q
بسبب نظام المجمع الانتخابي المعمول به في أميركا، والذي يخصص عددا أكبر من الناخبين لكل شخص عن ولايات عدد سكانها أصغر، كانت نتيجة هذه الانتخابات متقاربة بشكل أكبر كثيرا مما يوحي به التصويت الشعبي. فعلى الرغم من فوز بايدن في نهاية المطاف بعدد كبير من الولايات...
بقلم: مايكل سبنس/ديفيد دبليو برادي

ميلانو/بالو ألتو ــ في الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام، حصل الرئيس المنتخب جو بايدن على 79.8 مليون صوت (51%)، وحصل دونالد ترمب على 73.8 مليون صوت (47.2%)، في حين حصل المرشحون الباقون على 2.5 مليون صوت (1.7%). ورغم أن فرز الأصوات لا يزال جاريا في كاليفورنيا، ونيويورك، وإلينوي، فإن الإقبال على صناديق الاقتراع هذا العام بلغ مستوى غير مسبوق في فترة ما بعد الحرب.

ولكن بسبب نظام المجمع الانتخابي المعمول به في أميركا، والذي يخصص عددا أكبر من الناخبين لكل شخص عن ولايات عدد سكانها أصغر، كانت نتيجة هذه الانتخابات متقاربة بشكل أكبر كثيرا مما يوحي به التصويت الشعبي. فعلى الرغم من فوز بايدن في نهاية المطاف بعدد كبير من الولايات المتصارع عليها، فإن هامش الفوز كان ضئيلا للغاية، بما يعكس فعليا النتائج التي أعطت ترمب فوزه في عام 2016. في بنسلفانيا، وميتشيجان، وويسكونسن، تحول عدد كاف من الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين المعتدلين نحو بايدن ليصنعوا الفارق.

ويُـظـهِـر استعراض أنماط التصويت على مستوى المقاطعات في عامي 2016 و2020 انقساما حزبيا عميقا وثابتا. تمثل المحاور تصويت الديمقراطيين مطروحا منه تصويت الجمهوريين، معبرا عنه كنسبة مئوية من إجمالي الأصوات في عامي 2016 و2020. تشير النقطة على الرقم السالب إلى فوز جمهوري في المقاطعة. وفي عموم الأمر، تتركز النقاط بشكل كبير حول خط 45 درجة، حيث كان هامش الفوز أو الخسارة على طوله متماثلا في كلتا الدورتين الانتخابيتين.

(الرسم البياني رقم 1)

في عموم الأمر، فاز الديمقراطيون في مقاطعات فازوا بها أو خسروها بفارق ضئيل في عام 2016. على نحو مماثل، في مقاطعات فاز فيها الجمهوريون بهامش كبير في عام 2016 (وهي كثيرة)، تميل البيانات إلى إظهار هامش فوز أكبر للجمهوريين في عام 2020.

توجد المنطقة الحاسمة في الدائرة الزرقاء، حيث كان هامش الفوز أو الخسارة في عام 2016 صغيرا للغاية. هنا حقق الديمقراطيون مكاسب، وفي بعض الحالات فازوا بالعدد الكافي من أصوات الناخبين لقلب المقاطعة لصالحهم.

يتألف المخطط الأحمر في الغالب من نكسات ألمت بالديمقراطيين. في هذه المقاطعات، خسر الديمقراطيون صراحة في عام 2020، أو فازوا بهامش أصغر كثيرا مقارنة بعام 2016، مما أدى بالتالي إلى انخفاض إجمالي ما حصلوا عليه من أصوات على مستوى الولايات. هذه القيم المتطرفة هي في الأغلب مقاطعات ذات أغلبية لاتينية في جنوب فلوريدا ـ-وتحديدا في ميامي-ديد ــ وفي تكساس على طول الحدود مع المكسيك. كانت هذه التحولات السلبية ضد الديمقراطيين من العوامل المهمة التي أدت إلى فوز ترمب في هاتين الولايتين.

(الرسم البياني رقم 2)

في الولايات التي شهدت معارك انتخابية محتدمة، استفاد كل من بايدن وترمب من ارتفاع نسبة المشاركة الإجمالية، لكن من الواضح أن استفادة بايدن كانت أكبر. نسبة إلى استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات، بما في ذلك استطلاعات شركة YouGov التي قمنا بتحليلها، لم يكن فوز بايدن بفارق ضئيل أو الإقبال الإجمالي الضخم في هذه الولايات مفاجئا. على النقيض من ذلك، لم تتوقع استطلاعات الرأي بشكل كامل الدعم القوي الملائم ماديا لترمب بين شرائح بعينها من المجتمع اللاتيني. علاوة على ذلك، افترض كثيرون من المعلقين أن الإقبال الضخم على الانتخابات سيكون لصالح الديمقراطيين، مما دفع بعض الناس إلى الحديث عن "موجة زرقاء" محتملة. في واقع الأمر، كان الإقبال ضخما للغاية من كلا الجانبين.

(الرسم البياني رقم 3)

في ما يتصل بالأعداد المطلقة على المستوى الوطني، يُـعَـرَّف عدد أكبر من الناس أنفسهم على أنهم ديمقراطيون مقارنة بمن يعتبرون أنفسهم جمهوريين، لكن نسبة كبيرة من الناخبين يعتبرون أنفسهم مستقلين.

(الرسم البياني رقم 4)

مع ذلك، في الولايات التي شهدت معارك انتخابية محتدمة، كانت الأفضلية للجمهوريين (في حين ظل المستقلون يشكلون مجموعة كبيرة).

(الرسم البياني رقم 5)

كما كانت الحال في عام 2016، حُـسِـمَـت انتخابات 2020 بهوامش ضئيلة للغاية في الولايات التي شهدت معارك انتخابية محتدمة. لكن القصة الأكبر هذا العام كانت الإقبال الهائل على الجانبين. هل يعني هذا أن كلا من الجانبين وجد أن مرشحه جذاب إلى حد غير عادي؟ ليس تماما. ففي حين قال 80% من ناخبي ترمب للقائمين على الاستطلاع إنهم يصوتون على وجه التحديد لصالح المرشح ذاته، وصف 56% من ناخبي بايدن قرارهم على أنه تصويت ضد ترمب.

التفسير الأفضل إذن هو أن الناخبين أقبلوا بأعداد غير مسبوقة من الجانبين على صناديق الاقتراع لأنهم لا يرغبون بشكل قاطع في فوز الحزب المعارض. علاوة على ذلك، كانت هذه "النزعة الحزبية السلبية" متساوقة. فلم يكن الديمقراطيون وقِـلة من الجمهوريين المعتدلين والمستقلين راغبين في أربع سنوات أخرى من ترمب، ويبدو أن أغلب الناخبين الجمهوريين لم يرغبوا في إعادة عصا القيادة إلى النخب "الساحلية" غير الجديرة بالثقة، وأنصار العولمة، ووسائل الإعلام الليبرالية "المتحيزة"، والمطلعين من الدائرة الداخلية في واشنطن.

لا تزال ولاية جورجيا تنتظر انتخابات الإعادة في مقاطعتين، ولم تتقرر بعد النتيجة النهائية لمجلس الشيوخ. يحتاج الديمقراطيون إلى الفوز بالسباقين من أجل الحصول على السيطرة على مجلس الشيوخ (في حين يوفر 50 مقعدا ونائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس الصوت الفاصل). في ظل الوضع الحالي، لا يبدو هذا مرجحا.

يشترك مجلس الشيوخ في بعض الخصائص مع المجمع الانتخابي بشكل أكثر تطرفا. ذلك أن عدد أعضاء المجلس (اثنين لكل ولاية) لكل ناخب مؤهل يتناسب عكسيا تقريبا مع عدد سكان الولاية. والمقصود بهذا بحكم التصميم ضمان تمثيل مصالح الولايات الأقل كثافة سكانية بشكل فعّـال في العاصمة واشنطن. ولأن الولايات التسع التي يزيد عدد سكانها عن عشرة ملاين نسمة تمثل 51% من سكان الولايات المتحدة، فإن هذه الولايات ستسيطر فعليا على الأجندة التشريعية إذا جرى تخصيص مقاعد مجلس الشيوخ بالتناسب مع عدد السكان.

في مواجهة حالة الصحة العامة المتدهورة والتحديات الاقتصادية الضخمة، يتمثل المسار الحكيم لكلا الحزبين في ملاحقة بعض الفرص القائمة للمبادرات الثنائية الحزبية، كتلك التي أوجزها مؤخرا رئيس البنك الدولي السابق روبرت ب. زوليك.

لكن المسار الحكيم ليس هو بالضرورة المسار الذي قد يتبعه المرء. الواقع أن المنطقة الأشد وضوحا للاتفاق بين الحزبين في الوقت الحاضر تتمثل في الافتقار إلى الثقة بين أفراد الجمهور الأميركي العريض في المؤسسات، والذي أدى إلى شلل السياسات المزمن.

عقدت الولايات المتحدة للتو انتخابات حيث فاز مرشحون من كلا الحزبين الرئيسيين بمقاعد في الكونجرس. والأمر متروك للمسؤولين المنتخبين على جانبي الانقسام الحزبي لضمان فوز البلاد أيضا. أما الناخبون فهم مسؤولون عن محاسبة هؤلاء المسؤولين إذا أخفقوا.

* مايكل سبنس، حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، وأستاذ علوم الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك، وهو كبير زملاء مؤسسة هوفر. ديفيد دبليو برادي أستاذ العلوم السياسية وقيم القيادة في جامعة ستانفورد، وهو كبير زملاء مؤسسة هوفر.
ديفيد دبليو برادي، أستاذ العلوم السياسية وقيم القيادة بجامعة ستانفورد وزميل أول في معهد هوفر.
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق