q
هذا السيناريو المروع يجب أن يؤخذ على محمل الجد، حتى وإن كان يبدو غير مرجح حاليا. فعلى الرغم من تقدم بايدن المستمر في استطلاعات الرأي، فإن هذه أيضا كانت حال هيلاري كلينتون عشية انتخابات 2016. ويبقى لنا أن نرى ما إذا كان ليحدث ارتفاع طفيف...
بقلم: نورييل روبيني

نيويورك ــ أشارت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة لفترة طويلة إلى احتمال قوي لنجاح الحزب الديمقراطي في اكتساح الانتخابات في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، مع فوز جو بايدن بالرئاسة واكتساب الديمقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي واحتفاظهم بمجلس النواب، على النحو الذي يضع حدا لانقسام الحكومة.

ولكن إذا تبين أن الانتخابات كانت في الأغلب استفتاء على الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فقد يفوز الديمقراطيون بالبيت الأبيض فقط في حين يفشلون في استعادة مجلس الشيوخ. ولا يستطيع المرء أن يستبعد احتمال إبحار ترمب عبر مسار ضيق إلى الفوز بالمجمع الانتخابي، ونجاح الجمهوريين في الاحتفاظ بمجلس الشيوخ، وبالتالي إعادة إنتاج الوضع الراهن.

الاحتمال الأكثر شؤما هو التوصل إلى نتيجة متنازع عليها لفترة طويلة، حيث يرفض كلا الجانبين التنازل في حين يخوضان معارك قانونية وسياسية بغيضة في المحاكم، ومن خلال وسائل الإعلام، وفي الشوارع. في انتخابات عام 2000 المتنازع عليها، استغرق الأمر حتى الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول للبت في الأمر: أصدرت المحكمة العليا حكما لصالح جورج دبليو بوش، فأذعن منافسه الديمقراطي آل جور بلباقة. بفعل حالة التشكك وانعدام اليقين السياسي، هبطت سوق البورصة خلال تلك الفترة بنسبة تجاوزت 7%. هذه المرة، ربما تستمر حالة عدم اليقين لفترة أطول كثيرا ــ ربما حتى لعدة أشهر ــ مما يعني مخاطر حقيقية تهدد الأسواق.

الواقع أن هذا السيناريو المروع يجب أن يؤخذ على محمل الجد، حتى وإن كان يبدو غير مرجح حاليا. فعلى الرغم من تقدم بايدن المستمر في استطلاعات الرأي، فإن هذه أيضا كانت حال هيلاري كلينتون عشية انتخابات 2016. ويبقى لنا أن نرى ما إذا كان ليحدث ارتفاع طفيف في أعداد ناخبي ترمب "الخجولين" في الولايات المتأرجحة "الذين لا يرغبون في الكشف عن تفضيلاتهم الحقيقية لمنظمي استطلاعات الرأي.

علاوة على ذلك، كما كانت الحال في عام 2016، تجري الآن على قدم وساق حملات تضليل ضخمة (أجنبية ومحلية). وقد حذرت السلطات الأميركية من محاولات نشطة تبذلها روسيا، والصين، وإيران، وقوى أجنبية معادية أخرى، للتأثير على الانتخابات والتشكيك في شرعية عملية الاقتراع. ويغمر المتصيدون والبرامج الروبوتية وسائط التواصل الاجتماعي بنظريات المؤامرة، والأخبار الزائفة، والتلفيق العميق، والمعلومات المضللة. تبنى ترمب وبعض زملائه الجمهوريين عددا من نظريات المؤامرة المجنونة مثل نظرية QAnon، وأشاروا إلى دعمهم الضمني لجماعات تروج لتفوق العنصر الأبيض. في العديد من الولايات التي يسيطر عليها جمهوريون، يستخدم حكام الولايات وغيرهم من المسؤولين الحكوميين صراحة حيلا قذرة لقمع أصوات الفئات ذات الميول الديمقراطية.

فوق كل هذا، زعم ترمب على نحو متكرر ــ كاذبا ــ أن الاقتراع عن طريق البريد من غير الممكن أن يكون موضع ثقة، لأنه يتوقع أن يشكل الديمقراطيون حصة غير متناسبة من أولئك الذين لا يصوتون شخصيا (كإجراء احترازي في زمن الجائحة). كما رفض أن يقول إنه سيتخلى عن السلطة إذا خسر، وأعطى بدلا من ذلك إشارة إلى ميليشيات يمينية ("انتظروا واستعدوا") والتي بدأت بالفعل تنثر بذور الفوضى في الشوارع وتخطط لأعمال من الإرهاب المحلي. إذا خسر ترمب ولجأ إلى الادعاء بتزوير الانتخابات، فمن المحتمل للغاية أن تندلع أعمال العنف والصراع الأهلي.

في الواقع، إذا لم تُـشِـر النتائج الأولية المسجلة في ليلة الانتخابات على الفور إلى اكتساح من جانب الديمقراطيين، فيكاد يكون من المؤكد أن يعلن ترمب النصر في الولايات التي لا تزال تشهد معتركا انتخابيا قبل إحصاء وفرز جميع بطاقات الاقتراع الواردة بالبريد. والنشطاء الجمهوريون لديهم خطط بالفعل لتعليق الفرز في ولايات رئيسية من خلال الطعن في صحة هذه البطاقات. وسوف يشنون هذه المعارك القانونية في عواصم الولايات التي يسيطر عليها جمهوريون، والمحاكم المحلية والفيدرالية مكدسة بقضاة معينين بواسطة ترمب، ومحكمة عليا يغلب عليها المحافظون بنسبة 6 إلى 3، ومجلس نواب حيث يسيطر الجمهوريون على غالبية وفود الولايات في حال التعادل في المجمع الانتخابي.

في الوقت ذاته، قد تنزل كل الميليشيات المسلحة البيضاء التي "تقف مستعدة" الآن إلى الشوارع للتحريض على العنف والفوضى. والهدف يتلخص في استفزاز العنف المضاد من جانب اليساريين، مما يعطي ترمب الذريعة لاستدعاء قانون العصيان المسلح ونشر قوات فرض القانون الفيدرالي أو القوات المسلحة الأميركية لاستعادة "القانون والنظام" (كم هدد سابقا). مع تمكن هذه النهاية من فِكـر إدارة ترمب كما هو واضح، فقد حددت الإدارة بالفعل العديد من المدن الرئيسية التي يقودها ديمقراطيون باعتبارها "محاور فوضوية" ربما يجب قمعها. بعبارة أخرى، أوضح ترمب ورفاقه أنهم سيستخدمون أي وسيلة ضرورية لسرقة الانتخابات؛ ونظرا لتوفر مجموعة واسعة من الأدوات المتاحة تحت تصرف السلطة التنفيذية، فقد يصادفهم النجاح إذا كانت نتائج الانتخابات المبكرة متقاربة، بدلا من إظهار تفوق بايدن الكاسح بوضوح.

من المؤكد أن ترمب سيجد صعوبة أكبر كثيرا في الطعن في النتيجة لأكثر من بضعة أيام، إذا أظهرت النتائج المبكرة في ليلة الانتخابات تقدم بايدن بقوة حتى في الولايات الجمهورية تقليديا مثل نورث كارولينا أو فلوريدا أو تكساس. وسوف يذعن عاجلا. تكمن المشكلة في أن أي شيء أقل من انتصار ساحق لصالح بايدن من شأنه أن يترك الفرصة لترمب (والحكومات الأجنبية التي تدعمه) لزيادة الأمور تعقيدا على تعقيد بالفوضى والمعلومات المضللة في حين يناور لتحويل القرار النهائي إلى مواقع أكثر تعاطفا مثل المحاكم.

قد تفضي هذه الدرجة من عدم الاستقرار السياسي إلى إشعال شرارة موجة كبرى من العزوف عن المجازفة في الأسواق المالية في وقت حيث يتباطأ الاقتصاد بالفعل وتظل آفاق التحفيز الرسمي الإضافي قاتمة في الأمد القريب. وإذا استمر النزاع الانتخابي ــ ربما إلى أوائل العام المقبل ــ فقد تنخفض أسعار الأسهم بما قد يصل إلى 10%، وتنحدر العائدات على السندات الحكومية (على الرغم من كونها منخفضة بالفعل)، وربما يتسبب الفرار العالمي إلى الأمان إلى دفع أسعار الذهب إلى مستويات أعلى. في مثل هذا النوع من السيناريوهات، تتعزز قوة الدولار الأميركي عادة؛ ولكن لأن هذه الواقعة بعينها ستنجم عن فوضى سياسية في الولايات المتحدة، فربما يفر رأس المال في واقع الأمر من الدولار، مما يجعله أكثر ضَـعـفا.

أمر واحد مؤكد هو أن الانتخابات المتنازع عليها بشدة من شأنها أن تلحق المزيد من الضرر بصورة أميركا العالمية كنموذج للديمقراطية وسيادة القانون، فتتآكل قوتها الناعمة. كانت البلاد على مدار السنوات الأربع الأخيرة على وجه الخصوص تبدو على نحو متزايد على أنها حالة مختلة سياسيا. بينما نأمل أن لا تتحقق النتائج الفوضوية الموضحة أعلاه ــ حيث لا تزال استطلاعات الرأي تُـظـهِـر تقدم بايدن بقوة ــ فيجب أن يكون المستثمرون مستعدين للأسوأ، ليس فقط في يوم الانتخابات بل وأيضا في الأسابيع والأشهر التالية.

* نورييل روبيني، أستاذ في كلية ستيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك والرئيس التنفيذي لشركة روبيني ماكرو أسوشيتس ، وكان كبير خبراء الشؤون الدولية في مجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض أثناء إدارة كلينتون. وقد عمل في صندوق النقد الدولي، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك الدولي.
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق