q
لقد تعاقبت على دراسة العلاقات الدولية نظريات عدة حتى نهاية الحرب الباردة، بداية من المدرسة المثالية التي ظهرت في اعقاب الحرب العالمية الأولى، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية سادت مرحلة الواقعية السياسية وحتى منتصف الخمسينيات، إلى مرحلة السلوكية طوال الستينيات، ومنذ السبعينيات الليبرالية الجديدة، وأخيراً منذ بداية الثمانينات البنائية...

لقد تعاقبت على دراسة العلاقات الدولية نظريات عدة حتى نهاية الحرب الباردة، بداية من المدرسة المثالية التي ظهرت في اعقاب الحرب العالمية الأولى، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية سادت مرحلة الواقعية السياسية وحتى منتصف الخمسينيات، إلى مرحلة السلوكية طوال الستينيات، ومنذ السبعينيات الليبرالية الجديدة، وأخيراً منذ بداية الثمانينات البنائية، وانطلاقاً من ذلك سيتم توضيح هذهِ النظريات كالأتي:-

أولاً:- النظرية المثالية.

تعد المدرسة المثالية من بين المدارس الكلاسيكية التي تهتم بدراسة وتحليل الظواهر الدولية ليس كما هي موجودة في الواقع الدولي، إذ أن هذهِ المدرسة تعتمد بالأساس على جملة من المبادئ والقيم والمثل التي يعتنقها دعاة هذهِ المدرسة، فقد حاولوا أن يقيموا وفقاً لتصوراتهم نظاماً دولياً مثالياً يتلائم مع القيم والمبادئ والمثل، فالنظام الدولي قائم على حكم القانون والخضوع لسلطة التنظيم الدولي في كل ما يتعلق بشؤون المجتمع الدولي، إلا أن التصورات المثالية لا يمكن أن تشكل بذاتها نظرية، أو هيكلاً محدداً يمكن تحليله والتعرف إلى الجوانب المختلفة التي تحكم عمله، لكنه يقوم على استخدام مقاييس الصواب والخطأ في إطار من القيم الأدبية والأخلاقية التي لا تعكس الأوضاع الحقيقية لمجتمع الدولي الذي لا يزال يعطي الأهمية الكبيرة للقوة.

ثانياً:- النظرية الواقعية.

1- الواقعية التقليدية: ظهرت المدرسة الواقعية بوضوح عندما أخفقت المدرسة المثالية في فرض قيمها وعدم قدرتها على التحكم في سير الاحداث الامر الذى أدى في النهاية الى نشوب الحرب العالمية، إذ أن المدرسة المثالية كانت تهمل دور القوة وأهميته في سير الاحداث ، لهذا هيمن المنظور الواقعي على حقل العلاقات الدولية خلال فترة الحرب الباردة، وتفترض الواقعية أن الشؤون الدولية عبارة عن صراع من أجل القوة بين دول تسعى لتعزيز مصالحها بشكل منفرد، وهي بذلك تحمل نظرة تشاؤمية حول آفاق تقليص النزاعات والحروب، إلا أنها ساعدت على تزويدنا بتفسيرات بسيطة للحروب، والتحالفات، وعقبات التعاون وغيرها من الظواهر الدولية، كما أن تركيزها على النزعة التنافسية كان متناسباً جداً مع جوهر الصراع الأمريكي-السوفييتي.

لذلك فأن الفكر الواقعي تبلور بالأساس خلال فترة الحرب الباردة، فالواقعيون الكلاسيكيون مثل جورج كينان وهانس مورغنثاو الذي بلور نظريته الكاملة في كتابه المعروف "السياسة بين الأمم" عندما قال أن السياسة الدولية شأنها في ذلك شأن أي سياسة أخرى هي صراع على القوة ، والدول في اعتقاده مثلها مثل البشر تمتلك رغبة فطرية في السيطرة على الآخرين، وهو ما يقودها نحو التصادم والحروب، ومن هذا المنطلق تعني الواقعية أن المبادئ الخلقية العامة الشاملة لا يمكن أن تطبق على اعمال الدولة في اشكالها العامة المطلقة وانه لا بد من تنقيتها لتكون صالحة من حيث الزمان والمكان، وهذا يعني أن الواقعية ترفض الربط بين الجانب الأخلاقي لأي شعب وبين القوانين الخلقية التي تسود العالم.

2- الواقعية الجديدة: بالمقابل، فإن نظرية الواقعية الجديدة التي يتزعمها كينيث والتز جاءت تغفل الطبيعة البشرية وتركز على تأثير النظام الدولي، إذ يعتقد والتز أن النظام الدولي يتشكل من مجموع القوى الكبرى، كل منها تسعى للحفاظ على وجودها، فهذا النظام فوضوي (بمعنى انتفاء سلطة مركزية تحمي كل دولة من أخرى) ، وبالتالي نجد أن كل دولة لا تهتم سوى بمصالحها، إلا أن الدول الضعيفة تسعى لإيجاد نوع من التوازن بدلاً من الدخول في صراع مع الخصوم الأقوياء، وعلى خلاف المدرسة الواقعية، فقد أضافت تجربة الواقعية الجديدة وطورت نظرية العلاقات الدولية ، فقد قدم والتز في كتابه "نظرية السياسات الدولية " عام 1979، مفهوما جديداً للسياسة الخارجية يقوم على فهم النظام وليس الأشخاص أو الدول.

ثالثاً:- النظرية السلوكية.

منذ ستينات القرن العشرين ظهرت المدرسة السلوكية التي كانت تدعو إلى التحول إلى منحى جديد يترك فيه التاريخ والقانون ويتجه إلى جعل العلاقات الدولية أكثر علمية عن طريق العمل على جمع المعلومات واستخدام طرق التحليل الكمي والنماذج الرياضية، فقد اخذت السلوكية تؤكد على أن فلسفة العلم أصبحت تخصصاً اكاديمياً متطوراً، فضلاً عن سيطرة رؤية واحد ضمن فلسفة العلم، إذ أصبحت الوضعية في تخصص العلاقات الدولية بمنزلة مرادفة للعلم.

بالمقابل جاءت المدرسة ما بعد السلوكية لتلتقي مع منطلقات المدرسة المثالية في العلاقات الدولية من حيث أن الاثنين تركزان على أهمية القيم سواء كان في اهداف البحث أو في مسلماته، وترفضان المنطق الذي يقول بوجود بحث مجرد من أية قيمة، وفي هذا الصدد يدعو ايستون الى صيانة قيم الحضارة الإنسانية والمحافظة عليها بوضع المعرفة في خدمة هذهِ القيم.

رابعاً:- اللـيبرالـية.

أن التحدي الأساس للواقعية يأتي من عائلة النظريات الليبرالية، فالنظرية الليبرالية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى تضمنت أفكار المدرسة المثالية التي تقوم على الاعتقاد بأن الحكومة الدستورية وحكم القانون من المبادئ القابلة للتطبيق على الصعيد العالمي، فهي تقوم عل أساس من الانسجام بين المصالح الحقيقية للدول، وترى أن الاعتماد المتبادل في الجانب الاقتصادي سوف يثني الدول عن استخدام القوة ضد بعضها البعض، لأن الحرب تهدد حالة الرفاه لكلا الطرفين.

ومنذ سبعينات القرن الماضي انتعشت من جديد الليبرالية تحت شكل المؤسساتية الليبرالية الجديدة، فقد تجاوزت الإطار الضيق للسيادة الوطنية، لتصل إلى وضع لبنات للتعاون الدولي على غرار دعم المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية، ومن أبرز الليبراليين الجدد ستيفن كريزنر وروبرت كوهين ، اللذان طورا افكاراً تشير الى أن هناك استقراراً نسبياً في نماذج التعاون الاقتصادي الدولي على الرغم من نسبية التوزيع المتفاوت للقوة الاقتصادية الدولية.

خامساً:- النظرية البنائية.

وهي من النظريات الحديثة التي ظهرت منذ ثمانينات القرن العشرين وتسمى ايضاً بالبنائية الاجتماعية، ومن ابرز منظريها نيكولاس اونوف والكسندر فندت إذ تنظر إلى فكرة أن العلاقات الدولية هي بناء اجتماعي، فقد سعى البنائيون لتسليط الضوء على أفكار رئيسة هي :-

1- تقترح فكرة البناء الاجتماعي وجود اختلاف عبر السياق بدلاً من وجود واقع موضوعي منفرد، فقد سعى البنائيون إلى تفسير أو فهم التغير على المستوى الدولي.

2- أكد البنائيون الابعاد الاجتماعية للعلاقات الدولية، وأظهروا أهمية المعايير والقواعد واللغة.

3- قدم البنائيون احتمال الفاعلية وشددوا على عمليات التفاعل في السياسة الدولية.

.........................................................................................
المصادر:
1- تيم دان وآخرون، نظريات العلاقات الدولية التخصص والتنوع، ترجمة: ديما الخضرا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، قطر، 2016، ص 78-435.
2- د. احمد نوري النعيمي، السياسة الخارجية، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2011، ص95.
3- د. إسماعيل صبري مقلد، نظريات السياسة الدولية دراسة تحليلية مقارنة، جامعة الكويت، الكويت، 1982، ص18.
4- د. سعد حقي توفيق، العلاقات الدولية، دار ومكتبة عدنان، العراق، 2017، ص160-200.
5- د. عبد الناصر جندلي، اثر الحرب الباردة على الاتجاهات الكبرى والنظام الدولي، مكتبة مدبولي، القاهرة- مصر، 2011، ص149.
6- د. علي عودة العقابي، العلاقات الدولية دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات، دار الرواد ، بغداد- العراق، 2010، ص17-18.
7- د. نادية مصطفى، نظرية العلاقات الدولية بين المنظور الواقعي والدعوة إلى منظور جديد، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة- مصر،1985، ص2.

اضف تعليق