فإن النظام السوري وحلفاءه الدوليين يقفون ضد أي عملية عسكرية تركية جديدة في الأراضي السورية، ومن ثم فإن فرص تقديم حماية تركية للاجئين تبدو ضئيلة.

ثالثاً: الانعكاسات الخارجية

يظهر أن روسيا تحاول جاهدة الإمساك بخيوط اللعبة في سوريا، لكن أمريكا قد تعود للواجهة بقوة، إذ من المتوقع أن يثير التقارب التركي مع النظام السوري برعاية روسية غضب الولايات المتحدة الأمريكية الرافضة للتقارب، لأنها ترى فيه استهدافاً لها في المنطقة، ومن ثم قد تلجأ هي الأخرى إلى التنسيق مع المعارضة السورية، خصوصاً أنها لا تزال محتفظة بهيئة التفاوض السورية، وتسعى لإعادة إحياء الملف السياسي السوري في جنيف بعيداً عن أستانة، والتأثير في الورقة الكردية.

كما أن روسيا في ظل الحصار الأمريكي والأوروبي تدرك أهمية تركيا كمتنفس، وتركيا في ظل وضعها الاقتصادي استفادت من الوديعة الروسية في البنك التركي، ولهذا تراهن أنقرة كثيراً على موسكو فيما يتعلق بالملف السوري، حيث يرفض النظام إلى الآن تقديم تنازلات في هذا الموضوع، في حين تضغط روسيا باتجاه المصالحة، وتشجع حزب العدالة والتنمية على الانخراط فيها مقابل دعمه في الانتخابات القادمة.

المحور الرابع: السيناريوهات

السيناريو الأول: التطبيع الكامل

يفترض هذا السيناريو التوصل من خلال التواصل الحالي إلى تفاهمات يمكن أن تعمل على إعادة تطبيع العلاقة بين تركيا والنظام السوري كلياً، ويدعم هذا السيناريو:

حاجة النظامين إلى التهدئة بعد سنوات من التصعيد المتبادل، وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية التي تتطلب الإقدام على المصالحة.

الحرص التركي على تطبيع علاقاته الخارجية ونجاحه في التوصل إلى تفاهمات حقيقية مع السعودية ومصر والإمارات والكيان الإسرائيلي، إذ تشجع هذه التفاهمات في الاستمرار في خيارات التقارب.

ويُضعف هذا السيناريو:

تجدد الصدام العسكري بين النظامين التركي والسوري بين حين وآخر، ما يعني انسداد الأفق إلى الآن.

الحرص التركي على عدم التفريط كلياً بحليفه السوري، ومن ثم فإن الذهاب في تسوية شاملة على المدى القريب قد تكون له انعكاسات سلبية على علاقة تركيا بالمعارضة السورية.

السيناريو الثاني: التقارب المحدود

يتوقع هذا السيناريو أن يقود التواصل التركي مع النظام السوري إلى تفاهمات محدودة على المدى المتوسط، مثل استجابة تركيا لبعض مطالب النظام من خلال تخفيف وإعادة انتشار قواتها في شمال سوريا، مقابل تعديل اتفاقية أضنة لمصلحة تركيا ومعالجة ملف اللاجئين، ويدعم هذا السيناريو:

ثقل الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية المشتركة، والتي ستأخذ وقتاً أطول في تطبيع العلاقة كلياً.

التخوف التركي من سحب قواتها من سوريا قبل ضمان أمن حدودها، ومن ثم فإن التدرج في التطبيع يبدو الخيار الأنسب.

ويضعف هذا السيناريو:

حاجة الطرفين إلى الدخول في تفاهمات كبيرة تخفف من حدة الصراع، وتتيح لهما التفرغ للملفات الداخلية.

إدارة روسيا لملف التفاهمات الحالية، وحاجتها لتقديم إنجاز كبير في الملف السوري يضعف الحضور الأمريكي، ويقطع الطريق أمام أي محاولات أمريكية لاستثمار الملف السوري.

السيناريو الثالث: فشل التقارب

يتوقع هذا السيناريو فشل المفاوضات في التوصل إلى تفاهمات حقيقية على المدى القريب، ويدعم هذا السيناريو:

تباين وجهات النظر السياسية والأمنية بين النظام السوري وأنقرة.

مراهنة النظام السوري على نتائج الانتخابات القادمة، وإمكانية أن تحدث تغييراً في المعادلة السياسية التركية.

ويضعف هذا السيناريو:

انسداد خيارات الحسم العسكري والحل السياسي بالنسبة للطرفين، وعليه فإن البحث عن خيارات التقارب صار أمراً ملحاً.

فشل التطبيع معناه مضي تركيا في تنفيذ العملية العسكرية، حيث استنفدت جهدها في التوصل إلى مقاربة مع النظام، وتخففت من الضغط الروسي للدعوة إلى المصالحة.

خاتمة

بناء على ما سبق، يظهر أن تركيا ماضية في استعادة سياستها السابقة “صفر مشاكل”؛ لكن يبدو أن ذلك متوقف على مدى جاهزية النظام السوري في التعاطي مع التحول التركي، وفي ظل هذا التباين الواضح من المتوقع أن تقود روسيا جهوداً حثيثة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وقد تقف إلى جانب حزب العدالة والتنمية في معركته الانتخابية القادمة في حال كان هناك تعاط إيجابي من قبله في ملف المصالحة، لكن ثقل الملفات السياسية وحجم التحديات الأمنية قد يؤخر إنجاز مصالحة شاملة على المدى القريب، ويمكن في حال استجاب النظام السوري لذلك أن تتم مقاربة الملفات تدريجياً، وفي فترات زمنية متقطعة.

https://fikercenter.com

اضف تعليق