q
وحتى اليابان، التي كانت مجتمعا جماعيا تقليديا لعدة قرون، تُظهر تحولًا بعيدا عن الأسماء التقليدية. ووفقا لدراسة أجريت عام 2021 لتحليل 8,000 اسم طفل بين عامي 2004 و2018، فإن معدل الأسماء الفريدة آخذ في الازدياد في اليابان - وهو مؤشر على ارتفاع النزعة الفردية...

تنتشر أسماء الأطفال غير الشائعة في جميع أنحاء العالم، حتى في المجتمعات التقليدية. فلماذا يصمم الآباء بشكل متزايد على جعل أسماء الأطفال "فريدة"؟

أزالت زيارتي الأولى لباكستان أي مفهوم قيّم لديّ حول تفرد اسمي. فرغم أن اسمي (عائشة) يبدو نادرا في كاليفورنيا، فإنني قابلت فتيات يحملن هذا الاسم بكل مشتقاته (عائشة، أو عيشة، أو عايشة)، ربما في كل زاوية من باكستان.

وكنت أقول لوالدي: "كأنك فتحت كتابا لأسماء الأطفال ولم تنظر حتى إلى ما هو أبعد من حرف العين"، وقد أقسمت أنني حين أُنجب أطفالا، فسأختار لهم أسماء بديعة وغاية في التميز. وفعلت ذلك، فسميت ابنتي "سدرة المنتهى"، تيمنا باسم شجرة من أشجار الجنة يُعتقد أنها موجودة في أقصى الجنة عن يمين عرش الله في السماء السابعة - وهي حرفياً النقطة التي لا يمكن لأي شخص تجاوزها.

تتسم عملية اختيار أسماء الأطفال بأنها عادة ما تكون مشحونة عاطفية. ويشعر الآباء بالقلق بشأن التأثير طويل المدى لاسم الطفل، كما يشعرون أنهم بحاجة إلى اختيارها بأفضل شكل ممكن لإعداد الطفل لتحقيق النجاح. ويعود السبب في ذلك إلى أننا نعرف أن الأسماء مهمة، فالأسماء تساهم في تشكيل هويتنا، وقد تحدد أنواع الوظائف التي نسعى للعمل بها، بل ويمكن أن تساعدنا على توقع الإنجازات المهنية.

إن التوجهات المتعلقة بكيفية اختيار الآباء لأسماء أطفالهم هي نتاج ثقافاتنا المتطورة، وتتغير هذه الاتجاهات مع تغير تطلعات الأطفال. وتُظهر الأبحاث أن الانتشار الواسع اليوم لأسماء الأطفال الفريدة والغريبة يعكس الانتقال من الحالة الجمعية إلى المجتمعات القائمة على الحالة الفردية، كما أنه يقدم أدلة سياقية مهمة حول مَن يريد الآباء لأطفالهم أن يكونوا.

وعلى الصعيد العالمي، يبدو أن الآباء يُقدّرون بشكل متزايد الأسماء الفريدة لمساعدة الأطفال على التميز، بدلاً من التماشي مع السائد.

في القرون السابقة، كان توافق الاسم مع التقاليد السائدة هو الدافع الرئيسي، كما توضح لورا واتنبرغ، مؤسسة موقع "علم الأسماء" الإلكتروني، ومؤلفة كتاب "سحر أسماء الأطفال".

وتقول: "لقد فعل الآباء ببساطة ما كان يُفعل دائما"، مشيرة إلى أنه في إنجلترا، كان جون وويليام، على سبيل المثال، من أكثر أسماء الأولاد انتشارا خلال الفترة من القرن الثالث عشر إلى الثلاثينيات من القرن العشرين. وتشرح ذلك قائلة: "وفقا للإحصائيات التي جمعها الخبير الاقتصادي دوغلاس غالبي، ففي القرن السابع عشر كانت الأسماء الثلاثة الأولى للفتيان والفتيات تمثل نصف سكان إنجلترا بالكامل".

ويعود السبب في ذلك إلى أن اصطلاحات التسمية كانت قائمة على العلاقات الدينية وأسماء الأجداد. على سبيل المثال، كانت الأسماء الواردة في الإنجيل شائعة، وفي بعض الأحيان كان التطهيريون الإنجليز (البروتستانت الذين كانوا يسعون لتطهير الكنيسة الكاثوليكية) يطلقون على أطفالهم أسماء تحمل سمات أخلاقية، مثل الإيمان أو الرحمة.

وبالمثل، كان المسلمون في الدول العربية وجنوب آسيا يمجدون التدين. وتشمل الأسماء الإسلامية التقليدية شخصيات تاريخية بارزة في الإسلام (مثل النبي محمد، وصحابته، وأمهات المؤمنين أو زوجاته).

وفي كثير من الأحيان، كانت الأسماء تؤكد على التقوى الدينية، مثل أي اسم من أسماء الله الحسنى الـ 99 مسبوقا بكلمة "عبد". كما كانت تقاليد التسمية العربية السائدة آنذاك لها قواعد راسخة، إذ كانت الأسماء في الكثير من الأحيان مسبوقة بكلمات مثل "بنت كذا" أو "أم كذا"، أو "أبو" أو "ابن".

واعتمادا على الوتيرة التي تطورت بها المناطق المختلفة، لم تدم كل هذه التقاليد. تقول واتنبرغ إن ضعف الروابط الثقافية وتزايد عدد السكان المتنقلين إلى أماكن أخرى بسبب الثورة الصناعية، جعل خيارات الآباء الشباب أقل ارتباطا بأسماء أفراد الأسرة السابقين والعادات المحلية في العالم الغربي.

وتضيف: "أصبحت الأسماء بشكل متزايد وسيلة للتعبير عن الذات، إذ تحركت الثقافة بأكملها نحو احتفاء أكبر بالحرية الشخصية والفردية".

وأثبتت أبحاث سابقة وجود انخفاض مطرد في الأسماء الشائعة في الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي، وخاصة منذ عام 1983. وأظهرت دراسة حديثة حللت 348 مليون اسم طفل أمريكي على مدار 137 عاما (من 1880 إلى 2017) أن في جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي يطلق عليه جيل "بيبي بومر" (شخص ولد بين عامي 1946 و 1964 وينتمي إلى جيل كان له تأثير كبير على الاقتصاد)، زاد عدد الأسماء الجديدة لكل ألف شخص بمقدار أربعة أضعاف للذكور و2.75 مرة للإناث.

تقول باميلا ريدموند، مؤلفة كتاب "ما وراء جينفر وجيسون" الصادر عام 1988 والذي تطرق إلى جيل "بيبي بومر" باعتباره أول جيل يرفض العديد من الأسماء العرقية والدينية: "كان أفراد ذاك الجيل هم أول آباء أرادوا أن يكونوا متميزين، وأرادوا أن يكون أطفالهم متميزين أيضا".

على الرغم من أن بعض الآباء لديهم شعور بأن إطلاق اسم فريد على الطفل من شأنه أن يميزه عن غيره أو يقوده إلى النجاح، فإن هذا ليس هو الحال دائما

ومع زيادة الرغبة في التميز بفضل انتشار الإنترنت في التسعينيات من القرن الماضي، أخذ جيل الألفية خطوة أخرى إلى الأمام. تقول واتينبيرغ: "اعتاد هؤلاء الآباء على نموذج اسم المستخدم - اسمك الفريد الذي تكتبه على وسائل التواصل الاجتماعي. وبذلك أصبحنا نرى الآباء يكتبون الاسم الكامل الذي يفكرون في إطلاقه على أبنائهم في محرك البحث على الإنترنت، ثم يشعرون بنوع من عدم الرضا عندما يعرفون أنه موجود بالفعل ويحمله أشخاص آخرون".

وتضيف: "وجلبت حقبة التسعينيات أيضا شيئا جديدا وقويا بشكل مدهش، وهو إحصائيات أسماء الأطفال، إذ جعل التصنيف السنوي للأسماء الأكثر شهرة الناس يشعرون بالمنافسة. لكن بدلا من الرغبة في أن يحمل الطفل الاسم الأكثر شيوعا، فإن الجميع يريدون تجنب الأسماء الشهيرة ويبحثون عن الأسماء الغريبة".

واليوم، يشير الآباء إلى أسلوبهم وقيمهم من خلال الأسماء، كما تقول ريدموند، وهي أيضا الرئيسة التنفيذية لشركة "نيمبير"، وهي شركة استشارية للأسماء تقدم للآباء إرشادات حول كيفية اختيار اسم جديد.

تقول ريدموند: "نسمع الكثير من الآباء يقولون إنهم يريدون إعطاء أبنائهم أسماء محايدة من حيث النوع للإشارة إلى القيم النسوية، أو تكريم الأسرة بطريقة تتماشى مع الأنماط الحالية".

وحتى اليابان، التي كانت مجتمعا جماعيا تقليديا لعدة قرون، تُظهر تحولًا بعيدا عن الأسماء التقليدية. ووفقا لدراسة أجريت عام 2021 لتحليل 8,000 اسم طفل بين عامي 2004 و2018، فإن معدل الأسماء الفريدة آخذ في الازدياد في اليابان - وهو مؤشر على ارتفاع النزعة الفردية.

وعرف مؤلف الدراسة، يوجي أوغيهارا، من معهد الفنون والعلوم بجامعة طوكيو للعلوم، "الأسماء الفريدة" بأنها الأسماء التي لا تتردد كثيرا (واحد لكل 1000 اسم) بين مجموعة الأطفال. لكن الأسماء الفريدة لا تبدو مختلفة بالضرورة عن الأسماء الأكثر شيوعا، فالتعقيد في الأسماء اليابانية (الناجم عن استخدام أحرف صينية يمكن قراءتها بأشكال متعددة) يعني أنه يمكن تحقيق التميز بطرق مختلفة، نظرا لأن الاسم الواحد يمكن قراءته بأشكال متعددة.

وبشكل عام، يتجه الآباء إلى إعادة صياغة مفاهيم التفسير أو النطق أو التهجئة للبحث عن حداثة في الأسماء مع البقاء نسبيا ضمن نطاق اصطلاحات التسمية السائدة. ففي باكستان، على سبيل المثال، لا يزال التدين قائما، وبالتالي تظهر أسماء تحمل معاني العبادات، مثل "أذان"، أو "آيات"، بدلا من أسماء الأنبياء ذات الأهمية التاريخية، وهو ما يشير إلى أن الآباء يفكرون في العثور على أسماء لا تزال دينية، لكنها ليست شائعة.

قد لا يكون البحث عن الأسماء الفريدة دائما هو الطريق إلى النجاح الذي يريده الآباء على أي حال. تقول واتينبيرغ: "لدى الآباء غريزة مفادها أن اختيار اسم مميز سيمنح الطفل ميزة في الحياة. إنه دافع جيد، لكن من الناحية العملية فمن غير الواضح أن الأمور تسير بهذه الطريقة، لأن انتشار الاسم يعني أنه محبوب، والأسماء المميزة للغاية يمكن أن تكون مستقطبة. قد يشير الناس إلى مشاهير ناجحين بأسماء غير معتادة، لكن في مقابل كل اسم مميز مثل مادونا أو بيونسيه هناك أيضا أسماء منتشرة للغاية وحققت نجاحا هائلا مثل مايكل جاكسون وإيما طومسون وسام سميث وإليزابيث تايلور".

في نهاية المطاف، فإن الآباء يختارون أسماء أبنائهم بدافع من الحب، متأثرين في ذلك بكل من الأحلام الشخصية والتحول الثقافي للقيم. تقول ريدموند: "يأتي الآباء إلينا للحصول على المساعدة في العثور على اسم يناسبهم، أكثر من اختيار اسم مختلف عن أي شخص آخر".

اضف تعليق